الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلماء: إنه يُقتَل حدّاً، ولا يجوز العفو عنه لأولياء المقتول، وقال الأكثرون: بل قَتْلُه قِصاص، والخيار فيه إلى أولياء المقتول".
بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(35/ 85): "والإصلاح له طُرُق؛ منها أن تُجمَع أموال الزكوات وغيرها حتى يُدفع في مِثل ذلك فإنّ الغرم لإصلاح ذات البين؛ يبيح لصاحبه أن يأخذ من الزكاة بقَدْر ما غرم؛ كما ذكَره الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لقبيصة بن مخارق رضي الله عنه: "إن المسألة لا تحلُّ إلَاّ لثلاثة:
…
" (1).
ومِن طُرُق الصلح أن تعفو إحدى الطائفتين أو كلاهما عن بعض مالها عند الأخرى من الدماء والأموال {فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} .
ومِن طُرق الصلح أن يُحكَم بينهما بالعدل، فيُنظَر ما أتلفته كلّ طائفة من الأخرى؛ من النفوس والأموال؛ فيتقاصّان {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} .
وإذا فَضُل لإحداهما على الأخرى شيء؛ {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بأحسانٍ} ؛ فإنْ كان يُجهَل عدد القتلى، أو مقدار المال؛ جُعِل المجهول كالمعدوم.
وإذا ادَّعَت إحداهما على الأخرى بزيادة؛ فإمّا أن تُحلّفها على نفي ذلك، وإمّا أن تقيم البيِّنة، وإمّا تمتنع عن اليمين، فيقضى بردّ اليمين أو النكول.
(1) تقدم تخريجه ومعناه غير بعيد.
فإنْ كانت إحدى الطائفتين تبغي بأن تمتنع عن العدل الواجب، ولا تُجيب إلى أمر الله ورسوله، وتُقاتِل على ذلك، أو تَطلُب قتالَ الأخرى وإتلافَ النفوس والأموال، كما جرَت عادتهم به؛ فإذا لم يُقدَر على كفّها إلَاّ بالقتل؛ قوتلت حتى تفيء إلى أمر الله؛ وإنْ أمكَن أن تُلزَم بالعدل بدون القتال، مِثل أن يُعاقَب بعضُهم، أو يُحبَس؛ أو يُقتَل مَن وجَب قَتْلُه منهم، ونحو ذلك: عُمِل ذلك، ولا حاجة إلى القتال".
محاورة الخوارج (1) والمتمرّدين على الإمام
لا بُدّ من محاورةِ الخوارج والبغاة، ومراسلتِهم، وإزالةِ شُبَهِهِم، لمنْع الفتنة، وحقْنِ الدماء، والتوصُّل للحقّ، واجتماع الكلمة.
عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: "قَدِمت عائشةُ رضي الله عنها، فبينا نحن جلوس عندها مرجعَها مِن العراق لياليَ قوتِل عليّ رضي الله عنه إذ قالت: يا عبدَ الله بن شدّاد، هل أنت صادقي عمّا أسألك عنه؟ حدِّثني عن هؤلاء القوم الذين قَتَلَهم عليّ، قلت: ومالي لا أَصْدُقُك؟ قالت: فحدّثني عن قصتهم.
قلت: إنّ عليّاً لمّا كاتبَ معاوية وحَكم الحكَمَين؛ خرَج عليه ثمانية آلاف مِن قُرّاء الناس، فنزلوا أرضاً مِن جانب الكوفة يُقال لها: حروراء، وإنهم أنكروا عليه،
(1) الخوارج: فرقةٌ خَرَجت لقتال عليّ بن أبي طالب بسبب التحكيم، ومذهبُهم التبرّؤ من عثمانَ وعليّ رضي الله عنهما، والخروج على الإمام، وتكفير صاحب الكبيرة، وتخليده في النّار، والخوارج فِرَقٌ كثيرة. انظر "معجم ألفاظ العقيدة"(ص 177).
فقالوا: انسلخْتَ مِن قميصٍ ألبسَكَه اللهُ وأسماك به، ثمّ انطلقْتَ فحَكمْتَ في دين الله ولا حُكم إلَاّ لله، فلمّا أنْ بلَغَ عليّاً ما عتبوا عليه وفارقوه، أمَر فأَذّن مُؤذِّن: لا يدخُل على أمير المؤمنين إلَاّ رجلٌ قد حَمَل القرآن.
فلمّا أن امتَلأَ مِن قُرّاء الناس الدار؛ دعا بمُصحفٍ عظيم فوضَعَه عليٌّ رضي الله عنه بين يديه فطفِق يصكّه بيده، ويقول: أيّها المصحف حدِّث الناس، فناداه الناس، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، ما تسأله عنه، إنما هو وَرَقٌ ومِداد، ونحن نتكلّم بما روينا منه فماذا تريد؟
قال: أصحابكم الذين خَرَجوا بيني وبينهم كتاب الله -تعالى-، يقول الله عز وجل في امرأةٍ ورجل:{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله} (1) فأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم أعظمُ حرمةً مِن امرأةٍ ورجل.
ونقموا عليَّ أنّي كاتبْتُ معاويةَ وكتْبتُ عليَّ بن أبي طالب، وقد جاء سهيل ابن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية حين صالح قومُه قريشاً، فكتبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل: لا تكتب (بسم الله الرحمن الرحيم)، قال: فكيف أكتب؟ قال: اكتب باسمك اللهمّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبه، ثمّ قال: اكتب: مِن محمّد رسول الله، قالوا: لو نعلم أنك رسول الله لم نخالفك، فكتب: هذا ما صالَح عليه محمّدُ بنُ عبدِ الله قريشاً.
يقول الله في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (2).
(1) النساء: 35.
(2)
الأحزاب: 21.
فبعَث إليهم عليّ بن أبي طالب عبد الله بن عباس، فخرجْت معه حتى إذا توسَّطنا عسْكَرهم، قام ابن الكواء فخطَب الناس فقال: يا حَمَلَة القرآن إنّ هذا عبدُ الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرفه مِن كتاب الله هذا، مَن نَزَل في قومه:{بل هم قومٌ خصمون (1)} (2) فرُدوه إلى صاحبه، ولا تواضعوه كتاب الله عز وجل، قال: فقام خطباؤُهم فقالوا: والله لنواضعنَّه كتاب الله، فإذا جاءنا بحقٍّ نعرفه اتبعناه، ولئن جاءنا بالباطل لنبكتنه بباطله، ولنردنّه إلى صاحبه، فواضَعوه على كتاب الله ثلاثة أيام.
فرجع منهم أربعة آلاف كلّهم تائب، فأقبل بهم ابن الكواء، حتى أدخَلَهم على عليّ رضي الله عنه فبعثَ عليٌّ إلى بقيّتهم، فقال: قد كان مِن أمرنا وأمْرِ الناس ما قد رأيتم، قِفوا حيث شئتم حتى تجتمعَ أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم، وتنزلوا فيها حيث شئتم، بيننا وبينكم أن نقيَكم رماحنا؛ ما لم تقطعوا سبيلاً، وتطلبوا دَماً، فإنكم إنْ فعلتم ذلك فقد نبذْنا إليكم الحرب على سواء، إنّ الله لا يُحبّ الخائنين.
فقالت عائشة رضي الله عنها: يا ابن شداد فقد قَتَلَهُم؟ فقال: والله ما بعَث إليهم حتى قطَعُوا السبيل، وسفكُوا الدماء، وقَتلُوا ابن خباب واستحلّوا أهلَ الذمّة فقالت: آلله؟ قلتُ: آلله الذي لا إله إلَاّ هو لقد كان.
(1) عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ضَل قومٌ بعد هُدًى كانوا عليه، إلَاّ أُوتُوا الجدَل، ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}. أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي" (2593)، وابن ماجه "صحيح ابن ماجه" (45)، "السُّنَّة" لابن أبي عاصم (101).
(2)
الزخرف: 58.