الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في غير بلادهم -وهو نصف العشر- هكذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ، وما يُؤخَذ مِن أموال مَنْ ينقُض العهد منهم، والخَراج الذي كان مضروباً في الأصل عليهم أيضاً -وإن كان قد صار بعضه على بعض المسلمين- ثمّ إنّه يجتمع مِن الفيء جميعُ الأموال السلطانية التي لبيت مالِ المسلمين؛ كالأموال التي ليس لها مالك مُعيَّن مثل من مات من المسلمين وليس له وارث مُعيَّن؛ وكالغصوب، والعواري، والودائع التي تَعذَّر معرفة أصحابِها، وغير ذلك مِن أموال المسلمين: العقار والمنقول، فهذا ونحوه مال المسلمين".
مصارف الفيء
فهؤلاء المهاجرون والأنصار؛ ومَن جاء بعدهم إلى يوم القيامة، ولهذا قال مالك وأبو عبيد وأبو حكيم النهرواني -من أصحاب أحمد وغيرهم-: "إنّ مَن
(1) الحشر: 7 - 10.
سَبَّ الصحابة؛ لم يكن له في الفيء نصيب".
ومِن الفيء ما ضَرَبه عمر رضي الله عنه على الأرض التي فتحها عَنْوَة (1) ولم يَقْسِمها؛ كأرض مصر، وأرض العراق -إلَاّ شيئا يسيرا منها- وبَرّ الشام وغير ذلك.
فهذا الفيء لا خُمُس فيه عند جماهير الأئمة: كأبي حنيفة ومالك وأحمد. وإن يرى تخميسه الشافعيّ، وبعض أصحاب أحمد، وذُكر ذلك رواية عنه، قال ابن المنذر: لا يُحفَظ عن أحدٍ قبل الشافعي؛ أنّ في الفيء خُمُساً كخُمُس الغنيمة.
وهذا الفىء لم يكن ملكاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته عند أكثر العلماء وقال الشافعى وبعض أصحاب أحمد: كان ملكاً له.
وأمّا مصرفه بعد موته؛ فقد اتفَق العلماء على أن يُصْرَف منه أرزاقُ الجند المقاتِلين الذين يُقاتِلون الكُفّار؛ فإنَّ تقويتَهم تُذلّ الكُفَّار؛ فيُؤخَذ منهم الفيء.
وتنازعوا هل يُصَرف في سائر مصالح المسلمين، أم تَخْتَصّ به المقاتِلة؟ على قولين للشافعي، ووجهين في مذهب الإمام أحمد، لكن المشهور في مذهبه -وهو مذهب أبي حنيفة ومالك-: أنّه لا يَخْتَص به المقاتِلة؛ بل يصرف في المصالح كلِّها.
وعلى القولين؛ يُعطَى مَن فيه منفعةٌ عامة لأهل الفيء، فإنّ الشافعيّ قال: ينبغي للإمام أن يَخُصّ مَن في البلدان مِن المقاتِلة -وهو مَنْ بَلَغ، ويُحصي الذُّرّية- وهي من دون ذلك والنساء- إلى أن قال: ثمّ يُعطي المقاتِلة في كلّ عام عطاءهم ويُعطي الذرية والنساء ما يكفيهم لسنتهم.
(1) عَنْوَة: أي قهراً وغَلَبة.
قال: والعطاء مِن الفيء لا يكون إلَاّ لبالغٍ يُطيق القتال. قال: ولم يختلف أحدٌ ممن لقيه، في أنّه ليس للمماليك في العطاء حقّ ولا للأعراب الذين هم أهل الصدقة.
قال: فإنْ فَضُل مِن الفيء شيء؛ وَضَعه الإمام في أهل الحصون والازدياد، في الكُراع والسلاح، وكلّ ما يقوى به المسلمون. فإنِ استغنَوا عنه وحَصَلت كلّ مصلحةٍ لهم فُرِّق ما يبقى عنهم بينهم؛ على قدْر ما يستحقّون مِن ذلك المال.
قال: ويعطي من الفيء رزقَ العمال والولاة وكلّ مَن قام بأمر الفيء؛ مِن والٍ وحاكم وكاتب وجندي؛ ممن لا غنى لأهل الفيء عنه.
وهذا مُشْكِلٌ مع قوله: إنه لا يُعطى من الفيء صبيٌّ ولا مجنون ولا عبدٌ ولا امرأة ولا ضعيف لا يَقْدِر على القتال؛ لأنه للمجاهدين.
وهذا إذا كان للمصالح؛ فيُصرَف منه إلى كلِّ مَن للمسلمين به منفعةٌ عامّة؛ كالمجاهدين وكولاة أمورِهم؛ مِن ولاة الحرب ووُلاة الديوان، وولاة الحُكم، ومَن يقرئهم القرآن، وُيفتيهم ويُحدّثهم ويؤمّهم في صلاتهم ويُؤَذِّن لهم. ويُصرَف منه في سداد ثغورهم وعمارةُ طُرقاتهم وحصونهم ويُصرَف منه إلى ذوي الحاجات منهم أيضاً ويُبدَأ فيه بالأهم فالأهم، فيقدَّم ذوو المنافع الذين يَحْتاج المسلمون إليهم على ذوي الحاجات الذين لا مَنفَعة فيهم.
هكذا نصَّ عليه عامّة الفقهاء مِن أصحاب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرِهم.
قال أصحاب أبي حنيفة يُصرَف في المصالح ما يُسَدُّ به الثغور من القناطر والجسور ويُعطَى قضاة المسلمين ما يكفيهم، ويُدفَع منه أرزاقُ المقاتِلة وذوو الحاجات يُعطَون من الزكوات ونحوها. وما فَضُل عن منافع المسلمين قُسم بينهم.