الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المُجْملة أو العامّة، أو المطلقة، فتأتي السنّة فتُوضّح المُجْمَل، وتُخصّص العام، وتُقيِّد المُطلق، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم، كما يكون بفِعله وإقراره".
3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح
ولا يتيسّر اتباع نبيّنا صلى الله عليه وسلم إلاّ بحبّ السلف الصالح واتباع مَنهجهم السديد، وسبيلِهم الرشيد، فهم الذين نقَلُوا كتاب الله -تعالى- وسُنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفَهْمُهم الكتاب والسُّنة، وعملُهم بذلك؛ مرجِعٌ ومَنْهَجٌ لمن بعدهم.
وكان شيخنا رحمه الله كثيراً ما يستدل بهذه الآية؛ مُبيِّناً أهمية العمل بمقتضى الكتاب والسُّنة؛ بفهم سلفِ الأُمّة.
ولا يغيب عن بال كلِّ عاقل؛ أنّ فَهْمَ الكتاب والسنّة على منهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سبب اجتماعٍ وائتلافٍ، ودرءٌ للخصام والاختلاف، وهذا سبيل النصر بإذن الله -تعالى-.
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة وَجِلت منها القلوب، وذَرَفَت منها العيون: فقلنا: يا رسول الله! كأنّها موعظة مُودِّع فأوصِنا قال: أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيّ، وإنه مَن يَعِش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم
(1) النساء: 115.
بسنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضّوا عليها بالنواجذ (1) وإيّاكم ومحُدثات الأمور، فإنّ كُل بدعة ضلالة" (2).
وفي رواية: "فقلنا يا رسول الله! إنّ هذه لموعظة مودعِّ، فماذا تَعْهَد إلينا؟ قال: قد تركْتكم على البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلَاّ هالك، مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتُم مِن سُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضّوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة، وإنْ عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنِف (3)، حيثما قِيْدَ انْقَاد"(4).
لقد قال صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، عَضّوا عليها بالنواجذ" ولم يقل عضّوا عليهما، إذ ليس هنا أمرٌ باتباع سُنّتين، بل هما سُنّة واحدة، ولأنّ الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم يعملون بسنة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ولقد أخَذ الصحابة عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين- وكانوا أحرص الناس على الخير.
وفي الحديث: "ألا إنّ مَن قبلكم مِن أهل الكتاب، افترقوا على ثنتين
(1) أي: ألزموا السنّة، واحرِصوا عليها؛ كما يلزم العاضّ على الشيء بنواجذه؛ مخافة ذَهابه وتفلُّته، والنواجذ: الأنياب، وقيل: الأضراس.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3851) والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(2157)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(40) وغيرهم.
(3)
الأنِف: قال في "النّهاية": وهو الذي عقَرَ الخِشَاشُ أنْفَه، فهو لا يَمْتَنِع على قائدِه للْوَجَع الذي به. وقيل الأنِفُ الذَّلُول.
والخِشاش: ما يُدخل في عظم أنف البعير من خشب. "المحيط".
(4)
"صحيح سنن ابن ماجه"(41).
وسبعين ملّة، وإنّ هذه الملّة، ستفترق على ثلاث وسبعين، ثِنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنة، وهي الجَماعة" (1).
وفي رواية: "ما عليه أنا وأصحابي"(2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لا تسبّوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة، خيرٌ مِن عمل أحدكم عُمُرَه"(3).
بعد أن فهِمْنا أن الصحابة أخَذُوا مِن الخلفاء الراشدين، نعلم إنّ اتباع منهاج الصحابة رضي الله عنهم اتباع لمنهاج الخلفاء، واتباع للسُنّة كذلك، واتباع السنّة؛ اتباعٌ للقرآن العظيم.
إذا عرفْنا هذا التّدرج والتسلسل؛ علمْنا إذن أنّ مَن أخَذ عن الصحابة رضي الله عنهم فقد أخذَ عن الله -سبحانه- ومَن رفض منهاج الصحابة؛ فقد رفَض كتاب الله عز وجل.
وهنا نفهم سرّ ضلال وزيغ من كفَّر الصحابة -عياذاً بالله- إلاّ بضعاً منهم -على اختلاف رواياتهم-!!!
فإنك ترى الذين كفّروا الصحابة رضي الله عنهم هم أنفسهم الذين لم
(1) أخرجه أبو داود والدارمي وأحمد وغيرهم، وانظر "الصحيحة"(204).
(2)
حسن بطرقه وشواهده، وتفصيله في "الصحيحة"(203، 204)(التحقيق الثاني).
(3)
أخرجه ابن ماجة "صحيح سنن ابن ماجة"(133)، وابن أبي عاصم "كتاب السنة"، ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين غير نُسير بن ذعلوق، وقد وثّقه جمع من الأئمة، وروى عنه جمع مِن الثقات، في الكتاب الآنف الذكر، برقم (1006) كما ذكر لي شيخنا رحمه الله وأودعهُ في (التحقيق الثاني)، وفي كتابه "تيسير انتفاع الخلاّن بكتاب ثقات ابن حبّان".