المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما يجوز للرجل من الحمل وحده على جيش العدو وتأويل قول الله -تعالى-: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌ما يجوز للرجل من الحمل وحده على جيش العدو وتأويل قول الله -تعالى-: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}

قال أبو بكر بن المنذر: "وأجمعوا على أنّ للمرء أن يُبارِزَ ويدعو إلى البِراز بإذن الإمام، وانفرَد الحسَن؛ فكان يكرهه ولا يعرف البِراز"(1).

‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(2):

عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: "غَزَوْنَا مِنْ المدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينيَّةَ وَعَلَى الجماعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَليدِ، وَالرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ المدِينَةِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى الْعَدُوِّ، فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ مَهْ (3) لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ! فَقَالَ أبو أيُّوبَ: إِتَما أنزلَتْ هَذ الآيةُ فِينَا مَعْشَرَ الأنصَارِ، لَمَّا نَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، قُلْنَا: هَلُمَّ نُقِيمُ فِي أمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (4).

فَالْإِلْقَاءُ بِالْأَيْدِي إِلَى التَهْلُكَةِ: أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا وَنَدَع الجهَادَ.

ْقَالَ أبو عِمْرَانَ: فَلَمْ يَزَلْ أبو أيُّوبَ يجاهِدُ فِي سَبِيلِ الله حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينيَّةِ" (5).

وقد اختُلف في تأويل الآية، ذَكَر إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن" عن

(1) انظر كتاب "الإجماع"(ص 59)(رقم 229)، وذكَرَه صاحب الإنجاد (1/ 197).

(2)

انظر "الإنجاد"(ص 188).

(3)

اسم فِغل أمر مبنيّ على السكون بمعنى اكفُف.

(4)

البقرة: 195.

(5)

أخرجه أبو داود (2512) والنسائي في "الكبرى" وابن حبان وغيرهم، وانظر "الصحيحة"(13).

ص: 136

حفص، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء: قال: قلت: أرأيت قول الله عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، أهو الرجل يَحْمِل على الكتيبة فيها ألْفٌ، قال: لا، ولكن الرجل يُذنب، فيلقي بيده ويقول: لا توبة (1).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَجِب ربُّنا عز وجل مِن رجلٍ غزا في سبيل الله، فانهزم -يعني: أصحابه- فَعَلِمَ ما عليه، فرجَع حتى أُهريق دمُه، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي رجَع رَغْبَةً فيما عندي، وشفقةً ممّا عندي، حتى أُهريق دَمُه"(2).

[قلت: وفي الباب، حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يُحبُّهم الله ويَضْحَك إليهم، ويستَبْشِر بهم: الذي إذا انكشَفَت فِئَة؛ قاتل وراءَها بنفسه لله عز وجل فإمَّا أن يُقتَل، وإمَّا أنْ ينصرَه الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا؛ كيف صبَر لي بنفسه"](3).

واختَلَف أهل العلم في حَمْل الرجل وحدَه على الجيش؛ والعدد الكثير مِن

(1) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" وكذا ابن جرير وغيرهما وانظر ما قاله محققا كتاب "الإنجاد"(ص 191)، قلت؛ وأخرج الحاكم نحوه في "المستدرك" ولفظه:"قال له [أي للبراء رضي الله عنه] يا أبا عمارة {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، الرجل يلقى العدوَّ، فيقاتل حتى يُقتَل؟ قال: لا، ولكن هو الرجل يذنب الذنب، فيقول: لا يغفره الله لي"، وصحَّحه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1624).

(2)

أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2211)، ورواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه"، وحسَّنه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1384).

(3)

أخرجَه الطبراني، وحسَّنه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1384).

ص: 137

العدوِّ؛ فأقول [الكلام لمُصنِّف الإنجاد]: أحوال الذي يَحْمِل وحده ثلاث:

حال اضطرار، وذلك حيث يحيط به العدوّ، فهو يخاف تَغَلُّبَهم عليه وأسْرَهُم إياه، فذلك جائزٌ أن يَحْمِل عليهم باتفاق.

وحالٌ يكون فيها في صفِّ المسلمين وَمَنَعتِهم، فيَحْمِل إرادةَ السُّمعة والاتصافَ بالشجاعة، فهذا حرام باتفاق.

وحالٌ يكون كذلك مع المسلمين، فيحمل غَضَباً لله، محُتَسِباً نفسه عند الله، ففي هذا اختلف أهل العلم، فمنهم مَن كَرِهَ حَمْلَه وحده، ورآه مما نهى الله عنه مِن الإلقاء باليد إلى التهلكة، ومنهم مَن أجاز ذلك واسْتَحْسَنه؛ إذا كانت به قُوّة، وفي فِعله ذلك منفعةٌ، إمَّا لنكاية العدوِّ أو تَجرئةِ المسلمين -حتى يفعلوا مِثل ما فَعَل- أو إرهابِ العدوِّ؛ ليعلموا صلابة المسلمين في الدين (1).

(1) وجاء في التعليق في الكتاب المذكور: تكاد تُجمِع كلمة الفقهاء على جواز ذلك، بل حكى ابن أبي زمنين في "قدوة الغازي"(ص 198) الإجماع عليه، ونصُّ عبارتِه:"قال ابن حبيب: ولا بأس أن يَحْملَ الرجل وحده على الكتيبة، وعلى الجيش؛ إذا كان ذلك منه لله، وكانت فيه شجاعةٌ وجَلَدٌ وقوةٌ على ذلك، وذلك حَسَنٌ جميل لم يكرهه أحدٌ من أهل العلم، وليس ذلك مِن التهلكة، وإذا كان ذلك منه للفخر والذِّكر فلا يفعل -وإنْ كانت به عليه قوة- وإذا لم يكن به عليه قوة فلا يفعل وإنْ أراد به الله؛ لأنه حيئذٍ يُلقي بيده إلى التهلكة"

وجاء في "البيان والتحصيل"(2/ 564) ما يلي: "قال أشهب: وسُئل مالك عن رجل من المسلمين يحمل على الجيش من العدوّ وحدَه، قال: قال الله -تعالى-: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} فجعَل كلَّ رجلٍ برجلين؛ بعد أنْ كان كلّ رجُلٍ بعشرة، فأخافُ هذا يلقي بيده إلى التهلكة، وليس ذلك بسواء أنْ يكون الرجل في الجيش الكثيف =

ص: 138

............................

= فيحمل وحده على الجيش، وأنْ يكون الرجل قد خلفه أصحابُه بأرض الروم، أحاطوه فتركوه بين ظهرانَيِ الروم، فهو يخاف الأسر فيستقتل فيحمل عليهم، فهذا عندي خفيف، والأول عندي في كثفٍ وقُوَّة، وليس إلى ذلك بمضطر، يختلف أن يكون الرجل يحمل احتساباً بنفسه على الله، كما قال عمر بن الخطاب: الشهيد من احتسَب نفسَه على الله، أو يكون يريد بذلك السمعة والشجاعة.

قال محمد بن رشد: أمّا إذا فعَل ذلك إرادةَ السمعة والشجاعة، فلا إشكال ولا اختلافَ في أنّ ذلك من الفعل المكروه، وأمّا إنِ اضطرَّ إلى ذلك بإحاطة العدوِّ به، فَفَعلَهُ مخافة الأسر؛ فلا اختلاف في أنّ ذلك من الفعل الجائز، إنْ شاء أن يستأسر، وإنْ شاء أن يحمل على العدوِّ، ويحتسب نفسه على الله، وأمّا إذا كان في صفِّ المسلمين، وأراد أن يُحمل على الجيش من العدوِّ وحده؛ مُحْتسِباً بنفسه على الله ليُقوِّي بذلك نفوس المسلمين، ويُلقي الرعب في قلوب المشركين، فمِن أهل العلم مَن كَرهه ورآه مما نهى الله عنه مِن الإلقاء إلى التهلكة؛ لقوله- عز وجل:{وَلَا تُلْقُوا بِأيدِيكم إلى التهلُكَةِ} ، وممَن رَوَىَ ذلك عمرو بن العاص، ومنهم من أجازه واستحبَّه لمن كانت به قوة عليه، وهو الصحيح"

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "قاعدة في الانغماس في العدوِّ، وهل يباح

" (ص 24): "والرجل يَنْهزِم أصحابُه، فيقاتِل وحده، أو هو وطائفة معه العدوَّ، وفي ذلك نكاية في العدوِّ، ولكن يظنُّون أنهم يُقْتلون، فهذا كلّه جائز عند عامّة علماء الإسلام؛ مِن أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وليس في ذلك إلَاّ خلاف شاذّ.

وأمّا الأئمّة المتبوعون كالشافعي وأحمد وغيرِهما؛ فقد نصّوا على جواز ذلك، وكذلك هو مذهب أيى حنيفة ومالك وغيرهما"، ودلَّل عليه بتطويلٍ من الكتاب والسنة وإجماع السلف، ونحوه في "مجموع الفتاوى" (28/ 540) له.

وقال الشافعي رحمه الله في "الأم"(4/ 92): "لا أرى ضيقاً على الرجل أن يُحْمل على الجماعة حاسراً، أو يبادر الرجل، وإنْ كان الأغلب أنّه مقتول؛ لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحَمَل رجلٌ من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر، بعد =

ص: 139

وبالجملة، فكل مَن بَذَلَ نفسه لإعزاز الدِّين، وتوهينِ أهْلِ الكفر؛ فهو المقام الشريف الذي تَتَوجّه إليه مُدْحَةُ الله -تعالى-، وكريمُ وعْدِه في قوله -سبحانه-:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} (1)، وقال -تعالى-:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (2).

قلت: والراجح: جوازُ حَمْلِ الرجل وحده على جيش العدوِّ حال الاضطرار، إذا أحاط به العدوُّ، لخوفه تغلُّبَهم عليه وأسْرَهم إيّاه. ويجوز في حالٍ يكون في صفِّ المسلمين ويجد في نفسه القوة فيحمل غضباً لله، محتسباً نفسه لله، يفعله لنكاية العدوِّ أو إرهابه، أو ليُجرِّئَ المسلمين، ويفعلوا مِثْل ما فَعَل، إذا ترجَّح لديه الظنُّ أنّ في هذا منفعةَ المسلمين. ولا يجوز هذا الحمل إرادة السمعة

= إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقُتِل". وانظر: "الأوسط" (11/ 306 - 307). وكلام الإمام أحمد في "مسائل صالح" (2/ 469) قال: "قلت: الأسير يَجِدُ السيف أو السلاح فيحمل عليهم؛ وهو لا يعلم أنّه لا ينجو، أعان على نفسه؟ قال: أما سمعْتَ قولَ عمر حين سأله الرجل فقال: إنّ أبي أو خالي ألقى بيده إلى التهلكة؟ فقال عمر: "ذلك اشترى الآخرة بالدنيا".

وقال أبو داود في "مسائله"(247): "سمعت أحمدَ بنَ حنبل يقول: إذا عَلِم أنهُ يؤسَر فليقاتل حتى يُقْتل أحب إليَّ". وقال: "لا يستأسر، الأسر شديد". وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن الأسير إذا أُسر؛ له أن يقاتلهم؟ قال: "إذا علم أنّه يقوى بهم".

(1)

التوبة: 111.

(2)

البقرة: 207.

ص: 140