المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - التوحيد - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌1 - التوحيد

‌أسباب النصر والتمكين

(1)

‌1 - التوحيد

قال -تعالى-: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} (2).

ولا يُلقى الرعب في قلوب الكُفّار؛ إلَاّ إذا كان المسلمون موحِّدين حقّاً، ألا ترى ما كان مِن شأن الأعداء زمن الصحابة رضي الله عنهم فإنّه لم يكن لهم عليهِم مِن سبيل، ولكننا نراهم الآن قد تسلّطوا على المسلمين! فلا بُدّ من التوحيد، فإنّه حقّ الله على عباده، وهو سعادة الدارين.

وكيف ينصُر الله -تعالى- أُناساً يُؤلهّون الملائكة والأنبياء والأولياء؟!

كيف ينصُر الله أناساً اعتقدوا أنّ الله تفرّد بالخلق، ولم يتفرّد بالاستجابة؛ إلاّ بواسطة مخلوقاته؛ مِن أحياء وأموات، يرفعون له الدعاء والاستغاثة والتوسل؟!

قال الله -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (3).

(1) وسأذكر هذه الأسباب بإجمال، غير سالك الاستقصاء -وإن كنت أتمنّاه- بما يتفق مع المنهج الفقهي للكتاب، وهناك نقاط متفرّعة من أسباب رئيسة، قد أفردتها وأبرزتُها للأهمية.

(2)

آل عمران: 151.

(3)

النور: 55.

ص: 317

قال ابن كثير رحمه الله -بحذف-: "هذا وَعْدٌ مِن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ بأنه سيجْعَل أمّته خلفاء الأرض، أي: أئمّة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلُح البلاد، وتخضع لهم العباد، ولَيُبدلَنّ بعد خوفهم من الناس أمناً وحُكماً فيهم، وقد فعَل تبارك -وتعالى- ذلك، وله الحمد والمِنّة، فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى فتَح الله عليه مكّة وخيبر والبحرين، وسائرَ جزيرة العرب، وأرض اليمن بكمالها، وأخَذ الجزية مِن مجوس هَجَر، ومِن بعض أطراف الشام، وهاداه هِرَقْل مَلِك الروم وصاحب مصر والاسكندرية -وهو المقوقس- وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة، الذي تَملَّك بعد أصْحَمة رحمه الله وأكرمه-.

ثمّ لمّا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده مِن الكرامة، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلمَّ شَعْث ما وَهَى عند موته عليه الصلاة والسلام وأطَّدَ جزيرة العرب ومهَّدها، وبعَث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه، ففتحوا طَرَفاً منها، وقتلوا خلقاً مِن أهلها، وجيشاً آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه، ومَن معه مِن الأمراء إلى أرض الشام، وثالثاً صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلاد مصر، ففتَح الله للجيش الشاميّ في أيامه بُصرى ودمشق ومَخَاليفهما من بلاد حوران، وما والاها، وتوفاه الله عز وجل، واختار له ما عنده مِن الكرامة.

ومَنّ على الإسلام وأهله؛ بأن أَلهْمَ الصِّديق أن استخلَف عمرَ الفاروق، فقام في الأمر بعده قياماً تامّاً، لم يَدُر الفَلَك بعد الأنبياء عليهم السلام على مثله، في قوة سيرته وكمال عَدْله، وتمّ في أيامه فتْح البلاد الشاميّة بكمالها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكَسَّر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقَصَّر قيصر، وانتزع يدَه عن بلاد الشام فانحاز إلى القُسطنطينة،

ص: 318

وأنفَق أموالَهما في سبيل الله، كما أخبَر بذلك ووعَد به رسول الله -عليه مِن ربّه أتمّ سلام وأزكى صلاة-.

ثمّ لمّا كانت الدولة العثمانية (1)، امتدَّت المماليك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففُتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك: الأندلس، وقبرص، وبلاد القيروان، وبلاد سَبْتَةَ؛ مما يلي البحر المحيط، ومِن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقُتِل كسرى، وباد مُلْكُه بالكُلّية، وفُتحت مدائن العراق، وخُراسان، والأهواز، وقَتَل المسلمون مِن الترك مقتلةً عظيمةً جداً، وخذَل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجُبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمْعِه الأمّة على حِفظ القرآن.

ولهذا ثبَت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إن الله زَوَى (2) لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وسيبلغُ ملك أمّتي ما زُوي لي منها"(3).

فها نحن نتقلب فيما وعَدَنا الله ورسوله، وصدَق الله ورسوله، فنسأل الله الإيمان به، وبرسوله، والقيام بشُكره على الوجه الذي يُرضيه عنّا.

قال الإمام مسلم بن الحجاج في "صحيحه": حدَّثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سَمُرَة قال: "سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال أمْرُ الناس ماضياً ما وَلِيَهم اثنا عشر رجلاً ثمّ تكلَّم النبيّ صلى الله عليه وسلم بكلمة

(1) أي في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

(2)

أي: جمع وضمّ.

(3)

أخرجه مسلم: 2889.

ص: 319

خَفِيت عني فسألْتُ أبي: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كُلُّهم مِن قريش" (1).

ورواه البخاري من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عمير، به (2).

وهذا الحديث فيه دِلالة على أنّه لا بُدّ من وجود اثني عشَر خليفةً عادلاً وليسوا هم بأئمّة الشيعة الاثني عشَر؛ فإنَّ كثيراً مِن أولئك لم يكن إليهم مِن الأمر شيء، فأمّا هؤلاء؛ فإنهم يكونون مِن قريش، يَلُون فيَعْدِلون، وقد وقَعَت البِشارة بهم في الكتب المتقدمة.

ثمّ لا يُشتَرط أن يكونوا متتابعين، بل يكون وجودهم في الأمّة متتابعاً ومتفرّقاً، وقد وُجِد منهم أربعة على الولاء، وهم: أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ رضي الله عنهم، ثمّ كانت بعدهم فترة، ثمّ وُجِد منهم ما شاء الله، ثمّ قد يُوجَد منهم مَن بقي في وقتٍ يعلمه الله، ومنهم المهدي الذي يطابق اسمه اسمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُنيته كنيتَه، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت جوراً وظلماً.

[وعن] سعيد بن جُمْهان، عن سَفِينة -مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثمّ يكون مُلكاً (3) "(4).

(1) أخرجه مسلم: 1821.

(2)

أخرجه البخاري: 7222، 7223.

(3)

في الأصل كلمة (عَضوضاً) وقد حذفتها لعدم ورودِها في المصادر، وقد وردت هذه الكلمة في بعض الأحاديث الأخرى على اختلاف بين العلماء على ثبوتها، وثبت معناها في "الصحيحة" رقم (5).

(4)

أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبّان في "صحيحه" وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(459).

ص: 320

وقوله -تعالى-: {كما استخلف الذين من قبلهم} كما قال -تعالى- عن موسى عليه السلام، أنّه قال لقومه:{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (1)، وقال -تعالى-:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (2).

وقوله: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (3).

ثمّ ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله بعضاً مِن حديث عديِّ بن حاتم، وأرى مِن الفائدة أن أسوقه بتمامه:

قال رضي الله عنه: "بَينا أنا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجُلٌ فشكا إليه الفاقَةَ، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قَطْع السبيل، فقال: يا عديّ هل رأيت الحِيْرَة؟ قلت: لم أرها وقد أُنبِئتُ عنها.

قال: فإنْ طالت بك حياة لتَرَّين الظّعينة (4) ترتحل من الحِيرَة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلَاّ الله -قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعّار (5) طَيئ الذين قد سَعّروا البلاد؟ - ولئنْ طالت بك حياة لتُفتَحنّ كنوزُ كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: كسرى بن هرمز، ولئنْ طالت بك حياة لتَرّين الرجل

(1) الأعراف: 129.

(2)

القصص: 5 - 6.

(3)

النور: 55.

(4)

المرأة في الهودج.

(5)

وهو الشاطر الخبيث المُفسد. "الفتح".

ص: 321

يُخرج ملءَ كفّه مِن ذهبٍ أو فِضة؟ يطلُب مَن يقبلُه منه فلا يجد أحداً يَقْبَلُه منه.

ولَيلقَينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه تُرجمانٌ يُترجم له، فيقولَنّ له ألم أبْعَث إليك رسولاً فيُبلّغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أُعطك مالاً وأُفْضل عليك؟ فيقولُ بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلاّ جهنّم وَينظر عن يساره فلا يرى إلَاّ جهنّم.

قال عديّ: سمعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شِقّ تمرة، فبكلمة طيّبة.

قال عديّ: فرأيت الظعينة ترتحل مِن الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلَاّ اللهَ، وكنتُ فيمن افتتَح كنوز كسرى بن هرمز، ولئنْ طالت بكم حياة لترونّ ما قال النبيّ أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يُخرج مِلءَ كفّه" (1).

ثمّ ساق الحافظ ابن كثير بإسناد الإمام أحمد -رحمهما الله- إلى أُبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "بَشّر هذه الأُمّة بالسَّناء والرفعة، والدين والنّصر والتمكين في الأرض، فمَن عَمِل منهم عَمَل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب"(2).

ثمّ قال رحمه الله: وقوله: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} .

ثمّ ذكَر حديث أنس، أنّ معاذَ بنَ جبل حدّثه قال: "بينا أنا رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه إلاّ أَخِرَة الرَّحْل، قال: يا معاذ، قلت: لبيّك يا رسول الله

(1) أخرجه البخاري: 3595.

(2)

أخرجه أحمد وابن حبان في "صحيحه" وغيرهم، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب"(23، 24).

ص: 322