المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل ترمى حصون العدو بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌هل ترمى حصون العدو بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

؟

قال في "الإنجاد"(1/ 236) -بتصرف يسير-:

"اختلفوا في رمي حصون العدو بالمنجنيق ونحوِه من المُهْلِكات، وفيهم النساء والذُّرِيَّة، وأُسارى المسلمين؛ فذهَب مالك والشافعيّ وأبو حنيفة والأوزاعي وغيرهم إلى جواز ذلك في الجملة؛ على ما نُفصِّله عنهم، وقيل: لا يجوز ذلك.

ذَكرَ فَضْلٌ أنَّ ابنَ القاسم مِن أصحاب مالكٍ رَوَى عنه المنعَ مِن رَمْيِهم بالمجانيق، أو إرسالِ الماء عليهم ليغرقوا؛ إذا كان معهم النساء والأطفال.

فأمَّا أبو حنيفة، فذَهَب إلى جواز رَمْيها وتحريقها عليهم بالنّار، وإنْ كان فيها الأسارى والأطفال، وكذلك عنده: لو تَتَرَّسوا بالمسلمين، رُموا -أيضاً-. قال: ويُقصد بذلك مَن فيها من الكُفَّار، فإنْ أصابوا في ذلك مُسلِماً فلا دِيَة ولا كفّارة.

وقال الشافعي: لا بأس برمي الحصن بالمنجنيق والنّار، وكلّ ما فيه نكاية، وفيه النساء والأطفال، ولم يَرَ رَمْيَهم إذا تَتَرَّسوا بالمسلمين إلَاّ في حال الاضطرار؛ حيث يخافهم المسلمون على أنفسهم إنْ كَفُّوا عنهم، فحينئذٍ يُقاتَلون، ولا يُتَعَمَّدُ قَتْلُ مسلم.

وقد قيل: يُكَفّ عنهم على كلِّ حال إذا لم يكن بُدٌّ مِن إصابة المسلم، وأيُّ مسلمٍ أصيب ممّن لم يَقْصِد الرامي قَصْدَه بالرمية ولم يره، فعليه تحرير رقبة، ولا دِيَة له، وإنْ كان رآه، وعَرَف مكانه ورمى، وهو مضطرٌ إلى الرَّمي، فعليه دِيَة وكفّارة، وإنْ تعمَّده ولم يكن مضطراً فالقِصاص.

ص: 113

وقال الأوزاعي: يُرمى الحصن بالمنجنيق والنار، وإنْ كان فيه أسرى المسلمين، فإنْ أُصيب أحدٌ مِن المسلمين؛ فهو خطأ تكون فيه الكفّارة والدِّيَة، ورأى أن يُكَفَّ عنهم، إذا تترّسوا بالمسلمين.

وعن مالك إجازةُ الرمي بالمنجنيق، ومنْع التحريق بالنار، إلَاّ أن يكون الحصن ليس فيه إلَاّ المُقاتِلَة فقط، فعنه في ذلك روايتان: الإجازة والمنع، ولا أعلم له في التترّس قولاً، وظاهر مذهبه المنع.

فأمّا دليل جواز رمي الحصون في الجملة -وفيها الذراريّ-: فما خرّجه البخاري (1)، ومسلم (2)، عن الصعب بن جثّامة قال:"سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدار مِن المشركين يُبيَّتون (3)، فيصيبون مِن نسائهم وذراريّهم، فقال: "هم منهم" (4).

زاد البخاريّ (5)، قال: وسَمِعْتُه يقول: "لا حِمى إلَاّ لله ولرسولِه"(6). وقوله

(1)(رقم: 3012).

(2)

(رقم: 1745).

(3)

قال بعض العلماء: أي أن يُغار عليهم بالليل، بحيث لا يُعرَف الرجل مِن المرأة والصبيّ.

(4)

قال الحافظ رحمه الله في "الفتح": "قوله: (هم منهم) أي في الحُكم تلك الحالة، وليس المراد إباحةَ قَتْلِهم بطريق القصد إليهم؛ بل المراد إذا لم يُمكِن الوصول إلى الآباء؛ إلَاّ بوطء الذريّة، فإذا أُصيبوا لاختلاطهم بهم؛ جاز قَتْلُهم.

وقال الكرمانيّ رحمه الله (13/ 24): "والنهي عن قَتْلهم فيما إذا كانوا هم المقصودين، وكذلك النساء إذا قاتَلْن قُتِلْن أيضاً".

(5)

(رقم: 3012).

(6)

لا حِمى إلَاّ لله ولرسوله: قال الكرماني رحمه الله (10/ 182): "حِمى -بغير التنوين- لغةً: المحظور، واصطلاحاً: ما يَحمي الإمام من الموات والمواشي بعينها، ويمنع سائر =

ص: 114

- صلى الله عليه وسلم -وقد قيل له: لو أنّ خيلاً أغارَت من الليل، فأصابت مِن أبناء المشركين-قال:"هم مِن آبائهم"(1).

فهذا في نِساء المسلمين وأبنائهم ظاهر، فأمَّا الأسرى مِن المسلمين يكونون معهم في الحصون، فدليلُ مَن أجاز ذلك؛ هو مِن طريق المعنى، وذلك أنَّ قولَه في أبناء المشركين:"هم من آبائهم" ليس على معنى أنهم كُفَّار؛ لأنهم لم يبلُغوا، فلم يخاطَبوا بَعْدُ بالإيمان، ولم يَجْرِ عليهم التكليف، فلا يصحُّ إطلاق وصْفِ الكفر عليهم، لكن معنى:"هم منهم": رَفْعُ الخرج عن المسلمين في إصابتهم بحُكم الاضطرار، ومعرَّة الاقتحام، أي: لا مأثم يلحق في إصابتهم، فكذلك يجري المعنى في حُكْم الأسرى من المسلمين؛ إنْ أُصيب منهم أحدٌ في أثناء الاقتحام.

ووجه المنعِ في الجملة على نحو ما رُوِي عن ابن القاسم: أن لا يُرموا بالمجانيق إذا كان معهم النساء والأطفال؛ عُموم النهي عن قَتْلهم؛ ولأنّ الحديث في إرخاص ذلك؛ إنَّما جاء في البيات والغارات، حيث تدعو الضرورة إلى المباغتة، ولا يوقَن بالذراريّ أن يُصابوا.

وأمَّا رمي الحصون -وقد عُلم ما فيها من الذريَّة، والأمر فيهم على الرَّوية وعدم الاضطرار- فليس ممَّا أبيح مِن ذلك، هذا ونحوه هو الذي يتوجه لهذا القول.

= الناس من الرعي فيها، والمقصود مِن الحصر؛ إبطال ما كان يحميه الرجل العزيز مِن أهل الجاهلية؛ يأتي الأرض الخصبة فيستَعوي كلباً؛ فيحمي مدى صوت الكلب من كل وجهة، ويمنع الناس أن يرعوا حوله".

(1)

أخرجه مسلم: (1745 - 28).

ص: 115

والأَوْلَى -إن شاء الله- والذي نختاره التفصيل في ذلك، فنقول [القول لمصنِّف "الإنجاد"]:

أمَّا إنْ لم يُعلم في الحِصنِ أحدٌ من أُسارى المسلمين؛ فالأظهر جواز رميِهم، مع كون النساء والذريَّة في جملتهم، بدليل الحديث في قوله:"هم منهم"، إذا لم يُقصَدوا، وكان إصابتهم لضرورة الاقتحام، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيهم:"لا حِمى إلَاّ لله ولرسوله".

وأمَّا إنْ كان في الحصن أحدٌ من أسارى المسلمين، يُعلم ذلك، فالأظهر توقِّي استعمال ما لا يُؤمَن فيه إصابتُهم، فإْنْ عُلم أنّ ذلك لا يصيب الأسرى، فلا بأس، وذلك لأنّ حديث الصّعب بن جثَّامة؛ لم يجرِ فيه ذِكْر مُسلمٍ، إنما هو في نساء المشركين وأبنائهم، فلا يستباح بذلك الاجتراء في أمر المسلمين.

وأظهرُ من هذا والأتمُّ حُجَّةً قولُ الله -تعالى- في تأخير القتال عن أهل مكة عام الحديبية: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (1). فهذا نصٌ في وجوب التَوقِّي.

فإن قيل: إنَّ ذلك خاصٌّ بأهل مَكَّة، فهو دعوى؛ لأن الله -تعالى- إنَّما جعل الحُرمة في ذلك للإيمان لا للبلد، وهذا التفصيل والفَرْق الذي اخترناه؛ إنما نَعْني به الحُكمَ في قتال الحصون، وحيث لا ضرورة تدعو المسلمين؛ لكَسْر العدو ومدافعتهم.

وأمَّا عند لقاء جيوش المشركين، وفيهم أُسارى من المسلمين، فأرجو -إن

(1) الفتح: 25.

ص: 116

شاء الله- أن يكون كلّ شيءٍ مما يُنْكَى به العدوّ سائغاً، سواءٌ أُمِن أن يصيب الأسرى مِن ذلك شيءٌ أوْ لا، إلَاّ أنّهم لا يُتَعَمَّدون، ويُتحفَّظ عنهم بقَدْر الوُسع، وذلك أنَّ في الكفِّ عن القتال، وتَرْك الدِّفاع في مِثل هؤلاء الذين بَرزوا للمسلمين هلاكاً للناس، وتمكيناً لأهل الكُفر مِن الإسلام {وَلَن يجعَلَ اَللهُ لِلكافِرينَ عَلَى المؤمِنِينَ سَبِيلاً} (1).

وهذا كلّه ما لم يتترس الكُفّار بالمسلمين، فإنْ تترسوا بهم، بحيث لا يُمكِن قتالُهم إلَاّ مِن وراء قَتْل مسلم، فالأرجح الذي نختاره؛ الكفُّ جُملةً، والقتال لا نراه على حالٍ مِنْ غير تفصيلٍ في قِتال الحصون أو الجيوش؛ لأنّ ذلك إنْ لم تكن ضرورة، فلا خفاءَ به، وإنْ كانت ضرورة بحيث يُبْقي المسلمون على أنفسهم في الكفِّ عن القتال؛ فذلك أيضاً موجودٌ إذا قاتَلوا بقَتْلهم المسلمين الذين تترَّس بهم العدوّ؛ من غير حقٍّ وجب عليهم مُبيحٍ لدمائهم، وليس لأحدٍ أن يَقْتُل مسلماً بريئاً؛ لينجو بذلك مِن القتل

". انتهى.

قلت: والراجح عندي: أنَّ الأمر يدور حول ترجيح المصالح، واختيارِ أقلِّ الضرَرين وأخفّ الشرَّين؛ مع التحرُّجِ من قَتْل أُسارى المسلمين، ونساء وذراريِّ المشركين؛ تقصُّداً وتعمُّداً.

ونلاحظ أنّ ترجيح المصنِّف؛ كان يدور حول المعنى المتقدِّم، وسوَّغ إصابة النّساء والذّّرّية من المشركين؛ إن لم يكن بُدٌّ مِن ذلك لضرورة الاقتحام، وقد يكون القتال ليلاً، لا يُميَّز فيه الرجل من المرأة، ولا الصبيُّ من الرجل؛ كما ذكَر بعض العلماء. وذكروا قوله صلى الله عليه وسلم:"لا حِمى إلَاّ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم".

(1) النساء: 141.

ص: 117

ثمّ بيَّن وجوب توقِّي إصابة أُسارى المسلمين؛ حينما يكونون في حصون العدوِّ، ثمّ استدَلَّ بقوله -تعالى-:{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (1).

قال الحافظ ابن كثيرٍ رحمه الله: " {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} أي: بين أظهُرهم ممن يكتُم إيمانَه ويُخْفيه منهم خيفةً على أنفسهم مِن قومهم، لكُنَّا سلّطْناكم عليهم فقتلتموهم، وأبدْتُم خضراءَهم [يعني: سوادهم أو معظمهم]، ولكن بين أفنائِهم مِن المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالةَ القتل؛ ولهذا قال -تعالى-: {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} أي: إثم وغرامة {بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي: يؤخر عقوبتَهم ليخلِّص مِن بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثيرٌ منهم إلى الإسلام. ثمّ قال تبارك وتعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا} أي: لو تميَّز الكُفّار مِن المؤمنين الذين بين أظهرهم {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} أي: لسلّطناكم عليهم فلقتلتموهم قَتْلاً ذريعاً".

ثمّ ذكَر صاحب "الإنجاد" رحمه الله: ما يكون مِن شأن لقاءِ جيوش المشركين، وفيهم أسارى مِن المسلمين، فبيَّن تحريمَ تعمُّدِ إصابتهم، والتحفّظ عنهم بقدر الوُسع، وتسويغَ القتل لطالما هو ممّا يُنكى به العدوّ، مُبَيِّناَ خَطَر الكفّ عن القتال وتَرْك الدفاع، وأنّ في ذلك مفسدةً أعظم من إصابة بعض الأُسارى.

ثمّ ذكَر مسألة تترُّس الكُفَّار بالمسلمين، واختار الكفَّ عن ذلك.

(1) الفتح: 25.

ص: 118