الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعَلوا؛ ذلك فقد عصَموا منّي دماءهم وأموالهم؛ إلَاّ بحقّ الإسلام وحسابهم على الله" (1).
حُكم الأرض المغنومة
(2)
الأرض المغنومة أمْرُها إلى الإمام، يفعل الأصلح مِن قِسمَتها، أو ترْكِها مشتركةً بين الغانمين، أو بين جميعِ المسلمين، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قَسَم نصفَ أرض خيبر بين المسلمين، وجَعل النصف الآخر لمن ينزل به مِن الوفود والأمور ونوائبِ الناس.
فعن بُشير بن يَسار مولى الأنصار، عن رجالٍ مِن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظَهَر على خيبر؛ قسَّمها على ستة وثلاثين سهماً، جمَع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصفُ مِن ذلك، وعزَل النصف الباقي؛ لمن نَزَل به من الوفود والأمور ونوائب النّاس"(3).
وفي رواية مِن حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: "قَسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين: نصفاً لنوائبه وحاجته، ونصفاً بين المسلمين، قسَمَها بينهم على ثمانيةَ عشَرَ سهماً"(4).
وقد ترَك الصحابة ما غَنِموه من الأراضي مُشترَكَةً بين جميع المسلمين،
(1) أخرجه البخاري: 25، ومسلم:21.
(2)
من "الروضة النّديّة"(2/ 755) بتصرف يسير.
(3)
أخرجه أبو داود: "صحيح سنن أبي داود"(2603).
(4)
أخرجه أبو داود: "صحيح سنن أبي داود"(2601).
يَقسِمون خَراجها بينهم، وقد ذهَب إلى هذا جمهور الصحابة ومَن بعدهم، وعمل عليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما قريةٍ أتيتموها وأقمتم فيها؛ فسَهْمُكم فيها، وأيُّما قريةٍ عَصت الله ورسوله؛ فإنَّ خُمُسَها لله ولرسوله، ثمّ هي لكم"(1).
وجاء في "الروضة الندية"(2/ 756):
أقول: قسمة الأموال المجتمعة للمسلمين مِن: خراجٍ، ومعاملةٍ، وجزيةٍ، وصُلحٍ، وغير ذلك؛ ينبغي تفويض قِسْمتها إلى الإمام العادل الذي يمحض النّصح لرعيته، ويبذْل جهده في مصالحهم، فيَقْسِم بينهم ما يقوم بكفايتهم، ويدَّخر لحوادثهم ما يقوم بدفعها.
ولا يلزمه في ذلك سلوكُ طريقٍ مُعيَّنة سلَكَها السلف الصالح، فإنّ الأحوال تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فإنْ رأى الصلاح في تقسيم ما حَصل في بيت المال في كلّ عامٍ فعَل، وإنْ رأى الصلاح في تقسيمه في الشهر أو الأسبوع أو اليوم فَعَل.
ثمّ إذا فاضَ مِن بيتِ مال المسلمين على ما يقوم بكفايتهم، وما يدخِر لدفْع ما ينوبهم، جعل ذلك في مُناجزة الكَفَرة، وفتْح ديارِهم، وتكثير جهاتِ المسلمين، وفي تكثير الجيوش والخيل والسلاح، فإنّ تقويةَ جيوش المسلمين هي الأصلُ الأصيل في دفْع المفاسد وجَلْبِ المصالح.
(1) أخرجه مسلم: 1756.
ومِن أعظم موجبات تكثيرِ بيت المال وتوسيع دائرته؛ العدلُ في الرعية، وعدمُ الجور عليهم، والقَبولُ من مُحْسِنهم، والتجاوزُ عن مسيئهم، وهذا معلومٌ بالاستقراء في جميعِ دول الإسلام والكُفر
…
".
وعن زيدٍ عن أبيه أنّه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أما والذي نفسي بيده؛ لولا أن أتركَ آخر النّاس بَبَّاناً (1) ليس لهم شيء ما فُتِحت عليَّ قرية إلَاّ قَسمْتُها كما قسَم النبيّ صلى الله عليه وسلم خيبر، ولكنّي أتركها خِزانةً لهم يقتسمونها (2) "(3).
وفي رواية: "لولا آخر المسلمين؛ ما فُتِحَت عليهم قرية، إلاّ قسمْتُها كما قسَم النبيّ صلى الله عليه وسلم خيبر"(4).
(1) جاء في "الفتح": "قال أبو عبيدة بعد أن أخرجه عن ابن مهدي: قال: ابن مهدي يعني شيئاً واحداً، قال الخطابي: ولا أحسب هذه اللفظة عربية، ولم أسمعها في غير هذا الحديث، وقال الأزهريّ: بل هي لغة صحيحة، لكنها غيرُ فاشية في لغة معد، وقد صحَّحَها صاحب العين وقال: ضوعفت حروفه، وقال: البَبَّان: المعدَم الذي لا شيء له، ويقال: هم علىَ بَبَّان واحدٍ، أي: على طريقةٍ واحدة، وقال ابن فارس: يقال هم بَبَّان واحد، أي: شيء واحد، قال الطبري: البَبَّان: المعدَم: الذي لا شيء له، فالمعنى: لولا أن أتركهم فقراءَ مُعدمين، لا شيء لهم، أي: متساوين في الفقر".
(2)
أي: يقتسمون خراجها. "الفتح".
(3)
أخرجه البخاري: 4235، ومسلم: 2334، قال الحافظ رحمه الله: زاد ابن إدريس في روايته: "ما افتَتَح المسلمون قَريةً مِن قرى الكُفَّار؛ اِلا قَسَمْتها سُهماناً".
(4)
أخرجه البخاري: 4636، 2334.
وانظر إن شئت المزيد من الفائدة "نيل الأوطار"(8/ 162)(كتاب الجهاد)(باب حُكم الأرض المغنومة).