المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لماذا هزم المسلمون - الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة - جـ ٧

[حسين العوايشة]

فهرس الكتاب

- ‌الجهاد

- ‌إيحابه:

- ‌الجهاد فرضُ كفاية إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين

- ‌متى يتعيّن الجهاد

- ‌ماذا يُشترَط لوجوب الجهاد

- ‌متى تُشرع الحرب

- ‌مراتب الجهاد

- ‌الإخلاص في الجهاد

- ‌عذاب من يرائي في جهاده

- ‌الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغزُ

- ‌الجهاد في سبيل الله تجارة مُنجية

- ‌الجهاد من أفضل الأعمال عند الله -تعالى- وأَحبِّها إليه

- ‌الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌لا يجتمع غُبارٌ في سبيل الله ودخان جهنّم

- ‌يُنجّي الله -تعالى- بالجهاد من الهمّ والغمّ

- ‌المجاهد أفضل النّاس

- ‌ذِكر التسويةِ بين طالب العلم ومعلِّمهِ وبين المجاهدِ في سبيل الله

- ‌أي القتل أشرف

- ‌مقام الرجل في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً

- ‌للمجاهد في الجنّة مائة درجة

- ‌ما يعدِل الجهاد في سبيل الله عز وجل

- ‌فضل الشهادة في سبيل الله -سبحانه

- ‌فضل الرباط في سبيل الله -تعالى

- ‌فضل الرمي بنيّة الجهاد والتحريض عليه

- ‌اللهو بأدوات الحرب

- ‌إثم مَن تعلّم الرمي ثمّ تَركه

- ‌فضل احتباس الخيل للجهاد في سبيل الله

- ‌فضل النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة

- ‌أجر الشهادة بالنيّة لمن لم يستطع الجهاد

- ‌من صفات القائد

- ‌من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُوّاده

- ‌ما يجب على أمير الجيش أو قائده

- ‌ذكر ما يُستحَبّ للإمام أن يستعين بالله -جلّ وعلا- على قتال الأعداء إذا عزَم على ذلك

- ‌الاستنصار بالضعفاء: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم

- ‌جواز تخلّفِ الإمام عن السرية لمصلحة

- ‌إذا طلَب الإمام قَتْلَ رجل

- ‌البيان بأن صاحبَ السرية إذا خالَف الإمام فيما أمَره به كان على القوم أنْ يَعْزِلوه وُيولُّوا غيره

- ‌من تَأمَّر في الحرب مِن غير إمرةٍ إذا خاف العدو

- ‌توليةُ الإمِام أمراءَ جماعة واحداً بعد الآخر عند قَتْل الأول

- ‌متى تجب طاعة الجنود الأمير أو القائد

- ‌عقوبة مَن عصى الأمير أو القائد

- ‌مبادرة الإمام عند الفزع

- ‌تشييع المجاهدين ووداعُهم والدعاءُ لهم

- ‌من هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد، واقتداء الصحابة به في المعارك واستبسالهم فيها

- ‌عدد غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الطليعة واستطلاع الأخبار وابتعاث العيون

- ‌التورية في الغزو

- ‌الكَذِب والخداع في الحرب

- ‌التسبيح إذا هَبط وادياً والتكبير إذا عَلا شَرَفاً

- ‌إباحة تعاقب الجماعة الركُوبَ الواحد في الغزو عند عدم القدرة على غيره

- ‌مَن أَحبَّ الخروج للغزو يومَ الخميس

- ‌ما يُؤمَر من انضمام العسكر

- ‌في المياسرة والمرافقة في الغزو

- ‌حرمة نساء المجاهدين ومن خان غازياً في أهله

- ‌خروج النساء للتمريض ونحوه

- ‌حَمل الرجل امرأتَه في الغزو دون بعض نسائه

- ‌غزوة النساء مع الرجال

- ‌تحريم إسناد القتال إلى النّساء

- ‌فضل الخدمة في الغزو

- ‌إذن الوالدين في جهاد التطوع

- ‌هل يُستأذَن الدائن

- ‌حكم الاستعانة بالمشركين في الجهاد

- ‌النهي عن السفر بالمصحف إلى أَرض الحرب

- ‌ما يُنهى عنه في الحرب

- ‌هل تُرمى حصون العدوّ بالمنجنيق ونحوه من المهلكات وفيهم النساء والذرية

- ‌الدعوة قبل القتال

- ‌الدعاء عند القتال

- ‌الإلحاح على الله -تعالى- في طلب النصر

- ‌كراهةُ تمنّي لقاءَ العدْوّ، والأمرُ بالصبر عند اللقاء

- ‌وجوب الثبات عند لقاء العدوّ ومتى يجوز الفرار

- ‌المبايعة على الموت أو عدم الفرار

- ‌ التحنّط عند القتال:

- ‌مَا يُتَعَوَّذُ مِنْ الْجُبْنِ

- ‌ما جاء في المبارزة

- ‌ما يجوز للرجل مِنَ الحَمْل وحده على جيش العدوِّ وتأويل قول الله -تعالى-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

- ‌الخُيَلاء في الحرب

- ‌التكبيرُ عند الحرب

- ‌الغارة على الأعداء ليلاً

- ‌القتال أول النهار أو الانتظار حتى تهُبّ الريح

- ‌إذا ارتدّ على المقاتل سلاحه فقتله فله أجرُه مرّتين

- ‌من لهم ثواب الشهداء

- ‌ماذا يجد الشهيد من مسّ القتل

- ‌فضل الحرب في البحر

- ‌هل يسلم المجاهد نفسه للأسر

- ‌من ركع ركعتين عند القتل

- ‌استقبال الغزاة

- ‌مراسلة المجاهدين والديهم وأهليهم

- ‌انتهاء الحرب

- ‌لا يجوزُ نزْعُ ثيابِ الشهيد التي قُتل فيها

- ‌استحبابُ تكفين الشهيد بثوبٍ واحدٍ أو أكثر فوق ثيابهِ (2)

- ‌لا يُشْرَعُ غَسْلُ الشهيد قتيلِ المعركة ولو كان جُنُباً

- ‌أين يُدفن الشهيد

- ‌دفنْ أكثر من شهيد في قبر واحد إذا كَثُر القتلى

- ‌ما يقول إذا رجع من الغزو

- ‌إذا قَدِمَ الإمام أو القائد مِن الغزو يبدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين

- ‌مراجعة الإمام أو القائد مَن تخلّف من الغزو والقتال

- ‌قتال الإمام مانعي الزكاة

- ‌قتل الجاسوس

- ‌في حُكم قتل الجاسوس إذا كان مُسلماً

- ‌من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار

- ‌الهدنة

- ‌عقد الذمّة

- ‌موجب هذا العقد:

- ‌الأحكامُ التي تجري على أهل الذِّمَّة:

- ‌الجزية

- ‌مشروعيتها:

- ‌ممن تُقبَل

- ‌مقدار الجزية

- ‌ما يجوز للإمام اشتراطه

- ‌الزيادة من غير إجهاد ولا مشقّة

- ‌تحريم أخْذ ما يَشُقُّ على أهل الجزية

- ‌إعفاء من لم يقدر على أدائها

- ‌لا تُؤخَذ الجزية مِن النساء والصبيان

- ‌لا تؤخذ الجزية ممن أسلم ولو كان إسلامه فراراً من دفع الجزية

- ‌خَتْم رقابِ أهل الجزية في أعناقهم

- ‌بمَ يُنقض العهد

- ‌الغنائم

- ‌تعريفها:

- ‌إحلالها لهذه الأمّة دون غيرها

- ‌وجوب المجيء بالغنائم إذا نادى المُنادي في الناس بذلك

- ‌كيفية تقسيم الغنائم

- ‌يستوي في الغنائم مِن أفراد الجيش القوي والضعيف ومَن قاتَل ومن لم يُقاتِل

- ‌السَّلَب للقاتل

- ‌تخميس السَّلَب إذا بلغ مالاً كثيراً

- ‌جواز تنفيل بعض الجيش مِن الغنيمة

- ‌ردّ أموال وسبايا التائبين

- ‌إذا غنم المشركون مال المسلم ثمّ وجده المسلم

- ‌حُكم الأرض المغنومة

- ‌الغُلول

- ‌تعريفه:

- ‌تحريم الغُلول:

- ‌ما يجوز الانتفاع به قبل قسمة الغنائم

- ‌أسرى الحرب

- ‌جوازُ استرقاقِ الكُفّار مِنْ عربٍ أو عَجَم

- ‌إذا أسلم الأسير حَرُمَ قتْلُه

- ‌ما وَرَد في الإحسان إلى الأسرى

- ‌ما ورَد في الإحسان إلى الرقيق

- ‌ربط الأسير وحبْسُه

- ‌نفيُ جوازِ قتْلِ الحربيّ إذا أتى ببعضِ أَمارات الإسلام

- ‌تحرير الرقاب

- ‌الفيء

- ‌إنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله نفقةَ سَنتِهِم مِن الفيء، وجعْل الباقي في مَجْعَل مال الله

- ‌يُراعى في قَسْم الفيء قِدَمُ الرجل في الإسلام وبلاؤُه، وعِيالُه وحاجتُه

- ‌إعطاء المتزوج حظّين والعزب حظاً واحداً

- ‌استيعاب الفيء عامّة المسلمين

- ‌عطاء المحرَّرين

- ‌كيفية تجزئة النبيّ صلى الله عليه وسلم الفيء

- ‌مصادر الفيء

- ‌مصارف الفيء

- ‌عقد الأمان

- ‌مَن أَمّنه أحد المسلمين صارَ آمناً

- ‌تحريم قتل المؤمَّن

- ‌حُكم الرسول كالمؤَمّن

- ‌المستأمَن

- ‌حقوقه

- ‌الواجب عليه

- ‌تطبيق حكم الإسلام عليه

- ‌مُصادرة ماله

- ‌ميراثه

- ‌العهود والمواثيق

- ‌شروط العهود:

- ‌نقض العهود:

- ‌الإعلام بالنقض تحرُّزاً عن الغدر

- ‌إقرار القوانين الدّولية في تحريم قتل الرسل

- ‌قتال البغاة

- ‌لا يُجهز على الجريح منهم ولا يُسلب القاتل ولا يُطلب المولّي

- ‌أقسام البغاة وما جاء في تأويلهم

- ‌هل البغاة والخوارج لفظان مترادفان أم لا

- ‌إذا بغت طائفة ولم تَقْبَل الصلح كانت بمنزلة الصائل

- ‌العدل بين الطائفتين وما يترتّب على ذلك مِن ضمان وقِصاص وحَمالة

- ‌ثواب صبر مَنْ يظُنّ أنّه مظلوم مبغيٌّ عليه

- ‌ما يفعله ولاة الأمور مع أقوام لم يصلّوا ولم يصوموا

- ‌لا يجوز لإحدى الطائفتين أن تقول: نأخذ حقّنا بأيدينا

- ‌مَن قَتَل أحداً بعد إصلاح

- ‌بيان طُرُق الإصلاح المذكور في قوله تعالى: {فأصلِحوا بين أخويكم}

- ‌متى يُقاتَل الخوارج والمتمرّدون على الإمام

- ‌ما جاء مِن نصوص تبيّن بعض أمارات الخوارج ومثيري الفتن

- ‌السمع والطاعة للإمام ما لم يَأْمُر بمعصية وما جاء في عدم منازعة الأمر أهله

- ‌السلام في الإسلام

- ‌أسباب النصر والتمكين

- ‌1 - التوحيد

- ‌2 - اتباع منهج النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌3 - اتباع مَنْهج السلف الصالح

- ‌4 - العلم

- ‌5 - تزكية النفوس والائتمار بما أمر الله -تعالى- والانتهاء عما نهى -سبحانه

- ‌6 - ترْك الذنوب والمعاصي والأهواء

- ‌7 - ترك التحايل

- ‌8 - ترْك البِدَع

- ‌9 - الإعداد العسكري

- ‌10 - الإعداد المعنوي

- ‌11 - التآلف واجتماع الكلمة، وعدم التفرق والاختلاف

- ‌لماذا هُزِم المسلمون

- ‌عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار

- ‌عجباً من التخبُّط والعشوائية في طلب النَّصر

- ‌البشرى بانتصار المسلمين وانتشار الإسلام

الفصل: ‌لماذا هزم المسلمون

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "فهذا إِخبارٌ مِن الله -تعالى- بمحبته عبادَه المؤمنين إذا اصطفُّوا مُواجِهين لأعداء الله في حومة الوَغى، يُقاتِلون في سبيل الله مَن كفَر بالله، لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، ودينُه هو الظاهر العالي على سائر الأديان.

وقال ابن عباس: {كأنهم بنيانٌ مرصُوصٌ} مُثبَت لا يزول، مُلصَقٌ بعضُه ببعض. وقال قتادة:{كأنهم بنيانٌ مرصُوصٌ} ألم تَرَ إلى صاحِب البنيان، كيف لا يُحبُّ أن يَخْتَلف بنيانه؟. فكذلك الله عز وجل لا يُحبُّ أن يختلفَ أمرُه، وإنّ الله صفَّ المؤمنين في قتالهم، وصفَّهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله، فإنه عِصمةٌ لمَن أخَذ به

" (1)

‌لماذا هُزِم المسلمون

؟

لقد كثُرت على المسلمين النكبات والمصائب بعد القرون الخيرية، وطمع فينا الأعداء، وتداعَوا على أمّتنا؛ كما تتداعى الأكَلَةُ على قصعتها.

لقد احتلَّ المشركون والكُفَّار كثيراً من بلاد المسلمين وتسلَّطوا على أهلها، وعاثوا فساداً فيها؛ تقتيلاً وتذبيحاً وإهانةً وإذلالاً.

لقد مضى فينا قوله صلى الله عليه وسلم: "يوشِك الأممُ أن تَدَاعى عليكم كما تَدَاعى الأكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، فقال قائل: ومنْ قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ؛ ولكنَّكم غثاءٌ كغثاء السَّيْلِ، ولَيَنْزعنَّ اللهُ مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وَلَيقْذِفنَّ الله في قلوبكم الوَهْنَ. فقال قائلٌ: يا رسول الله! وما الوَهْنُ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية

(1) مُلتقط من "تفسير ابن كثير".

ص: 353

الموت" (1).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "يُوشِكُ أهل العراق أنْ لا يُجْبَى إليهم قَفِيزٌ ولا دِرهم. قلنا: مِنْ أين ذاك؟ قال: من قِبَلِ العَجَم. يمنعون ذاك. ثم قال: يُوشِك أهل الشَّأْم أن لا يُجْبَى إليهم دينار ولا مُدْيٌ.

قلنا: مِن أين ذاك؟ قال مِن قِبَلِ الرُّوم ثمّ أسْكَتَ (2) هُنَيَّةً (3).

ثمّ قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أمَّتي خليفةٌ؛ يَحثي المال حَثْياً لا يَعُدُّه عدداً" (4).

قال: قلتُ لأبي نضرةَ وأبي العلاء: أتريان أنّه عمرُ بن عبد العزيز؟ فقالا: لا.

وقد قال الله- تعالى-: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً} (5).

وقال -سبحانه-: {وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين} (6).

وقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (7).

(1) أخرجه أبو داود وغيره، وصحَّحه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(958).

(2)

سكَتَ وأسْكَت: لغتان بمعنى صمت، وقيل: أسكت بمعنى أطرق وقيل بمعنى أعرض، "شرح النّووي". وانظر للمزيد من الفائدة ما قاله ابن الأثير رحمه الله في "النّهاية".

(3)

هُنَيَّةً: أي قليلاً من الزمان، وهو تصغير هَنَة. "النّهاية".

(4)

أخرجه مسلم: 2913.

(5)

النساء: 141.

(6)

الروم: 47.

(7)

محمد: 7.

ص: 354

وقال -سبحانه-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (1).

والنُّصوص التي تبشّر بالنَّصر في هذا الباب كثيرة معلومة قد ذَكَرْتُها تحت عنوان مستقلّ.

تأمّلات في الآيات المتقدّمة:

إنّ المتأمِّل في الآيات الكريمة يجد أنّ الله- تعالى- قد وعَد المؤمنين بالنَّصر، واشترط على الناس أن ينصروه حتى ينصرهم، وفي الآية الأخيرة قال ربُّنا - سبحانه-:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} .

فظهور الأمَّة على سائر الأمم؛ لا يكون إلَاّ بالعمل بمقتضى الرسالة: وهو الهدى ودين الحقِّ.

ولا بدَّ لنا أن نتعرَّف على صفات المؤمنين الذين لن يجعل الله للكافرين عليهم سبيلاً، والذين أخذ الله الحقَّ على نفسه؛ أن ينصُرهم ويجعلَهم سادة الأمم.

وهذه نماذجُ من صفات المؤمنين:

قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (2).

قلوبهم وجلة بذكره -سبحانه-، وإيمانهم يزداد بتلاوة آياته.

(1) التوبة: 33.

(2)

الأنفال: 2 - 4.

ص: 355

فكيف بمن هجَر الآيات؟!

وكيف بمن يفرح بالمعازف والأغاني؟!

وهل المعازف والأغاني هي مادَّة النّصر وسلاح المنتصرين؟!.

{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ، ولم يَفْهَم معنى التوكُّل إلَاّ القليل، وإذا ذكَّرْتهم بالتوكُّل على الله -تعالى- في الطعام والشراب قالوا: "

فإنّ السماء لا تمُطِر ذَهَباً ولا فِضّةً" لا بدَّ من أخْذ الأسباب.

أوَليس النصر يا قوم يتطلَّب الأسباب!

وهل السماءُ تمُطِر نصراً!!!.

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ، بالمحافظة على مواقيتها وإسباغ الطَّهور فيها وإتمام ركوعها وسجودها

فكيف بمن لا يُصلَّي!.

{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، إنها الزكاة والصدقة التي تطهرهم، قال -تعالى-:{خُذْ من أموالهم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكّيهم بها} ....

{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} ، أي: المتصِّفون بهذه الصفات هم المؤمنون حقَّ الإيمان -كما قال المفسِّرون-، لا بالدعوى ولا بالزعم؛ أنّ القلوب نقيَّة والأفئدة تقيّة ولو لم تُقَم الصلاة وتُؤْتَ الزكاة! وكم من قائلٍ هذه المقولة مِمَّن يحلمون بالنّصر!.

وقال- تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ

ص: 356

الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1).

ومن نماذج المجاهدين الخاشعين المنتصرين ما رواه جابر رضي الله عنه قال: "خرَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في غزوة ذات الرِّقاع - فأصاب رجلٌ امرأةَ رجلٍ من المشركين، فحَلَف: أن لا أنتهيَ حتى أهريق دماً في أصحاب محمد، فخرَج يتبع أثرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم منزلاً، فقال: مَنْ رجلٌ يكْلَأُنا (2)؟ فانتُدِب رجلٌ من المهاجرين، ورجلٌ من الأنصار، فقال: كُونا بفَمِ الشِّعْبِ. قال: فلمّا خرَج الرجلان، إلى فم الشعب اضطجع المهاجريُّ، وقام الأنصاريُّ يُصلّي، وأتى الرجل، فلمّا رأى شخصه؛ عَرَف أنّه ربيئةٌ (3) للقوم، فرماه بسهمٍ فوضَعَه فيه، فنزعَه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثمّ ركَع وسجَد، ثمّ انتبهَ صاحبه، فلمّا عَرَف أنهم نَذِروا (4) به هَرَب، ولمّا رأى المهاجريُّ ما بالأنصاريِّ مِن الدماء قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أوّلَ ما رمى، قال: كنتُ في سورةٍ من القرآن فلم أُحِبَّ أن أقطعَها"(5).

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ، معرضون عن الباطل المتضمِّن الشركَ والمعاصي وما لا فائدة فيه مِن الأقوال -كما قال بعض المفسِّرين-.

(1) المؤمنون: 1 - 11.

(2)

أي: يحفظنا ويحرسنا.

(3)

هو العين والطليعة الذي ينظر للقوم؛ لئلَاّ يدهمَهم عدوٌّ، ولا يكون إلَاّ على جبلٍ أو شَرَفٍ ينظُر منه. "النّهاية".

(4)

أحسُّوا بمكانه.

(5)

أخرجه أبو داود وغيره، وحسَّنه شيخنا رحمه الله في "صحيح سنن أبي داود"(182).

ص: 357

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} ، إلَاّ ما استثناه ربُّنا -سبحانه-، فكيف بمن يشتري بماله الأجهزة الفاسدة التي تملأ سمْعَه لغواً وتَعْرِض له العورات من أقصى البلاد؟

وكيف بمن يدفع بنفسه ليكون من العادين؟! وهل ينتصر العادون.

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} .

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "القَتْل في سبيل الله يُكفِّر الذنوبَ كلَّها إلَاّ الأمانة".

قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة -وإنْ قُتِلَ في سبيل الله-، فيقال: أدِّ أمانَتَك، فيقول: أيْ ربِّ! كيف وقد ذهَبَتِ الدنيا؟ فيُقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنْطَلَقُ به إلى الهاوية، وتمُثَّل له أمانتُه؛ كهيئتها يوم دُفِعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على مَنْكِبَيْه، حتى إذا ظنَّ أنّه خارجٌ؛ زلَّت عن مَنْكِبَيْه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين.

ثمّ قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، -وأشياءَ عدَّدَها-، وأشدُّ ذلك الودائع" (1).

وناشدتكم الله؛ هل ينتصر خائنُ أمانةٍ وناقضُ عهدٍ!.

وقال- تعالى-: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ

(1) أخرجه أحمد والبيهقي موقوفاً، وحسَّنه شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(2995)، ولهذا حكم الرفع؛ لأنه لا يُقال في الغيبيات من قبيل الرأي.

ص: 358

الْمَصِيرُ} (1).

فأين موالاة المؤمنين؟ وأين معاداة الكافرين؟ وهل تأملون نصراً ممَّن وصفه الله بقوله {فليس من الله في شيءٍ} ؟

وأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم: "ترى المؤمنين في تراحُمهم وتوادِّهم وتعاطُفهم؛ كَمَثَلِ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ؛ تداعى له سائر جسده، بالسهر والحمى"(2)؟

وأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالْبُنيان يشدُّ بعضه بعضاً"(3)؟

وقال- سبحانه-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (4)، فكيف بمن يأمر بالمنكَر وينهى عن المعروف.

وقد قال- تعالى-: {إِلَاّ تَفعَلُوهُ} أي: أن يكون بعضكم أولياء بعض؛ كما هو شأن الكُفَّار في هذه المسألة. {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (5)، ألسنا نعاين هذه الفتنة ونشهد هذا الفساد!.

وقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (6)، فأين طاعة الله في توحيده واتِّباع نبيِّه واجتناب البدع!.

(1) آل عمر ان: 28.

(2)

أخرجه البخاري: 6011 - واللفظ له-، ومسلم:2586.

(3)

أخرجه البخاري: 6026، ومسلم:2585.

(4)

التوبة: 71.

(5)

الأنفال: 73.

(6)

النساء: 59.

ص: 359

أين طاعة الله في الائتمار بما أمَر والانتهاء عمّا نهى وزجَر.

وقال -سبحانه-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (1)، فأَمارة الإيمان بالله واليوم الآخر هو الردُّ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند التنازع.

فكيف بمن يدرس القانون البشري ليردَّ إلى الأحكام الوضعيَّة.

وهل يجلب النصرَ من يردُّ أموره وشؤونه إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟! وقد قال -سبحانه-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (2)، فمن كانت له الخِيَرة فيما يقضيه الله ورسوله من أمر؛ فليس له الخِيَرَة أن يطلب النَّصر أو المجد أو العزَّة.

وقال -سبحانه-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3)، وكيف ينتصر مَن كثُر حرجُه ممّا قضى لهم الشرع، وكانوا بمنأى عن التسليم له.

وقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} (4)، وكم مِن هذه الأمّة ممّن قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، فكيف بمن نأى عن السماع وفرَّ من الاستماع؟!

(1) النساء: 59.

(2)

الأحزاب: 36.

(3)

النساء: 65.

(4)

الأنفال: 20 - 21.

ص: 360