الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنْ كان الجهاد على مسافة لا تُقصَر فيها الصلاة؛ اشتُرط أن يكون واجداً للزاد، ونفقة عائلته في مدة غيبته، وسلاح يقاتل به، ولا تُعتَبر الرّاحلة؛ لأنّه سفر قريب.
وإنْ كانت المسافة تُقصَر فيها الصلاة، اعتُبِر مع ذلك الراحلة؛ لقول الله - تعالى-:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (1).
متى تُشرع الحرب
(2)
تُشرع الحرب في حالة الدفاع عن النفس، والعرض، والمال، والوطن؛ عند الاعتداء.
يقول الله -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (3).
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن قُتل دون ماله فهو شهيد" (4).
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتِل دون دمه، فهو شهيد، ومَن قُتِل دون دينه فهو شهيد، ومن
(1) التوبة: 92.
(2)
عن "فقه السُّنَّة"(3/ 394) بتصرف وزيادة.
(3)
البقرة: 190.
(4)
أخرجه البخاري: 2480، ومسلم:141.
قتل دون أهله فهو شهيد" (1).
ويقول الله -سبحانه-: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} (2).
وتُشرع الحرب أيضاً؛ حالةَ الدفاع عن الدعوة إلى الله، إذا وقَف أحدٌ في سبيلها بتعذيبِ مَنْ آمَن بها، أو بصدِّ مَن أراد الدخول فيها، أو بمنع الداعي مِن تبليغها، لقوله -تعالى-:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ *وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (3).
وقد تضمنت هذه الآيات ما يأتي:
1 -
الأمر بقتال الذين يبدؤون بالعدوان، ومقاتلة المعتدين، لكفّ عدوانهم.
2 -
أمّا الذين لا يبدؤون بعدوان، فإنه لا يجوز قتالهم ابتداءً، لأنّ الله -تعالى- نهى عن الاعتداء، وحرّم البغيَ والظلمَ في قوله:{وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (4).
(1) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "أحكام الجنائز"(ص 57).
(2)
سورة البقرة: 246.
(3)
سورة البقرة: 190 - 193.
(4)
البقرة: 190.
3 -
وتعليل النهي عن العدوان، بأنّ الله لا يُحب المعتدين، دليل على أنَّ هذا النهي محُكم غير قابل للنسخ، لأنّ هذا إخبار بعدم محبة الله للاعتداء، والإخبار لا يدخله النسخ؛ لأنَّ الاعتداء هو الظلم، والله لا يحبُّ الظلم أبداً.
4 -
أنّ لهذه الحرب المشروعة غاية تنتهي إليها، وهي منع فتنةِ المؤمنين والمؤمنات، بترك إيذائهم، وترك حريّاتهم؛ ليمارسوا عبادة الله ويقيموا دينه، وهم آمِنون على أنفسهم مِن كلّ عدوان.
وقد بيَّنَت هذه الآية سببين مِن أسباب القتال:
(أولهما) القتالُ في سبيل الله، وهو الغاية التي يسعى إليها الدين، حتى لا تكونَ فتنة، ويكون الدين لله.
(وثانيهما) القتال لنُصرة المستضعفين، الذين أسلموا بمكة، ولم يستطيعوا الهجرة، فعذَّبَتْهم قريش، وفَتَنَتْهم حتى طلبوا من الله الخلاص، فهؤلاء لا غِنى لهم عن الحماية التي تَدفعُ عنهم أذى الظالمين، وتمُكّنهم مِن الحرية، فيما يدينون ويعتقدون.
ويقول الله -سبحانه-: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا
(1) النساء: 75.
جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (1).
قال ابن كثير رحمه الله:
"هؤلاء قوم آخرون من المُسْتَثنَين عن الأمر بقتالهم، وهم الذين يجيئون إلى المصاف، وهم حَصِرَةٌ صدورهم، أي: ضيّقةٌ صدورهم مُبْغضين أن يقاتلوكم، ولا يَهونُ عليهم أيضاً أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم.
{ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} أي: من لُطفه بكم أن كفَّهم عنكم {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم} أي: المُسالمة {فَما جَعَلَ الله لكم عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} أي: فليس لكم أن تقتلوهم، ما دامت حالهم كذلك، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر مِن بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال وهم كارهون، كالعباس ونحوه". انتهى
فهؤلاء القوم الذين لم يقاتِلوا قومهم، ولم يقاتِلوا المسلمين واعتزلوا محاربة الفريقين، وكان اعتزالهم هذا اعتزالاً حقيقياً؛ يُريدون به السلام، فهؤلاء لا سبيلَ للمؤمنين عليهم.
ويقول الله- تعالى-: {وَإِنْ جَنَحُوا (2) لِلسَّلْمِ (3) فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} (4).
ففي هذه الآية الأمر بالجنوح إلى السَّلم؛ إذا جنح العدو إليها، حتى ولو
(1) النساء: 90.
(2)
جنحوا: أي مالوا. وانظر "تفسير ابن كثير".
(3)
السَّلم: أي المسالمة والمصالحة والمهادنة. وانظر "تفسير ابن كثير".
(4)
الأنفال: 61 - 62.