الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهل هذه سمات المنتصرين!!.
وإليك - سدّدني الله وإياك:
عوامل الهزيمة وأسباب الدَّمار
(1):
1 -
ضعف الاهتمام بترسيخ الاعتقاد والإيمان وتحقيق التوحيد.
وسنَّةُ الله -تعالى- ماضيةٌ في نصر الدعاة إلى التوحيد؛ مِن الأنبياء والرُّسل عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم.
2 -
ضعف الاهتمام بترسيخ التأسي والاقتداء بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام رضي الله عنهم ومنهج سلف الأمّة.
3 -
وكذلك الخَلَل في التوكل على الله -سبحانه-، قال -تعالى-:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (2).
4 -
التنازع والاختلاف، وضعف الائتلاف. قال الله -تعالى-:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (3).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تختلفوا فإنّ مَنْ كان قبلكم اختلفوا فهلكوا"(4).
(1) وسأذكرها بإجمالٍ دون تفصيل مخافة التطويل؛ بما يتناسب مع موضوع كتابنا -نفَع الله به- علماً بأنَّ لي كتاباً مستقلاً بعنوان: لماذا هُزم المسلمون؟ يسَّر الله -تعالى- إخراجه.
(2)
التوبة: 51.
(3)
الأنفال: 46.
(4)
أخرجه البخاري: 2410.
عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جدِّه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعَث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشّرا ولا تُنَفِّرا، وتطاوَعا ولا تختلفا" (1).
5 -
التحايل على الدين، ولاسيّما في أمور التجارة والبيع والشراء وتقدّم غير بعيد حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا تبايعتم بالعِينَة،
…
".
6 -
إدخال المظهريات الجوفاء والشكليات الخاوية في أمور الدين. "إذا زوَّقتم مساجدكم وحلَّيْتُم مصاحفكم فالدمار عليكم"(2).
وأقول: وفي الحديث: "أيُّما أهلُ بيتٍ مِن العرَب والعجَم، أراد الله بهم خيراً، أدخَل عليهم الإسلام، ثمّ تقع الفتن كأنها الظُّلل (3) "(4).
"وخرَج عمر بن الخطاب إلى الشام، ومعه أبو عبيدة بن الجراح، فأتَوا على مخاضةٍ (5) وعمرُ على ناقة، فنزَل عنها، وخلَع خفَّيه، فوضعَهما على عاتقه، وأخَذ بزمام ناقته، فخاض بها المخاضة.
(1) أخرجه البخاري: 3038، ومسلم: 1733، وتقدّم.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف" وهناك خلاف بين رفْعه ووقْفه على أبي الدرداء رضي الله عنه وانظر تخريجه في "الصحيحة"(1351)، وفيه رجَّح شيخنا رفْعه.
قلت: ذكر شيخنا رحمه الله أن ابن أبي شيبة رواه مرفوعاً، وعزاه إلى مخطوطة الظاهرية.
أقول: هي في المطبوعة برقم (3148) موقوفة على أبي سعيد: فالإسناد هكذا
…
عن سعيد بن أبي سعيد قال: قال أبي: وذكَره.
(3)
الظُّلل: واحدتها ظُلَّة، كل ما أظلَّك؛ أراد كأنَّها الجبال والسُّحُب. "النّهاية".
(4)
أخرجه أحمد والحاكم وغيرهما، وصحَّحه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(51).
(5)
الخوض: المشي في الماء، والموضع مخاضة: وهو ما جاز الناس فيها مشاة وركباناً. "لسان العرب".
فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أأنت تفعل هذا؟! تخلع خُفَّيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرُّني أنَّ أهل البلد استشرفوك!
فقال عمر: أَوْهِ (1)! لو يقل ذا غيرك يا أبا عبيدة؛ جعلته نَكالاً (2) لأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزَّ بغير ما أعزَّنا الله به، أذلَّنا الله" (3).
وفي رواية: "يا أمير المؤمنين! تلقاك الجنود وبطارقة الشام؛ وأنت على حالك هذه؟! فقال عمر: إنَّا قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العزَّ بغيره"(4).
7 -
القتال تحت الرايات العُمِّيَّة، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ خَرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات مِيتَةً جاهليِّةً. ومَنْ قاتل تحت رايةٍ عُمِّيَّةٍ، يغضب لِعَصَبَةٍ، أو يدعو إلى عَصَبَةٍ، أو يَنْصُر عَصَبةً، فقُتِل، فقِتْلَةٌ جاهليَّةٌ، ومَنْ خرَج على أمّتي، يضرب بَرَّها وفاجرَها، ولا يتحاشَ (5) مِن
(1) كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجُّع، وبعضهم يفتح الواو مع التشديد فيقول:"أوَّه". "النّهاية".
(2)
أي: عِبرة.
(3)
رواه الحاكم (1/ 61 - 62) من طريق طارق ابن شهاب وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، قال شيخنا رحمه الله وهو كما قالا، وانظر "السلسلة الصحيحة" تحت الحديث (51).
(4)
انظر المصدر السابق.
(5)
في بعض النسخ والروايات يتحاشى أي: لا يكترث بما يفعله فيها، ويخاف وبالَه وعقوبَته، وانظر "شرح النّووي".
مؤمنها، ولا يفي لذي عهْدٍ عَهْدَه، فليس منّي ولست منه" (1).
فعجباً كيف يقود الأعمى المبصرين إلى ساحة الوغى!
وعن أبي العَجْلان المُحارِبي قال: "كنت في جيش ابن الزبير، فتوفي ابن عمٍّ لي، وأوصى بجَمَلٍ له في سبيل الله، فقلت لابنه: ادفع إليَّ الجمل؛ فإنّي في جيش ابن الزبير، فقال: اذهب بنا إلى ابن عمر حتى نسألَه.
فأتينا ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن! إنّ والدي تُوُفِّيَ، وأوصى بجملٍ في سبيل الله، وهذا ابن عمي، وهو في جيشِ ابن الزبير، أفأدفع إليه الجمل؟
قال ابن عمر: يا بُنيّ! إنّ سبيل الله كلُّ عملٍ صالح، فإنْ كان والدك إنّما أوصى بجمله في سبيل الله عز وجل، فإذا رأيت قوماً مسلمين يغزون قوماً مِن المشركين، فادفع إليهم الجمل؛ فإنّ هذا وأصحابَه في سبيل غلمانِ قومٍ أيُّهم يضع الطابَع" (2).
8 -
عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن حذيفة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده، لتأْمُرُنَّ بالمعروف، ولتنْهونَّ عن المنكر، ولَيوشكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عِقاباً منه، ثمّ تدعونه فلا يستجيب لكم"(3).
9 -
استيلاء الغفلة والشهوة والذنوب، قال -تعالى-: {إنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا
(1) أخرجه مسلم: 1848.
(2)
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وانظر "صحيح الأدب المفرد"(284).
(3)
أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1762)، وحسَّنه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(2313).
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنفُسِهِمْ} (1).
10 -
عدم تحمُّل المسؤولية، قال صلى الله عليه وسلم:"كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته: الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها، ومسؤولةٌ عن رعيَّتها، والخادم راعٍ في مال سيِّده وهو مسؤولٌ عن رعيَّته"(2).
11 -
البحث عن العزة بغير الدَّين، قال الله -تعالى-:{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (3)، وقال -تعالى-:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (4)، وفيه قول عمر رضي الله عنه المتقدِّم:"إنَّا كنَّا أذلَّ قومٍ، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العزَّ بغير ما أعزَّنا الله به، أذلَّنا الله".
12 -
عدم معرفة قدْر العلماء الرَّبانيين، قال الله -تعالى-:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (5).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيهِ علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإنّ العالِم لَيسْتَغْفِرُ له مَن في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفَضْل العالم على العابد كفَضْل القمر على سائر الكواكب، وإنّ العلماء وَرَثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُورِّثوا
(1) الرعد: 11.
(2)
أخرجه البخاري: 893، واللفظ له، ومسلم:1829.
(3)
النساء: 139.
(4)
المنافقون: 8.
(5)
فاطر: 28.
ديناراً ولا درهماً إنما ورَّثوا العلم فمن أخذَه أخذَ بحظٍّ وافر" (1).
وإنّ العلماء وَرَثة الأنبياء، فيجب تحكيم ورثته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
وإنّك لتسمع في المصائب والملمّات والنّكبات: أين العلماء؟!.
فأقول: إن قوّة العلماء باستجابة الأمّة والمجتمعات. وهل أنتم مستجيبون لتوجيهات العلماء؟!
أين استجابتكم في تحقيق التّوحيد تفقُّهاً وعَمَلاً بمقتضاه؟!
أين استجابتكم في تحقيق اتباع النبيّ صلى الله عليه وسلم واجتناب البدعِ والضَّلالات؟!
أين استجابتكم في الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم؟!
أين استجابتكم في ترْك الربا والغيبة والنميمة؟!
أين استجابتكم في الائتمار بأوامِر الله واجتناب نواهيه؟!
فأين أنتم؟! أين أنتم؟! أين أنتم؟!.
13 -
الخلاف بين الراعي والرعيَّة.
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خِيارُ أئِمَّتكم الذين تحبُّونهم ويحبُّونكم، ويُصلُّون عليكم وتُصلُّون عليهم، وشرارُ أئمّتكم الذين تُبغِضونهم ويُبغِضونكم وتَلْعنونهم ويَلْعنونكم.
قيل: يا رسول الله! أفلا نُنَابذُهم بالسّيف؟ فقال: لا؛ ما أقاموا فيكم
(1) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وحسَّنه لغيره شيخنا رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(70).
الصلاة، وإذا رأيتم مِن وُلاتِكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمَله ولا تَنْزِعوا يداً مِن طاعةٍ" (1)
واعلم -رحمني الله وإياك- أنّ المجتمع يتكوَّن من الراعي والرعيّة والعلماء، فإذا لم يكن الحبُّ والتآلف والطاعة؛ كان الدَّمار والهزيمة، وتعطيل الجهاد في سبيل الله -تعالى-.
فيجب السعي لتحصيل التوافق المذكور؛ إذ هو من السُّنَنِ الكونية التي لا يمكن تجاهلها والتغافل عنها.
فالواجب على الحُكَّام أن يعلموا دورهم ومسؤوليتهم العظيمة؛ بالحكم بما أنزَل الله -تعالى-، والعمل بمقتضى الكتاب والسنَّة؛ والرجوع إلى العلماء الرَّبانيين؛ للإفادة منهم في ذلك. وعلى الأُمَّه طاعة الحُكّام والسلاطين والأمراء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(28/ 170): "وأولو الأمر: أصحابُ الأمر وذووه؛ وهم الذينَ يَأْمُرون الناس؛ وذلك يشترك فيه أهلُ اليد والقدرة وأهل العلم والكلام؛ فلهذا كان أولوا الأمر صنفين: العلماء؛ والأمراء. فإذا صلَحوا صَلَح الناس، وإذا فَسَدوا فَسَد الناس".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى"(28/ 394): "فإذا كان المقصودُ بالسلطان والمالِ؛ هو التقربَ إلى الله وإنفاقَ ذلك في سبيله، كان ذلك صلاحَ الدين والدنيا. وإنِ انفردَ السلطان عن الدين، أو الدين عن السلطان؛ فسَدَت أحوالُ الناس، وإنّما يمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته بالنية
(1) أخرجه مسلم: 1855.
والعمل الصالح؛ كما في "الصحيحين"(1) عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبِكم وأعمالِكم".".
وكذا ينبغي على العلماء أن يكونوا ربانيين، عاملين بمقتضى عِلْمهم، حتى يظلّوا في مقام الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة.
14 -
ترك الجهاد في سبيل الله -تعالى- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعِينَة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتُم بالزَّرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذُلاًّ لا يَنْزِعُه حتى ترجعوا إلى دينكم"(2).
وعن أبي بكرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترَك قوم الجهاد؛ إلَاّ عمَّهم الله بالعذاب"(3).
قال شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(تحت الحديث 2663): "والحديث مِن أعلام نبوّته صلى الله عليه وسلم كما يشهَد بذلك واقع المسلمين في كثيرٍ مِن البلاد، وما حادِثةُ مهاجمةِ اليهود للمسلمين، وهم سجود صُبْح الجمعة مِن رمضان، هذه السنة (1414) في مسجد الخليل في فلسطين ببعيد. وصدَق الله: {ومَا أصَابَكُمْ مِن
(1) انظر "صحيح مسلم"(2564)، ولم أجده في "صحيح البخاري".
(2)
أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني في "الكبير"، وخرَّجَه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة" برقم (11)، وتقدّم.
(3)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"، وخرجه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(2663)، وتقدّم.