الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب تارك الصّلاة
وهو في "التنبيه" في أول (كتاب الصلاة)(1)، وفي "الروضة" بعد (الجنائز)(2).
943 -
قولهما: (إن ترك الصلاة جاحداً وجوبها .. كفر)(3) فيه أمور:
أحدها: قال في "التصحيح": الصواب: أنه يعذر في تأخير الصلاة عن وقتها من جهل وجوبها من غير تفريط في التعلم، كمن أسلم بدار الحرب وتعذرت هجرته، أو نشأ منفرداً ببادية ونحوها. انتهى (4).
وكذا أورده في "شرح المهذب"، ثم أجاب عنه: بأنه خارج بلفظ الجحود؛ فإن الجحد لغة: إنكار ما سبق الاعتراف به، فمن لم يعرف الوجوب .. لا يسمى جاحداً له (5).
ثانيها: أن الجحد كافٍ في الحكم بكفره، حتى لو صلى ولكن قال: إنها غير واجبة عليه .. حكمنا بردته، ذكره في "المهمات"، وهو واضح.
ثالثها: لا يختص هذا بجحود الصلاة، وأطلق الرافعي جريانه في جحود كل مجمع عليه (6)، وقيده النووي بأن يكون فيه نص وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام (7).
944 -
قول "التنبيه"[ص 24]: (ومن امتنع غير جاحد لوجوبها حتى خرج الوقت .. قتل في ظاهر المذهب) فيه أمور:
أحدها: قال في "الكفاية": إنه يشمل ما لو أبدى للترك عذراً صحيحاً أو باطلاً وامتنع منها، قال: وهو ظاهر كلامهم، لكن في "التتمة": أن المذهب: المنع.
قلت: وحكاه في "الروضة" عن "التتمة"، وأقره عليه، وصححه في "التحقيق"(8)، وكذا يرد على قول "الحاوي" [ص 200]:(وعمداً) لأن العذر لا يخرجه عن العمدية، ولا يرد ذلك على قول "المنهاج" [ص 714]:(أو كسلاً) فإنه يخرج ما لو أبدى عذراً.
ويجاب عن "التنبيه" و"الحاوي": بأن كلامهما في المؤداة، وهذه الصورة في قضاء
(1) التنبيه (ص 24).
(2)
الروضة (2/ 146).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 24)، و"المنهاج"(ص 147).
(4)
تصحيح التنبيه (1/ 109).
(5)
المجموع (3/ 15).
(6)
انظر "فتح العزيز"(2/ 462).
(7)
انظر "المجموع"(3/ 15).
(8)
الروضة (2/ 148)، التحقيق (ص 160).
ما يبدي تاركه عذراً، وعدم القتل فيها واضح وإن قلنا: القضاء على الفور؛ لشبهة الخلاف فيه، بخلاف المؤداة، والله أعلم.
ثانيها: أنه يقتضي اعتبار خروج وقت تلك الصلاة المتروكة، وذلك إنما هو إذا لم تُجمع مع ما بعدها، والمعتبر في المجموعة مع ما بعدها - وهي الظهر والمغرب - خروج وقت ما بعدها؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 147]:(بشرط إخراجها عن وقت الضرورة) و"الحاوي"[ص 200]: (عن وقت الجمع) وهما في المعنى سواء.
ثالثها: اعتبارهم خروج الوقت يخالفه اعتبار النووي في "التحقيق" ضيق الوقت (1)، وهو الذي اختاره السبكي، وهو المذكور في "الروضة" أولاً، فقال: ومتى يقتل؟ فيه أوجه، الصحيح: بترك صلاة واحدة إذا ضاق وقتها، ثم قال في آخر كلامه: والاعتبار بإخراج الصلاة عن وقت الضرورة، فإذا ترك الظهر .. لم يقتل حتى تغرب الشمس، وإذا ترك المغرب .. لم يقتل حتى يطلع الفجر، حكاه الصيدلاني وتابعه الأئمة عليه. انتهى (2).
وهو متناقض؛ فإن مقتضى اعتبار الضيق قتله بترك الظهر إذا بقي من وقت العصر مقدار يسعها فقط، ولا يتوقف على خروج الوقت، وقال في "الكفاية"؛ إذا ضاق وقت الصلاة بحيث يتحقق فواتها إذا لم يؤدها .. نوجب عليه القتل في تلك الحالة. انتهى.
ومقتضاه: أنه لو بقي من الوقت ما لا يسع ركعة .. قتل حينئذ؛ لأنه قد تحقق فواتها، وهذا أمر ثالث غير خروج الوقت وضيقه، والله أعلم.
رابعها: في "الكفاية" عن بعضهم: أن مقابل ظاهر المذهب: مذهب المزني أنه يحبس ويؤدب، وأن بدل الواو فاء؛ أي: فيقتل بترك الرابعة تفريعاً على القتل، والأصح: اعتبار ضيق وقت الثانية كما تقدم، وفيه نظر؛ لأن تفرد المزني لا يعد من المذهب، وقيل: إن مقابل ظاهر المذهب: الوجه القائل: بأنه ينخس أو يضرب بخشبة حتى يصلي أو يموت، ولا يقتل صبراً.
خامسها: يستثنى من ذلك: فاقد الطهورين إذا ترك الصلاة متعمداً؛ فإنه لا يقتل؛ لأنه مختلف فيه، ذكره القفال في "فتاويه".
945 -
قولهما: (ويستتاب)(3) زاد "التنبيه"[ص 24]: (كما يستتاب المرتد) وهو يقتضي وجوب الاستتابة، لكن صحح في "التحقيق": استحبابها (4)، ولذلك لم يذكرها "الحاوي"، وكأن الفرق شدة الردة؛ لاقتضائها الخلود في النار، بخلاف ترك الصلاة، لكن الرافعي عكس ذلك
(1) التحقيق (ص 160).
(2)
الروضة (2/ 146، 147).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 24)، و"المنهاج"(ص 147).
(4)
التحقيق (ص 160).