الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ الوضوء
111 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (نوى رفع الحدث) أُورِد عليه أمور:
أحدها: أن الأصح: أن دائم الحدث لا يكفيه الاقتصار على نية رفع الحدث، أورده في "التصحيح"(1)، وقد يقال: هذا مفهوم من قوله في المتيمم: (وينوي استباحة الصلاة)(2)، وهذا لا يرد على "المنهاج" و"الحاوي" لتصريحهما بالمسألة بعد ذلك (3).
ثانيها: قال في "الكفاية": (شمل كلامه ما لو اجتمع الحدثان أكبر والأصغر وقلنا بعدم الاندراج، والذي أورده الماوردي أنه لا يجزئ عن واحد منهما)(4).
قال النشائي في "نكته": (وصححه النووي في "التحقيق"، فكان حقه استدراكه)(5).
قلت: هذا استدراك على وجه ضعيف، وليس موضوع التصحيح ذلك.
ثالثها: أنه يقتضي أنه لو نوى رفع الحدث أكبر .. لا يجزئه، والأصح: الإجزاء، كذا صححه في "الكفاية" تبعًا للماوردي (6)، لكن صحح صاحب "البيان": عدم الصحة (7)، والمتجه: الفرق بين العامد والغالط، كما قاله المحب الطبري، وهو الموافق لقولهم: إن نوى غير ما عليه .. صح مع الغلط لا مع العمد، وقد تورد هذه على "الحاوي"، وقد يُدّعى دخولها في قوله:(أو غيرها غلطًا)(8)، وقد يقال: تصحيح "الكفاية" لا ينافي كلام الشيخ؛ فإن تقييد الحدث بالأكبر لا ينافي إطلاقه.
رابعها: أنه يخرج ما لو نوى من عليه أحداث رفع أحدها، والأصح: صحته؛ ولذلك عدل في "المنهاج" عن عبارة "المحرر"(9)، وهي مثل عبارة الشيخ إلى قوله:(رفع حدث) بالتنكير؛ ليتناول هذه الصورة كما نبه عليه في "الدقائق"(10)، وهو متناول للصورة قبلها، فلا ترد عليه إن وافق على تصحيح "الكفاية"، وإلا .. وردت عليه، وقد يقال: من نوى حديثًا معينًا .. فقد نوى
(1) تصحيح التنبيه (1/ 73).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 20).
(3)
انظر "الحاوي"(ص 124)، و"المنهاج"(ص 73).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(1/ 94).
(5)
نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 5)، وانظر "التحقيق"(ص 54).
(6)
انظر "الحاوي الكبير"(1/ 94).
(7)
البيان (1/ 103).
(8)
انظر "الحاوي"(ص 123).
(9)
المنهاج (ص 73)، المحرر (ص 11).
(10)
الدقائق (ص 33).
رفع الحدث؛ لأن الحدث لا يتجزأ، وصرح بهذا الفرع في "الحاوي"(1).
خامسها: أنه يخرج ما لو نوى غير ما عليه، والأصح: الصحة مع الغلط دون العمد، فترد على عبارة "التنبيه" صورة الغلط، وعلى عبارة "المنهاج" صورة العمد؛ لتناول لفظه لها مع عدم الصحة فيها، وصرح بالمسألة في "الحاوي"(2).
سادسها: أنه يخرج ما لو نوى رفع الحدث والتبرد، والأصح: الصحة، كذا أورده في "الكفاية"، ولو ادعى تناوله .. لم يَبْعُد؛ فإنه لا ينافي المذكور؛ لحصوله مطلقًا.
سابعها: أنه يخرج ما إذا فرق النية على الأعضاء فنوى عند كل عضو رفع الحدث عنه، والأصح: الصحة، كذا أورده في "الكفاية"، وصرح بهذه المسألة والتي قبلها في "المنهاج" و"الحاوي"(3)، ويصح أن يقال:(نوى رفع الحدث مطلقًا، ونوى رفع الحدث عن كل عضو عضو).
أورد هذه الإيرادات الستة في "الكفاية".
112 -
قول "المنهاج"[ص 73]: (أو استباحة مفتقر إلى طهر) لو قال: (إلى وضوء) كما في "الحاوي"(4) .. لكان أولى؛ لأن القراءة والمكث في المسجد مفتقران إلى طهر، وهو الغسل، مع أنه لا يصح الوضوء بنية استباحتهما، ولا يَرِدُ هذا على قول "التنبيه" [ص 15]:(أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بالطهارة؛ كمس المصحف) لأن تمثيله يخرج القراءة ونحوها، وأيضًا: تعريف الطهارة مشعر بالعهد، وهو الوضوء المعقود له الباب، بخلاف التعبير يطهر مُنَكَّر، ولا تمثيل معه بعينه للوضوء.
113 -
قول "المنهاج"[ص 73]: (أو أداء فرض الوضوء) يكفي أيضًا: (أداء الوضوء) بإسقاط لفظة (فرض)، و:(فرض الوضوء) بإسقاط لفظة (أداء)، فلو أسقط أحدهما .. لكان أحسن، ويفهم الصحة مع جمعهما من طريق الأولى، وقد يقال: إسقاطة لفظة (فرض) أولى كما في "الحاوي" حيث قال [ص 124]: (أداء الوضوء) لأن الإتيان بلفظة (فرض) يخص قصد ما هو فرض، فلا يشمل مسنونات الوضوء؛ كالمضمضة والاستنشاق ونحوهما، وهذا الإشكال يتوجه أيضًا على نية رفع الحدث؛ فإنه لا يتوقف على السنن، فلم تشمله النية.
وقد يجاب: بدخولها تبعًا؛ كنية فرض الظهر، على أن النووي صحح في "شرح المهذب"
(1) الحاوي (ص 123).
(2)
الحاوي (ص 123).
(3)
الحاوي (ص 124)، المنهاج (ص 73).
(4)
الحاوي (ص 124).
و"التحقيق": إجزاء نية الوضوء فقط (1)، فعلى هذا لو حذف "المنهاج" اللفظتين و"الحاوي" لفظة أداء .. لكان أولى، والله أعلم.
114 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (أو الطهارة للصلاة) وفي "الحاوي"[ص 124]: (الطهارة عن الحدث) ومقتضاهما: أنه لا يكفي نية الطهارة فقط، وهو ما صححه النووي (2)، وكلام الرافعي يقتضي الصحة؛ فإنه قال:(ينوي رفع الحدث أو الطهارة عنه، فإن أطلق .. كفى) انتهى (3).
وأسقط من "الروضة" قوله: (فإن أطلق .. كفى)(4).
115 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (النية عند غسل الوجه) أي: أول غسل الوجه، فلو عزبت بعد ذلك .. لم يضره، وعبر "المنهاج" بقوله [ص 73]:(بأول الوجه) وفيه إضمار تقديره: بأول غسل الوجه أو بغسل أول الوجه، والأول هو الموافق لتعبير "الحاوي" بقوله [ص 123]:(بأوله) أي: بأول الغسل، وهو أولى من الثاني، إذ لا أول للوجه، وقال بعضهم في توجيه كونه أولى: لأن الثاني يقتضي تعين النية عند أول الوجه، وهو منابت شعر الرأس أو غيره من أطرافه، ولا شك أنه يكفي اقترانها بأول جزء مغسول منه ولو كان وسطه؛ كالأنف.
قال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (ويخدش التعبيرين معًا أنه لو ابتدأ بغسله من أوله ثم نوى عند وصوله إلى وسطه .. فإنه لم ينو عند أول غسله ولا عند غسل أوله مع أن نيته صحيحة قطعًا، غايته: أنه يجب إعادة ما غسله منه قبل النية، فلا مخلص إلا أن يقول: ويجب قرنها بغسل جزء من الوجه، ثم يجب غسل باقيه)(5).
قلت: الموضع الذي نوى عنده هو أول الغسل الشرعي، وما قبله ليس مغسولًا عن وضوء، بل يجب غسله مرة أخرى، فكأنه غير مغسول بالكلية؛ لأن الكلام في الغسل عن الوضوء، والله أعلم.
ثم إن هؤلاء الثلاثة إنما تكلموا على وقتها الواجب، فلو قارنت أول الوجه .. لم يُثَب على ما قبله من السنن في الأصح، ولو اقترنت بسنة من سننه المتقدمة، ثم عزبت قبل الوجه .. لم يصح وضوءه في الأصح.
قال النووي: (إلا أن ينغسل شيء من حمرة الشفة مع المضمضة إن قصد به غسل الوجه، وكذا إن لم يقصد في الأصح، ويحتاج إلى غسل ذلك الجزء في الأصح)(6).
(1) المجموع (1/ 380)، التحقيق (ص 54).
(2)
انظر "المجموع"(1/ 384).
(3)
انظر "فتح العزيز"(1/ 99).
(4)
الروضة (1/ 48).
(5)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(1/ 111).
(6)
انظر "المجموع"(1/ 381).
فالأكمل: أن ينوي عند أول السنن ويستصحبها ذكرًا إلى أول غسل الوجه.
116 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (وهو ما بين منابت شعر الرأس ومنتهى اللحيين والذقن طولًا) فيه أمور:
أحدها: قال في "الكفاية": (أي: المعتادة؛ ليدخل الغمم ويخرج الصلع) ولهذا قال في "المنهاج"[ص 73]: (غالبًا)، وقال في "الإقليد" تبعًا للإمام:(إنما تلزم هذه الزيادة -يعني: قوله: "غالبًا"- لمن قال: من الشعر، أما من قال: من منابت شعر الرأس .. فلا؛ فإن منابت الرأس معلومة، أنبتت أم لم تنبت، جاوزها الشعر أو وقف عندها) انتهى.
وهو الحق، فمنبت موضع النبات، كما أن الأرض منبت بمعنى الصلاحية إن لم يكن فيها نابت، وهذا شأن مَفْعِلْ، فقيد "المنهاج" غير محتاج إليه.
ثانيها: أن مقتضاه: أن منتهى اللحيين ليس من الوجه، وليس كذلك، بل ما أقبل منهما من الوجه، إلا أن يريد بمنتهاهما: ما يليهما من جهة الحنك، كما قال الرافعي (1).
ثالثها: أنه يشعر بمغايرة منتهى اللحيين للذقن مع أنهما شيء واحد، وعبر "المنهاج" بقوله [ص 73]:(ما بين منابت رأسه غالبًا ومنتهى لحييه)، ويرد عليه الإيراد الثاني على "التنبيه"، وأن قوله:(غالبًا) غير محتاج إليه كما تقدم، بل لا معنى له؛ فإن منابت شعر رأسه شيء موجود لا غالب فيه ولا نادر، وإنما يصح الإتيان بقوله:(غالبًا) لو عبر بالرأس من غير إضافة، كما فعل غيره.
وعبر "الحاوي" بقوله [ص 123]: (ما بين الرأس ومنتهى الذقن واللحيين) فاستغنى عن التقييد بالغالب، بل استحال معه ذلك مع الاختصار، وورد عليه الإيرادان الأخيران على "التنبيه"، وهنا تنبيهات:
أحدها: المراد بالغسل هنا: الانغسال، ولا يشترط أن يغسله المتوضئ، وكذا الحكم في باقي الأعضاء.
ثانيها: المراد: ظاهر هذا المحدود؛ فإنه لا يجب غسل داخل العين والفم والأنف.
ثالثها: لا بد مع ما ذكره من غسل ما يتحقق به استيعاب الوجه، وهو جزء من الرأس والرقبة وما تحت الذقن، كما في "الروضة" عن الأصحاب (2).
117 -
قول "المنهاج"[ص 73]: (وكذا التحذيف في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (في الأظهر) كما في "المحرر"(3) لأن الخلاف قولان:
(1) انظر "فتح العزيز"(1/ 105).
(2)
الروضة (1/ 52).
(3)
المحرر (ص 11).
نقل الإِمام عن النص: أنه من الوجه (1)، ونقل أبو إسحاق عن "الإملاء": أنه من الرأس (2). وقال في "شرح المهذب": (اتفق الأصحاب على حكايتهما وجهين وهما قولان)(3).
ونقل الرافعي في "شرحيه" عن الأكثرين: أنه من الرأس، خلاف ما صححه في "المحرر"(4) ولذلك مشى عليه في "الحاوي"(5)، واستدركه في "المنهاج"، فقال [ص 73]:(قلت: صحح الجمهور: أن موضع التحذيف من الرأس، والله أعلم)(6).
118 -
قول "المنهاج"[ص 73]: (لا النزعتان) وفي "المحرر": (لا الصلع والنزعتان)(7) فكان ينبغي ذكره؛ لأن الضابط كما أدخل الغمم أخرج الصلع، فلا وجه لذكر أحدهما دون الآخر، وقد ذكره في "الحاوي"، فقال [ص 123]:(والصلع وجانبيه) وهما النزعتان.
119 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (إلا الحاجب والشارب والعنفقة والعذارين؛ فإنه يجب غسل ما تحتها وإن كثف الشعر عليها) فيه أمور:
أحدها: هذا الاستثناء من قوله: (وإن كان عليه شعر كثيف .. لم يلزمه غسل ما تحته)(8)، وفصل ما بين المستثنى والمستثنى منه بقوله:(ويستحب أن يخلل الشعور كلها)(9)، وقال المحب الطبري: الأظهر: أنه من قوله: (ويستحب أن يخلل الشعور) فهو استثناء متصل؛ لقربه، وفي بعض النسخ حذف (الشعور)، فإن أضمرناها .. فهو متصل، وإن أضمرنا اللحية الكثيفة .. فالظاهر: أنه متصل أيضًا؛ لأنها اسم للشَّعر، وقيل: منفصل؛ لأنها اسم لشعر مخصوص، وذكر ابن يونس في "التنويه": (أن الذي في غالب نسخ "التنبيه": "وتخليل اللحية إلا الحاجب
…
إلى آخره"، قال: وحذفناه؛ لأنه استثناء منقطع؛ إذ ليس الحاجب وأخواته من اللحية، فهو كقولك: جاءني الناس إلا حمارًا) انتهى.
وما حكاه من لفظ الشيخ لم نره في شيء من النسخ.
ثانيها: أورد عليه في "التصحيح" شعورًا أُخَر بلفظ الصواب، فقال: (والصواب: وجوب غسل ما تحت الشعر الكثيف على الخد، وما تحت لحية المرأة والخنثى، والأهداب،
(1) انظر "نهاية المطلب"(1/ 69).
(2)
انظر "بحر المذهب"(1/ 103).
(3)
المجموع (1/ 432).
(4)
فتح العزيز (1/ 106)، المحرر (ص 11).
(5)
الحاوي (ص 123).
(6)
موضع التحذيف: ما نزل عما بين طرف الأذن وزاوية الجبين. انظر "الدقائق"(ص 34).
(7)
المحرر (ص 11).
(8)
انظر "التنبيه"(ص 15).
(9)
انظر "التنبيه"(ص 15).
وما عم الجبهة، وكذا بعضها في الصحيح) انتهى (1).
قال شيخنا جمال الدين في "تصحيحه": (تعبيره بالصواب ممنوع؛ ففي "الروضة": فيهن وجهان)(2).
وقال في "المهمات": (إن الإيجاب مشكل؛ لأنها وإن كانت نادرة لكنها دائمة، وقاعدتنا: أن النادر الدائم كالغالب، قال: وهذا البحث لا يأتي في لحية المرأة؛ لأنه يستحب لها حلقها) انتهى.
وأيضًا: فهذه الأمور مفهومة مما ذكره الشيخ؛ لأنها في معناها في ندرة الكثافة، ذكره في "الكفاية".
وذكر منها في "المنهاج" مع الأربعة المذكورة في "التنبيه": شعر الخد، والأهداب (3)، فبقى عليه: الغمم، ولحية المرأة والخنثى.
والتصريح بالخد من زيادته على "المحرر" من غير تمييز، ونقل النشائي في "نكته" الخلاف في الغمم إذا عَمَّ عن "الكفاية"(4)، وهو قصور؛ فإنه في "الشرح" و"الروضة" كما تقدم (5).
وقال شيخنا شهاب الدين بن النقيب: (كذا صرح بمسألة الغمم في "تصحيح التنبيه"، ولم أره في غيره إلا بالنسبة إلى أصل الغسل، وأما بالنسبة إلى غسل البشرة تحته وإن كثف .. فلم أره، ووجهه ظاهر؛ لأن أصل النبات نادر، فما ظنك بالكثافة؟ ) انتهى (6).
ومراده: التصريح بذكره، وإلا .. فهو داخل في كلامهم؛ لأنهم قسموا الشعور الحاصلة في حد الوجه إلى نادرة الكثافة، وغيرها.
قال في "الروضة": (فالنادرة؛ كالحاجبين والأهداب والشاربين والعذارين، فيجب غسل ظاهر هذه الشعور وباطنها مع البشرة تحتها وإن كثفت، ولنا وجه شاذ: أنه لا يجب غسل منبت كثيفها)(7).
هذه عبارة "الروضة"، وهي شاملة للغمم في الفتوى وفي الوجه الشاذ، وهذه الأمور المذكورة أمثلة، وكان هذا عذر النسائي في نقل الخلاف عن "الكفاية" -أعني: عدم التصريح به
(1) تصحيح التنبيه (1/ 76).
(2)
تذكرة النبيه (2/ 410)، وانظر الروضة (1/ 51، 52).
(3)
المنهاج (ص 74).
(4)
نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 6).
(5)
فتح العزيز (1/ 108)، الروضة (1/ 52).
(6)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(1/ 116).
(7)
الروضة (1/ 51)
في "الروضة"- وليس بعذر؛ فإنه لم يصرح في "الروضة" بالخد أيضًا.
ثالثها: ذكر الشارب مفردًا، وكذا فعل في "المنهاج" تبعًا للجمهور (1)، وفي "الشرح" و"الروضة" تبعًا للغزالي بالتثنية (2)، وكلاهما في "الأم"(3)، فقيل: أراد: شعر الشفتين، وقيل: ما على جانبي العليا؛ لأن ما على السفلى عنفقة.
120 -
قول "المنهاج"[ص 74]: (شعرًا وبشرًا) أُورِد: أنه كان ينبغي إسقاط (شعرًا)، ويقول:(وبشرتها) أي: بشرة جميع ذلك، فقوله:(شعرًا) تكرار؛ فإن ما تقدم اسم لها لا لمنابتها، وقوله:(وبشرًا) غير صالح لتفسير ما تقدم.
وأجيب: بأنه ذكر الخد أيضًا، فنص على شعره كما نص على بشرة ما ذكره من الشعر.
121 -
قوله: (وقيل: لا يجب باطن عنفقة كثيفة)(4) أي: ولا بشرتها، ولو قال:(وقيل: عنفقة كلحية) .. لكان أشمل وأخصر، وقيل بطرده في الجميع، وقد تقدم.
122 -
قوله: (واللحية إن خَفَّتْ كَهُدْبٍ، وإلا .. فليغسل ظاهرها)(5) فيه أمران:
أحدهما: في معنى اللحية: العارضان، ولم يصرح به في "الحاوي".
ثانيهما: المراد: لحية الرجل؛ لتخرج لحية المرأة والخنثى، كما تقدم بيانه، وعنه احترز في "الحاوي" بقوله [ص 123]:(لحية الرجل).
123 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (وفيما نزل من اللحية عن الذقن قولان، أحدهما: يجب إفاضة الماء على ظاهره، والثاني: لا يجب) فيه أمور:
أحدها: الخلاف جار في الخارج عن حد الوجه من الشعور الخفيفة؛ كالعذار والعارض والسبال إذا طال، وهذا يرد أيضًا على قول "الحاوي" [ص 123]:(وظاهر اللحية النازلة).
ثانيها: لم يبين أظهر القولين، وهو الوجوب.
ثالثها: قوله: (على ظاهره) تأكيد؛ لأن الإفاضة: إمرار الماء على الظاهر، كما نقله الرافعي عن اصطلاح المتقدمين (6)، وقد سلم "المنهاج" من هذه الأمور؛ حيث قال [ص 74]:(وفي قول: لا يجب غسل خارج عن الوجه) لكنه متناول لظاهرها وباطنها، مع أن الخلاف إنما
(1) المنهاج (ص 74).
(2)
فتح العزيز (1/ 107)، الروضة (1/ 51)، وانظر "الوجيز"(1/ 122).
(3)
الأم (1/ 25).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 74).
(5)
انظر "المنهاج"(ص 74).
(6)
انظر "فتح العزيز"(1/ 110).
هو في الظاهر فقط، ولا يجب غسل الباطن قطعًا، كما صرح به الرافعي (1)، فكان ينبغي أن يعبر بالإفاضة؛ كما فعل في "التنبيه"، أو بغسل الظاهر.
رابعها: أن الإِمام وغيره ذكروا أن هذا الخلاف خاص بالكثيف، أما الخفيف: فالخلاف في ظاهره وباطنه (2)، وصوَّبه في "شرح المهذب"، قال:(وكلام الباقين -يعني من أطلق- محمول عليه)(3)، واستبعد قوله في "البسيط": هل تجب الإفاضة على ظاهره خفيفًا كان أو كثيفًا؟ قولان.
وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا، وأما "المنهاج": فإنه لم يقيد الخلاف في الخارج عن حد الوجه بظاهره كما تقدم، فتناول كلامه باطنه أيضًا، لكنه لا يستقيم مع الكثافة؛ فإن الخلاف في باطنه إنما هو مع الخفة كما تقرر، فالإيراد لازم له أيضًا.
124 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (فإن كان أقطع من فوق المرفق .. استُحِب أن يمس الموضع ماء) فيه أمران:
أحدهما: قد يفهم من لفظ الإمساس: المسح، وبه صرح المحاملي في "لبابه" فعد المسحات تسعًا منها هذا (4)، لكن المراد به: الغسل، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث التيمم:"فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَكَ"(5).
ثانيهما: قد يفهم من التقييد بالأقطع: أنه لا يستحب لغيره التحجيل، وبه قال المزني (6)، لكنه مستحب مطلقًا؛ للأحاديث الصحيحة، والتقييد إنما هو لنفي وجوب الغسل.
125 -
قول "المنهاج"[ص 74]: (أو من مرفقيه .. فرأس عظم العضد على المشهور) تبع "المحرر" و"الشرح الصغير" في طريقة القولين (7)، ورجح في "الروضة": طريقة قاطعة بالوجوب، أدرج ترجيحها في كلام الرافعي، وليس فيه ترجيحها (8).
126 -
قول "الحاوي"[ص 124]: (وما يحاذيها من يد زائدة) قال الرافعي: (صار كثير من المعتبرين إلى أنه لا يجب غسل المحاذي)(9)، وقال في "الشرح الصغير":(وهو قوي).
(1) انظر "فتح العزيز"(1/ 110).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(1/ 71، 72).
(3)
المجموع (1/ 441).
(4)
اللباب في الفقه (ص 84).
(5)
أخرجه أحمد (21342)، والدارقطني (1/ 187)، وعبد الرزاق (912)، وابن أبي شيبة (1/ 144)، والطبراني في "مسند الشاميين"(2743) من حديث سيدنا أبي ذر رضي الله عنه.
(6)
مختصر المزني (ص 2).
(7)
المحرر (ص 11).
(8)
الروضة (1/ 52)، وانظر "فتح العزيز"(1/ 111).
(9)
انظر "فتح العزيز"(1/ 112).
127 -
قول "المنهاج"[ص 74]: (الرابع: مسمَّى مسح لبشرة رأسه، أو شعر في حده) قد يفهم من هذه العبارة: وجوب مسح جميع الرأس؛ فإن قوله: (بشرة رأسه) حقيقة في جميعها، ويكون المستفاد من قوله:(مسمَّى مسح): أن المعتبر: أن يكون وصول الماء إلى الرأس بطريق المسح لا بطريق غيره، وهذا ليس المراد بلا توقف، بل المراد: وجوب مسح أقل جزء من بشرة رأسه أو شعره، فلو قال:(مسمَّى مسح لبعض بشرة رأسه) .. لكان أحسن.
128 -
قوله -عطفًا على (الأصح) -: (ووضع اليد بلا مَدٍّ)(1) عبر في "الروضة" بالصحيح (2)، وبينهما في اصطلاحه تفاوت، والمراد: وضعها مبلولة، فقول "الحاوي" [ص 124]:(أو بله) أحسن منه؛ لإفصاحه بالمراد، وقد ترد هذه المسألة على قول "التنبيه" في فروض الوضوء [ص 16]:(ومسح القليل من الرأس) لأن هذا البل ليس مسحًا، وقد يرد عليه أيضًا: غسل الرأس، وقد صرح بها في "المنهاج" و"الحاوي"(3).
وقد يجاب عن الغسل: بأنه مسح وزيادة.
129 -
قول "التنبيه"[ص 15]: (فيبدأ بمقدم رأسه، ويذهب بيديه إلى قفاه، ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه) هذا فيمن له شعر ينقلب، فلو لم يكن له على رأسه شعر، أو كان ولكنه لطوله لا ينقلب .. لم يسن العود، فلو عاد .. لم يحسب ثانية، كما ذكره البغوي (4)، وتبرك الشيخ بلفظ الخبر؛ ولأن الغالب وجود شعر ينقلب.
130 -
قول "المنهاج"[ص 74]: (أو شعر في حده) هو معنى قول "الحاوي"[ص 124]: (لم يخرج بالمد عنه) والمراد: أنه لا يخرج بالمد عن حد الرأس من جهة النزول إلى الرقبة والمنكبين، لا من جهة العلو؛ فإن الجميع يخرج بذلك.
131 -
قولهما: (وغسل الرجلين)(5) أي: لمن ليس لابس خف، كما صرح به في "الحاوي"(6).
132 -
قول "التنبيه"[ص 16]: (والترتيب) زاد "الحاوي"[ص 126]: (أو إمكانه في غسل بنية رفع الحدث أو الجنابة)، وتبع في ذلك الرافعي في "شرحيه" و"محرره"(7)، وصححه
(1) انظر "المنهاج"(ص 74).
(2)
الروضة (1/ 53).
(3)
الحاوي (ص 124)، المنهاج (ص 74).
(4)
انظر "التهذيب"(1/ 254).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 16)، و"المنهاج"(ص 74).
(6)
الحاوي (ص 124).
(7)
فتح العزيز (1/ 117، 118)، المحرر (ص 12).
السبكي، وصحح في "المنهاج": الصحة وإن لم يمكن الترتيب؛ بأن لم يمكث، وكذا فعل في "الروضة" وغيرها من كتبه (1)، وهنا أمور:
أحدها: يستثنى من الخلاف: الوجه، فيرتفع الحدث عنه قطعًا أمكن الترتيب أم لم يمكن إذا قارنته النية.
ثانيها: مقتضى كلام "الحاوي": ارتفاع الحدث بنية الجنابة سواء غلط أو تعمد، وهو مقتضى كلام الرافعي والنووي (2)، لكنه مخالف لما تقدم من أنه إذا نوى غير ما عليه عمدًا .. لا يصح، وقد صور المسألة بالنسيان القاضي حسين في "شرح فروع ابن الحداد" والبغوي (3)، ومقتضاه: عدم الصحة مع العمد، واختاره السبكي، فليحمل كلامهم عليه.
ثالثها: أطلق "التنبيه" وجوب الترتيب، واستثنى منه في "المنهاج": صورة الغسل كما تقدم، وضم إليها "الحاوي": ما إذا انضم إلى الأصغر جنابة .. فيسقط الترتيب، والحق: عدم استثنائه؛ لأن الساقط هنا: الوضوء لا ترتيبه.
وضم غيرهما إليهما صورًا:
الأولى: إذا غسل جنب بدنه إلا رجليه ثم أحدث، وقلنا بالاندراج، وهو الأصح .. وجب غسل الرجلين عن الجنابة، والأعضاء الثلاثة عن الحدث، ويجب ترتيب الثلاثة، وله تقديم الرجلين على الأصح فيهما.
الثانية: إذا شك هل الخارج من ذكره مني أو مذي؟ وقلنا: فرضه الوضوء .. ففي وجوب الترتيب وجهان، صحح الغزالي: وجوبه (4)، والجويني: مقابله (5).
الثالثة: إذا أولج مشكل ذكره في دبر آدمي .. انتقض وضوء المولج فيه بالإخراج، وهل يلزمه ترتيب الوضوء؟ فيه وجهان، وكذا يلزم المولج غسل أعضاء الوضوء؛ لأنه إن كان امرأة .. فقد أحدث، أو رجلًا .. فقد أجنب، وفي الترتيب وجهان.
رابعها: قول "المنهاج"[ص 74]: (فالأصح: أنه إن أمكن تقدير ترتيب) عبر عنه في "الروضة" بالصحيح (6).
خامسها: عبر في "المحرر" بقوله: (وإن لم يمكن؛ بأن خرج في الحال أو غسل
(1) المنهاج (ص 74)، الروضة (1/ 55)، وانظر "المجموع"(1/ 505)، و"التحقيق"(ص 62).
(2)
انظر "فتح العزيز"(1/ 118، 119)، و"المجموع"(1/ 506).
(3)
انظر "التهذيب"(1/ 272).
(4)
انظر "الوجيز"(1/ 123)، و"الوسيط"(1/ 275).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(1/ 90، 91).
(6)
الروضة (1/ 55).
الأسافل قبل الأعالي .. فلا يجزئه) انتهى (1).
وتقديم غسل الأسافل لا يفهم من عبارة "المنهاج" ولما استدركه عليه .. قال: (الأصح: الصحة بلا مكث)(2)، وذلك إنما يفهم مسألة الخروج في الحال، وظاهره: الموافقة على تصحيح المنع في الغسل منكوسًا، ونقل تصحيحه في "شرح المهذب" عن اتفاق الأصحاب، وصححه في "التحقيق"(3).
133 -
قولهم: (السواك عرضًا)(4) يقتضي ألا تتأدى السنة به طولًا، ونقله الرافعي عن جماعة منهم المتولي، قال الرافعي: وعلى هذا هو متعين لتحصيل هذه السنة، ونقل عن الإِمام الغزالي: أنه يستاك طولًا وعرضًا، فإن اقتصر .. فالعرض أولى (5)، وعبارة "التحقيق" توافقه؛ فإنه قال:(وأفضله: بأراك وبيابس نُدّي، وعرضًا) انتهى (6).
فظاهره: تأدي أصل السنة بالطول، ولكن العرض أولى، والمراد: عرض الأسنان في طول الفم.
ويستثنى من ذلك: اللسان، فيستاك فيه طولًا، كما ذكره الشيخ تقي الدين في "شرح العمدة"، واستشهد له بحديث في سنن أبي داوود (7).
134 -
قول "المنهاج"[ص 74]: (بكل خشن، إلا إصبعه في الأصح) فيه أمور:
أحدها: أن هذه زيادة على "المحرر" من غير تمييز.
ثانيها: أنه فرض الخلاف في إصبعه، ومقتضاه: الإجزاء بإصبع غيره قطعًا، وبه صرح في "الدقائق" و"شرح المهذب"(8)، لكنه في "الروضة" و"التحقيق" و"شرح مسلم" وغيرها أطلق الخلاف (9).
ثالثها: مقابل الأصح وجهان:
أحدهما: الجواز مطلقًا، واختاره النووي (10).
(1) المحرر (ص 12).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 74).
(3)
المجموع (1/ 509)، التحقيق (ص 62).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 14)، و"الحاوي"(ص 126)، و"المنهاج"(ص 74).
(5)
انظر "فتح العزيز"(1/ 121)، و"الوسيط"(1/ 279).
(6)
التحقيق (ص 50).
(7)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 70)، وانظر "سنن أبى داوود"(باب كيف يستاك؟ ) حديث (49)، و"مسند الإِمام أحمد"(19752).
(8)
الدقائق (ص 34)، المجموع (1/ 348).
(9)
الروضة (1/ 56)، التحقيق (ص 50)، شرح مسلم (3/ 143).
(10)
انظر "المجموع"(1/ 348).