الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ أداء الزّكاة
1213 -
كذا ترجم في "الروضة"(1)، وهو أحسن من ترجمة "المنهاج" بقوله [ص 175]:(فصل) لأنه لا يظهر اندراج أحكامه في الباب المتقدم، وهو (باب من تلزمه الزكاة، وما تجب فيه)(2).
1214 -
قول "المنهاج"[ص 175]: (تجب الزكاة على الفور إذا تمكن، وذلك بحضور المال والأصناف) هو معنى قول "التنبيه" في (قَسْم الصدقات)[ص 61]: (ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها .. لم يجز له تأخيرها، فإن أخرها .. أثم وضمن) ويستثنى من كلامهما مسائل:
إحداها: أن له التأخير لانتظار قريب أو جار، لكن يضمن لو تلف المال على الأصح فيهما، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 219]:(ولو انتظر القريب والجار .. جاز وضمن) وفي معنى ذلك: ما لو انتظر الأحوج، أو الأصلح، أو أخر لطلب الأفضل؛ بأن وجد السلطان .. فأخر ليفرق بنفسه حيث جعلناه أفضل، أو عكسه حيث جعلناه أفضل، لكن قال الإمام: له شرطان:
أحدهما: أن يظهر استحقاق الحاضرين، فإن تردد في استحقاقهم فأخر ليتروى .. جاز بلا خلاف.
الثاني: ألَاّ يشتد ضرر الحاضرين وَفَاقَتُهم، فإن تضرروا بالجوع .. لم يجز التأخير للقريب وشبهه بلا خلاف (3).
قال الرافعي: وفي هذا الشرط الثاني نظر؛ فإن إشباعهم لا يتعين على هذا الشخص، ولا من هذا المال، ولا من مال الزكاة (4).
قال النووي: هذا النظر ضعيف أو باطل (5).
الثانية: زكاة الفطر؛ فإنها تجب بغروب ليلة العيد، وله التأخير إلى غروب يومه.
الثالثة: قد يستثنى المعدن، فتجب زكاته بوجوده في الأصح، وله التأخير إلى الطحن والتصفية.
الرابعة: المعشر، فتجب زكاته بالزهو واشتداد الحب، وله التاخير إلى الجفاف والتصفية، وقد يجاب عن هاتين الصورتين: بأنه قبل التصفية والجفاف غير قادر؛ فإنها لا تجزئ حينئذ، إلا
(1) الروضة (2/ 204).
(2)
المنهاج (ص 174).
(3)
انظر "نهاية المطلب"(3/ 105، 106).
(4)
انظر "فتح العزيز"(3/ 40).
(5)
انظر "الروضة"(2/ 225).
إن دفع من غيره جافًا وخالصًا، وتعبير "الحاوي" [ص 219] (بحضور المال والمصروف إليه) أحسن من تعبير "المنهاج" [ص 175] بـ (الأصناف) لتناول المصروف إليه: الإمام، والساعي؛ فهو أعم، وأهملا للتمكن شرطاً آخر، ذكره البغوي وغيره، وهو: ألَّا يكون مشتغلًا بأمر مهم ديني أو دنيوي؛ كالصلاة وأكل ونحوهما (1)، وتعبير "التنبيه" أحسن من تعبير "المنهاج" من وجه؛ إذ ليس في عبارة "المنهاج" الإفصاح عن كون اعتبار ذلك إنما هو بعد حولان الحول، وذلك مفهوم من قول "التنبيه" [ص 61]:(ومن وجبت عليه الزكاة) فإنها إنما تجب بعد الحول.
1215 -
قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وله أن يؤدي بنفسه زكاة المال الباطن)(2) أورد بعضهم عليه: السفيه؛ فإنه لا يفرق بنفسه.
وجوابه: أن تفرقة وليه كتفرقته بنفسه.
1216 -
قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وكذا الظاهر على الجديد)(3) محل الخلاف: ما إذا لم يطلبها الإمام، فإن طلب زكاة الظاهر .. وجب دفعها إليه بلا خلاف، قاله في "الروضة"(4)، لكن في "الشافي" للجرجاني: في وجوب الدفع إليه قولان، ثم قال: وقيل: إن طلبها .. وجب قطعًا. انتهى.
ومقتضاه: طرد الخلاف مع الطلب، وبالمنع مع الطلب، قال القاضي أبو الطيب: وفي "البحر" وجهان في أنه هل له مطالبة من يعلم أنه يؤديها بنفسه أم لا؟ (5) قال في "المهمات": فتحصّلنا على ثلاثة أوجه.
1217 -
قولهم: (ويجوز أن يدفع إلى الإمام)(6) في معنى الإمام: نائبه، وهو الساعي.
1218 -
قول "التنبيه"[ص 62]: (وفي الأفضل ثلاثة أوجه، أحدها: أن يفرق بنفسه، والثاني: أن يدفع إلى الإمام، والثالث: إن كان الإمام عادلاً .. فالأفضل: أن يدفع إليه، وإن كان جائراً .. فالأفضل: أن يفرق بنفسه) فيه أمور:
أحدها: أن الأصح: الثالث، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(7)، وصحح في "شرح
(1) انظر "التهذيب"(3/ 22).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 62)، و"الحاوي"(ص 220)، و "المنهاج"(ص 175).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 62)، و"الحاوي"(ص 220)، و"المنهاج"(ص 175).
(4)
الروضة (2/ 206).
(5)
بحر المذهب (4/ 96، 97).
(6)
انظر "التنبيه"(ص 62)، و"الحاوي"(ص " 22)، و"المنهاج"(ص 175).
(7)
الحاوي (ص 220)، المنهاج (ص 175).
المهذب": أن الدفع إليه أفضل إن كانت ظاهرة مطلقًا، فإن كانت باطنة .. فيفرق بين أن يكون عادلاً أم لا (1).
ثانيها: أنه حكى هذا الخلاف أوجها، وحكاه "المنهاج" أقوالاً، فقال [ص 175]:(والأظهر: أن الصرف إلى الإمام أفضل، إلا أن يكون جائرًا) وعبارة "الروضة" تقتضي أن الخلاف في الباطنة وجهان، وفي الظاهرة طريقان؛ فإنه قال: إن كانت باطنة .. فأصح الوجهين عند الجمهور، وبه قطع الصيدلاني: أن الدفع إليه أفضل، وإن كانت ظاهرة .. فالمذهب: أن الدفع إليه أفضل، وبه قطع الجمهور، وطرد الغزالي فيه الخلاف، ومحل أفضلية الدفع إليه: هو إذا كان عادلاً، فإن كان جائراً .. فأصح الوجهين: أن التفريق بنفسه أفضل، والثاني: أنه كالعادل (2).
وذكر شيخنا ابن النقيب: أن ظاهر "المنهاج" الجزم بتفضيل التفرقة بنفسه إذا كان الإمام جائرًا (3).
وفيه نظر؛ فالظاهر: أن الاستثناء في قوله: (إلا أن يكون جائراً) داخل تحت الأظهر أيضاً، فيكون من محل الخلاف، كما صرح به غيره.
ثالثها: لم يحك "التنبيه" هذه الأوجه إلا في المال الباطن، وسكت عن المال الظاهر، وظاهر "المنهاج" حكاية الخلاف فيهما معاً، وهو كذلك.
رابعها: قال الماوردي: المراد بالعادل: العدل في الزكاة وإن جار في غيرها، وكذا في الجور، حكاه في "الكفاية" عن الماوردي (4)، وظاهره: تفسير كلام الأصحاب في المراد بالعدل والجور هنا، وعلل الماوردي منع الدفع إلى الجائر: بانه لا يصل الحق إلى المستحق (5)، ومقتضاه: أنه لو علم أنه يصل .. دفع، وهو ما صرح به في (قسم الصدقات)، وهذا يقتضي أن المراد به: الجائر في إيصال تلك الزكاة بخصوصها لا في مطلق الزكاة، وهذا أخص من الأول، واقتضى كلام السبكي: أن كلام الماوردي المتقدم وجه في المسألة؛ فإنه جمع في الدفع إلى الجائر أربعة أوجه: الجواز، والوجوب، والمنع، والتفصيل بين الجائر في الزكاة وغيرها.
1219 -
قول "المنهاج"[ص 175]: (وتجب النية، فينوي: "هذا فرض زكاة مالي"، أو "فرض صدقة مالي"، ونحوهما) يقتضي اشتراط نية الفرضية مع نية الزكاة، وليس كذلك، فلو
(1) المجموع (6/ 148، 149).
(2)
الروضة (2/ 205).
(3)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(2/ 148).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(3/ 133).
(5)
انظر "الحاوي الكبير"(3/ 133).
نوى الزكاة دون الفرضية .. أجزأه على المذهب، بخلاف نية الصدقة بدون الفرضية .. فإنه لا يجزئ؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 220]:(وينوي بالقلب الزكاة أو الصدقة الفرض) فقيد الصدقة بالفرض دون الزكاة، وقد استدرك ذلك النووي في "التصحيح" على قول "التنبيه" [ص 62]:(ينوي أنها زكاة ماله أو زكاة واجبة)، فقال: الأصح: أنه إذا نوى الزكاة فقط .. أجزأه، وتبعه على ذلك شيخنا الإسنوي (1)، ولا حاجة لاستدراكه؛ فقد ذكره أولًا في قوله:(زكاة ماله)، فدل على أنه مخير في نية الوجوب.
1220 -
قول "المنهاج"[ص 175]: (ولو عيَّن .. لم يقع عن غيره) محله: ما إذا لم ينو أنه إن بأن ذلك المنوي عنه تالفاً .. فعن غيره، فإن نوى ذلك فبان تالفًا .. وقع عن الآخر، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 220]:(إلا إذا صرَّح أن يسترد حينئذ، أو أن يقع عن الآخر)، قال الرافعي: وتجويز الإخراج عن الغائب جعله الكرخي جواباً على جواز نقل الصدقة، ويصح تصويره بما أشار إليه في "الشامل"، وهو أن تفرض الغيبة عن المنزل لا عن البلد (2).
قال في "المهمات": وهذا خروج عن ظاهر اللفظ ولا حاجة إليه، بل يتصور بما إذا كان ماله الغائب في موضع ليس فيه فقراء، وكان الموضع الذي هو فيه أقرب موضع إليه.
1221 -
قول "المنهاج"[ص 175]: (وتلزم الولي النية إذا أخرج زكاة الصبي والمجنون) ضم إليهما في "شرح المهذب" السفيه، وحكى الاتفاق على ذلك (3)، وقال السبكي: فيه نظر، وصرح بمسالة السفيه الجرجاني في "الشافي"، وقال ابن الرفعة: قضية تعليل منع نية الصبي بأنه ليس أهلَا للنية: اعتبار نية السفيه، قال: وفي الاعتداد بنيته نظر، وهذا يقتضي أنه لم يظفر فيه بنقل، وقد عرفت أنه منقول، ولعل إطلاق "الحاوي" نية الولي تشمله (4).
1222 -
قول "التنبيه"[ص 62]: (وإن دفع إلى وكيله ونوى الوكيل ولم ينو رب المال .. لم يجزه) يستثنى منه: ما إذا فوّض النية إلى الوكيل، فنوى الوكيل عند التفرقة .. فإنه يجزئ، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 220]:(أو الوكيل إن فوض النية إليه).
1223 -
قول "التنبيه"[ص 62]: (وإن نوى رب المال ولم ينو الوكيل .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الإجزاء، ومحل الخلاف: ما إذا كانت نية المالك عند الدفع للوكيل، فإن كانت نيته عند تفرقة الوكيل .. أجزأ قطعا.
(1) تصحيح التنبيه (1/ 212)، وانظر "تذكرة النبيه"(3/ 22).
(2)
انظر "فتح العزيز"(3/ 8).
(3)
المجموع (6/ 171).
(4)
الحاوي (ص 220).
وقد ذكر "المنهاج" التصحيح ومحل الخلاف، فقال [ص 176]:(وتكفي نية الموكِّل عند الصرف إلى الوكيل في الأصح) ولذلك أطلق "الحاوي" نية الموكل (1)، وأصل هذا الخلاف: أنه هل يجب اقتران النية بالدفع للمستحقين أم يجوز قبله؛ والأصح: الثاني، والمسألة في "التنبيه"، قال [ص 62]:(ويجوز أن ينوي قبل حال الدفع، وقيل: لا يجوز)، وكذا قال "الحاوي" [ص 220]:(وإن تقدمت على الأداء)، وقال ابن الرفعة: محل تقديم النية: أن ينوي عند العزل، أما قبله .. فقال الماوردي: لا يجزئه قطعاً؛ لأنها حينئذ قصد لا نية، وفي كلام القفال ما ينازع فيه، وفي "شرح المهذب" أن المتولي وغيره شرطوه، وأشار إليه الماوردي والبغوي، وألحق في "الكفاية" الكفارة المالية بالزكاة في ذلك، ونقله في "شرح المهذب" عن ظاهر النص، وصوبه (2)، ولكن في "الروضة" وأصلها في أول كفارة الظهار تصحيح المنع (3).
1224 -
قول "المنهاج"[ص 176]: (ولو دفع إلى السلطان .. كفت النية عنده) كذا حكم النية عند الدفع إلى الساعي.
1225 -
قوله: (فإن لم ينو .. لم يُجْزِ على الصحيح وإن نوى السلطان)(4) عبر في "الروضة" بالأصح (5)، وهو أولى لقوة مقابله؛ فإن جماعةً جزموا به وآخرين صححوه، وهو ظاهر نصه في "المختصر"(6).
1226 -
قوله: (والأصح: أنه تلزم السلطان النية إذا أخذ زكاة الممتنع)(7) محله: إذا لم ينو الممتنع عند الأخذ منه قهرًا، فإن نوى .. كفى وبرئ ظاهراً وباطنًا، ولعل تسمية هذا ممتنعاً إنما هو باعتبار امتناعه السابق، وإلا .. فقد صار بنيته غير ممتنع.
1227 -
قوله: (وأن نيته تكفي)(8) محل الخلاف في الاكتفاء بها: في إسقاط الفرض باطناً، أما الاكتفاء بها ظاهراً .. فلا خلاف فيه، أما إذا لم ينو الإمام ولا المأخوذ منه .. لم يبرأ باطناً، وكذا ظاهراً في الأصح.
(1) الحاوي (ص 220).
(2)
المجموع (6/ 186)، وانظر "الحاوي الكبير"(3/ 184، 185)، و"التهذيب"(3/ 63).
(3)
الروضة (8/ 279).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 176).
(5)
الروضة (2/ 208).
(6)
مختصر المزني (ص 45).
(7)
انظر "المنهاج"(ص 176).
(8)
انظر "المنهاج"(ص 176).