الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الصِّيام
1250 -
قول "التنبيه"[ص 65]: (ولا يجب صوم شهر رمضان إلا برؤية الهلال
…
إلى آخره) أحسن من تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بـ (رمضان)(1) بدون لفظة شهر؛ للخروج من الخلاف، فإن جماعة قالوا بكراهته، وهو مذهب المالكية (2)، وورد فيه حديث رواه البيهقي:"لا تقولوا: رمضان، ولكن قولوا: شهر رمضان"(3)، لكن الأصح: عدم كراهته؛ لكون الحديث لم يصح، وفي "الصحيحين": أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من صام رمضان"(4).
وتعليق "التنبيه" و"المنهاج" وجوب الصوم بإكمال شعبان ثلاثين، أو رؤية الهلال يخرج إدراكه بحساب أو تنجيم، وهو كذلك، لكن صحح النووي في "شرح المهذب": أنه يجوز لهما دون غيرهما الصوم، ولكن لا يجزئهما عن فرضهما، وقيل: يجوز لهما ويجزئهما (5).
واستشكل السبكي ما صححه النووي، وقال: أكثر الكتب ساكتة عنه في الحاسب، وكلام الرافعي عند الكلام في يوم الشك ينازع فيه (6)، وصحح الجمهور في المنجم: عدم الجواز، وسبقه إلى نقل ذلك عن الجمهور ابن الصلاح (7)، قال السبكي: وأما الجواز مع عدم الإجزاء .. فبعيد، بل الصواب: أنه إذا جاز .. يجزئ، وهو الوجه الثاني. انتهى.
وقد تفهم عبارة "الحاوي" أنه لا يجوز لهما الصيام؛ لقوله [ص 225]: (إنما يثبت رمضان باستكمال شعبان
…
إلى آخره) فلم يعبر بالوجوب، وإذا لم يثبت كونه رمضان .. فصومه حرام كيوم الشك، وقال السبكي في "بيان الأدلة في إثبات الأهلة": محل الخلاف: إذا دل الحساب على الإمكان، فاكتفى به بعضهم، والصحيح: خلافه، أما إذا دل الحساب على عدم إمكان الرؤية وذلك يدرك بمقدمات قطعية .. ففي هذه الحالة لا يمكن تقدير الرؤية؛ لاستحالتها، فمن شهد به .. رددنا شهادته؛ لأن من شرط البينة إمكان المشهود به حساً وعقلاً وشرعاً، قال: ولا يعتقد الفقيه أن هذا الفرع مسألة الخلاف؛ لأن الخلاف فيما إذا دل الحساب على الإمكان، وهذا
(1) الحاوي (ص 225)، المنهاج (ص 178).
(2)
انظر "مواهب الجليل"(2/ 379، 380).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(7693).
(4)
البخاري (38)، مسلم (760).
(5)
المجموع (6/ 282).
(6)
انظر "فتح العزيز"(3/ 178).
(7)
انظر "مشكل الوسيط"(2/ 522).
عكسه، فمن قال بجواز الصوم هناك أو وجوبه .. يقول هنا بالمنع بطريق أولى، ومن منع هناك .. لم يقل هنا شيئاً، والذي اقتضاه نظرنا: المنع، وهو عندنا من محالّ القطع مُتَرقّ عن الظن يُنقض في مثله قضاء القاضي. انتهى.
وقد وقع هذا في بعض السنين أنه قامت البينة برؤيته عند قاض وحكم بها، مع قول أهل الميقات: إنه غير ممكن، وانضم إلى ذلك أن القمر غاب ليلة الثالث على مقتضى تلك الرؤية قبل دخول وقت العشاء، فقلت: إن هذا الحكم يُنقض؛ لمخالفته النص، وهو:(أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي العشاء لسقوط القمر لثالثة)(1)، فهذا فيه مع عدم الإمكان مخالفة للنص، فهو أخص مما قاله السبكي، والله أعلم.
1251 -
قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وثبوت رؤيته بعدلٍ، وفي قولٍ: عدلان)(2) فيه أمور:
أحدها: قال في "المهمات": هذا خلاف مذهب الشافعي؛ فإن المجتهد إذا كان له قولان، وعلم المتأخر منهما .. كان مذهبه هو المتأخر، وفي "الأم" في (الصيام الصغير):(قال الشافعي بَعْدُ: لا يجوز على رمضان إلا شاهدان) انتهى (3).
وكنت جوزت في تأويل هذا الكلام أن مراد الربيع: أن النص على أنه لا يثبت إلا بشاهدين .. متأخر عن النص على ثبوته بواحد في الترتيب لا في التاريخ، فيكون قوله:(بَعْدُ) أي: بعد هذا بأوراق، حتى رأيت شيخنا الإمام البلقيني نقل مع هذا النص نصاً آخر في (الشهادات) في ترجمة رؤية الهلال، صيغته: رجع الشافعي رضي الله عنه بعد فقال: لا يُصام إلا بشاهدين. انتهى (4).
وهذا النص لا يحتمل هذا التأويل الذي ذكرته.
ثانيها: أن محل ثبوته برؤية عدل واحد: إنما هو بالنسبة للصوم فقط، فلا يقع الطلاق والعتق المعلقان به، ولا تحل الآجال المقدرة به، كذا أطلق الرافعي نقلاً عن البغوي (5)، ومحله: إذا سبق التعليق الشهادة، فلو حكم القاضي بدخول رمضان بشهادة واحد، ثم قال قائل: إن ثبت رمضان فعبدي حر أو زوجتي طالق .. وقعا، كما نقله القاضي حسين عن ابن سريج، وذكر الرافعي
(1) أخرجه أبو داوود (419)، والترمذي (165)، والنسائي (528)، وأحمد (18401) من حديث سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(2)
انظر "التنبيه"(ص 65)، و "الحاوي"(ص 225)، و"المنهاج"(ص 178).
(3)
الأم (2/ 94).
(4)
انظر "الأم"(7/ 48).
(5)
انظر "التهذيب"(3/ 151، 152)، و"فتح العزيز"(3/ 179).
عنه وعن الأصحاب نظيره في (كتاب الشهادات)(1)، ومحله أيضًا: إذا لم يتعلق بالشاهد، فإن تعلق به .. ثبت؛ لاعترافه به، ذكره في "المهمات".
ثالثها: ظاهر عبارته: أن كيفية الشهادة به أن يقول: (أشهد أني رأيت الهلال)، وقد صرح بذلك ابن سراقة والقفال والرافعي في صلاة العيد وغيرهم (2)، ومنع ذلك ابن أبي الدم؛ لأنها شهادة على فعل نفسه.
رابعها: قال شيخنا الإمام البلقيني في "تصحيح المنهاج" في (الشهادات): لم أجد للشافعي نصاً صريحاً بالصوم بشهادة واحد، والنص الذي فيه إنما هو على طريق الاستحباب، ولفظه: ولا يلزم الناس أن يصوموا إلا بشهادة عدلين فأكثر، وكذلك لا يفطرون، وأَحَبُّ إليَ لو صاموا بشهادة العدل؛ لأنه لا مؤنة عليهم في الصيام؛ إن كان من رمضان .. أدَّوْهُ، وإن لم يكن .. رجوت أن يؤجروا به (3)، قال شيخنا: وهذا يدل على أن شهادة الواحد عنده تقتضي استحباب الصوم عنده دون إيجابه، ولم أر من تعرض لذلك، على القول بأنه لا يثبت بواحد، وأنه يكون مؤدياً له إن كان من رمضان.
1252 -
قول "المنهاج"[ص 178]: (وشرط الواحد: صفة العدول في الأصح، لا عبدٍ وامرأة) فيه أمور:
أحدها: أن قوله: (وشرط الواحد: صفة العدول) بعد قوله: (بعدل) فيه ركَّة، فإن العدل من كانت فيه صفة العدول، وإنما كان يحتاج إلى هذا لو عبر بقوله أولاً:(بواحد).
ثانيها: أنه يفهم أن العبد والمرأة ليسا عدلين، وليس كذلك، ومثار الخلاف: أن هذا هل هو من باب الشهادة .. فلا يكفي قولهما فيه، أو من باب الرواية .. فيكفي؟
ثالثها: ظاهره: أنه لا بد من العدالة الباطنة، وهي المستندة للتزكية، لكن صحح في "شرح المهذب": الاكتفاء بالعدالة الظاهرة، والمراد بذلك: المستور (4)، وخالفه السبكي، وقال في "المهمات": تصحيح القبول متجه على القول بأنه رواية، وأما على القول بالشهادة .. فبعيد.
رابعها: محل اعتبار العدالة: وجوب صومه على عموم الناس، وأما وجوبه على الرائي نفسه .. فلا يتوقف على كونه عدلاً، بل من رأى هلال رمضان .. وجب عليه الصوم وإن كان فاسقاً.
(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 51، 52).
(2)
انظر "فتح العزيز"(3/ 81).
(3)
انظر "الأم"(7/ 48).
(4)
المجموع (6/ 279).
1253 -
قول "التنبيه"[ص 65]: (وفي سائر الشهور لا يقبل إلا عدلان) يرد عليه: ما لو نذر صوم شعبان فشهد برؤيته واحد وقلنا: يثبت به في رمضان .. فأصح الوجهين في "البحر": ثبوته (1).
1254 -
قوله: (ولا يجب صوم شهر رمضان إلا برؤية الهلال)(2)، قال في "الكفاية": مقتضاه: أنه إذا رئيَ في بلدٍ .. عم حكمه جميع البلاد، قال النشائي في "نكته": ولعل عكسه أقرب للفظه (3)، وبين ذلك "المنهاج" فقال [ص 178]:(وإذا رُئيَ ببلد .. لزم حكمه البلد القريب دون البعيد في الأصح)، وقوله:(في الأصح) يرجع إلى البعيد فقط، أما القريب .. فيلزم حكمه بلا خلاف، ثم قال "المنهاج" [ص 178]:(والبعيد: مسافة القصر، وقيل: باختلاف المطالع. قلت: هذا أصح) انتهى.
وتبع "الحاوي" ترجيح "المحرر" في اعتبار مسافة القصر، وكذا رجحه في "الشرح الصغير"، ورجحه النووي في "شرح مسلم"(4)، قال السبكي: وهنا تنبيه لم أر من نبه عليه، وهو أنه قد تختلف المطالع والرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر من غير عكس، فإن الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل دخوله في الغربية، فإذا غربت في بلد شرقي، وبينه وبين الشمس سبع درج مثلاً .. لا يمكن رؤيته فيها، وإذا غربت في بلد غربي يتأخر الغروب، وبينه وبين الشمس أكثر من عشر درج .. أمكنت رؤيته فيها وإن لم يُرَ في ذلك الشرقي، فإذا غربت في غربي آخر بعد ذلك بدرجتين .. كانت رؤيته فيه أظهر، ويكون مكثه بعد الغروب أكثر، وقس على هذا يتبين لك أنه متى اتحد المطلع .. لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، ومتى اختلف .. لزم من رؤيته في الشرقي رؤيته في الغربي، ولا ينعكس. انتهى، وتبعه على ذلك في "المهمات".
1255 -
قول "المنهاج"[ص 178]: (ومن سافر من البلد الآخر إلى بلد الرؤية .. عَيَّدَ معهم وقضى يوماً) محل قضاء يوم: ما إذا كان تعييده معهم في التاسع والعشرين؛ ولهذا قال "الحاوي"[ص 225]: (إن صام ثمانية وعشرين).
1256 -
قول "المنهاج"[ص 178]: (ومن أصبح مُعَيِّداً فسارت سفينته إلى بلد؛ بعيد؛ أهلها صيامٌ .. فالأصح: أنه يُمْسِكُ بقية اليوم) تبع في تصحيحه "المحرر" و"الشرح الصغير"(5)، وحكاه في "الروضة" وأصلها عن الشيخ أبى محمد، قال: واستبعده الإمام والغزالي؛ لما فيه من تجزئة اليوم
(1) بحر المذهب (4/ 268، 269).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 65).
(3)
نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 58).
(4)
المحرر (ص 108)، الحاوي (ص 225)، شرح مسلم (7/ 197).
(5)
المحرر (ص 109).