الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعها: لم يذكر "المنهاج" وكذا "الحاوي" قدم الهجرة أصلًا، وذكره في "التنبيه" مؤخرًا عن السن والنسب ومقدمًا على الورع، وأقره في "التصحيح"(1)، لكن صحح في "التحقيق" واختار في "شرح المهذب": تقديم الهجرة على السن والنسب (2)، فيكون المقدم الأفقه ثم الأقرأ ثم الأورع ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ثم النسيب.
خامسها: يستثنى من تقديم الأفقه: ما إذا اجتمع عبد فقيه وحر غير فقيه .. فالأصح في "شرح المهذب": أنهما سواء (3) ويستثنى أيضًا: الصبي؛ فإن البالغ أولى منه وإن كان الصبي أفقه، وهذان الفرعان يردان على "التنبيه" و"الحاوي" أيضًا.
721 -
قول "التنبيه"[ص 39]: (فإن استويا في ذلك .. قدم أشرفهما -أي: نسبًا - وأسنهما) يفهم التسوية بين الوصفين، والمنقول قولان، الجديد: تقديم الأسن، وفي القديم: قولان، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 121]:(والجديد: تقديم الأسن على النسيب) ومشى عليه "الحاوي"(4).
722 -
قول "التنبيه" بعد ذكر الصفات الستة [ص 39]: (فإن استويا في ذلك .. أقرع بينهما) قبل الإقراع صفات مرجحة باتفاق ذكرها "المنهاج" بقوله [ص 121]: (فإن استويا .. فنظافة الثوب والبدن، وحسن الصوت، وطيب الصنعة ونحوها) ولم يذكر بينها ترتيبًا، وفي "الحاوي" [ص 181]:(ثم نظيف الثوب، ثم حسن الصوت، ثم الصورة) وكذا رتب هذه الثلاثة في "الشرح الصغير"، وحكاه في "الكبير" عن "التتمة"(5)، وفي "شرح المهذب":(المختار: تقديم أحسنهم ذكرًا، ثم صوتًا، ثم هيئة)(6)، وفي "التحقيق":(حسن الذكر، ثم نظافة الثوب والبدن، وطيب الصنعة والصوت، ثم حسن الوجه)(7)، واقتصر "الحاوي" على نظافة الثوب، ولم يذكر البدن كما في "المنهاج"، ولو عبرب (الملبوس) .. لكان أعم من الثوب، ولم يذكر الإقراع أصلًا (8).
تَنْبِيْهٌ [أما هو المراد بالأفقه والأقرأ ونحوها في باب الصلاة]
المراد: الأفقه في باب الصلاة، لا مطلق الفقه، والمراد بالأقرأ: الأكثر قراءة، أو الأحفظ
(1) التنبيه (ص 39)، تصحيح التنبيه (1/ 144).
(2)
التحقيق (ص 273)، المجموع (4/ 245).
(3)
المجموع (4/ 248).
(4)
الحاوي (ص 181).
(5)
فتح العزيز (2/ 170).
(6)
المجموع (4/ 245).
(7)
التحقيق (ص 273).
(8)
انظر "الحاوي"(ص 181).
كما اقتضاه كلام الشَّافعي، حكاه الرافعي، أو الأصح قراءة كما حكاه ابن الرفعة عن بعضهم، واختاره السبكي، والمراد بالورع: العفة وحسن السيرة كما ذكروه هنا، والمتجه: أنَّه اجتناب الشبهات كما في كتب التصوف و"التحقيق" و"شرح المهذب"(1)، وورد في حديث مرفوع رواه الطبراني في "معجمه الكبير" عن واثلة بنُ الأسقع: أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: مَن الوَرِعِ؟ قال: "الذي يَقِفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ"(2).
ولم يقدموا بالزهد، والمتجه: التقديم به، وهو أعلى من الورع؛ إذ هو في الحلال، والورع في الشبهة كما تقدم، والمعتبر: السن الماضي في الإسلام، حتَّى يقدم شاب نشأ في الإسلام على شيخ أسلم عن قرب، ولا نظر إلى الشيخوخة، لكن في "المهمات" تبعا للمحب الطَّبري: المتجه: أنهما إذا أسلما معًا واستويا في الصفات .. أنَّه يقدم بالشيخوخة، والمراد بالنسب: المقدم به في الكفاءة، والمراد بقدم الهجرة: أن تسبق هجرته من بلد الكفر لبلد الإسلام، فلم تنقطع الهجرة بهذا المعنى، أو تسبق هجرة أحد أجداده للنبي صلى الله عليه وسلم.
723 -
قول "التنبيه"[ص 39]: (وصاحب البيت أحق من غيره) قال في "الكفاية": المراد به: مستحق منافعه بملك، أو إجارة، أو إعارة، وحينئذ .. يستثنى العبد الساكن؛ فسيده أحق، إلَّا أن يكون العبد مكاتبًا ويستثنى: المعير، فالأصح: أنَّه أولى من المستعير، وقد ذكرهما "المنهاج" و"الحاوي"(3)، واختار السبكي تبعا للبغوي تقديم المستعير (4).
724 -
قول "الحاوي"[ص 182]: (متخلفًا قليلًا) أي: على جهة الندب، كما صرح به "المنهاج" بقوله [ص 121]:(ويُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قليلًا) قال: (ولا تضر مساواته) لكن في "شرح المهذب": إنها مكروهة (5).
725 -
قول "المنهاج"[ص 121]: (والاعتبار بالعَقِبِ)، قال في "المهمات": (بثلاثة شروط:
أحدها: أن يصلي قائمًا، فإن صلى قاعدًا .. فالاعتبار بمحل القعود، وهو الألية، حتَّى لو مد رجليه وقدمهما على الإمام .. لم يضر، أو مضطجعًا .. فالاعتبار بالجنب، ذكره البغوي في "فتاويه"، وهو ظاهر.
(1) التحقيق (ص 273)، المجموع (4/ 244)، وانظر "الورع" لابن أبي الدنيا (ص 60)، و"إحياء علوم الدين"(1/ 18).
(2)
المعجم الكبير (78/ 22)(193).
(3)
الحاوي (ص 181)، المنهال (ص 121).
(4)
انظر "التهذيب"(2/ 287).
(5)
المجموع (4/ 257).
ثانيها: أن تكون رجله موضوعة على الأرض، فلو قدمها على رجل الإمام وهي مرتفعة عن الأرض .. لم يضر إذا كانت الأخرى - وهي التي يعتمد عليها - غير متقدمة كما أوضحوه في "الاعتكاف" و"الأيمان"، فلو لم يعتمد على شيء من رجليه بل جعل تحت إبطيه خشبتين، أو تعلق بحبل .. فالظاهر: أن الاعتبار في الأولى بالجَنْب وفي الثانية بالمنكب؛ لأنه في الاعتماد لهذا الشخص كالجنب للمضطجع.
ثالثها: أن يعتمد على رجله، فإن لم يعتمد عليها .. لم يضر تقدمه بها، بدليل ما قالوه في "الأيمان"، قال: ويأتي الاعتماد أيضًا فيما إذا وضع رجليه معًا على الأرض وتأخر العقب وتقدمت رؤوس الأصابع، فإن اعتمد على العقب .. صح، أو على رؤوس الأصابع .. فلا) انتهى كلامه.
726 -
قول "التنبيه"[ص 39]: (السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الإمام) لو عبر بـ (الذكر) كما فعل "المنهاج" و"الحاوي"(1) .. لكان صريحًا في تناول الصبي، فليحمل الرجل في كلامه على خلاف المرأة؛ ليتناول الصبي، لكن يبعده قوله بعد ذلك:(وإن حضر رجلان، أو رجل وصبي .. اصطفا خلفه)(2) فإنه يدل على أنَّه أطلق الرجل في مقابلة الصبي.
727 -
قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو حضر آخر .. أحرم عن يساره)(3) بحث السبكي في أن الآخر هل يحرم عن يساره أو خلفه؟ .
728 -
قولهما: (ثم يتقدم الإمام، أو يتأخر المأمومان)(4) أي: إذا أمكن (كلٌّ) منهما، فإن لم يمكن إلَّا أحدهما؛ لضيق إحدى الجهتين .. تعين، زاد "المنهاج" [ص 122]:(وهو أفضل) أي: تأخرهما، وكذا في "الحاوي"، وزاد أيضًا [ص 182]:(أن ذلك إنما يكون في القيام) أي: فلو كان الإمام في التشهد، أو السجود وأحرم معه .. فلا تقدم ولا تأخر حتَّى يقوموا، كذا في "الروضة" تبعا لأصله (5)، وقوله:(حتَّى يقوموا) يقتضي أن مراده: التشهد الأول، قال السبكي: وينبغي إلحاق التشهد الأخير بالقيام، وقال في "المهمات": صرح القاضي أَبو الطيب أنَّه لا فرق بين التشهدين، وعلله بأنه عمل طويل، وجزم به في "الكفاية" أيضًا حكمًا وتعليلًا.
729 -
قول "المنهاج"[ص 122]: (ويقف خلفه الرجال ثم الصبيان ثم النساء) أهمل ذكر
(1) الحاوي (ص 182)، المنهاج (ص 122).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 39).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 39)، و"الحاوي"(182)، و"المنهاج"(ص 122).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 39)، و"المنهاج"(ص 122).
(5)
الروضة (1/ 359).
الخناثى بين الصبيان والنساء، وصرح به كذلك "التنبيه" و"الحاوي"(1)، وقال الدارمي في "الاستذكار": إنما يتقدم الرجال على الصبيان إذا كانوا أفضل، أو تساووا، فإن كان الصبيان أفضل .. قدموا، وعندي: أن هذا وجه لا قيد في المسألة، فالراجح: ما أطلقه الجمهور.
730 -
قوله: (وتقف إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ)(2) كذا إمام العراة، وقد صرح به "التنبيه" و"الحاوي"(3)، ومحله: إذا كانوا ناظرين، فإن كانوا عميانًا، أو في ظلمة .. تقدم إمامهم عليهم، كما في زوائد "الروضة" في ستر العورة (4).
731 -
قول "التنبيه"[ص 39]: (ومن حضر ولم يجد في الصف فرجة .. جذب واحدًا ثم اصطف معه) فيه أمران:
أحدهما: اقتصر على ذكر الفرجة، وكذا في "الحاوي"(5)، وفي "المنهاج" [ص 122]:(إن وجد سعة)، وفي "الروضة" تبعًا لأصله: إن وجد فرجة، أوسعة، وكتب بخطه على الحاشية: الفرجة: خلاء ظاهر، والسعة: ألَاّ يكون خلاء، ويكون بحيث لو دخل بينهما .. لوسعه. انتهى (6).
وظهر به أن الاقتصار على السعة أولى من الاقتصار على الفرجة؛ لأنه يفهم من السعة الفرجة، ولا عكس.
ثانيهما: جذب واحدٍ إنما يكون بعد إحرامه؛ كما في "المنهاج" و"الحاوي"(7)، وصرح في "الكفاية" بأنه لا يجوز قبله.
732 -
قولهم -والعبارة لـ"المنهاج" -: (وإذا جمعهما مسجد .. صح الاقتداء وإن بعدت المسافة وحالت الأبنية)(8) فيه أمور:
أحدها: يشترط أن تكون أَبوابها نافذة إليه سواء أكان الباب بينهما مفتوحًا أو مغلقًا، وإلَّا .. فلا تعد مسجدًا واحدًا، كذا في "الروضة" تبعًا لأصله (9)، وقال شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني: هذا لم يقله أحد من الأصحاب، وإطلاق النص في "الأم" و"المختصر " يخالفه، وكذلك كلام
(1) التنبيه (ص 39)، الحاوي (ص 182).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 122).
(3)
التنبيه (ص 39)، الحاوي (ص 182).
(4)
الروضة (1/ 285).
(5)
الحاوي (ص 182).
(6)
الروضة (1/ 360).
(7)
الحاوي (ص 182)، المنهاج (ص 122).
(8)
انظر "التنبيه"(ص 40)، و"الحاوي"(ق 13)، و"المنهاج"(ص 122).
(9)
الروضة (1/ 360، 361).
الأصحاب (1)، وقد حكى المصنِّف في الزَحْبَة عن الأكثرين أنَّها معدودة من المسجد، ولم يذكروا فرقًا بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أم لا.
ثانيها: حكم المساجد المتلاصقة المتنافذة حكم المسجد الواحد كما صوبه في "الروضة"(2)، وقولهم:(جَمَعَهُمَا مسجد) قد يخالفه.
ثالثها: قد يفهم أن الرحبة المنفصلة عن المسجد كآخر، ولا سيما زيادة تأكيد "التنبيه" بقوله في آخر المسألة:(بعد أن يكونا في المسجد)، وبه قال ابن كج، وقال في "الشرح الصغير": إنه حسن، لكن الأكثرون على خلافه، وقال في "شرح المهذب": إنه المذهب (3).
733 -
قول "التنبيه" فيما إذا صلى به خارج المسجد وانقطعت الصفوف ولم يكن دونه حائل [ص 40]: (جازت صلاته إذا لم يزد ما بينه وبين آخر صف على ثلاث مئة ذراع) فيه أمران:
أحدهما: ذكر في "الكفاية" أن مقتضاه: أنَّها تحديد، والأصح: أنَّها تقريب، وقد صرح به "المنهاج" و"الحاوي"(4)، والتفاوت بين الوجهين قريب؛ فإن قائل التحديد هو أَبو إسحاق، وقد حكى عنه الدارمي في "الاستذكار" أنَّه لا يضر زيادة ذراعين ونحوهما، وفي "الشافي": لا يضر على التقريب أيضًا زيادة ذراعين، وفي "التهذيب" و"البحر": لا يضر على التقريب زيادة ثلاثة أذرع (5)، وعليه يدل قول "شرح المهذب": أذرع يسيرة (6)، لكن قال الدارمي: يرجع فيه إلى العرف.
ثانيهما: ظاهر إطلاقه: أنَّه لا فرق في ذلك بين أن يكونا في فضاء أو بناءين، وهو طريق العراقيين، وصححه النووي (7)، ورجح الرافعي فيما إذا كانا بناءين: أنَّه إن كان بناء المأموم يمينًا أو شمالًا .. وجب اتصال صف من أحد البنائين بالآخر، ولا تضر فرجة لا تسع واقفًا في الأصح، وإن كان خلف بناء الإمام .. فالصحيح: صحة القدوة، بشرط ألا يكون بين الصفين أكثر من ثلاثة أذرع (8)، وعليه مشى "الحاوي"(9)، وبَيَّن "المنهاج" التصحيحين (10)، لكن قوله في الطريقة
(1) الأم (1/ 172)، مختصر المزني (ص 23).
(2)
الروضة (1/ 361).
(3)
المجموع (4/ 260).
(4)
الحاوي (ص 178)، المنهاج (ص 122).
(5)
التهذيب (2/ 282)، بحر المذهب (2/ 433).
(6)
المجموع (4/ 261).
(7)
انظر "المجموع"(4/ 261، 262).
(8)
انظر "فتح العزيز"(2/ 180).
(9)
الحاوي (ص 178).
(10)
المنهاج (ص 122، 123).
الثانية [ص 123]: (أو حال بابٌ نافذ) معترض، فإن النافذ ليس بحائل، وصوابه:(أو كان باب نافذ).
734 -
قول "التنبيه"[ص 40]: (وإن منع الاستطراق دون المشاهدة؛ بأن يكون بينهما شباك .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) وكذا قول "المنهاج"[ص 123]: (وإن حال ما يمنع مرورًا لا رؤية .. فوجهان) الأصح: عدم الجواز، صححه في "شرح المهذب" و"التصحيح" وأدرج تصحيحه في "الروضة" في كلام الرافعي (1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 179]:(بلا تخلل مشبّك أو باب مردود).
لكن اعترض عليه: بأنه ذكر ذلك في الصحراء ولا شباك فيها ولا باب.
وأجيب عنه: بأن مراده بالمنبسط: المتسع وإن كان مسقفًا أو محوطًا عليه كالبيوت الواسعة؛ فإن حكمها كما ذكرناه كما صرح به الرافعي (2)، أو أنَّه ذكر الباب والشباك ليذكر مغايرة حكم الشارع والنهر لهما مع كون الشارع والنهر يكونان في الصحراء، وقد ذكر "المنهاج" التصحيح في نظير المسألة، وهو: ما إذا وقف في موات وإمامه في المسجد، مع زيادة مسألة الباب المردود فقال عطفًا على البطلان:(وكذا الباب المردود والشباك في الأصح)(3) وكأنه لذلك أهمل التصحيح في تلك الحالة؛ لفهمه مما سيأتي، ولم يقع له ذكر خلاف بلا ترجيح سوى هذا، وقوله في (النفقات):(والوارثان يستويان أم يُوَزَّعُ بحسبه؛ فيه وجهان)(4) ولا ثالث لهما فيه، إلَّا ما كان مفرعًا على ضعيف، كالأقوال المفرعة على استعمال البينتين المتعارضتين هل يقرع أم يوقف أم يقسم؟ أقوال لا ترجيح فيها.
قال في "الكفاية": وأفهم قول "التنبيه" بأن نفي الخلاف في النهر المُحْوِج إلى سباحة، وفيه وجهان، أصحهما: لا يضر، وقد ذكره "المنهاج" بقوله [ص 122]:(ولا يضر الشارع المطروق والنهر المُحْوِجُ إلى سباحةٍ على الصحيح) وعبارة "الحاوي"[ص 179]: (لا شارع، أو نهر كبير) فلم يقيد الشارع بكونه مطروقًا، وكان مراد "المنهاج" بكونه مطروقًا: كثرة طروقه، وإلَّا .. فكل شارع مطروق، فما لا يكثر طروقه .. لا يضر قطعًا كما دل عليه كلام الإمام (5).
735 -
قول "المنهاج" - واللفظ له - و"الحاوي": (ولو وقف في العلو وإمامه في السفل أو
(1) المجموع (4/ 262)، تصحيح التنبيه (1/ 150)، الروضة (1/ 363)، وانظر "فتح العزيز"(2/ 183، 184).
(2)
انظر "فتح العزيز"(2/ 180).
(3)
المنهاج (ص 123).
(4)
المنهاج (ص 464).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(2/ 406).
عَكْسِهِ .. شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ) (1) أي: مع تقدير اعتدال قامة الأسفل حتَّى لو كان قصيرًا، لكنه لو كان معتدلًا لحصلت المحاذاة .. صح الاقتداء، وهنا تنبيهان:
أحدهما: أن عبارة "الروضة" تبعا لأصلها: (في مكان عال من سطح، أو طرف صُفة مرتفعة)(2)، وما كنت أفهم إلَّا أن هذا مثال حتَّى رأيت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني قال: إن هذا التقييد يدل على أن حكم الجبل مع السهل مغاير لذلك، وبه صرح الشيخ أَبو محمد في تصنيف له صغير سماه "احتياط الصلاة بالتمام من مواقف المأموم والإمام"، فقال: إذا وقف الإمام على السهل والمأموم على الجبل .. نظر: إن كان الجبل بحيث يمكن صعوده .. صح اقتداؤه به إذا كان مكان الارتقاء في الجهة التي فيها الإمام، وإن كان بخلاف ذلك .. كان الحكم بخلافه، ثم حكى عن الشَّافعي أنَّه قال: من صلى على أبي قبيس بصلاة الإمام في المسجد .. فصلاته باطلة، قال: ولا بد لهذه المسألة من تأويل مستقيم؛ لأنه لا يتعذر، فمن مشايخنا من قال: إنما منع الاقتداء؛ لبعد المسافة وزيادتها على ثلاث مئة ذراع، ومنهم من قال: للمساكن المبنية هناك؛ فإنها حائلة بين الإمام والمأموم. انتهى.
وعندي أن الصورة التي تكلم عليها الشيخ أَبو محمد ليست مما نحن فيه؛ لأن صورته في الفضاء وكلامنا في البناء، فلا تلاقي بين الكلامين، وظهر به أن قول "الروضة": (من سطح
…
إلى آخره) مثال، ولو صح قيدًا كما أشار إليه شيخنا .. لورد ذلك على إطلاق "المنهاج" و"الحاوي"، لكنه عندي مثال ولا إيراد، والله أعلم.
ثانيهما: أن كلام "المنهاج" يفهم أن اشتراط المحاذاة تأتي على الطريقين معًا؛ فإنه ذكره مجزومًا به بعد استيفاء ذكر الطريقين، وعندي أن هذا إنما هو على طريقة اشتراط الاتصال في البناء بخلاف الفضاء، و"الروضة" تبعًا لأصله وإن ذكره بعد استيفاء الطريقين، لكن عبارته:(أما إذا وقف الإمام في صحن الدار والمأموم في مكان عال من سطح، أو طرف صُفة مرتفعة، أو بالعكس .. فبماذا يحصل الاتصال؟ وجهان)(3) وساق الكلام على ذلك، وهو صريح في أن هذا مفرع على طريقة من يشترط الاتصال، فأما من لا يشترطه .. فإنه لا يعتبر ذلك، فلو ذكر "المنهاج" هذا الفرع في أثناء ذكر الطريقة الأولى .. لاستراح من هذا الإيهام، ولو أنَّه قال بدل قوله:(شُرِطَ محاذاة بعض بدنه): (حصل الاتصال بمحاذاة بعض بدنه) .. لطابق عبارة "الروضة" وسلم من هذا الإيهام أيضًا، والله أعلم.
(1) الحاوي (ص 179)، المنهاج (ص 123).
(2)
الروضة (1/ 363).
(3)
الروضة (1/ 363).
736 -
قول "التنبيه"[ص 39]: (والمستحب: ألا يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأمومين، إلَّا أن يريد تعليمهم أفعال الصلاة) لا يلزم منه أن يكون ارتفاعه مكروهًا، وصرح "المنهاج" بالكراهة، فقال [ص 123]:(يكره ارتفاع المأموم على الإمام، وَعَكْسُهُ إلَّا لحاجه .. فيستحب)، وعبارة "التنبيه" موافقة لنص الشَّافعي، وأهمل "التنبيه" ارتفاع المأموم، وكأنه مفهوم من طريق الأولى.
737 -
قولهما -والعبارة لـ"التنبيه"، والمسألة عنده في أول (صفة الصلاة) -:(إذا أراد الصلاة .. قام إليها بعد فراغ المؤذن من الإقامة)(1) فيه أمور:
أحدها: قال في "الكفاية": هذا في حق القادر، أما العاجز: فيقعد، ونحو ذلك، ولعل المراد بالقيام: التوجه إليها؛ ليشمل العاجز عن القيام وعن القعود، ومنه قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .
ثانيها: استثنى الماوردي والروياني: البطيء النهضة، فقالا: إنه يقوم عند: (قد قامت الصلاة)(2).
وقال الشيخ مجد الدين السنكلومي: ينبغي على هذا أن يقوم البطيء النهضة في الحالة التي يعلم أنَّه ينتصب عند الافتتاح سواء (قد قامت الصلاة) وغيرها.
وقال شيخنا الإمام شهاب الدين بنُ النقيب: (الجالس بعيدًا بحيث يحتاج إلى مشي حتَّى يصل إلى الصف .. ينبغي أن يلحق بالبطيء النهضة)(3).
وقال الحليمي في "منهاجه": (إن أقام الإمام بنفسه .. قاموا عند قوله: "قد قامت الصلاة"، وإن أقام غيره .. لم يقوموا حتَّى يروه قد خرج)، وصحح في "الكافي": القيام عند قوله: (قد قامت الصلاة) مطلقًا.
ثالثها: لو حذفا لفظ (المؤذن)، فقالا:(بعد الفراغ من الإقامة) .. لكان أولى، وكأنهما جريا على الغالب في أن الذي يقيم هو المؤذن.
رابعها: يستثنى: المنفرد، ومقيم الصلاة للجماعة؛ فإنه يقوم قبل أن يقيم ليقيم قائمًا؛ فإنه من سننها، نبه عليه المحب الطَّبري، وهو واضح.
خامسها: قد يفهم كلامهما: أن الداخل والمؤذن في الإقامة يجلس ليقوم إليها، وبه قال الشيخ أَبو حامد، لكن الأصح في "شرح المهذب": خلافه (4)، فيحمل القيام المأمور به بعد فراغ
(1) انظر "التنبيه"(ص 30)، "المنهاج"(ص 123).
(2)
انظر "الحاوي الكبير"(2/ 59)، و"بحر المذهب"(2/ 64).
(3)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(1/ 384).
(4)
المجموع (3/ 227).
الإقامة على الابتداء دون الدوام، والله أعلم.
738 -
قول "التنبيه"[ص 38]: (وإن حضر وقد أقيمت الصلاة .. لم يشتغل عنها بنافلة)
المراد بالإقامة: الشروع فيها، وقد أوضحه "المنهاج" بقوله [ص 123]:(ولا يبتدئ نفلاً بعد شروعه فيها) أي: بعد شروع المؤذن في الإقامة، وفي معنى الشروع: قربها.
739 -
قولهما: (وإن أقيمت وهو في النافلة ولم يخش فوات الجماعة .. أتمها)(1) ظاهره: أنه متى أمكن إدراكه تكبيرة قبل سلامه -بناء على الصحيح في حصول الجماعة- .. أتم النافلة، وبه صرح الشيخ أبو حامد وآخرون، وعندي: فيه توقف، والله أعلم.
740 -
قول "المنهاج"[ص 124]: (شرط القدوة: أن ينوي المأموم مع التكبير الاقتداء أو الجماعة) فيه أمور:
أحدها: اعترض بأن نية القدوة لا يشترط مقارنتها للتكبير، فسيأتي أن من أحرم منفرداً ثم نوى القدوة في خلال صلاته .. جاز في الأظهر؛ ولهذا عبر في "الروضة" بقوله:(وينبغي أن يقرن هذه النية بالتكبير)(2).
وأجيب: بأنه ذكر ذلك لأمرين، أحدهما: توطئة لما بعده؛ فإنه إذا لم يقرنها بالتكبير .. انعقدت فرادى، فإن تابعه في أفعاله .. بطلت صلاته، والثاني: للخروج من الخلاف الآتي فيما إذا اقتدى في أثناء الصلاة، وحاصله: أنه لا يتابعه إلا إذا نوى الاقتداء به، إما مع التكبير قطعاً، أو بعده في الأصح.
ثانيها: في معنى نية الاقتداء: نية الائتمام، ولم يذكرها الحاوي أيضاً.
ثالثها: ذكر "الحاوي" نية الجماعة أيضاً، واستشكل الرافعي في "الشرح الصغير" الا كتفاء بها؛ إذ ليس فيها ربط فعله بفعل غيره؛ لأنها مشتركة بين الإمام والمأموم، فلو نوى كل من الرجلين الجماعة من غير تعيين إمام ولا مأموم .. لم تصح صلاتهما.
قال السبكي: (وكان مرادهم بنية الجماعة هنا: الحاضرة التي هي مع الإمام، فيرجع ذلك إلى نية الاقتداء، وذكر في "الإقليد" شيئاً منه) انتهى.
741 -
قوله: (فلو ترك هذه النية وتابع في الأفعال .. بطلت صلاته على الصحيح)(3) فيه أمور: أحدها: عبر في "الروضة" بالأصح (4)، وبينهما في اصطلاحه فرق.
(1) انظر "التنبيه"(ص 38)، و"المنهاج"(ص 123).
(2)
الروضة (1/ 365).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 124).
(4)
الروضة (1/ 365).
ثانيها: أطلق "الحاوي" المتابعة ولم يقيدها بالأفعال كما فعل المصنف، ولا فرق بين العبارتين في المعنى (1).
ثالثها: وكذا لو تابع مع الشك في نية القدوة، وقد ذكره "الحاوي"(2)، وفهم منه أنه إن تذكر قبل أن يحدث فعلاً على متابعة الإمام .. لم تبطل صلاته.
قال الرافعي: (وهو مقيس بما إذا شك في أصل النية)(3).
قال في "المهمات": (ويؤخذ من ذلك البطلان أيضاً إذا لم يحدث ركناً، ولكن طال زمن الشك؛ فإن الرافعي صرح به هناك).
قال الرافعي أيضاً: (وقياس ما ذكره في "الوجيز" في تلك المسألة: أن يفرق بين أن يمضي مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة وبين أن يمضي غيره)(4).
قال في "المهمات": (أشار بالركن الذي يزاد إلى القولي؛ فإن تكراره لا يضر على المشهور، وإذا أتى به في حال الشك .. لم يضر إذا لم يطل؛ كما قد قالوا به هناك).
قلت: أي: على وجه مرجوح؛ فإن الأصح المنصوص الذي قطع به العراقيون هناك: التسوية بين الركن القولي والفعلي، والله أعلم.
742 -
قول "الحاوي"[ص 179]: (أو تابع فيما سها) أي: فإنه يقضي أيضاً، ولا يخفى تقييده بكونه عالماً بسهو إمامه، وكون عمده مبطلاً؛ كترك ركن أو زيادته، لا ترك بعض.
743 -
قول "المنهاج"- واللفظ له- و"الحاوي": (ولا يجب تعيين الإمام، فإن عينه وأخطأ .. بطلت صلاته)(5) محله: إذا اقتصر على التعيين، فإن ضم إليه الإشارة فقال: نويت الاقتداء بزيد هذا فكان عمراً .. فالأصح كما ذكره النووي: صحة الاقتداء (6)، وقال السبكي في صورة الخطأ بدون إشارة:(ينبغي بطلان الاقتداء وصحة الصلاة على الانفراد إن لم تحصل متابعة، وإن حصلت متابعة .. خرجت صحتها على الخلاف في متابعة من ليس بإمام) انتهى.
وكذا ذُكر هذا البحث في "المهمات"، وقد يقال: فرض المسألة حصول المتابعة، فإن ذلك شأن من ينوي الاقتداء، والأصح في متابعة من ليس بإمام: البطلان، وغايته: أن يكون هذا الحكم مفرعاً على الأصح.
(1) الحاوي (ص 179).
(2)
الحاوي (ص 179).
(3)
انظر "فتح العزيز"(2/ 185).
(4)
انظر "فتح العزيز"(2/ 185).
(5)
الحاوي (ص 179، 180)، المنهاج (ص 124).
(6)
انظر "المجموع"(4/ 175).
وقال السبكي في صورة الإشارة: الوجهان فيها من تخريج الإمام على الوجهين فيما إذا قال: بعتك هذا الفرس مشيراً إلى حمار، والعقود يلحظ فيها الإشارة والعبارة، بخلاف النية؛ فإن المعتبر فيها القلب فقط، فإذا نوى الاقتداء بالحاضر معتقداً أنه زيد وهو عمرو .. فنيته صحيحة حصل معها ظن خطأ لا يؤثر، قال: ولو صح التخريج .. لكان ينبغي أن يكون الأصح: البطلان؛ لأنه الأصح في البيع. انتهى (1).
ونية الاقتداء بالحاضر مع اعتقاد أنه زيد وهو عمرو، ذكرها الروياني في "البحر"، وقال فيها: صح اقتداؤه قطعاً (2)، وذكر في "المهمات" أن هذا التخريج إنما ذكره الإمام على سبيل الاحتمال مع جزمه أولاً بالصحة، قال: فالمنقول هو البطلان، والظاهر عند الإمام: الصحة.
744 -
قول "المنهاج"[ص 124]: (ولا يشترط للإمام نية الإمامة) محله: في غير الجمعة، أما الجمعة: فيلزمه فيها أن ينوي الإمامة في الأصح، وقد ذكره "الحاوي"(3).
745 -
قول "المنهاج" في صلاة الظهر خلف الصبح والمغرب [ص 124]: (وهو كالمسبوق، ولا تضر متابعة الإمام في القنوت، والجلوس الآخر في المغرب، وله فراقه إذا اشتغل بهما) لم يذكر أيهما أفضل، وقد ذكر السبكي أن المتابعة أفضل، وهو قياس تفضيل الانتظار فيما إذا صلى الصبح خلف الظهر، وعبارة "الروضة" تقتضيه؛ حيث قال: ويتابع الإمام في القنوت ولو أراد مفارقته عند اشتغاله به .. جاز (4).
746 -
قوله: (ويجوز الصبح خلف الظهر في الأظهر)(5) عبارة "الروضة": فالمذهب: جوازه، وقيل: قولان، فرجح طريقة القطع (6).
747 -
قول "الحاوي"[ص 180]: (وفي الصبح بالظهر .. فارق عند الثالثة، أو انتظر) لم يبين الأفضل منهما، وفي "المنهاج" [ص 124]:(انتظاره أفضل) وذكر الصبح خلف الظهر مثال، فالمغرب خلف الظهر كذلك، وضابطه: أن تكون صلاة الإمام أطول، لكن في المغرب بالظهر إذا قام الإمام إلى الرابعة .. لا ينتظره كما صححه النووي (7)؛ لأنه يحدث تشهداً وجلوساً لم يفعله الإمام، بخلاف الصورة المتقدمة.
(1) انظر "نهاية المطلب"(2/ 387).
(2)
بحر المذهب (2/ 408).
(3)
الحاوي (ص 182).
(4)
الروضة (1/ 368).
(5)
انظر "المنهاج"(ص 124).
(6)
الروضة (1/ 368).
(7)
انظر "المجموع"(4/ 236).
748 -
قول "المنهاج"[ص 124]: (فإن اختلف فعلهما؛ كمكتوبةٍ وكسوفٍ أو جنازةٍ .. لم يصح على الصحيح) كذا في "الروضة"(1)، وصحح في "شرح المهذب": طريقة القطع به (2)؛ فلذلك عبر في "التحقيق" بالمذهب (3)، وعبارة "التنبيه" [ص 39]:(ولا تجوز الصلاة خلف من يصلي صلاة تخالفها في الأفعال الظاهرة) فقيد الفعل الذي تقع فيه المخالفة بكونه ظاهراً، وقال في "المهمات": ينبغي الصحة إلى أن ينتهي إلى فعل مخالف، فإن فارقه .. استمرت الصحة، وإلا .. بطلت؛ كالمصلي في ثوب ترى منه عورته إذا ركع؛ فإن الأصح فيه: الصحة، وله نظائر.
749 -
قول "المنهاج"[ص 124، 125]: (تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة؛ بأن يتأخر ابتداء فعله عن ابتدائه، ويتقدم على فراغه منه، فإن قارنه .. لم يضر إلا في تكبيرة الإحرام) فيه أمور:
أحدها: اعترض عليه: بأن قوله: (فإن قارنه .. لم يضر) يناقض قوله أولاً: (تجب المتابعة) بالتفسير الذي ذكره، فإن قيل: معنى قوله: (لم يضر): لم تبطل، مع أنه ترك واجباً .. قلنا: في "الروضة" وأصلها: الجزم بكراهة المقارنة (4)، فدل على أن فاعلها لم يترك واجباً.
وجوابه: أن قوله: (بأن يتأخر
…
إلى آخره) إنما أراد به: بيان المتابعة الكاملة، فإن قلت: قد ذكر هذا عقب قوله: (تجب متابعة الإمام) وذلك يقتضي أنه أراد: تفسير المتابعة الواجبة .. قلت: هذا كقولنا: تجب الصلاة بأن يفعل كذا وكذا، فيطلق أولاً وجوبها، ثم يفسر كمالها.
ثانيها: قد عرفت أن مراده بعدم الضرر: عدم الإثم، لكن مع الكراهة وفوات فضيلة الجماعة، وقد يفهم من قول "التنبيه" [ص 38]:(ويكره أن يسبق الإمام بركن): نفي كراهة المقارنة، لكن حملت الكراهة في كلامه على التحريم كما سيأتي، واستشكل السبكي كون فضيلة الجماعة لا تحصل مع المقارنة، وقال: تصريحهم بعدم فسادها يقتضي أنها صلاة جماعة، وإلا .. لزم الفساد بمتابعة من ليس بإمام، ومع الحكم بالجماعة كيف يقال: إن فضيلتها لا تحصل؟ وتابعه في "المهمات" على ذلك، فقال: مقتضى ذلك ما نقله الرافعي من فوات الجماعة بالمعية أن يصير كالمنفرد، ويلزم أن يكون مبطلاً للجمعة؛ لأن الجماعة شرط فيها، وربما تطرق هذا البحث
(1) الروضة (1/ 367).
(2)
المجموع (4/ 237).
(3)
التحقيق (ص 273).
(4)
الروضة (1/ 369).
إلى امتناع المتابعة؛ لأنه ليس بإمام، فإن التزموا أنها جماعة .. لزمهم حصول الفضيلة للأدلة. انتهى (1) ..
قلت: لم ينقل الرافعي فوات الجماعة، وإنما نقل فوات فضيلتها، فهي جماعة صحيحة، ولكن لا يحصل فيها ثواب الجماعة، فإن قلت: فما فائدة صحتها مع انتفاء الثواب فيها؟
قلت: سقوط الإثم على القول بوجوبها إما على العين أو الكفاية، والكراهة على القول بأنها سنة مؤكدة؛ لقيام الشعار ظاهراً، والله أعلم.
ثالثها: قوله: (إلا في تكبيرة الإحرام) أي: فلا تنعقد الصلاة إذا قارنه ولو في جزء منها، ولا يخفى أن هذا فيمن أنشأ صلاته على القدوة، فسيأتي أن من أحرم منفرداً ثم اقتدى .. صح في الأصح وإن تقدم تكبيره على تكبير الإمام.
رابعها: قد يفهم توقف البطلان على تحقق المقارنة، وليس كذلك، بل لو شك هل قارنه في تكبيرة الإحرام أم لا؟ بطلت صلاته أيضاً، وقد صرح به "الحاوي"(2)، لكن استثنى في "المهمات": ما إذا زال الشك عن قرب؛ كما ذكروه في الشك في أصل النية وفي نية الاقتداء.
750 -
قول "المنهاج"[ص 125]: (والصحيح: يُتِمُّها ويسعى خلفه ما لم يُسْبَقْ بأكثر من ثلاثة أركانٍ مقصودةٍ وهي الطويلة) كذا في "الروضة" تبعاً لأصله في مواضع أن الركن القصير ليس مقصوداً، وحكى هنا عن الأكثرين أنه مقصود أيضاً (3)، وصححه في "الشرح الصغير"، ويوافق "المنهاج" في ذلك قول "الحاوي" [ص 180]:(وبأربعة طويلة) لكنه أحسن منه من جهة أن قول "المنهاج": (أكثر من ثلاثة) يتناول ثلاثة أركان وبعض ركن، وعبارة "الحاوي" لا تصدق حقيقة إلا على أربعة أركان تامة.
751 -
قول "التنبيه"[ص 38]: (ومن أدركه قائماً فقرأ معه بعض الفاتحة ثم ركع الإمام .. فقد قيل: يقرأ ثم يركع، وقيل: يركع ولا يقرأ) الأصح: وجه ثالث، وهو أنه إن لم يشتغل بافتتاح وتعوذ .. ترك قراءته وركع وهو مدرك للركعة، وإلا .. لزمه قراءة بقدره، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(4).
752 -
قول "التنبيه"[ص 38]: (ويكره أن يسبق الإمام بركن) هي عبارة الشافعي، وفي "الشامل": ذكر في "الأم" والقديم أن المستحب للمأموم أن يتابع إمامه، ولا يتقدم في ركوعه ولا سجوده (5).
(1) انظر "فتح العزيز"(2/ 187).
(2)
الحاوي (ص 180).
(3)
الروضة (1/ 238، 251، 370).
(4)
الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 125).
(5)
الأم (1/ 206).
قال في "شرح المهذب": ونقل غيره عن النص تحريمه، وبه جزم النووي في "التحقيق" و"شرحي مسلم والمهذب" مع تقريره في "التصحيح" على الكراهة (1).
ولا يقال: أراد بها: كراهة التحريم؛ لقوله عقبه: (ولا يجوز أن يسبقه بركنين)(2) وقد يفهم التحريم من قول "المنهاج" أول الفصل [ص 124، 125]: (تجب متابعة الإمام في أفعال الصلاة؛ بأن يتأخر ابتداء فعله عن ابتدائه) لكن قدمت أن المراد: بيان كمال المتابعة، ولما فصل ذلك .. ذكر أن السبق بركنين مبطل، ولم يتعرض للسبق بركن إلا ما اقتضاه مفهومه من عدم البطلان به، وعلى ذلك عبارة "الحاوي"(3)، وعبر شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" عن تحريم السبق بركن بـ (الصواب)(4)، وفيه نظر، ولا يخفى أن المراد: الركن الفعلي.
753 -
قول "التنبيه"[ص 38]: (فإن سبقه بركن .. عاد إلى متابعته) قد يفهم وجوب العود، وعليه مشى في "الكفاية"، لكن الأكثرون على الاستحباب، وصححه في "شرح المهذب"(5)، قال في "الكفاية": وشمل السلام، ومتى تعمده .. فلا عود.
754 -
قول "التنبيه"[ص 38]: (فإن سبقه بركنين؛ بأن ركع قبله، فلما أراد أن يركع .. رفع، فلما أراد أن يرفع .. سجد) كذا مثّله العراقيون، وقياس ما ذكره الأصحاب في التخلف بركنين: تمثيله بأن يفرغ من الاعتدال والإمام في القيام، فيجوز تقدير مثل ما ذكروه في التخلف، ويجوز تخصيصه بالتقدم؛ إذ المخالفة فيه أفحش، ذكره الرافعي (6)، وأطلق "المنهاج" و"الحاوي" إبطال السبق بركنين فعليين (7)، ولا بد من تقييده بكونه عامداً عالماً بالتحريم، فلا تبطل مع السهو والجهل، لكن لا يعتد بتلك الركعة، وقد ذكره "التنبيه"(8).
755 -
قول "المنهاج"[ص 126]: (إذا خرج الإمام من صلاته .. انقطعت القدوة) هذا هو المعروف، لكن في "الاستذكار" للدارمي: إذا سلم الإمام فبقي المأموم يطيل التشهد .. كره ولم تبطل ما لم يطل. انتهى.
وهو صريح في البطلان إذا أطال، وظاهر في عدم انقطاع القدوة، ذكرته استغراباً،
(1) المجموع (4/ 203)، التحقيق (ص 263)، شرح مسلم (4/ 150).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 38).
(3)
الحاوي (ص 180).
(4)
تذكرة النبيه (2/ 498).
(5)
المجموع (4/ 206).
(6)
انظر "فتح العزيز"(2/ 196).
(7)
الحاوي (ص 180)، المنهاج (ص 126).
(8)
التنبيه (ص 38).
لا لاستدراكه، ولعله محمول على المسبوق إذا لم يكن موضع جلوسه، واغتفر المكث اليسير مع الكراهة، والله أعلم.
756 -
قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (فإن لم يخرج وقطعها المأموم .. جاز، وفي قول: لا يجوز الا بعذر يُرَخِّصُ في ترك الجماعة)(1) فيه أمران:
أحدهما: عللوا الراجح: بأن الجماعة سنة، والسنن لا تلزم بالشروع، ومقتضى هذا التعليل: أن من يرى أنها فرض كفاية كالنووي .. لا يُجَوِّز القطع؛ للزوم الفرائض بالشروع ولو كانت فرض كفاية (2).
ثانيهما: استثنى في "الكفاية": الجمعة، فلا يجوز فيها قطع الجماعة ولو في الركعة الثانية، والذي في "الروضة": أنه في الثانية على هذا الخلاف، وأنه إن جاز هنا .. أتم الجمعة، وقال في "شرح المهذب": بلا خلاف. انتهى (3).
واعلم: أن قطعها بلا عذر مكروه.
757 -
قول "المنهاج"[ص 126]: (ومن العذر: تطويل الإمام) أي: والمأموم لا يصبر على التطويل؛ لضعف أو شغل.
758 -
قول "التنبيه"[ص 38]: (ومن أحرم منفرداً ثم نوى متابعة الإمام .. جاز في أحد القولين) هو الأظهر كما ذكره "المنهاج"، ومشى عليه "الحاوي"(4)، لكن مع الكراهة، وخرج بالإحرام منفرداً: ما إذا افتتحها في جماعة فنقلها لأخرى .. فيجوز قطعاً، كما في "التحقيق"، وحكاه في "شرح المهذب" عن جماعة كثيرة (5).
759 -
قول "المنهاج" في المسألة فيما إذا فرغ المأموم أولاً [ص 126]: (فإن شاء .. فارقه، وإن شاء .. انتظره ليسلم معه) لم يذكروا هنا الأفضل منهما، وقياس ما تقدم: تفضيل الانتظار.
760 -
قول "التنبيه"[ص 38]: (ومن أدركه راكعاً .. فقد أدرك الركعة) أهمل لذلك شرطين:
أحدهما: أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن أقل الركوع، زاده "المنهاج" تبعاً لصاحب "البيان"(6).
قال الرافعي: وبه أشعر كلام كثير من النقلة، وهو الوجه، وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا
(1) انظر "التنبيه"(ص 38)، و"الحاوي"(ص 180)، و"المنهاج"(ص 126).
(2)
انظر "المجموع"(4/ 161).
(3)
الروضة (2/ 17)، المجموع (4/ 390).
(4)
الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 126).
(5)
التحقيق (ص 261)، المجموع (4/ 183).
(6)
البيان (2/ 377)، المنهاج (ص 126).
له (1)، وقال في "الكفاية": ظاهر كلام الأئمة: أنه لا يشترط. انتهى.
ولم يذكره "الحاوي" أيضاً.
ثانيهما: أن يكون ذلك الركوع محسوباً للإمام، لا ركوع خامسة، ولا ركوع إمام تبين حدثه، وقد ذكره "الحاوي"، وذكره "المنهاج" في (الجمعة)(2)، وفي "الروضة" تبعاً لأصله في (صلاة المسافر): رجحوا الإدراك (3)، وهو مخالف للمصحح هنا، والمعتبر في صلاة الخسوف: إدراك الركوع الأول دون الثاني، وقد ذكره "الحاوي" هنا و"المنهاج" في بابه (4).
واعلم: أن السبكي اختار تبعاً لابن خزيمة والصِّبغي وابن أبي هريرة: أنه لا تدرك الركعة بإدراك الركوع، وإن كان في "الروضة" أنه شاذ منكر (5)، ووالدي -أبقاه الله- يميل إليه، ويعمل به، ويحكى عن البخاري رحمه الله أنه قال: إن القائلين بإدراك الركعة بالركوع هم الذين لا يشترطون القراءة خلف الإمام، فمن اشترطها .. لم ير الإدراك، وفي "الكفاية" عن بعض شارحي "المهذب": إن قصر في التكبير حتى ركع الإمام .. لا يكون مدركاً.
قال في "التوشيح": ورأيته في "الكامل" للمعافى الموصلي منسوباً لابن خزيمة، والمشهور عند ابن خزيمة: إطلاق عدم الإدراك.
قلت: وهذا التفصيل عندي حسن، والله أعلم.
761 -
قول "المنهاج"[ص 126]: (ولو شك في إدراك حَدِّ الإجزاء .. لم تحسب ركعته في الأظهر) يقتضى أنهما قولان، ورجح في "الروضة" أنهما وجهان، وصوبه في "شرح المهذب"(6).
762 -
قوله: (ويكبر للإحرام ثم للركوع، فإن نواهما بتكبيرةٍ .. لم تنعقد)(7) قال في "التتمة": إطلاق عدم الانعقاد ليس بصحيح، بل إن تم التكبير في قيامه .. انعقدت صلاته وقد ترك تكبيرة الركوع، ذكره في الكلام على نية الوضوء والتبرد، وقال شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني لما حكاه عنه: هو خلاف المعروف من كلام غيره.
763 -
قوله: (وإن لم ينو بها شيئاً .. لم تنعقد على الصحيح)(8)، قال في "المهمات":
(1) انظر "فتح العزيز"(2/ 203).
(2)
الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 134).
(3)
الروضة (1/ 391).
(4)
الحاوي (ص 181)، المنهاج (ص 144).
(5)
الروضة (1/ 376).
(6)
الروضة (1/ 377)، المجموع (4/ 187).
(7)
انظر "المنهاج"(ص 126).
(8)
انظر "المنهاج"(ص 126).
هذا في غاية الإشكال؛ فإنه إذا أتى بالنية المعتبرة مقارنة للتكبير .. لم يفته إلا كون التكبير للتحرم، وقصد الأركان لا يشترط اتفاقاً، وعبارة "الحاوي" في هذه الحالة والتي قبلها كـ "المنهاج" حيث قال [ص 181]:(ولو بتكبير إن قصد التحرم فقط).
764 -
قوله: (وأن من أدركه في سجدة .. لم يُكَبِّر للانتقال إليها)(1) كذا في تشهد، وضابطه: أن يدركه فيما لا يحسب له، وهو مأخوذ من قول "الحاوي" [ص 183]:(ويكبر المسبوق للمحسوب) فهو أعم.
(1) انظر "المنهاج"(ص 127).