الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صوم التّطوّع
1335 -
قول " المنهاج "[ص 186] و" الحاوي "[ص 230]: (يسن: صوم عرفة) يستثنى منه: الحاج، فيكره له، كما في " التنبيه "(1)، وحكاه الرافعي والنووي عن إطلاق كثيرين بعد أن صدَّرا كلامهما بأنه ينبغي له فطره (2)، وصحح النووي في " تصحيح التنبيه ": أن صومه خلاف الأولى، وحكاه في " شرح المهذب " عن الشافعى والجمهور (3).
وقال في " التتمة ": الأَوْلى لمن لا يضعفه عن الدعاء وأعمال الحج: صومه، واستشهد له بعضهم باستحباب صوم الدهر لمن لم يخف ضررًا ولا فوَّت حقًا، ومقتضى قول " التنبيه " [ص 67]:(إلا أن يكون حاجًا بعرفة) أن المحرم إذا لم يصل إلى عرفة وعلم أنه لا يصلها إلا بعد الغروب .. أنه يستحب له صومه؛ لأنه حاج لا بعرفة، وبه صرح النووي في " نكت التنبيه "، لكن نص الشافعي في " الإملاء " على استحباب فطره للمسافر مطلقًا، حكاه في " المهمات "، وقريب منه ما في الرافعي عن " التتمة ": أنه إذا سافر في رمضان سفر حج أو غزو، وكان يخاف الضعف لو صام .. فإن الأولى له: الفطر (4).
1336 -
قولهم: (يسن: صوم تاسوعاء، وعاشوراء)(5) كذا الحادي عشر، كما نص عليه.
1337 -
قول " المنهاج "[ص 186] و" الحاوي "[ص 230]: (وأيام البيض) أحسن من قول " التنبيه "[ص 67]: (والأيام البيض) لأن الأيام كلها بيض، وتقدير الأول: أيام الليالي البيض؛ لأن ضوء القمر يعُم ليلها.
واعلم: أن قولهم أن أيام البيض هي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، يستثنى من إطلاقه: ذو الحجة؛ فإن صوم ثالث عشره حرام، فهل يسقط في هذا الشهر، أو يعوض عنه السادس عشر، أو يوم من التسعة الأول؟ فيه احتمال، ولم أر من تعرض لذلك.
ويستحب أيضًا: صوم أيام السود، وهي: الثامن والعشرون وتالياه، قاله الماوردي.
ولا يخفى سقوط الثالث منها إذا كان الشهر ناقصًا، ولعله يعوضه عنه بأول الشهر الذي يليه، وهو من أيام السود أيضًا؛ لأن ليلته كلها سوداء.
1338 -
قول " التنبيه "[ص 67]: (يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال) يقتضي
(1) التنبيه (ص 67).
(2)
انظر " فتح العزيز "(3/ 246)، و" الروضة "(2/ 387).
(3)
تصحيح التنبيه (1/ 229)، المجموع (6/ 402).
(4)
فتح العزيز (3/ 219).
(5)
انظر " التنبيه "(ص 67)، و" الحاوي "(ص 230)، و " المنهاج "(ص 186).
أن من لم يصم رمضان لمرض أو صِبًا أو سفر أو كفر أو غيرها .. لا يستحب له صوم الستة من شوال، وليس كذلك؛ ولهذا أطلق " المنهاج " و" الحاوي " استحباب صوم ستة من شوال (1)، زاد " المنهاج " [ص 186]:(وتتابعها أفضل) أي: ووصلها بالعيد، وتعبيرهما بستة أوفق للعربية من تعبير " التنبيه " بست، لكن ذاك موافق للفظ الحديث.
1339 -
قولهما: (ويكره إفراد الجمعة)(2) محله: ما إذا لم يوافق عادة له، ذكره في " شرح المهذب "، لكنه فسره بأن ينذر صوم يوم شفاء مريضه أو قدوم زيد أبدًا، فوافق يوم جمعة (3)، لكن الكلام في صومه نفلًا، وهو في هذا المثال فرض، فالصواب: تمثيله بما إذا كانت عادته صوم يوم وفطر يوم، فوافق صومه يوم جمعة، ذكره في " المهمات "، قال: نعم؛ يستقيم المثال إن كان النهي شاملًا للفرد حتى يكره إفراد الجمعة بالقضاء، وفيه نظر، وحكى البيهقي في " المعرفة " عن الشافعي: تقييد الكراهة بمن يضعفه الصوم عن القيام بالوظائف المطلوبة فيه (4)، وذكر مثله ابن الصباغ، وقال الماوردي والعمراني: إنه مذهب الشافعي (5).
ولو أراد الاعتكاف في يوم جمعة أو في غيره مما يكره إفراده بالصوم، فهل تستمر الكراهة، أو يستحب صومه للخروج من خلاف من أوجب الصوم مع الاعتكاف؟ توقف فيه النووي في " نكت التنبيه "، وزاد " المنهاج " كراهة إفراد السبت (6)، وعلله الرافعي: بأنه يوم اليهود (7)، ومقتضاه: كراهة إفراد الأحد أيضًا؛ لأنه يوم النصارى، وقد صرح بكراهته ابن يونس في " النبيه ".
1340 -
قول " الحاوي "[ص 230]: (إنه يستحب صوم الدهر) تبع فيه الغزالي (8)، ولا يخفى أن محله: إذا أفطر يومي العيد وأيام التشريق، ثم هو محمول على ما إذا لم يتضرر به، ولا فوَّت حقًا، وقد ذكره " المنهاج " فقال [ص 186]:(وصوم الدهر غير العيد والتشريق مكروهٌ لمن خاف به ضررًا أو فَوْتَ حقٍّ، ومستحبٌ لغيره) وكذا حكاه في " الروضة " وأصلها عن الأكثرين، إلا أنهما لم يقولا بالاستحباب في الحالة الثانية، وإنما قالا فيها: بعدم الكراهة (9)، وأطلق البغوي وغيره الكراهة (10)،
(1) الحاوي (ص 230)، المنهاج (ص 186).
(2)
انظر " التنبيه "(ص 68)، و" المنهاج "(ص 186).
(3)
المجموع (6/ 449).
(4)
معرفة السنن والآثار (3/ 428).
(5)
انظر " الحاوي الكبير "(3/ 478)، و" البيان "(3/ 561).
(6)
المنهاج (ص 186).
(7)
انظر " فتح العزيز "(3/ 247).
(8)
انظر " الوسيط "(2/ 555)، و" الوجيز "(1/ 241).
(9)
فتح العزيز (3/ 248)، الروضة (2/ 388).
(10)
انظر " التهذيب "(3/ 188).
والغزالي الاستحباب كما تقدم، وحيث لا يكره .. فقال المتولي: صوم يوم وإفطار يوم أفضل منه، واختاره السبكي، ورأى أن صوم الدهر مكروه أو خلاف الأولى، وفي " فتاوى الشيخ عز الدين بن عبد السلام " أن سرد الصيام أفضل منه؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وقوله في حديث عبد الله بن عمرو في صوم يوم وإفطار يوم:" لا أفضل من ذلك "(1) أي: لك، ثم تفويت الحق يحتمل أن يراد به: الواجب، لكن تفويته حرام، فتكون الكراهة إذا كان الموجود الخوف دون العلم والظن، فإن أمن تفويته وخاف تفويت مندوب فعله راجح على السرد .. فيوم ويوم أفضل، ويمكن أن يراد بالحق: كل مطلوب وإن لم يكن واجبًا، ذكره السبكي وقال: لم أر من صرح فيه بشيء، ورجح في " المهمات " الاحتمال الثاني، فقال: إنه المتجه.
1341 -
قول " الحاوي "[ص 229]: (إنه لا يجب إتمام التطوع) يستثنى منه: تطوع الحج والعمرة، فيجب إتمامه؛ ولذلك قصر " التنبيه " و" المنهاج " ذلك على تطوع الصلاة والصوم، وتعبير " التنبيه " بقوله [ص 67، 68]: (ومن دخل في صوم تطوع أو صلاة تطوع .. استحب له إتمامها، فإن خرج منها .. لم يلزمه القضاء) أحسن من قول " المنهاج "[ص 186]: (ومن تلبس بصوم تطوعٍ أو صلاة تطوعٍ .. فله قطعهما ولا قضاء) لأمور:
أحدها: تصريح " التنبيه " باستحباب الإتمام، وقد قالوا: إن القطع بعذر غير مكروه، وبغير عذر مكروه على الأصح.
ثانيها: إفصاح " التنبيه " عن كون المنفي لزوم القضاء بخلاف قول " المنهاج ": (ولا قضاء) فإنه قد يفهم نفي استحبابه أيضًا، وليس كذلك، بل قضاؤه مستحب.
ثالثها: أن إفراد " التنبيه " الضمير في قوله: (إتمامها) أحسن من تثنية " المنهاج " في قوله: (قطعهما) فإن (أو) لأحد الشيئين، والذي في " المنهاج " على حد قوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} ويستثنى من كلامهم: ما لو نذر إتمامه .. فالأصح: لزومه.
1342 -
قول " المنهاج "[ص 186]: (ومن تلبس بقضاءٍ .. حرم عليه قطعه إن كان على الفور، وكذا إن لم يكن في الأصح) المراد: قضاء الواجب، أما المستحب: فقد سبق الكلام عليه، وفهم عدم القطع في الأداء من طريق الأولى، وهو كذلك في فروض الأعيان، أما فروض الكفايات .. فله قطعها بعد التلبس بها، إلا صلاة الجنازة، وقد ذكر ذلك " الحاوي " بقوله [ص 229]:(وإتمام القضاء؛ كصلاة الجنازة لا العلم وفروض الكفايات) وكان ينبغي الاكتفاء بنفي وجوب إتمام فروض الكفايات عن ذكر العلم؛ فانه من فروض الكفاية، وأن يؤخر ذكر صلاة الجنازة عن فروض الكفاية، فيستثنيها منها؛ لأنها من جملتها، والله أعلم.
(1) أخرجه " البخاري "(1875)، (3236)، و " مسلم "(1159).