المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب محرمات الإحرام - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ١

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌ترجمة الإمام المجتهد المناظر، شيخ الشافعيّة إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزاباذيّ الشّافعيّ أبو إسحاق الشيرازيصاحب "التنبيه" رَحِمَهُ الله تعَالى (399 - 476 ه

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده ونشأته

- ‌طلبه للعلم وشيوخه

- ‌تلاميذه ومناصبه

- ‌مكانته وثناء العلماء عليه

- ‌مصنفاته

- ‌وفاته

- ‌عناية العلماء بكتاب "التنبيه

- ‌ترجمة الإمام الفقيه البارع، شيخ الشّافعيّة عبد الغفّار بن عبد الكريم بن عبد الغفّار الشافعيّ نجم الدّين القزوينيّ صاحب "الحاوي الصغير" رَحِمَهُ الله تعَالى (…-665 ه

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده

- ‌شيوخه

- ‌تلاميذه

- ‌مصنفاته

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌وفاته

- ‌عناية العلماء بكتاب "الحاوي الصغير

- ‌ترجمة شيخ الإسلام، إمام الأئمّة الأعلام أبو زكريّا يحيى بن شرف بن مري بن حزام محيي الدّين النَّوويّ صاحب "المنهاج" رَحِمَهُ الله تعَالى (631 - 676 ه

- ‌اسمه وكنيته ولقبه

- ‌مولده وصفته

- ‌نشأته وطلبه للعلم

- ‌ثناء العلماء عليه

- ‌شيوخه

- ‌تلاميذه

- ‌مصنفاته

- ‌وفاته

- ‌عناية العلماء بكتاب "المنهاج

- ‌ترجمة الإمام الحافظ المحدّث، الأصوليّ الفقيه أحمد بن عبد الرّحيم بن الحسين الشافعيّ وليّ الدين، أبو زرعة، ابن العراقي رحمه الله تعالى (762 - 826 ه

- ‌اسمه ونسبه

- ‌مولده

- ‌أسرته

- ‌نشأته

- ‌رحلاته وشيوخه

- ‌تلاميذه

- ‌مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المناصب التي شغلها

- ‌مصنفاته

- ‌وفاته

- ‌التعريف بكتاب "تحرير الفتاوي

- ‌أ - توثيق نسبة الكتاب للمؤلف

- ‌ب- منهج المؤلف في "تحرير الفتاوي

- ‌ج- مصطلحات الكتاب

- ‌أولًا: مصطلحات كتب الشافعية:

- ‌ثانياً: المصطلحات الخاصة بالمؤلف في كتابه "تحرير الفتاوي

- ‌وصف النسخ الخطية

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌النسخة الرابعة:

- ‌النسخة الخامسة:

- ‌منهج العمل في الكتاب

- ‌وفي الختام:

- ‌[خُطبَةُ الكِتَاب]

- ‌كتابُ الطهارة

- ‌بابُ الاجتهاد

- ‌بابُ الآنية

- ‌باب أسباب الحَدَث

- ‌بابُ الاسْتِنْجاء

- ‌بابُ الوضوء

- ‌تَنْبيه [يستحب السواك في جميع الحالات]

- ‌بابُ المَسْح على الخُفَّيْن

- ‌تَنْبيه [في بقية شروط المسح على الخف]

- ‌بابُ الغُسل

- ‌تَنْبيه [في حقيقة الموجب للغسل]

- ‌بابُ النّجاسة

- ‌فائدة [ضابط اللون المعفو عنه في النجاسة]

- ‌بابُ التّيَمُّم

- ‌تَنبيهَان [فيما يراد بحاجة العطش، وفي محتَرَز المحترم]

- ‌تنبيه [في عدد أركان التيمم]

- ‌تنبيه آخَر [في عدد سنن التيمم]

- ‌فائدة [فيما لو تذكر الصلاة المنسية]

- ‌بابُ الحَيْض

- ‌كتابُ الصَّلاة

- ‌(باب

- ‌فصْلٌ [لا يجب قضاء الصلاة على الكافر بعد إسلامه]

- ‌فصلٌ [في بيان الأذان والإقامة]

- ‌فصْلٌ [من شروط الصلاة استقبال الكعبة]

- ‌بابُ صفة الصّلاة

- ‌فائدة [فيما لو استطاع الصلاة قائماً منفرداً، أو مع الجماعة قاعداً]

- ‌فرعٌ [في النطق بالقاف مترددة بينها وبين الكاف]

- ‌تَنْبِيه [على حُسْن عبارة " التنبيه

- ‌تَنْبِيهٌ [على السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بصيغة الخطاب]

- ‌بابُ شروط الصّلاة

- ‌فَرْعٌ [عورة الخنثى الحر كالمرأة الحرة]

- ‌فَائِدَة [فيمن أحدث بغير اختياره]

- ‌فَصْلٌ [في ضابط الكلام المبطل للصلاة]

- ‌بابُ سجود السَّهو

- ‌باب سجود التِّلاوة

- ‌بابُ صلاة التَّطوّع

- ‌تَنْبِيْهٌ [على سقوط استحباب تحية المسجد]

- ‌بابُ صلاة الجماعة

- ‌تَنْبِيْهَان [على بقية الأعذار المرخصة في ترك الجماعة، ومعنى كلونها مرخصة]

- ‌بابُ صفة الأئمّة

- ‌تَنْبِيْهٌ [أما هو المراد بالأفقه والأقرأ ونحوها في باب الصلاة]

- ‌بابُ صلاة المسُافر

- ‌بابُ صلاة الجُمعة

- ‌تَنْبِيهٌ [فيما أهمل من شروط الخطبتين]

- ‌بابُ صلاة الخوف

- ‌بابُ ما يُكْرَه لُبْسه وما لا يُكْرَه

- ‌بابُ صلاة العِيدَيْن

- ‌باب صلاة الكسوفين

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب تارك الصّلاة

- ‌فائدة [تعليل الوجه القائل بنخس تارك الصلاة بحديدة]

- ‌كتاب الجنائز باب ما يفعل بالميت

- ‌باب غسل الميت

- ‌باب الكفن وحمل الجنازة

- ‌باب الصّلاة على الميّت

- ‌بابُ الدّفن

- ‌باب التّعزية والبكاء على الميّت

- ‌بابٌ في مسائل منثورة من زيادة "المنهاج" على "المحرّر

- ‌تنبيه [في الصور التي ينبش الميت لها]

- ‌كتاب الزّكاة

- ‌باب زكاة الحيوان

- ‌بابُ زكاة النّبات

- ‌تنبيه [لا يختص التضمين بالمالك]

- ‌باب زكاة النّقد

- ‌بابُ زكاة المعدن والرّكاز

- ‌بابُ زكاة التجارة

- ‌فائدة [تتعلق بنقص السعر أو زيادته عند الحلول]

- ‌بابُ زكاة الفطر

- ‌باب من تلزمه الزّكاة، وما تجب فيه

- ‌تنبيهٌ [في اشتراط تمام الملك]

- ‌بابُ أداء الزّكاة

- ‌باب تعجيل الزّكاة

- ‌كتابُ الصِّيام

- ‌فصلٌ [في النية]

- ‌فصلٌ [أركان الصوم]

- ‌فصلٌ [شروط صحة الصوم]

- ‌فصلٌ [شروط وجوب الصوم]

- ‌فصلٌ [من مات قبل تمكنه من قضاء ما فاته من رمضان]

- ‌فصلٌ [في الكفارة العظمى لإفساد الصوم بالجماع]

- ‌باب صوم التّطوّع

- ‌كتاب الاعتِكاف

- ‌فصلٌ [في التتابع]

- ‌كتابُ الحَجّ

- ‌بابُ المواقيت

- ‌بابُ الإحرام

- ‌فصلٌ [نية الإحرام ومستحباته]

- ‌باب دخول مكّة

- ‌فصلٌ [شروط الطواف]

- ‌فصلٌ [في السعي]

- ‌فصلٌ [في الوقوف بعرفة]

- ‌فصلٌ [في المبيت بمزدلفة وأعمال ليلة النحر]

- ‌تنبيهٌ [متى يلتقط حصى الجمار

- ‌فصلٌ [المبيت بمنى ليالي التشريق]

- ‌فصلٌ [أركان الحج والعمرة]

- ‌بابُ محرَّمات الإحرام

- ‌باب الإحصار والفوات

- ‌تَنْبِيْهٌ [التحليل لو كانت المرأة رقيقة متزوجة]

- ‌تَنْبِيْهٌ آخَر [في إذن الزوج للزوجة بالحج]

- ‌كتابُ البيع

- ‌بابُ الرِّبا

- ‌بابُ البيوع المنهيّ عنها الباطلة

- ‌فَائِدَةٌ [بيع الرقيق بشرط العتق]

- ‌بابُ بيع الحاضر للبادي وتلقّي الرّكبان، والبيع على البيع والنّجش وغيرها

- ‌تَنْبيِهٌ [الجهل بتحريم النجش لا يسقط الإثم]

- ‌بابُ الخيار

- ‌فَصلٌ [في خيار الشرط]

- ‌فصَلٌ [خيار العيب]

- ‌فصلٌ [في التصرية]

- ‌بابٌ [ضمان المبيع]

- ‌بابُ التّولية والإشراك والمرابحة

- ‌بابُ بيع الأصول والثّمار

- ‌فصلٌ [لا يجوز بيع الثمار قبل بدوِّ الصلاح]

- ‌باب اختلاف المتبايعين

- ‌بابٌ العبد المأذون

- ‌كتابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ [شروط السلم]

- ‌فَصْلٌ [في بقية شروط السلم]

- ‌فَصْلٌ [في الاستبدال عن المسلم فيه]

- ‌بَابُ القرض

- ‌كتابُ الرَّهْن

- ‌فَصْلٌ [في شروط المرهون به]

- ‌فَائِدَة [وقف الكتاب بشرط ألَاّ يعار إلَّا برهن]

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على لزوم الرَّهْن]

- ‌فَصْلٌ [جناية المرهون]

- ‌فَصْلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصَلٌ [تعلق الدين بالتركة]

الفصل: ‌باب محرمات الإحرام

‌بابُ محرَّمات الإحرام

1572 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (ويحرم عليه ستر الرأس بالمخيط وغيره) فيه أمور:

أحدها: أن ذلك في الرجل، وقد ذكر حكم المرأة في آخر الباب (1).

ثانيها: قد تفهم عبارته أن المُحَرَّم ستر جميع الرأس، وليس كذلك، فستر بعضه كذلك، وضبطه الإمام والغزالي بستر قدر يُقْصَدُ ستره لغرضٍ؛ كشد عصابة ولصوق شجة (2)، وأبطله الرافعي باتفاقهم على أنه لو شد خيطًا على رأسه .. لا فدية عليه، مع أنه يقصد لمنع الشعر من الانتشار، فالوجه: الضبط بتسميته ساترًا (3).

ثالثها: قد تتناول عبارته: ستره باليد، ولا منع منه في يد نفسه قطعًا، ولا في يد غيره على المذهب، وبالانغماس في ماء، ولا منع منه، وبالاستظلال بِمَحْمِلٍ أو هودج، ولا منع منه إن لم يصب رأسه، وكذا إن أصابه خلافًا للمتولي في الحالة الثانية، قال الرافعي والنووي: ولم أره لغيره، وهو ضعيف (4)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: نصه في "الأم" يدل له، قال: وَيستَظِل المُحْرِمُ على المحمل والراحلة والأرض بما شاء ما لم يَمسَّ رأسَهُ (5).

قلت: ليس فيه الاستظلال بالمحمل، وإنما فيه الاستظلال، وهو في المحمل أو على الراحلة بلا محمل أو على الأرض، والله أعلم.

وقال في "المهمات": جزم به جماعات منهم الروياني في "البحر" والخوارزمي في "الكافي" فقالا: له أن يستظل بما لا يباشر رأسه من الخيمة والمحمل (6).

قلت: قد تكون (مِنْ) بَيانِيّة، والخيمة والمحمل لا يباشران غالبًا، قال: واستدلال القاضي حسين يقتضيه، وصرح به أبو الخير سلامة بن جماعة في كتابه "الوسائل"، وفرق بينه وبين حمل الزنبيل؛ حيث نقل فيه خلافًا بأن المحمل يُقْصَد به الستر، بخلاف الزنبيل. انتهى (7).

وقد تتناول عبارة "التنبيه" وضع الزنبيل والحِمْل على الرأس، ولا منع منه على المذهب، وفي "المهمات" عن الفوراني أن محله: إذا لم يقصد به الستر، فإن قصده .. حرم، قال والدي

(1) التنبيه (ص 73).

(2)

انظر "نهاية المطلب"(4/ 243)، و"الوجيز"(1/ 266).

(3)

انظر "فتح العزيز"(3/ 458).

(4)

انظر "فتح العزيز"(3/ 457)، و"المجموع"(7/ 227).

(5)

الأم (2/ 203).

(6)

بحر المذهب (5/ 135).

(7)

الزنبيل: الجراب، وقيل: الوعاء يحمل فيه. انظر "لسان العرب"(11/ 300).

ص: 640

رحمه الله: وحكاه في "البحر" عن "الحاوي"، واستحسنه (1)، ويتناول تطيين الرأس وطليه بحناء أو مرهم أو غيرهما، وإنما توجب الفدية إذا كان ثخينًا ساترًا، فإن كان رقيقًا لا يستر .. فلا فدية.

رابعها: أن كلامه هنا يتناول حالة العذر، لكنه ذكرها بعد ذلك في قوله:(وإن احتاج إلى اللبس لحرٍ أو بردٍ .. جاز، وعليه الكفارة)(2) وقد سلم من ذلك جميعه "المنهاج" بقوله [ص 206]: (سَتْرُ بعض رأس الرجل بما يُعَدُّ ساترًا إلا لحاجةٍ) وهو أشمل من قول "المحرر"(إلا لحاجة مداواة)(3) لتناوله الحر والبرد، إلا أن يقال: التغطية لهما من المداواة، وفيه بعد، واقتصار "التنبيه" على الحر والبرد لا يتناول المداواة، وعبر "الحاوي" بقوله [ص 249]:(ستر الرأس بما يُعَدّ ساترًا كطين، لا خيطٍ وحِمْلٍ وماءٍ)، وقد عرفت مما تقدم ما يرد عليه.

1573 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (حرم عليه لبس المخيط في جميع بدنه) هو في الرجل، وقد ذكر حكم المرأة بعد ذلك (4)، ولا يختص التحريم بالمخيط، بل كل مُحيط ولو بنسيج أو عقد أو إلزاق بعضه ببعض أو غيرها كذلك؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 249]:(والبدن بمحيطٍ بخياطةٍ ونسجٍ وعقد لِبْدٍ كخريطة اللحية ولف إزارٍ على ساقٍ وعَقْدهِ)(5)، وعبارة "المنهاج" [ص 206]:(وَلُبْسُ المخيط أو المنسوج أو المعقود في سائر بدنه) فلم يأت بما يشمل جميع أنواع المحيط، واستعمل لفظة:(سائر)، فإن أراد: الباقي .. فلم يتقدم حكم شيء منه حتى يكون هذا حكم باقيه؛ فإن الرأس قسيم البدن لا بعضه، فهذا الحكم ثابت لجميع البدن، وإن أراد: الجميع .. فهذا المعنى لا يعرف لـ (سائر)، وإن ذكره الجوهري وتبعه الغزالي (6)، فقد أنكره ابن الصلاح وغيره (7)، والمراد: جميع أجزائه على البدل؛ فإنه لا يشترط في التحريم أن يعم المخيط جميع البدن، فلو اتخذ لساعده شيئًا مخيطًا أو للحيته خريطةً لخضاب ونحوه .. حرم في الأصح؛ كالقفازين، ويعرف ذلك من تمثيل "الحاوي".

1574 -

قول "المنهاج"[ص 206]: (إلا إذا لم يجد غيره) أي: لفقده من ملكه، وتعذر شراؤه بثمن مثله، وإجارته بأجرة مثله، واستعارته، ومقتضاه: المنع لحاجة الحر والبرد

(1) الحاوي الكبير (4/ 102)، بحر المذهب (5/ 106).

(2)

التنبيه (ص 72).

(3)

المحرر (ص 132).

(4)

التنبيه (ص 73).

(5)

الخريطة: وعاء من جلد أو نحوه يشد على ما فيه من صحف ونحوها. انظر "معجم لغة الفقهاء"(ص 195).

(6)

انظر "الوجيز"(1/ 266).

(7)

انظر "مشكل الوسيط"(2/ 680، 681).

ص: 641

والمداواة، والمنقول في كلام الرافعي والنووي وغيرهما: الجواز، لكن مع الفدية (1)، فلو عبر بـ (الحاجة) كما في المسألة قبلها .. لكان أولى، وكذلك فعل "الحاوي" فقال بعد ذكر المسألتين [ص 250]:(ولحاجة بدم) و"التنبيه"(2)، فاللبس يتناولهما؛ ولعل "المنهاج" إنما خص هذه الحالة بالذكر؛ لأنه لا فدية فيها، ودخل في كلامه: لُبس الخف لفقد النعل، والسراويل لفقد الإزار، لكنه يجب في الأول قطعه أسفل من الكعب اتباعًا للحديث (3)، وقد صرح به "التنبيه" و"الحاوي"(4)، ولا يجب في السراويل قطعه فيما جاوز العورة، كما صرحوا به، وهو مقتضى إطلاق "التنبيه" و"الحاوي"(5)، لكن لو تأتى له الاتزار بالسراويل .. امتنع لبسه على هيئته، ولزم الاتزار به، صرح به النووي في "شرح المهذب" تبعًا لجماعة (6).

1575 -

قولهم: (إنه يحرم على المرأة ستر وجهها)(7) يستثنى منه: ما لا يتأتى ستر جميع الرأس إلا به، احتياطًا للستر، وفي "شرح المهذب": أن الأمة كالحرة على المذهب، وقيل: كالرجل (8).

قلت: وينبغي أن يستثنى من ذلك: أن الأمة لا تستر شيئًا من الوجه للاحتياط لستر الرأس؛ لأن رأسها ليس بعورة، ولو ستر الخنثى المشكل وجهه ورأسه .. لزمته الفدية، أو أحدهما .. فلا؛ فإنا لا نوجب بالشك.

1576 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (ويحرم عليه الطيب في بدنه وثيابه) قد يفهم منه اختصاص ذلك بالرجل كالمذكور قبله من المخيط وستر الرأس، وكذلك توهمه عبارة "الحاوي" لذكره بعد قوله [ص 249]:(وعلى الرجل ستر الرأس)، وليس كذلك؛ فتحريم الطيب عام للرجال والنساء، وكذا بقية المحرمات إلا اللبس؛ فهو الذي يفترق فيه الرجل والمرأة، فيحرم عليه: ستر الرأس والمخيط في البدن، وعليها: ستر الوجه، ويشتركان في تحريم القفاز، وقول "الحاوي" [ص 250]:(والتطيب) ليس معطوفًا على قوله [ص 249]: (ستر الرأس) بل على قوله أول الفصل [ص

(1) انظر "فتح العزيز"(3/ 461)، و"المجموع"(7/ 232).

(2)

التنبيه (ص 72).

(3)

أخرجه البخاري (359)، ومسلم (1177) من حديث سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما قال: سأل رجل رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: ما يلبس المحرم؟ فقال: "لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا ثوبًا مسه الزعفران ولا ورس، فمن لم يجد النعين .. فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين".

(4)

التنبيه (ص 72)، الحاوي (ص 250).

(5)

التنبيه (ص 72)، الحاوي (ص 250).

(6)

المجموع (7/ 232، 233).

(7)

انظر "التنبيه"(ص 73)، و"الحاوي"(ص 249)، و"المنهاج"(ص 206).

(8)

المجموع (7/ 234).

ص: 642

249]: (لبس القفازين)، ولو عبر "التنبيه" بـ (أو) كقول "المنهاج" [ص 206]:(استعمال الطيب في ثوبه أو بدنه) .. لكان أحسن، ومراد "التنبيه": أن كلًا منهما محل للتحريم، لا أنه يتوقف التحريم على اجتماعهما في التطيب، زاد "الحاوي" [ص 250]:(قصدًا بما يُقصد به رائحته).

واحترز بالأول: عما لو ألقته الريح عليه، أو أكره عليه، أو جهل تحريمه، أو نسي كونه محرمًا .. فلا فدية، وكذا لو جهل كون الممسوس طيبًا على الأصح، بخلاف ما لو علم تحريمه، وجهل الفدية فيه .. فيجب، وينبغي في ناسي الإحرام تقييده بما إذا لم يكثر ذلك منه، كما في الكلام أو الأكل ناسيًا في الصلاة.

وبالثاني: عما لا تقصد رائحته وإن كانت له رائحة طيبة، إما لكونه يطلب للأكل أو للتداوي غالبًا كالقرنفل وسائر الأبازير (1) والتفاح والسفرجل والأترج ونحوها، أو لكونه ينبت بنفسه كالشيح والقيصوم (2)، وفي معناها: نور الأشجار والعصفر والحناء .. فلا فدية في شيء من ذلك؛ ولهذا قال "الحاوي"[ص 250]: (لا الفواكه والدواء وزهر البادية).

1577 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (ويحرم عليه شم الأدهان المطيبة) عبر في "المهذب" وغيره بالاستعمال (3)، وهو أولى، واستعمالها إنما هو باستهلاكها دون شمها، وقد صرح الرافعي والنووي بأن شم ماء الورد لا يحرم (4)، وحكى ابن يونس في "النبيه" فيه وجهين، وصحح: التحريم، واستهلاك الأدهان المطيبة داخل في قول "المنهاج" [ص 206]:(استعمال الطيب) و"الحاوي"[ص 250]: (والتطيب)، وقد ذكره في الأمثلة فقال:(ودهن البنفسج)(5).

1578 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (وأكل ما فيه طيب ظاهر) يُحمَل على ظهور الأوصاف الثلاثة أو الرائحة وحدها، وكذا الطعم وحده على الأظهر، بخلاف اللون وحده؛ فإنه لا يضر على الأظهر؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 250]:(كأكل طعامٍ فيه رائحته)، ويرد عليه: الطعم، وأكل ما فيه طيب داخل في عبارة "المنهاج" لأنه تطييب للبدن من داخل.

1579 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (وشم الرياحين كالورد والياسمين والورسِ والزعفران) بخلاف ما دل عليه كلامه في (الأيمان): أن الورد والياسمين ليسا من الرياحين (6)، ولعلهما منه

(1) الأبازير: التوابل. انظر "مختار الصحاح"(ص 21).

(2)

القيصوم: من نبات السهل، قال أبو حنيفة: القيصوم: من الذكور ومن الأمرار، وهو طيب الرائحة من رياحين البر، وورقه هدب، وله نورة صفراء، وهي تنهض على ساق وتطول. انظر "لسان العرب"(12/ 486، 487).

(3)

المهذب (2/ 150).

(4)

انظر "فتح العزيز"(3/ 469)، و "المجموع"(7/ 240).

(5)

الحاوي (ص 250).

(6)

التنبيه (ص 197).

ص: 643

لغة لا عرفًا، ثم إن محل تحريم شمها: أن تكون بيده، أو بما هو ملصق بيده، فلو شمها من بُعد؛ كدكان الفكاه والبستان .. لم يمتنع، فإن وضعها بين يديه على هيئة معتادة وشمها .. فإطلاق "التنبيه" وغيره يقتضي المنع، لكن قال شيخنا ابن النقيب: الذي يظهر: عدم التحريم، وقد يقال: إن عبارة "المنهاج" لا تتناول الرياحين من وجهين:

أحدهما: أنها مشمومة لا طيب.

والثاني: لقوله: (في بدنه أو ثوبه)(1) فإنها إنما يحرم فيها الشم كما في "التنبيه"، ويقوي الإيراد على "المنهاج" إذا أخذنا بإطلاق "التنبيه" أنه يحرم شمها عند وضعها بين يديه؛ فإنه في هذه الصورة ليس مستعملًا لها في بدن ولا ثوب، وأيضًا: فلو ألصقها ببدنه بلا شم .. لم يحرم مع استعمالها في البدن (2).

1580 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (ويجوز له شم النَّيْلَوْفَر والبنفسج)(3) وجهه:

أن المقصود منهما: التداوي، ولا يتخذ من يابسهما طيب، لكن المذهب في "أصل الروضة": التحريم كبقية المشموم (4).

1581 -

قوله: (وفي الريحان الفارسي قولان)(5) أظهرهما: التحريم، وعليه مشى "الحاوي"(6).

1582 -

قول "الحاوي"[ص 250]: (والنوم في فراش مُطَيَّبٍ) محله: ما إذا أفضى ببدنه أو ملبوسه إليه، فإن فرش فوقه ثوبًا ونام عليه .. فلا فدية، لكنه إن كان الثوب رقيقًا .. كره.

1583 -

قوله عطفًا على المنفي: (والْبَانِ وَدُهْنِهِ)(7) تبع فيه كون الإمام والغزالي نقلاه عن النص (8)، لكن حكى الرافعي عن إطلاق الجمهور: أن كلًا منهما طيب، ثم قال: ويشبه ألَّا يكون خلافًا حققًا، بل هما محمولان على توسط - حكاه صاحبا "المهذب" و"التهذيب" - وهو أن

(1) المنهاج (ص 206).

(2)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(2/ 336، 337).

(3)

النيلوفر بفتح النون واللام والفاء، ويقال: النينوفر بقلب اللام نونًا: وهو ضرب من الرَّياحين ينبت في المياه الرّاكدة، وهو المسمى عند أهل مصر بالبشنين، ويقوله العوام: النوفر كجوهر بارد في الثالثة رطب في الثانية ملين للصلابات وصالح للسعال وأوجاع الجنب والرئة والصدر، وإذا عجن أصله بالماء وطلي به البهق مرات .. أزاله، وإذا عجن بالزفت .. أزال داء الثعلب، ويتخذ منه شراب فائق. انظر "تاج العروس"(14/ 272).

(4)

الروضة (3/ 129).

(5)

انظر "التنبيه"(ص 72).

(6)

الحاوي (ص 250).

(7)

انظر "الحاوي"(ص 250).

(8)

انظر "الأم"(2/ 152)، و"نهاية المطلب"(4/ 262)، و"الوجيز"(2/ 267).

ص: 644

دهن البان المنشوس، وهو المغلي في الطيب طيبٌ، وغير المنشوس ليس بطيب (1)، وقال النووي في "شرح المهذب": هو كما قال الرافعي (2).

قال في "المهمات": ذكراه بحثًا، وقد صرح به الشافعي في "الأم" فقال فيما فيه الفدية: مثل الْبَانِ المنشوش بالطيب، ثم قال: ودهن ليس بطيبٍ مثل سليخة البان غير منشوش. انتهى (3).

وهو بالنون والشين المعجمة المكررة، ثم إن هذا التفصيل إنما يأتي في دهن البان، ولا يمكن إتيانه في نفس البان، فالخلاف فيه محقق.

1584 -

قوله عطفًا على المنفي: (وجهل طيبه)(4) أي: لا فدية إذا جهل كون الممسوس طيبًا، كما تقدم ذكره.

1585 -

وقوله: (لا عَبقه)(5) أي: تجب الفدية إذا جهل عبقه مع علمه بأنه طيب؛ بأن يكون رطبًا، فيظنه يابسًا، فيمسه، فيعلق منه بيده شيء، وهذا أحد القولين، ورجحه الإمام والغزالي (6)، ورجح طائفة: عدم الوجوب، وذكر صاحب "التقريب" أنه القول الجديد، كذا في "أصل الروضة"(7)، وزاد في "شرح المهذب": أن الدارمي ذكر أنه الجديد أيضًا، وأن الأول هو القديم، ثم قال النووي: وعدم الوجوب أصح؛ لأنه نصه في الجديد؛ ولأنه غير قاصد، وصححه في "مناسكه" أيضًا (8).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: نص في "الأم" على ما يدل عليه، فقال مضمرًا لأنواع الطيب:(فإن مَسَّاهَا وهما لا يعلمان أنها رطبة، فَعَلِقَتْ بأيديهما .. غسلا ذلك، ولا شيء عليهما، وإن عَمَدَا أن يَمَسَّاها رطبةً فَعَلِقَتْ بأيديهما .. افتديا)، قال شيخنا: وحينئذ .. ترجح عدم الوجوب. انتهى (9).

لكن نازعَ في "المهمات" في الحكاية عن صاحب "التقريب" وقال: إنه حكى وجهين من غير ترجيح، ثم نقل عن "المختصر" و"الأم" كلامًا، وتردد في حمله.

(1) فتح العزيز (3/ 467)، وانظر "المهذب"(1/ 210)، و "التهذيب:(3/ 270).

(2)

المجموع (7/ 247).

(3)

الأم (2/ 152).

(4)

انظر "الحاوي"(ص 251).

(5)

انظر "الحاوي"(ص 251).

(6)

انظر "نهاية المطلب"(4/ 263)، و"الوجيز"(1/ 268).

(7)

الروضة (3/ 131).

(8)

المجموع (7/ 240)، الإيضاح في المناسك (ص 50).

(9)

الأم (2/ 204).

ص: 645

1586 -

قول "المنهاج"[ص 206]: (ودَهْنُ شعر الرأس أو اللحية) لا يحسن إدراجه في قسم التطيب؛ لأنه يحرم بغير المطيب كالزيت ونحوه، ولا يرد ذلك على "التنبيه" و"الحاوي" فلم يجعلاها أقسامًا، ويدرجاه في التطيب، بل ذكراه ذكرًا مبتدأً، وعبرا بالرأس، فاحتاجا لاستثناء من لا شعر على رأسه، ولم يحتج "المنهاج" لذلك؛ لتعبيره بشعر الرأس، وقد استثناه "الحاوي" فقال [ص 251]:(وإن حُلِق لا للأصلع) وفهم الأقرع من طريق الأولى، ولم يذكر "التنبيه" الاستثناء .. فَوَرَدَ عليه، وإطلاقهم اللحية يتناول لحية المرأة، وقد صرح بها القاضي حسين، وقد يفهم جواز دهن غيرها من شعور الوجه كالحاجب والشارب والعنفقة والعذارين، وقال المحب الطبري: الظاهر: أنها في معنى اللحية، وفي "المهمات": إنه القياس.

وقال شيخنا ابن النقيب: التحريم ظاهر فيما اتصل باللحية؛ كالشارب والعنفقة والعذار، وأما الحاجب والهُدبُ وما على الجبهة: ففيه بُعد (1).

وقال الماوردي في "الإقناع": يحرم دهن شعر البدن أيضًا (2)، ولا يخفى أن المراد: دهن المحرم شعر نفسه.

1587 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (ويحرم عليه تقليم الأظفار وحلق الشعر) لا يختص ذلك بالحلق؛ فالنتف والقص والإحراق وبالنورة حكمها كالحلق، ولا بالتقليم؛ فالقطع والكسر كالقلم؛ لذلك عبر "المنهاج" بالإزالة، و"الحاوي": بالإبانة (3).

ويستثنى من إزالة الظفر: ما لو انكسر بعضه وتأذى به .. فله قطع المنكسر خاصةً.

ومن الشعر: ما لو نبتت شعرة أو شعرات داخل جفنه وتأذى بها، أو طال شعر حاجبيه أو رأسه وغطى عينيه .. فله قلع القدر المغطى، وفي الصور كلها لا فدية، وقد استثنى "الحاوي" الثانية فقال [ص 251]:(لا من داخل الجفن)، وذكرها "التنبيه" بعد ذلك.

ولا فدية أيضًا فيما لو قطع إصبعه وعليها شعر أو ظفر، أو كَشَطَ جلدة رأسه وعليها الشعر؛ للتبعيّة، وقد ذكرها "الحاوي" فقال [ص 251]:(وقطع ما عليه الشعر).

ولا فدية أيضًا فيما لو حلق المغمى عليه رأسه أو المجنون أو الصبي الذي لا يميز على الأصح في "شرح المهذب"(4)، ولا يفهم من تعبيرهم بالشعر: تحريم إزالة الشعرة الواحدة، مع أنه حرام، لكن يفهم من ذكرهم: ما يجب في حلق شعرة واحدة.

(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(2/ 338).

(2)

الإقناع (ص 89).

(3)

الحاوي (ص 251)، المنهاج (ص 206).

(4)

المجموع (7/ 308).

ص: 646

1588 -

قول "التنبيه"[ص 73]: (وإن حلق رأسه مكرهًا أو نائمًا .. وجبت الفدية على الحالق في أحد القولين، وعلى المحلوق في الثاني، ويرجع بها على الحالق) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي"(1)، وأطلق "التنبيه" على الثاني أن يرجع بها على الحالق، وفصّل الرافعي والنووي فقالا: إن فدى بالهدي أو الإطعام .. رجع عليه، ولكن بأقل الأمرين منهما؛ لأنه متطوع بالزيادة، وإن فدى بالصوم .. فلا رجوع في الأصح (2)، وفي "شرح المهذب" عن الأصحاب: أن محل جواز فدائه بالصوم: إذا غاب الحالق أو أعسر (3)، وينبغي أن يكون محل القولين: ما إذا لم يدخل وقت الحلق، فإن دخل وقته .. فقال المحب الطبري: الظاهر: أنه لا فدية قطعًا، ولا يبعد تأثيمه؛ لافتياته، وإن حلقه وهو ساكت قادر على الدفع .. فكالآمِر، وقيل: على القولين في النائم، ومن هنا .. يعلم أن ما تقدم في الحلق من نفسه كما تقدم في الدهن، وهو واضح.

1589 -

قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وتكمُلُ الفديةُ في ثلاثِ شعراتٍ)(4) محله: ما إذا أزالها متواليًا في مكان واحد، فإن تعدد الزمان أو المكان .. فطريقان، أصحهما: في كل شعرة ما فيها لو انفردت، وهو مد في الأظهر، والطريقة الثانية قولان كمن كرر اللبس.

1590 -

قول "التنبيه"[ص 73]: (فإن حلق شعرة أو قلم ظفرًا .. فيه ثلاثة أقوال، أحدها: يجب ثلث دم، والثاني: درهم، والثالث: مد) الأظهر: الثالث، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 206]:(والأظهر: أن في الشعرة مُدَّ طعامٍ، وفي الشعرتين مُدَّين) ومشى عليه "الحاوي"(5).

ومحل الأقوال: إذا اختار الدم في الشعرات الثلاث، فإن اختار الصوم فيها .. صام يومًا، أو الآصع .. أخرج صاعًا، قاله العمراني في "مشكل المهذب"، وبه يندفع الإشكال المشهور أنه إذا حلق الثلاث .. خيّر بين دم وثلاثة آصع وصيام ثلاثة أيام، فينبغي إذا حلق شعرة .. خيّر بين ما يخصها من الخصال، فكيف يأتي الخلاف؟ وتبع العمراني على ذلك ابن أبي الصيف في "نكت التنبيه" والمحب الطبري، وقال: إنه مما لا يمكن دفعه.

وقال في "المهمات": إنه متعين لا محيد عنه.

وقال ابن الرفعة: ما قاله العمراني إن ظهر على قولنا: الواجب ثلث دم أو درهم .. لم يظهر

(1) الحاوي (ص 250).

(2)

انظر "فتح العزيز"(3/ 478)، و"الروضة"(3/ 137).

(3)

المجموع (7/ 312).

(4)

انظر "التنبيه"(ص 73)، و"الحاوي"(ص 247)، و"المنهاج"(ص 206).

(5)

الحاوي (ص 247).

ص: 647

على قولنا: مدّ؛ إذ يرجع حاصله إلى أنه مخير بين المد والصاع، والشخص لا يخير بين الشيء وبعضه، قال: وجوابه: المنع؛ فإن المسافر يخير بين القصر والإتمام، وبين الظهر والجمعة. انتهى.

ولو قصر الشعرة .. فهو كحلقها، وقيل: توزع الفدية عليها، وصححه الماوردي (1)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه القياس، ويقاس به الظفر.

1591 -

قول "التنبيه"[ص 73]: (وإن لبس ثم لبس، أو تطيب ثم تطيب في مجالس قبل أن يكفر عن الأول .. كفاه عنهما كفارة واحدة في أحد القولين، ويلزمه لكل واحد كفارة في الثاني) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي"، وعبارته [ص 256]:(وتداخل الجزاء إن اتحد النوع والزمان في الاستمتاع بلا تخلُّلِ تكفير) وفيه أمور:

أحدها: أن مقتضى كلامه: أنه إذا لبس ثوبًا مطيبًا .. تعدد الجزاء؛ لاختلاف النوع وإن اتحد الزمان، وكذا صححه الرافعي (2)، لكن قال النووي: الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور: أنه يكفيه فدية واحدة؛ لاتحاد الفعل وتبعية الطيب (3).

ثانيها: لا بد أيضًا من الاتحاد في المكان، ولا يغني ذكر الزمان عنه؛ إذ قد يتتابع الفعل مع الانتقال من مكان إلى مكان.

ثالثها: محل ما ذكره: في غير الجماع، فلو أفسد نسكه به، ثم جامع ثانيًا .. لزمه شاة، وهو داخل في قوله:(وفي الحرام سوى المفسد والصيد شاةٌ)(4).

1592 -

قولهم في محرمات الإحرام: (الجماع)(5) يتناول ما إذا كان في القبل أو الدبر ولو من رجل وبهيمة، وكما يحرم الجماع على المُحْرِم .. يحرم على المرأة الحلال تمكين المُحْرِم في الأصح، قاله الرافعي في (الإيلاء)(6)، ويحرم على الحلال أيضًا حال إحرام المرأة، كما ذكروه في الإحصار.

ولم يذكر "المنهاج" تحريم الاستمتاع بشهوة، وذكره "التنبيه" فقال [ص 72]:(والمباشرة فيما دون الفرج بشهوة والاستمناء) وخرج بقوله: (بشهوة) مجرد اللمس، فلا يوجب الفدية في الأصح، ويشترط في الاستمناء: الإنزال، بخلاف المباشرة، و"الحاوي" فقال [ص 251]:

(1) انظر "الحاوي الكبير"(4/ 114).

(2)

انظر "فتح العزيز"(3/ 489).

(3)

انظر "الروضة"(3/ 171).

(4)

انظر "الحاوي"(ق 30).

(5)

انظر "التنبيه"(ص 72)، و "الحاوي"(ص 251)، و"المنهاج"(ص 206).

(6)

فتح العزيز (9/ 239، 240).

ص: 648

(ومقدماته الناقضة)، وتبع في هذه العبارة الغزالي (1)، وهو شاذ، بل غلط، كما قاله في زيادة "الروضة"(2)؛ لأن اللمس بغير شهوة لا يحرم، وقال في "شرح المهذب": اتفقوا على أنه سهو من الغزالي، وليس وجهًا (3).

قلت: ومقتضى هذه العبارة: وجوب الفدية باللمس ناسيًا أو جاهلًا كالنقض، وأنها لا تجب بالمعانقة بشهوة بحائل، وليس كذلك.

واعلم: أن مقدمات الجماع ليست مثله في إفساد الحج وإيجاب البدنة، وإنما الواجب فيها: فدية؛ كالحلق وغيره من الاستمتاعات.

1593 -

قولهما: (وتَفْسُدُ به العمرة)(4) فيه أمران:

أحدهما: أن المراد: العمرة المفردة؛ فهي التي تفسد بالجماع مطلقًا، أما التي في ضمن حج في القران .. فهي تابعة له في الصحة والفساد، فإذا جامع بعد تحلله الأول .. لم يفسد الحج، وكذا العمرة تبعًا وإن لم يأت بأعمالها؛ لما بيناه من التبعيّة.

ولو قدم القارن مكة، فطاف وسعى ووقف، ثم حلقَ قبل الرمي، ثم جامع .. فسد حجه وعمرته وإن كان بعد أفعال العمرة كلها، ففسدت العمرة تبعًا كما صحت فيما تقدم تبعًا، وقد ذكره "الحاوي" بمثاليه، وأحسن بذكر الحلق في المثال الثاني (5)، فإن الرافعي والنووي لما ذكراه .. لم يذكرا الحلق (6)، فاعترض على قولهما: إن هذا الجماع بعد أفعال العمرة كلها؛ لأنه قد بقي منها الحلق، لكن فيه شيء آخر، ذكره شيخنا ابن النقيب فقال: وهذا الكلام يدل على أن طواف العمرة يندرج في طواف قدوم الحج، لا في الإفاضة، وفيه نظر، واندراجه في المفروض أولى (7).

وذكره شيخنا الإمام البلقيني على طريق الجزم فقال: والطواف المذكور قد يكون للقدوم .. فلا يجزئ عن طواف العمرة، فالمجزئ عن طواف العمرة في القران إنما هو طواف الإفاضة، وإنما هذا سنة، وحينئذ .. فلم يقع الجماع بعد أعمال العمرة.

ثانيهما: شرط فساد الحج والعمرة بالوطء: أن يكون عاقلًا عامدًا عالمًا بالتحريم، فإن لم يكن

(1) انظر "الوجيز"(1/ 269)، و "الوسيط"(2/ 691).

(2)

الروضة (3/ 144).

(3)

المجموع (7/ 259).

(4)

انظر "التنبيه"(ص 72)، و "المنهاج"(ص 206).

(5)

الحاوي (ص 253).

(6)

انظر "فتح العزيز"(3/ 485)، و"المجموع"(7/ 339).

(7)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(2/ 342).

ص: 649

كذلك .. لم يفسد على الجديد، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 251]:(وعمدُهُ بعلم الحُرْمَة).

1594 -

قولهما: (وتجب به: بدنة)(1) قد يفهم أن على كل من الرجل والمرأة بدنة؛ أي: فيما إذا لم تكن مكرهة ولا نائمة، وهذه طريقة، والطريقة الأخرى: أن فيه الخلاف في الصيام، وهذا أشهر، كما قال النووي في "شرح المهذب"(2)، ومقتضاه: ترجيح وجوب بدنة واحدة عليه خاصة، وعبارة "أصل الروضة" تفهم ترجيح هذه الطريقة أيضًا؛ فإنه قال: هل يجب على كل واحد منهما بدنة، أم يجب على الزوج فقط بدنة عن نفسه، أم عليه بدنة عنه وعنها؟ فيه ثلاثة أقوال كالصوم، وقطع قاطعون بإلزامها البدنة. انتهى (3).

فجزمه أولًا بطريقة الخلاف يدل على ترجيحها، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 252]:(وإن فسد للزوجة أيضًا)، واقتصر "المنهاج" على وجوب بدنة، ومراده: الترتيب على ما ذكره "التنبيه" و"الحاوي" وهو: أنه إن لم يجد .. فبقرة، فإن لم يجد .. فسَبعْ من الغنم، فإن لم يجد .. قوّم البدنة دراهم، والدراهم طعامًا، وتصدق به، فإن لم يجد .. صام عن كل مد يومًا (4)، وقد يفهم من التقييد بالأمداد: أنه لو انكسر بعض الأمداد .. طرح، وليس كذلك، بل يكمل المنكسر.

1595 -

قول "التنبيه"[ص 73]: (وإن تكرر منه الجماع ولم يكفر عن الأول .. كفاه عنهما كفارة واحدة في أحد الأقوال، ويلزمه بدنة في الثاني، وشاة في الثالث) الأظهر: الثالث، وعليه مشى "الحاوي" (5) وأراد "التنبيه" بالتكرر: مرتين؛ بدليل قوله: (عنهما)، فلو تكرر أكثر من ذلك .. عُرف حكمه مما تقدم.

1596 -

قوله: (وإن جامع بعد التحلل الأول .. لم يفسد حجه، وعليه بدنة في أحد القولين وشاة في الآخر)(6) الأظهر: الثاني، وعليه مشى "الحاوي"(7).

1597 -

قول "المنهاج"[ص 206] و"الحاوي"[ص 252]: (ويجب القضاء) يتناول الفرض والتطوع، ومحله: ما إذا كان الذي أفسده غير قضاء، أما إذا أفسد القضاء بالجماع .. فإنه لا يقضي هذا القضاء، وإنما يقضي الذي أفسده أولًا؛ لأن المقضي واحد، وقد صرح به

(1) انظر "التنبيه"(ص 73)، و "المنهاج"(ص 206).

(2)

المجموع (7/ 340).

(3)

الروضة (3/ 140).

(4)

التنبيه (ص 73)، الحاوي (ص 253).

(5)

الحاوي (ص 252).

(6)

انظر "التنبيه"(ص 73).

(7)

الحاوي (ص 252).

ص: 650

"التنبيه" فقال [ص 73]: (وإن أفسد القضاء .. لزمه البدنة دون القضاء) ومراده: دون قضاء القضاء، أما قضاء الأصل: فلا بد منه.

1598 -

قولهما: (والأصح: أنه على الفور)(1) و"الحاوي"[ص 252]: (مُضَيَّقًا) أحسن من قول غيرهم: من قابل؛ فإن هذا يشمل العمرة؛ فإنها ممكنة على الفور، ويشمل الحج أيضًا إذا أمكن في سنة الإفساد؛ بأن يحصر عن إتمام الفاسد سواء جامع ثم أحصر أو أحصر ثم جامع قبل التحلل، فيتحلل، ثم يزول الحصر والوقت باق، فيلزمه القضاء في سنته.

واستشكل تسميته قضاء؛ لوقوعه في وقته، فهو كمن أفسد الصلاة ثم أعادها في الوقت .. فالأصح: أنها أداء.

وأجاب السبكي بأمرين:

أحدهما: أنه أطلق القضاء على معناه اللغوي.

ثانيهما: أنه يتضيق وقته بالإحرام وإن لم تتضيق الصلاة؛ لأن آخر وقت الصلاة لم يتغير في حقه بالشروع، فلم يكن بفعلها بعد الإفساد موقعًا لها في غير وقتها، والحج بالشروع يضيق وقته ابتداءً وانتهاءً؛ فإنه ينتهي بوقت الفوات، ففعله في السنة الثانية خارج وقته، فصح وصفه بالقضاء. انتهى.

أما من فاته الحج .. فحكى في "شرح المهذب" عن ابن المرزبان: أن له حكم من تحلل التحلل الأول، فإن وطئ .. لم يفسد إحرامه، وإن تطيب أو لبس .. لم يلزمه فدية؛ لأنه لما فاته الوقوف .. سقط عنه الرمي، فصار كمن رمى، ثم حكى النووي عن القاضي أبي الطيب والروياني والدارمي: أن هذا على قولنا: الحلق ليس بنسك، فإن قلنا: إنه نسك .. احتاج إليه أو إلى الطواف حتى يحصل التحلل الأول (2).

ورد شيخنا الإمام البلقيني على ابن المرزبان بنص الشافعي في "الأم" على أن من فاته الحج قبل الإحلال كاملُ الإحرام، تجب عليه الفدية فيما فيه الفدية، والفساد فيما فيه فساد لا يختلف ذلك؛ لأن الإحرام قائم عليه (3).

1599 -

قول "التنبيه"[ص 73]: (ويجب عليه القضاء من حيث أحرم) فيه أمور:

أحدها: أنه يستثنى منه: ما لو كان في الأداء جاوز الميقات مُسيئًا؛ لكونه مريدًا للنسك .. فلا خلاف أنه لا يسيء ثانيًا، بل يحرم من الميقات.

(1) انظر "التنبيه"(ص 73)، و"المنهاج"(ص 206).

(2)

المجموع (8/ 219)، وانظر "بحر المذهب"(5/ 258).

(3)

الأم (2/ 165).

ص: 651

ثانيها: وكذا لو جاوزه غير مريد للنسك، ثم بدا له فأحرم .. فإنه لا يُحْرِم في القضاء من ذلك الموضع، بل يتعين الميقات، كما صححه في "أصل الروضة"(1)، مع أن الرافعي إنما نقله عن صاحب "التهذيب" وغيره، وحكى مقابله عن الشيخ أبي على (2)، وصرح في "الشرح الصغير" بتصحيح مقابله، وهو: أنَّه يحرم في القضاء من حيث أحرم في الأداء، لكن صحح السبكي الأول، فقوى بذلك تصحيح النووي، قال الرافعي والنووي: والوجهان فيمن لم يرجع إلى الميقات، فلو رجع ثم عاد .. فلا بد من الإحرام من الميقات (3)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ممنوع؛ لأن ميقاته حيث أحرم، فعوده لا يخرج الأول عن كونه ميقاته لذلك الإحرام، فيبقى القضاء على الخلاف، قال: ولو سُلِّم .. لكان مقتضاه: الفرق بين أن يعود قبل التلبس بنسك أم لا.

ثالثها: لا يتعين حيث أحرم، فلو عدل لمثل مسافته .. جاز، وفي زيادة "الروضة": أنَّه لا خلاف فيه (4)، لكن فيه في "الكفاية" وجه عن حكاية الماوردي (5).

رابعها: اقتصر على اعتبار المكان، وهو يقتضي أن الزمان لا يعتبر، فله تأخير الإحرام بالقضاء عن الزمن الذي أحرم فيه بالأداء؛ لأن الاعتناء بالميقات المكاني أكمل، لكن يستثنى منه: الأجير؛ فعليه رعايته إن كان أبعد.

1600 -

قوله: (وعليه نفقة المرأة في القضاء، وقيل: عليها النفقة)(6) الخلاف في النفقة الزائدة بسبب السفر، أما نفقة الحضر: فلا تعلق لها بهذا، والكلام في الزوج، أما لو كان الواطئ أجنبيًا بشبهة أو زنا .. فالمؤنة عليها قطعًا.

1601 -

قوله: (وإن قضى الحج وهي معه .. فالمستحب أن يفترقا في الموضع الذي جامعها فيه، وقيل: يجب ذلك)(7) تعبيره يفهم أن هذا وجهٌ، وهو قول قديم مشهور، وظاهر كلامه: اختصاص الافتراق بذلك الموضع، لكن في "شرح المهذب": أنَّه يمتد إلى أن يتحلل التحللين سواء قلنا بوجوبه أو باستحبابه (8)، قال الماوردي: ويعتزلها في السير والمنزل (9).

(1) الروضة (3/ 140).

(2)

التهذيب (3/ 272)، فتح العزيز (3/ 483).

(3)

انظر "فتح العزيز"(3/ 483)، "الروضة، (3/ 140).

(4)

الروضة (3/ 140).

(5)

انظر "الحاوي الكبير"(4/ 233).

(6)

انظر "التنبيه"(ص 73).

(7)

انظر "التنبيه"(ص 73).

(8)

المجموع (7/ 413).

(9)

انظر "الحاوي الكبير"(4/ 233).

ص: 652

1602 -

قوله: (ويحرم عليه الصيد المأكول)(1) فيه أمور:

أحدها: لا بد من تقييده بأن يكون برِّيًا، كما فعل "المنهاج" و"الحاوي"(2) ليخرج البحري، فيحل ولو في الحرم، وفي "البحر" عن الصيمري: أنَّه يحرم صيد بحر الحرم (3)، ونص الشَّافعي يخالفه صريحًا، فقال: وكل ما كان فيه صيدٌ في بئرٍ كان أو في ماءٍ مستنقع أو في عين .. فهو بحرٌ، وسواءٌ كان في الحل أو الحرم .. يُصاد ويؤكل. انتهى (4).

والمراد بالبحري: ما لا يعيش إلَّا في البحر، فإن عاش فيهما .. فهو بري.

ثانيها: لو عبر بالمصدر .. كان أولى من التعبير باسم المفعول، وإن كان لفظ الآية:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} ، فهو فيها محتمل للمصدر ولاسم المفعول، وأما في لفظ المصنِّف: فهو متعين للمفعول؛ ولذلك عبر "المنهاج" بـ (اصطياد)(5)، وأحسن منه تعبير "الحاوي" بقوله [ص 253]:(تَعَرُّضُ) فإنه يتناول: تنفيره، والإعانة عليه بدلالة أو إعارة آلة، ووضع اليد عليه بتملك أو إعارة أو غيرهما، وأن يتعرض لجزئه وشعره وريشه وبيضه ولبنه، وقد ذكر "التنبيه" و"الحاوي" بعد ذلك البيض (6)، ومحله: في غير المذر (7)، أما المذر: فلا يحرم كسره، ولا يضمن إلَّا أن يكون بيض نعام؛ لأن لقشره قيمة، ومسألة الدلالة ذكرها الغزالي في "الوجيز"، وتبعه "الحاوي"(8)، وأهملها الرافعي والنووي في "الروضة"، لكنه ذكرها في "شرح المهذب"(9)، وهي مشكلة؛ لأنه دلالة على مباح، وليس في القواعد ما يقتضي اشتراط جواز تعاطي الشيء في جواز الدلالة عليه.

ويرد على عبارة "التنبيه" أيضًا: ما لو صال عليه الصيد، فقتله دفعًا لصياله .. فإنه لا يضمنه، ولا يرد ذلك على تعبير "المنهاج" بالاصطياد؛ لأن دفع الصائل ليس اصطيادًا.

ثالثها: لا بد من تقييده أيضًا بأن يكون وحشيًا، وقد ذكره "الحاوي" (10). وأجيب عن كون "المنهاج" لم يذكره: بأن لفظ الاصطياد يقتضيه؛ فإنه الأخذ بحيلة، وذلك إنما يكون في

(1) انظر "التنبيه"(ص 72).

(2)

الحاوي (ص 253)، المنهاج (ص 206).

(3)

بحر المذهب (5/ 326).

(4)

انظر "الأم"(2/ 209).

(5)

المنهاج (ص 206).

(6)

التنبيه (ص 74)، الحاوي (ص 253).

(7)

المذر: الفاسد الذي لا فرخ فيه. انظر "لسان العرب"(5/ 164).

(8)

الوجيز (1/ 270)، الحاوي (ص 253).

(9)

المجموع (7/ 270، 271).

(10)

الحاوي (ص 253).

ص: 653

الوحشي، وعن "التنبيه" بأن الإنسي لا يسمى صيدًا.

رابعها: محل التحريم: أن يكون ذلك عمدًا، وقد ذكره "الحاوي"(1)، ولا بد من العلم بالتحريم؛ ليخرج الجاهل به، ولم يذكر "المنهاج" أيضًا ذلك.

1603 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (وما تولد من مأكول وغير مأكول) يخرج عنه المتولد من مأكولين أحدهما وحشي؛ كالمتولد بين الظباء والشياه، ولا نزاع في تحريم صيده، ويدخل فيه المتولد بين وحشي غير مأكول؛ كالذئب، وإنسي مأكول؛ كالشاة، ولا نزاع في جواز صيده، وكذلك المتولد بين أهليين أحدهما غير مأكول؛ كالبغل، ولا نزاع في أنَّه لا يحرم التعرض له، فتعبيره معترض طردًا وعكسًا، إلَّا أن يقال في الصورة الثالثة: هذا ليس صيدًا.

وعبارة "الحاوي"[ص 253]: (تَعَرُّضُ بري متوحش مأكول، أو في أصله أحدهما) أي: في أصل البري أحدهما إما متوحش وإما مأكول، وعبارة "أصل الروضة" مثلها؛ حيث قال:(أو في أصله مأكول ليس مائيًا وحشيًا كان أو في أصله وحشي)(2)، ويدخل في هذه العبارة ثلاثة أنواع لا نزاع في أنَّه لا يحرم التعرض لها:

أحدها: المتولد بين وحشي غير مأكول؛ كالذئب، وإنسي مأكول؛ كالشاة.

الثاني: المتولد بين حيوانين لا يؤكلان أحدهما وحشي؛ كالمتولد بين الحمار والزرافة.

الثالث: المتولد بين أهليين أحدهما لا يؤكل كالبغل؛ فإن الأول في أصله وحشي ومأكول، والثاني في أصله وحشي، والثالث في أصله مأكول، وقد يقال: لا ترد الأولى؛ لأنه اعتبر وجود أحدهما، وقد وجد فيها كلاهما، فكان صواب العبارة:(أو في أحد أصليه هو) أي: متوحش مأكول، وقد عبر به هو في "اللباب"، واعتذر بعضهم عنه: بأن مراده: أو في أصله أحدهما مع الوصف الآخر، وهو عجيب! لأن موضوع أحدهما لأحد الشيئين، فكيف يجعلها لهما معًا" وعبارة "المنهاج" بعد قوله [ص 206]:(اصطياد كل مأكول بري): (وكذا المتولد منه ومن غيره)(3)، قال في "الدقائق": يدخل في قوله: (منه ومن غيره) شيئان:

أحدهما: المتولد من مأكول وغير مأكول.

والثاني: المتولد من شاة وضبع أو ظبي؛ فإنه متولد من صيد وغيره، وهو حرام بلا خلاف، وقَلّ مَنْ نَبَّه عليه (4).

(1) الحاوي (ص 253).

(2)

الروضة (3/ 144).

(3)

المنهاج (ص 207).

(4)

الدقائق (ص 58).

ص: 654

قال شيخنا ابن النقيب: وضابطه: أن ما حرم التعرض لأحد أصليه .. حرم؛ كبين ذئب وضبع، وبين ظبي وشاة، وبين حمار وحشي وحمار إنسي، وما جاز التعرض لكل منهما .. جاز؛ كبين حمار وزرافة، وبين حمار وفرس، وبين ذئب وشاة (1).

وبسط ذلك في "المهمات"، وذكر أن المتولد من البري ستة أقسام، فالثلاثة الأولى حرام؛ لأن كلًا منهما في أصله المأكول والمتوحش في ذات واحدة، والثلاثة الأخيرة لا يحرم؛ لأن كلًا منهما لا يحرم التعرض لكل واحد من أصليه، لكن اقتضى كلام شيخينا المذكورين أنَّه لا يرد على الرافعي والنووي من هذه الصور إلَّا المتولد بين ذئب وشاة، وليس كذلك، فالأخريان تردان عليهما وعلى "الحاوي" كما قدمته.

1604 -

قول "المنهاج"[ص 207]: (ويحرم ذلك في الحرم على الحلال) فالمحرم إما أن يؤخذ من طريق الأولى وإما من عموم ما سبق، وأفصح به "التنبيه" فقال [ص 74]:(وصيد الحرم حرام على الحلال والمُحْرِم) ولا فرق بين أن يكون في الحرم الصائد أو المصيد، فلو وقف في الحل ورمى صيدًا في الحرم أو عكسه .. حرم، بل لو رمى من الحل إلى صيد في الحل، فاعترض السهم في الحرم .. حرم في الأصح، بخلاف إرسال الكلب إذا أرسله من الحل إلى صيد في الحل، فاعترض في الحرم (2)، وقد ذكره "الحاوي"(3).

1605 -

قول "المنهاج"[ص 207]: "فإن أتلف صيدًا .. ضمنه" فيه أمور:

أحدها: أنَّه قد يخرج ما إذا لم يتلفه، بل أزمنه وأزال امتناعه، والأصح: أنَّه يضمن بكمال الجزاء، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي"(4)، لكن تعبير "التنبيه" ب (قيل) يقتضي أن الخلاف وجهان، وقد صرح في "المهذب" بأنه قولان (5).

ثانيها: وقد يخرج ما إذا لم يتلفه، بل وضع يده عليه فتلف مع أنَّه مضمون أيضًا، وقد ذكره "التنبيه"(6)، لكن يستثنى منه: ما إذا كان إنما وضع يدَهُ عليه لمداواته فتلف .. فلا ضمان، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 254]:(وتلف في يده لا لمداواةٍ) ومثلها: ما إذا خلصه من سبع أو هرة أو نحوهما.

ثالثها: تناول كلامه: ما إذا فَعله ناسيًا للإحرام أو مخطئًا أو جاهلًا بالتحريم، وقد صرح به

(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(2/ 347).

(2)

في (ج): (والفرق: أن الدابة لها اختيار).

(3)

الحاوي (ص 253 - 254).

(4)

التنبيه (ص 74)، الحاوي (ص 254).

(5)

المهذب (1/ 217).

(6)

التنبيه (ص 74).

ص: 655

"الحاوي"(1)، لكن صحح النووي من زوائده: أنَّه لا جزاء على المجنون (2)، وهو مشكل؛ لأنه إتلاف، والمجنون فيه كالعاقل؛ ولهذا لما صححه في "شرح المهذب" .. قال: إن الأقيس: خلافه (3)، ويؤيده ما في "الروضة" وأصلها في حج الصبي: أنَّه إذا ارتكب محظورًا عمدًا .. لزمته الفدية بناء على الأظهر: أن عمده عمد، ثم قالا: إن حكم المجنون حكم الصبي الذي لا يميز (4).

رابعها: قد يتناول ما إذا قتله دفعًا لصياله عنه مع أنَّه لا ضمان فيه، وقد ذكره "التنبيه" و"الحاوي"(5).

1606 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (وإن افترش الجراد في طريقه فقتله .. ففيه قولان) الأظهر: أنَّه لا جزاء عليه، وعليه مشى "الحاوي" وعبر بقوله [ص 253]:(لا إن عمت الجراد فتخطاها) وهو أحسن، فإنها قد تفترش في طريقه ولا تعمها بحيث يجد عنها معدلًا.

1607 -

قولهما: (وفي الغزال: عنزٌ)(6) حكاه الرافعي عن بعض الأصحاب، ومنهم أَبو القاسم الكرخي، وأنه زعم أن الأنثى غزال، ثم قال: قال الإمام: وهذا وهم، بل الصحيح: أن في الظبي عنزًا، وهو شديد الشبه بها، فإنه أجرد الشعر، متقلص الذنب، وأما الغزال: فولد الظبي، فيجب فيه ما يجب في الصغار (7)، وجزم في "الشرح الصغير" بهذا المحكي عن الإمام، وقال في "الروضة": قول الإمام هو الصواب، قال أهل اللغة: الغزال ولد الظبية إلى حين يقوى ويطلع قرناه، ثم هي ظبية، والذكر ظبي. انتهى (8).

فعبارتهما معترضة من وجهين:

أحدهما: أن العنز كبيرة، والغزال صغير.

والثاني: أنَّها أنثى، والغزال يشمل الذكر والأنثى، وحينئذ .. فالواجب فيه إن كان ذكرًا: جَدْيٌ، وإن كان أنثى: عَنَاقٌ (9)، وقد تبع "الحاوي" ما ذكره الإمام والرافعي والنووي، فقال:(والظبي عنز)(10)، وهو معترض أيضًا، فإن الظبي ذكر كما حكاه النووي عن أهل اللغة، والعنز

(1) الحاوي (ص 253).

(2)

انظر "الروضة"(3/ 145).

(3)

المجموع (7/ 307).

(4)

فتح العزيز (3/ 453، 454)، الروضة (3/ 121، 123).

(5)

التنبيه (ص 72)، الحاوي (ص 253).

(6)

انظر "التنبيه"(ص 74)، و"المنهاج"(ص 207).

(7)

انظر "نهاية المطلب" (4/ 4

)، و"فتح العزيز"(3/ 508).

(8)

الروضة (3/ 158).

(9)

العَناق بفتح العين: الأنثى من أولاد المعز إذا قويت ما لم تبلغ سنها سنة. انظر "الدقائق"(ص 58).

(10)

الحاوي (ص 255).

ص: 656

أنثى كما قاله أهل اللغة، وممن ذكره النووي، فوقعوا في أحد الاعتراضين على "التنبيه" و"المنهاج" على وجه هو أشد؛ لأن الغزال قد تكون أنثى، والظبي لا يكون إلَّا ذكرًا، فالصواب:(وفي الظبي: تيس)، وقد عبر به بعضهم.

1608 -

قول "التنبيه"[ص 74] و"الحاوي"[ص 255]: (والضبع: كبش) كذا ذكره غيرهما، واعترضه في "المهمات": بأن الضبع هو الأنثى، وأما الذكر: فإنه ضِبْعان - بكسر الضاد وإسكان الباء - كما في "الصحاح" و"المحكم" وغيرهما (1)، فالصواب:(وفي الضبع: نعجة)، لكن في كلام ابن التياني وابن هشام الخضراوي: أنَّه يطلق على الذكر والأنثى، وحينئذ .. فلا يستقيم قوله:(كبش) لتعينه للذَّكَر.

1609 -

قولهما أيضًا: (والأرنب: عَنَاقٌ، واليربوع: جفرةٌ)(2) ذكر الرافعي والنووي أن العناق: الأنثى من المعز من حين تولد إلى أن ترعى، والجفرة: الأنثى من ولد المعز، تفطم، فتأخذ في الرعي، وذلك بعد أربعة أشهر، قالا: هذا معناهما في اللغة، لكن يجب أن يكون المراد بالجفر هنا: ما دون العناق؛ فإن الأرنب خير من اليربوع (3).

1610 -

قول "الحاوي"[ص 254]: (والأنثى للذكر، لا عكسه) أي: لا يجزئ إخراج الذكر عن الأنثى، لكن الأصح من زيادة "الروضة": الإجزاء؛ لأن لحمه أطيب، قال الإمام: ومحل الإجزاء في الذكر والأنثى: ما لم ينقص اللحم في القيمة ولا في الطيب، فإن كان واحد من هذين النقصين .. لم يجز قطعًا (4).

1611 -

قول "التنبيه"[ص 74]: (فإن فدى الذكر بالأنثى .. فهو أفضل على المنصوص) الأصح: أن فِداء الذكر بالذكر أفضل، ذكره في زيادة "الروضة" وغيرها (5).

1612 -

قوله: (وإن أتلف ظبيًا ماخضًا .. ضمنه بقيمة شاة ماخض)(6) الظبي خاص بالذكر كما تقدم، فلا يمكن أن يكون ماخضًا؛ أي: حاملًا، وصوابه: ظبية، ثم إن الشاة تنطلق على الضأن والمعز وعلى الذكر والأنثى، فالصواب: عنز، ولا يجوز ذبحها وتفرقة لحمها كما أفهمه كلامه؛

(1) الصحاح (3/ 1247)، المحكم (1/ 416).

(2)

انظر "التنبيه"(ص 74)، و"الحاوي"(ص 255)، وهو في "المنهاج"(ص 207)، والجفرة: هي ما بلغت أربعة أشهر من أولاد المعز وفصلت عن أمها، والذكر جفر؛ لأنه جفر جنباه؛ أي: عظُما. انظر "الدقائق"(ص 58).

(3)

انظر "فتح العزيز"(3/ 508)، و"الروضة"(3/ 157).

(4)

الروضة (3/ 159)، وانظر "نهاية المطلب"(4/ 401).

(5)

الروضة (3/ 159).

(6)

انظر "التنبيه"(ص 74).

ص: 657

لأن لحم غير الحامل أطيب، ولا يخرج تلك القيمة، بل يعرف ما يتحصل بها من الطَّعام، فيتصدق به، كذا في "أصل الروضة"(1)، ولا يتعين ذلك، بل له أن يصوم عن كل مد يومًا، قاله في "شرح المهذب"(2)، وأشار "الحاوي" إلى هذه المسألة بقوله [ص 254 - 255]:(كالحامل لها) وهو اختصار مجحف.

1613 -

قول "التنبيه"[ص 74]: (وإن جرح صيدًا له مثلٌ فنقص عشر قيمته .. لزمه عشر قيمة المثل، وقيل: عشر المثل إلَّا ألَّا يجده) الأصح: الثاني، قاله جمهور الأصحاب (3)، قالوا: وإنَّما ذكر الشَّافعي القيمة؛ لأنه قد لا يجد شريكًا في ذبح شاة، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 254]:(وجزؤه لجزئه).

1614 -

قول "التنبيه"[ص 74]: (وإن أمسكه محرم فقتله محرم آخر .. وجب الجزاء بينهما نصفين) الأصح: وجوب الجزاء على القاتل وحده، صححه الرافعي والنووي في وجه ثالث يطالب كل منهما به، والقرار على القاتل كنظيره من الغصب، ورجحاه أيضًا في موضع آخر (4).

1615 -

قول "الحاوي"[ص 254]: (مثله من النعم بحكم عدلين) محله: فيما لا نقل فيه، أما ما فيه نقل عن الشارع أو عن صاحبين أو عن عدلين من التابعين فمن بعدهم .. فإنه يتبع ما حكموا به، بل لو حكم به صحابي وسكت الباقون .. اتبع كما قاله في "الكفاية"؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 207]:(وما لا نقل فيه .. يحكم بمثله عدلان" قال الرافعي: وليكونا فقيهين كَيِّسَيْنِ (5)، والمراد بالكيس: الفطن، ولا شك في وجوبه، وأما الفقه: ففي "شرح المهذب" عن الشَّافعي والأصحاب: أنَّه مستحب (6)، ونقل الماوردي عن الشَّافعي: وجوبه (7)، وصوبه في "المهمات"، وقال: قياسه: أن لا يكتفي بالمرأة والعبد، وقد ذكر "التنبيه" الرجوع إلى عدلين في المثل وفي القيمة أيضًا فقال [ص 74]:(ويرجع في معرفة المثل والقيمة إلى عدلين)، ولم يتعرض لذلك الرافعي والنووي في القيمة.

1616 -

قول "المنهاج"[ص 207]: (وفيما لا مثل له .. القيمة) يستثنى منه: الحمام؛ ففيه شاة وإن كان لا مثل له من النعم، وقد استثناه "التنبيه"، لكنه عبر بقوله [ص 74]: (إلَّا الحمام،

(1) الروضة (3/ 160).

(2)

المجموع (7/ 364).

(3)

انظر "مختصر المزني"(ص 71)، و"الروضة"(3/ 160)، و"المجموع"(7/ 363).

(4)

انظر "فتح العزيز"(3/ 499)، (10/ 136)، و"الروضة"(3/ 149)، (9/ 133).

(5)

انظر "فتح العزيز"(3/ 509).

(6)

المجموع (7/ 361).

(7)

انظر "الحاوي الكبير"(4/ 292).

ص: 658

وكل ما عب وهدر) (1)، وكان ينبغي أن يقول:(وهو كل ما عب وهدر) كما في "المهذب"(2) لأن هذا هو الحمام على المشهور، فعطفه عليه يقتضي أنَّه غيره، ثم الهدير ملازم للعب، فلا حاجة لاعتباره.

وأطلق "الحاوي" وجوب قيمة غير المثلي، وعد الحمام في أمثلة ما له مثل، وهو الشاة (3)، ولعله مَيْل إلى أحد الوجهين أن سبب وجوبها فيها: شبهها بها في أن كلًا منهما يألف البيوت ويأنس بالناس، لكن الأصح: أن سببه اتباع الآثار عن السلف؛ لتوقيفٍ بلغهم فيه، ونص عليه الشَّافعي (4).

1617 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (فإن ذبح الصيد .. حرم عليه أكله، وهل يحرم على غيره؟ فيه قولان) أظهرهما: نعم، وهو الجديد، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 255]:(وَمَذْبُوحُهُ مَيْتَةٌ) وحكم البيض إذا كسره والجراد إذا قتله حكم الصيد إذا ذبحه، كما في زوائد "الروضة" عن الروياني عن الأصحاب، واختار الشيخ أَبو حامد والقاضي أَبو الطيب: حل البيض لغيره قطعًا؛ لأن حله لا يتوقف على فعله، وصححه الروياني أيضًا (5).

1618 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (ولا يملك الصيد بالبيع والهبة) أعم منه قول "الحاوي"[ص 253]: (ولا يصح تملكه اختيارًا)، فيتناول قبول الوصية والخلع والرجوع بالإفلاس وإن كان إطلاقهم في التفليس يقتضى خلافه.

1619 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (وهل يملك بالإرث؟ فقد قيل: يملك، وقيل: لا يملك) الأصح: الأول، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 253]:(ويرث، ويزول مِلْكُه، فيرسله) وما ذكره من زوال ملكه عن الموروث تبع فيه الإمام والغزالي (6)، وفي "التهذيب" وغيره خلافه (7)، وصححه في "شرح المهذب" فقال: إنه الصحيح المشهور الذي قطع به المحاملي وآخرون، قال المحاملي: إذا قلنا: إنه يملكه بالإرث .. كان ملكًا له يملك التصرف فيه كيف شاء إلَّا القتل والإتلاف (8).

(1) قال الأزهري: الحمام البري والأهلي يعب إذا شرب، وهو أن يجرع الماء جرعًا، وسائر الطيور تنقر الماء نقرًا وتشرب قطرة قطرة، وقال غيره: العب: شدة جرع الماء من غير تنفس، والهدير: ترجغ الصوت ومواصلته من غير تقطيع له. انظر "تهذيب اللغة"(1/ 86)، و"تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 147).

(2)

المهذب (1/ 217).

(3)

الحاوي (ص 255).

(4)

انظر "مختصر المزني"(ص 72).

(5)

الروضة (3/ 155)، وانظر "بحر المذهب"(5/ 393).

(6)

انظر "نهاية المطلب"(4/ 411)، و"الوجيز"(1/ 270).

(7)

التهذيب (3/ 273).

(8)

المجموع (7/ 277).

ص: 659

واعلم: أن في "شرح المهذب" عن أبي الطيب والمتولي: أن الإرث إنما يتصور إذا قلنا: إن الإحرام لا يزيل الملك عن الصيد، فإن قلنا: يزيله .. لم يملكه، وعن الإمام عن العراقيين عكسه: أن محل الوجهين إذا قلنا: الإحرام يقطع الملك، ثم قال النووي: إن الجمهور لم يتعرضوا لذلك، قال: وما نقله عن العراقيين غريب (1).

قال في "المهمات": ومقتضاه: عدم الإنكار على أبي الطيب والمتولي، فيكون الراجح: عدم الإرث.

1620 -

قول "التنبيه"[ص 72]: (وإن كان في ملكه صيد فأحرم .. زال ملكه عنه في أحد القولين) هو الأظهر؛ ولعل هذه هي مراد "الحاوي" بقوله [ص 253]: (ويزول ملكه، فيرسله) وإن لم تكن هي بعينها مراده .. فهي داخلة في عبارته.

واعلم: أن النووي قال في "تصحيحه": الأصح: أنَّه إذا أحرم وفي ملكه صيد .. لزمه إرساله (2)، وهذه غير مسألة "التنبيه"، بل هي أصلها، والتي في "التنبيه" متفرعة عليها؛ ففي "الروضة": أن الإرسال واجب على الصحيح، فإن لم نوجبه .. لم يزل ملكه، وإن أوجبناه .. فقولان، أظهرهما: يزول. انتهى (3).

فلم نستفد من "التصحيح" الراجح في مسألة "التنبيه"، وإنما استفدنا منه مسألة أخرى هي أصلها، ولا يلزم من الترجيح في التي ذكرها التصحيحُ في الأخرى كما عرفت، فلو مات الصيد قبل إمكان الإرسال .. وجب الجزاء في الأصح، في "أصل الروضة"(4).

قال في "المهمات": وهو مشكل؛ فإنه لا يجب تقديم الإرسال على الإحرام بلا خلاف، فلم يوجد إتلاف ولا تقصير في الإرسال؛ يؤيده أنهم قالوا بعدم الضمان فيما إذا نذر التضحية بشاة معينة، فماتت يوم النحر قبل إمكان الذبح، وفرّق والدي رحمه الله بينهما: بتمكنه من إرسال الصيد قبل الإحرام وإن لم يلزمه، بخلاف التضحية ليس متمكنا منها قبل وقتها، وله تأخير التضحية ما دام الوقت باقيًا، وليس له تأخير الإرسال بعد الإحرام.

1621 -

قول "التنبيه"[ص 74]: (ويحرم على الحلال والمحرم قطع شجر الحرم) يفهم تحريم القلع من طريق الأولى، وأورد في "الكفاية" لفظ "التنبيه":(القلع)(5)، ثم قال "التنبيه" [ص 74]:

(1) المجموع (7/ 277)، وانظر "نهاية المطلب"(4/ 411).

(2)

تصحيح التنبيه (1/ 242).

(3)

الروضة (3/ 150).

(4)

الروضة (3/ 150).

(5)

أي: وقعت عبارة "التنبيه" في "الكفاية" بلفظ (القلع) لا (القطع) هكذا: (ولا يحرم على الحلال والمحرم قلع شجر الحرم)، فليعلم.

ص: 660

(وقيل: لا يحرم قلع ما أنبته الآدمي، والأول هو المنصوص) وهذا يقتضي أن الثاني وجه، لكنه قولٌ، ثم قال "التنبيه" [ص 74]:(ويحرم قطع حشيش الحرم) قال النووي في "التحرير": كان ينبغي أن يعبر بالقلع عوضًا عن القطع؛ فإن الحشيش هو اليابس، ولا يحرم قطعه، وإنَّما يحرم قلعه خاصة (1)، أي: بلا خلاف، بخلاف الرطب، فإنه يحرم قطعه وقلعه، فلو عبر بـ (الخلا) .. لكن أولى، لكن حكي عن أبي عبيدة معمر بنُ المثنى: أن الحشيش يكون للرطب واليابس (2)، وخرج بهذه العبارة: الزروع، كالحنطة، والشعير والقطنية والخضروات ونحوها .. فيجوز قلعها سواء نبتت بنفسها أوزرعت.

وعبر "المنهاج" عن الشجر وغيرها بعبارة واحدة فقال تبعًا "للمحرر": (ويُحْرُمُ قطع نبات الحرم الذي لا يُسْتَنْبَت)(3)، ثم استدرك فقال:(والمستنبت كغيره على المذهب)(4)، وهذا الاستدراك إنما يصح في الشجر، أما غيرها: فيفرق فيه بين المستنبت وغيره كما تقدم، ولهذا أطلق "التنبيه" الشجر، وخص التحريم بالحشيش، وأراد به: ما لا يستنبت، فكلام "المحرر" صحيح في غير الشجر، وكلام "المنهاج" صحيح في الشجر.

ويرد على "التنبيه" و"المنهاج": أن التحريم في الشجر إنما هو في الرطب، أما اليابس: فلا شيء في قطعه، كما لو قَدّ صيدًا ميتًا نصفين، هذه عبارة " أصل الروضة"(5)، وقد يفهم تحريم القلع كما في الحشيش، وليس كذلك، فقد صرح النووى في "نكت التنبيه" بأنه لا شيء في قلعه أيضًا، والفرق بينهما: أن الحشيش اليابس يستخلف، بخلاف الشجر اليابس، ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 255]:(ويحرم قطع نبات رطب حرميٍّ وقَلْعُهُ) ويرد عليه مع ذلك شيئان:

أحدهما: أنَّه يتناول المستنبت من غير الشجر مع أنَّه لا يحرم فيه كما تقدم.

ثانيهما: أنَّه يستثنى من مفهومه: قلع اليابس غير المستنبت من غير الشجر؛ فإنه يحرم أيضًا كما تقدم.

1622 -

قول "المنهاج"[ص 207]: (والأظهر: تعلق الضمان به وبقطع أشجاره) الضمير في قوله: (به) يعود للنبات، وهو شامل للشجر، فلا حاجة لقوله - تبعًا لـ"المحرر" (6) -:(وبقطع أشجاره)، فهو وإن كان من ذكر الخاص بعد العام .. فيه إيهام، وعبارته تقتضي أنَّه لا يتوقف

(1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 147).

(2)

انظر "تهذيب اللغة"(3/ 254).

(3)

المحرر (ص 133)، المنهاج (ص 207).

(4)

المنهاج (ص 207).

(5)

الروضة (3/ 165).

(6)

المحرر (ص 133).

ص: 661

وجوب البقرة والشاة على القلع، بل يحصل بمجرد القطع، وكذا عبارة "الحاوي" فإنه بعد تحريم القطع والقلع قال [ص 255]:(ويجب في الشجرة الكبيرة: بقرة)، وكذا عبر "التنبيه" في التحريم والضمان بالقطع (1)، إلَّا أن ابن الرفعة حكى عنه التعبير بالقلع.

قال في "المهمات": وتعبير الرافعي بالتامة مشعر به، إلَّا أن يقال: إن التامة للاحتراز عن الغصن، قلت: هو كذلك بلا شك، قال الرافعي: وسواء نقل من الحرم إلى الحل، أو إلى الحرم .. يُنظر: إن يبِسَتْ .. لزمه الجزاء، وإن نبتت في الموضع المنقول إليه .. فلا جزاء، فلو قلعها قالع .. لزمه الجزاء؛ إبقاء لحرمة الحرم (2).

قال السبكي: وهذا إذا كان الموضوع المنقول إليه من الحرم، أما إن كان من الحل .. فقد صرح جماعة بلزوم الجزاء وإن نبتت، ما لم يعدها إلن مكانها، وفي "المهمات": إن الضمير في قوله: (لزمه الجزاء) يعود للأول كما قال الجرجاني والخوارزمي، وللثاني كما قال سليم والبغوي، وقال البندنيجي: بمطالبتهما كالمغصوب إذا أُتْلِفَ، واقتصر في "الكفاية" عليه، وفي "المهمات": إنه واضح متعين.

1623 -

قولهم: (ففي الشجرة الكبيرة: بقرةٌ)(3)، قال الإمام: والبدنة في معناها بلا شك (4)، وقال السبكي: وفيه نظر.

1624 -

قولهم: (والصغيرة: شاةٌ)(5) ضبط الإمام الصغيرة بقدر سُبع الكبيرة، فإن صغرت جدًا .. ففيها القيمة، وجزم به في "أصل الروضة"(6)، وفي "الاستقصاء في شرح المهذب" أنَّه لا يشترط في البقرة إجزاؤها في الأضحية، بل يكفي فيها تبيع، وهو ابن سنة، بخلاف الشاة لا بد أن تكون في سن الأضحية، ووجَّهَه في "المهمات" بأن الشاة لم يوجبها الشرع إلَّا في هذا السن، بخلاف البقرة؛ بدليل التبيع في الثلاثين منها، قال: وهو يؤخذ من كلام الرافعي في موضع آخر، وإطلاقه في الدماء يقتضي خلافه.

1625 -

قول "التنبيه"[ص 74]: (وإن قطع غصنًا منها .. ضمن ما نقص) يستثنى منه: الغصن الصغير، فلا يضمن، وما لو انتشرت الأغصان ومنعت الناس من الطَّرِيقِ وآذتهم .. فإنه يجوز قطع المؤذي منها.

(1) التنبيه (ص 74).

(2)

انظر "فتح العزيز"(3/ 518).

(3)

انظر "التنبيه"(ص 74)، و"الحاوي"(ص 255)، و"المنهاج"(ص 207).

(4)

انظر "نهاية المطلب"(4/ 418).

(5)

انظر "التنبيه"(ص 74)، و"الحاوي"(ص 255)، و"المنهاج"(ص 207).

(6)

انظر "نهاية المطلب"(4/ 418)، و"الروضة"(3/ 167).

ص: 662

1626 -

قوله: (فإن عاد الغصن .. سقط عنه الضمان في أحد القولين ولا يسقط في الآخر)(1) الأظهر: أنَّه لا يسقط، وهو كالخلاف في عود سن المثغور (2)، وفي التعبير بالعود تَجوّز؛ لأن العائد مثله لا هو، ومحل القولين: إذا عاد في سنة أخرى، فإن عاد في تلك السنة لكون الغصن لطيفًا كالسواك .. فلا ضمان، وقد يفهم ذلك من قوله:(ما نقص) فإن مثله لا ينقص، وقد يقال: لا بد من نقص وإن قل، والحق: أنَّه إنما أريد: نقص القيمة، ومثل ذلك لا ينقص القيمة، ويجوز الإقدام على قطعه، كما في "شرح المهذب"(3).

1627 -

قوله: (ويحرم قطع حشيش الحرم إلَّا الإذخر والعوسج)(4) في استثناء العوسج من الحشيش نظر؛ فإنه من الشجر، وعبارة "المنهاج" أعم؛ فإنه قال [ص 207]:(وكذا الشوك كالعوسج وغيره عند الجمهور)، وأعم منه قول "الحاوي" [ص 255]:(لا مؤذ) فإنه يتناول الأغصان المنتشرة المؤذية كما تقدم، وعبارة "الروضة" في العوسج: الصحيح الذي قطع به الجمهور، لكنه صحح في "شرح مسلم": تحريمه، واختاره في "تصحيح التنبيه" و"تحريره" من حيث الدليل؛ أي: وهو إطلاق الخبر، كما في "أصل الروضة"(5)، وفاته فيه ورود النص فيه في "الصحيحين"، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"ولا يعضد شوكها"(6)، وقد استدل به في "شرح المهذب"، ثم قال: وللقائلين بالمذهب أن يجيبوا عنه: بأنه مخصص بالقياس على الفواسق الخمس (7).

ورده السبكي: بأن الشوك لا يتناول غيره، فكيف يجيء التخصيص؟ ! قال: نعم؛ التخصيص ممكن في رواية: "لا يعضد شوكها"، واقتصر "التنبيه" على استثناء الإذخر والعوسج، وقال "المنهاج" [ص 207]:(والأصح: حِلُّ أخذ نباته لعلف البهائم والدواء) والعلف هنا بسكون اللام؛ لأن المراد هنا: المصدر - وهو بالفتح - الشيء الذي يُعلف به، قال في "شرح المهذب": ولو أخذه ليبيعه ممن يَعْلِف به .. لم يجز (8)، ومقتضاه: أن الدواء كذلك لا يجوز أخذه للبيع،

(1) انظر "التنبيه"(ص 74).

(2)

المثغور: قال أهل اللغة: وإذا سقطت رواضع الصبي .. قيل: ثغر يثغر فهو مثغور، وأثغر الغلام: نبتت أسنانه. انظر "تحرير ألفاظ التنبيه"(ص 299، 300).

(3)

المجموع (7/ 783، 379).

(4)

انظر "التنبيه"(ص 74).

(5)

الروضة (3/ 165)، شرح مسلم (9/ 126)، تصحيح التنبيه (1/ 248)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 148).

(6)

صحيح البخاري (1510)، صحيح مسلم (3153).

(7)

المجموع (7/ 378).

(8)

المجموع (7/ 382).

ص: 663

وظاهر إطلاق الماوردي: الجواز مطلقًا (1)، ومقتضى عبارته: أنَّه لا يتوقف الأخذ للدواء على وجود السبب، بل يجوز تحصيله وادخاره له، ومقتضى تعبير " أصل الروضة" بقوله:(ولو احتيج إلى شيء من نبات الحرم للدواء)(2) خلافه، ونازع في "المهمات" في الخلاف في جواز الأخذ للدواء، وقال: الخلاف في الضمان، وأما الأخذ: فجائز قطعًا، وعبر "الحاوي" بعبارة تتناول العلف والدواء فقال [ص 255]:(ولحاجةٍ)، وتتناول أمرين آخرين:

أحدهما: لو قطع غير الإذخر للحاجة التي يُقطع لها الإذخر؛ كتسقيف البيوت .. فهو كقطعه للدواء كما قاله الغزالي في "البسيط" و"الوسيط"(3)، قال في "المهمات": وقلّ من تعرض لهذه المسألة.

ثانيهما: ما يُتغذى به؛ كالرجلة والنبات المسمى في الحجاز بالبقلة ونحوها، فذكر المحب الطَّبري: أنَّه يجوز قطعه؛ لأنه في معنى الزرع، وهو داخل في التعبير بالحاجة، ومقتضى اقتصارهم على النبات: أن ذلك لا يتعدى لغيره، لكن صحح النووي: تحريم إخراج تراب الحرم إلى الحل وأحجاره، ونص عليه الشَّافعي، وأطلق الرافعي كراهته، قال في "شرح المهذب": وهي عبارة كثيرين، أو الأكثرين (4).

1628 -

قولهما: (ويحرم صيد المدينة)(5) فيه أمران:

أحدهما: أنَّه كان ينبغي التعبير بحرم المدينة، كما في "المحرر" و"الروضة"(6) فإن التحريم لا يختص بالمدينة، وهو في العَرْضِ: ما بين لابتيها؛ أي: الحرتين، وهي: الحجارة السود، وفي الطول: من عَيْر إلى ثور، كما ثبت في "الصحيح"(7).

وأنكر بعضهم ثورًا، وقال: إنه لا يعرف بالمدينة، وقال: وصوابه: أُحد. وَرُدَّ: بأن ثورًا جبل صغير وراء أُحد، يعرفه أهل المدينة، فأُحُدٌ داخل في الحرم.

ثانيهما: أن ذلك لا يختص بالصيد؛ فالنبات كذلك، كما نقله في "شرح المهذب" عن الشَّافعي والأصحاب (8)، وسلم "الحاوي" من الأمرين، فقال بعد ذكر تحريم الصيد والنبات:

(1) انظر "الحاوي الكبير"(4/ 327).

(2)

الروضة (3/ 167).

(3)

الوسيط (2/ 701).

(4)

المجموع (7/ 843)، وانظر "الأم"(7/ 146)، و"فتح العزيز"(3/ 520).

(5)

انظر "التنبيه"(ص 75)، و"المنهاج"(ص 207).

(6)

المحرر (ص 133)، الروضة (3/ 168).

(7)

صحيح البخاري (6374)، صحيح مسلم (1370).

(8)

المجموع (7/ 394).

ص: 664

(وحرم المدينة وَوَجّ الطائف كمكة في الحرمة فقط)(1)، وزاد عليهما: وَجّ الطائف، وهو بفتح الواو وتشديد الجيم: وادٍ بصحراء الطائف، واحترز بقوله:(فقط) عن الضمان، وهو الجديد كما قال "المنهاج"(2)، قال في "التنبيه" [ص 75]:(وفيه قول آخر: أنَّه يُسلَب الفاعل)، وهذا القول اختاره النووي من جهة الدليل في "تصحيح التنبيه " و"شرح المهذب"(3)، والأكثرون على أنَّه كسلب قتيل الكفار، وقيل: ثيابه فقط، وقيل: إنه يترك له ساتر العورة، وصوبه في زيادة "الروضة"، وصححه في "شرح المهذب"(4)، وقال الشيخ أَبو حامد: يُعطاه إلى أن يقدر على ساتر عورته، فإن قدر .. استعيد منه، وظاهر إطلاق الأئمة: أن السلب لا يتوقف على إتلافه، بل بمجرد الاصطياد، وتوقف الإمام فيما إذا أرسله (5)، ثم هو للسالب، وقيل: لفقراء المدينة كجزاء الصيد، وقيل: لبيت المال.

وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يقتضيه النظر: أنَّه لا يسلب ثيابه إذا كان عبدًا؛ فإنه لا ملك له، وكذلك لو كان عليه ثوب مستأجر أو مستعار .. فإنه لا يسلب، قال: ولم أر من تعرض لذلك.

وقال في "التوشيح": يستثنى: من ليس عليه إلَّا سلب مغصوب .. فلا يسلبه بلا خلاف.

1629 -

قول "المنهاج"[ص 207]: (ويتخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله والصدقة به على مساكين الحرم) فيه تنبيه على الفقراء من طريق الأولى.

1630 -

قوله: (وَبَيْنَ أن يُقَوِّمَ المِثْلَ دَرَاهِمَ)(6) منصوب على نزع الخافض، وتقديره: بدراهم، وذكر الدراهم تمثيل، فلا يختص التقويم بها، بل يكون بالنقد الغالب منها ومن الذهب.

1631 -

وقوله: (ويشتري بها طعامًا)(7) وكذا عبر "التنبيه"(8)، وهو مثال، فلا يخفى أن الشراء غير متعين، فلو أخرج مما هو عنده ذلك القدر .. جاز؛ ولذلك لم يذكر "الحاوي" الشراء، والمراد: الطَّعام المجزئ في الفطرة، كما صرح به الإمام (9)، وعدل "المنهاج" عن قوله:(وبين أن يصوم) إلى قوله: (أو يصوم) للتنبيه على أنَّه مخير بين شيئين أولًا؛ الذبح

(1) الحاوي (ص 256).

(2)

المنهاج (ص 207).

(3)

تصحيح التنبيه (1/ 249)، المجموع (7/ 395).

(4)

الروضة (3/ 169)، المجموع (7/ 395).

(5)

انظر "نهاية المطلب"(4/ 421).

(6)

انظر "المنهاج"(ص 207).

(7)

انظر "المنهاج"(ص 207).

(8)

التنبيه (ص 74).

(9)

انظر "نهاية المطلب"(4/ 405).

ص: 665

والتقويم، ثم إذا قوّم .. تخيَّر بين شراء الطَّعام للصدقة، وبين أن يصوم يومًا لكل مد، وجعله "التنبيه" و"الحاوي" مخيرًا بين ثلاثة أشياء (1)، والمعنى لا يختلف.

وقد يفهم من "التنبيه" و"المنهاج" أنَّه لو بقي من الطَّعام أقل من مد .. لم يصم عنه شيئًا؛ لأن الصوم لا يتبعض، وليس كذلك، بل يكمل المنكسر، ويصوم عنه يومًا، وقد صرح به "الحاوي"(2)، ثم إن إدخال الصوم في التخيير محله: في المسلم، أما الكافر: فلو دخل الحرم، فقتل فيه صيدًا .. فلا مدخل للصوم فيه، ويتخير بين شيئين فقط، وقد يفهم من "التنبيه" و"المنهاج" استواء التقويم في المثلي وغيره، وليس كذلك، فالأصح في المثلي: اعتبار قيمته بمكة يوم الإخراج، وفي غيره: اعتبار قيمته موضع الإتلاف وزمانه، وقد صرح به "الحاوي"، فقال في المثلي:(بقيمة النعم بمكة)، وقال في غيره:(حيث أتلف)(3).

1632 -

قول "المنهاج"[ص 208]: (ويتخير في فدية الحلق بين ذبح شاة، والتصدق بثلاثة آصعٍ لستة مساكين، وصوم ثلاثة أيام) فيه أمور:

أحدها: لا يختص ذلك بالحلق؛ فالتطييب واللبس والمباشرة فيما دون الفرج والادهان والقَلْم كذلك، وقد صرح بها كلها "التنبيه"(4)، وكذلك شاة الجماع الثاني، والجماع بين التحللين في الأصح، وقد تناول ذلك كله قول "الحاوي" [ص 258]:(وفي الحرام سوى المفسد والصيد).

ثانيها: إطلاقهم الشاة محمول على ما يجزئ في الأضحية، وكذا حيث وجبت هي أو البدنة إلَّا في جزاء الصيد، ويجزئ عن الشاة: سُبع بدنة أو سُبع بقرة.

ثالثها: أن قول "التنبيه"[ص 73]: (لكل مسكين نصف صاع)، أَنَصُّ على المقصود من تعبير "المنهاج" و"الحاوي" بثلاثة آصع لستة مساكين؛ فإن ذلك يصدق مع التفاوت وتفضيل بعضهم على بعض، وهو وجه.

1633 -

قول "المنهاج"[ص 208]: (والأصح: أن الدم في ترك المأمور - كالإحرام من الميقات - دم ترتيبٍ، فإذا عجز .. اشترى بقيمة الشاة طعامًا وتصدق به، فإن عجز .. صام لكل مد يومًا) كان ينبغي أن يضم إلى قوله: (دم ترتيب): وتعديل؛ لأن الوجه الآخر موافق لهذا الوجه في أنَّه دم ترتيب، إلَّا أنَّه يقول: وتقدير، وقد تبين أن مراده الأول بقوله: (فإن عجز .. اشترى بقيمة الشاة طعامًا

إلى آخره)، فإن الوجه القائل بالتقدير يقول: إذا عجز .. صام ثلاثة أيام في

(1) التنبيه (ص 74)، الحاوي (ص 254 - 255).

(2)

الحاوي (ص 255).

(3)

الحاوي (ص 254).

(4)

التنبيه (ص 73).

ص: 666

الحج وسبعة إذا رجع كدم التمتع، وقد تبع "المنهاج" و"المحرر "الإمام والغزالى في أنَّه دم ترتيب وتعديل (1)، وصحح في "الروضة" و"شرح المهذب" تبعًا "للشرحين" "والتذنيب": أنَّه دم ترتيب وتقدير، وعليه مشى "الحاوي"(2)، وقال في "المهمات": إن به الفتوى.

فإن قيل: مقابل الأصح في "المنهاج": أنَّه لا ترتيب فيه، بل هو كجزاء الصيد في التخيير والتعديل.

قلت: هذا الوجه شاذ ضعيف كما قال في "الروضة"(3)، فلا ينبغي التعبير عن مقابله بالأصح، ولهذا قال شيخنا الإسنوي: كان الأحسن: أن يقول: والصحيح: أن الدم في ترك المأمور دم ترتيب، والأصح: أنَّه إذا عجز عنه

إلى آخره.

قال شيخنا ابن النقيب: وجوابه: أنا بيّنا أن مراده: أنَّه دم ترتيب وتعديل، وبيّن هو مراده: بقوله عقبه: (فإذا عجز .. اشترى بقيمة الشاة

إلى آخره)، وحينئذ .. فله مقابل قوي، وهو ما صححه في "الروضة"، فصح التعبير بالأصح (4).

1634 -

قول "الحاوي"[ص 257]: (وعلى الأجير إن خالف) أي: تجب الشاة على الأجير إن خالف أمر المستأجر.

يستثنى من ذلك: ما إذا أمره بالتمتع، فقرن وعدد الأفعال .. فإن الدم على المستأجر، ولا يُحط شيءٌ من المسمى.

1635 -

قوله: (وتقرّر)(5) أي: دم التمتع في ذمته.

لو أخره عن المذكورات بعده .. لكان أحسن؛ لأن الحكم لا يختص بالمتمتع.

1636 -

قول "التنبيه" في الفوات [ص 80]: (ودم التمتع في الحال، وقيل: يجب الدم في القضاء) هذا الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 208]:(ويذبحه في حجة القضاء في الأصح) وتعبيره عنه بـ (الأصح)، يوافق تعبير "التنبيه" عنه بـ (قيل) في الدلالة على أنَّه وجه، لكنه عبر في "الروضة" بـ (الأظهر)(6)، فاقتضى أن الخلاف قولان، ورجحه في "شرح المهذب" فقال: فيه قولان، وقيل: وجهان (7).

(1) انظر "نهاية المطلب"(4/ 351)، و"الوجيز"(1/ 274)، و"المحرر"(ص 134).

(2)

فتح العزيز (3/ 542)، التذنيب (ص 587)، الحاوي (ص 258)، الروضة (3/ 185)، المجموع (7/ 403).

(3)

الروضة (3/ 185).

(4)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(2/ 359).

(5)

انظر "الحاوي"(ص 257).

(6)

الروضة (3/ 187).

(7)

المجموع (7/ 401).

ص: 667

1637 -

قول "المنهاج"[ص 208]: (والدم الواجب بفعل حرامٍ أو ترك واجبٍ لا يختص بزمان) فيه أمور:

أحدها: إذا كان السبب مُحَرّمًا، وقلنا: إن كفارة ما سببه محرم على الفور .. فينبغي أن يجب البدار هنا، فإن أخر .. أجزأ مع التأثيم، فيحمل ما أطلقوه هنا على الإجزاء، وأما الجواز: فأحالوه على ما قرروه، كذا ذكره السبكي.

ثانيها: أن تعبيره وتعبير "الحاوي" بالحرام أراد به: ما أصله حرام وإن لم يكن في تلك الحالة حرامًا؛ فإن الحلق والطيب واللبس مع العذر ليس حرامأ الآن، ومع ذلك يختص ذبح دمها بالحرم.

ثالثها: أن ذكر هذا الحكم في الدم الواجب بترك واجب أو فعل محرم، ومقتضاه: أن دم التمتع والقران ليس كذلك، ولا شك أنَّه كذلك، وأما دم الإحصار .. فسيأتي.

1638 -

قول "المنهاج"[ص 208]: (ويجب صرف لحمه إلى مساكينه) لا يختص ذلك باللحم، فيجب صرف الجلد أيضًا إليهم، فلو قال:(يجب صرفه) .. لكان أخصر وأعم، وكذا قد يرد على قول "التنبيه" [ص 75]:(وما وجب على المحرم من طعام .. وجب تفرقته على مساكين الحرم)، فقد يخرج الجلد بلفظ الطَّعام، وقد لا يخرج، وعُرف الصرف إلى الفقراء من طريق الأولى، ويكفي دفعه إلى ثلاثة، وفيه احتمال لابن الرفعة في وجوب استيعابهم إذا انحصروا؛ كالزكاة بجامع منع النقل.

قال السبكي: وقد يفرق: بأن المقصود هنا حرمة البلد، وهناك سَدّ الخَلّة، وتجب النية عند التفرقة، قاله الروياني وغيره (1).

1639 -

قول "المنهاج"[ص 208] و"الحاوي"[ص 258]: (وأفضل بقعة لذبح المعتمر المروة) محله: في غير المتمتع؛ فالأفضل: أن يذبح دم تمتعه يوم النحر بمنى.

1640 -

قول "المنهاج"[ص 208]: (وكذا حكم ما ساقا من هدي مكانًا، ووقته وقت الأضحية على الصحيح) أي: ساقاه تقربًا لا بسبب محظور في الإحرام، أما الدماء الواجبة بسبب محظورات الإحرام: فلا تختص بزمان كما تقدم بيانه، وتناول قوله:(ووقته وقت الأضحية) ما ساقه المعتمر، وفي "المهمات": إنه لا يختص، ويدل له قولهم: إن الأفضل للمعتمر: الذبح بالمروة.

1641 -

قول "التنبيه"[ص 75]: (وما وجب من هدي .. وجب ذبحه في الحرم) كذلك هدي التطوع، وكلامه على الغالب.

(1) انظر "بحر المذهب"(5/ 312).

ص: 668