الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"التنبيه"[ص 87]: (وهو أن يقولا: اخترنا إمضاء البيع)، وقد يخرج ما لو قالا: اخترنا إبطال الخيار أو إفساده، لكن الأصح في "شرح المهذب": أنه كاختيار إمضاء البيع (1)، وقد تفهم عبارة "التنبيه" أنه لو ألزم أحدهما العقد .. لا يلزم لأحد، والأصح: أنه يسقط حقه فقط، ويبقى خيار الآخر، وقد ذكره "المنهاج"، ووقع في أكثر نسخ "التنبيه" بعد قوله:(إمضاء البيع): (أو فسخه)، وليست صحيحة؛ فإن فسخ أحدهما كافٍ بلا خلاف، فلا يحتاج لاجتماعهما عليه.
1796 -
قول "التنبيه"[ص 87]: (ما لم يتفرقا) أي: ببدنهما كما صرح به "المنهاج"(2)، طوعاً كما صرح به "الحاوي"(3)، فلو حُمِلَ أحدهما مكرهاً .. لم يبطل خياره في الأصح، والأصح: بطلان خيار الماكث إن لم يُمنع من الخروج، وإن أُكرها حتى تفرقا بأنفسهما .. فقولا الحنث، ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر مع التمكن .. بطل خياره، وإلا .. فخيار الهارب فقط، قاله البغوي، واقتصر الرافعي على حكايته عنه (4)، وأطلق جماعة بطلان خيارهما بلا تفصيل، وصححه النووي (5)، والأصح: لزوم العقد في متولي الطرفين، وهو الأب أو الجد مع طفله بمجرد مفارقته مجلس العقد، وقد تخرج هذه الصورة بقول "التنبيه" [ص 87]:(يتفرقا)، وبقول "المنهاج" [ص 219]:(ببدنهما)، وقد لا تخرج باقتصار "الحاوي" على التفرق، والحق: أن هذا اللفظ خرج مخرج الغالب في أن العقد إنما يقع بين اثنين، فلا مفهوم له، وأيضاً: فهذه صورة نادرة، فلا ترد.
1797 -
قوله: (ولو مات في المجلس أو جُن .. فالأصح: انتقاله إلى الوارث والولي)(6) عدم انتقاله إلى الولي ضعيف جداً، كما أشار إليه في "شرح المهذب"(7)، وهو مخرج، فالتعبير عن مقابله بـ (الأصح) فيه نظر.
فَصلٌ [في خيار الشرط]
1798 -
قول "المنهاج"[ص 219]: (لهما ولأحدهما شرط الخيار) يوهم جواز انفراد أحدهما
(1) المجموع (9/ 165).
(2)
المنهاج (ص 219).
(3)
الحاوي (ص 270).
(4)
انظر "التهذيب"(3/ 307)، و"فتح العزيز"(4/ 181).
(5)
انظر "الروضة"(3/ 441).
(6)
انظر "المنهاج"(ص 219).
(7)
المجموع (9/ 179).
بالشرط، وليس كذلك، بل لا بد من اجتماعهما عليه، ولم يُرد "المنهاج": بيان الشارط، وإنما أراد: بيان المشروط له، لكن عبارته لا توفي بمقصوده، فلو قال:(يجوز شرطهما الخيار لهما ولأحدهما) .. لأفاد مقصوده، ويمكن رد عبارته إلى الصواب؛ بألَاّ يجعل قوله:(لهما ولأحدهما) خبراً عن قوله: (شرط الخيار)، وإنما هو متعلق بالخيار، والخبر قوله:(في أنواع البيع) أي: شرط الخيار الكائن لهما ولأحدهما ثابت في أنواع البيع، ومع ذلك فيرد عليه أمور:
أحدها: أنه ليس فيه بيان الشارط.
ثانيها: أنه يوهم أنه لا يجوز شرطه لأجنبي، وليس كذلك، فيجوز في الأظهر، قال والد الروياني: إلا أن يكون كافراً والمبيع عبد مسلمٌ لمسلمٍ، أو مُحْرِماً والمبيع صيد، وخالفه ولده (1).
ثالثها: أنه قد يوهم جواز اشتراط وكيل البائع الخيار للمشتري، وجواز اشتراط وكيل المشتري الخيار للبائع، وليس كذلك، وكذا لا يجوز للوكيل شرطه لأجنبي في الأصح إلا بإذن موكله، ويجوز أن يشرطه لموكله على الأصح في "أصل الروضة" هنا، ولنفسه على الأصح في "الروضة" من زوائده في بابه (2)، وقد ذكره "الحاوي"(3)، وعبارة "التنبيه" [ص 87]:(وإن تبايعا بشرط الخيار)، فلم يبين الشارط ولا المشروط له، وكذا قول "الحاوي" [ص 271]:(وبشرطه) أي: الخيار، وقد يقال: لا يحتاج إلى ذكر الشارط؛ لما تقرر من أنه لا بد من اجتماعهما على الشرط، ولا يكفي انفراد أحدهما به، وسكوتهما عن ذكر المشروط له يقتضي جوازه لهما ولأحدهما ولأجنبي، فلا يرد عليهما حينئذ إلا كونه لا يجوز لوكيل أحدهما شرطه للآخر، والله أعلم.
1799 -
قول "التنبيه"[ص 87]: (إلا في الصرف وبيع الطعام بالطعام) يستثنى: السلم أيضاً، وقد ذكره في بابه (4)، وذكره "المنهاج" و"الحاوي" هنا (5)، والضابط: اشتراط القبض في المجلس؛ إما من الجانبين كالربوي، أو من أحدهما كالسلم.
ويستثنى أيضاً: ما إذا اشترى من يعتق عليه .. فإنه لا يجوز شرطه للمشتري وحده، وقد ذكره "الحاوي"(6)، وتبعه شيخنا الإمام البلقيني في "التدريب"، وقال في العتق من "تصحيح المنهاج": ليست المسألة مذكورة في غير "الحاوي"، والذي ترجح عندنا الآن: أنه يصح
(1) انظر "بحر المذهب"(6/ 151، 152).
(2)
الروضة (3/ 447)، (4/ 332).
(3)
الحاوي (ص 271).
(4)
التنبيه (ص 97).
(5)
الحاوي (ص 267)، المنهاج (ص 219).
(6)
الحاوي (ص 271).
الشرط، ويعتق، وينقطع خيار المشتري ويملك المشترى مع آخر العقد أو عقبه، ثم يعتق، قال: ولو شرطا ذلك في خيار المجلس .. صح؛ إذ لا عتق الآن؛ لكون الخيار لهما، فإذا انفرد المشتري بخيار الشرط .. عتق وانقطع الخيار. انتهى.
ويستثنى أيضاً: الحوالة، لا يجوز شرط الخيار فيها وإن قلنا: إنها بيع، واستثنى الجوري في "شرح المختصر": المصراة، فقال: لا يجوز اشتراط خيار الثلاث فيها للبائع؛ لأنه يمنع الحلب، وتركه يضر بالبهيمة، حكاه عنه في "المطلب" في (باب التصرية).
1800 -
قول "التنبيه"[ص 87]: (إلى ثلاثة أيام فما دونها) يشترط: كونها معلومة، وقد ذكره "المنهاج"(1).
متصلة بالعقد، وقد ذكره مع الذي قبله "الحاوي" عند ذكر الشروط (2).
وأن يكون المبيع لا يفسد في المدة، كما صححه في "الروضة"(3)، وهما واردان على "المنهاج"، ولم يتعرض "الحاوي" لذكر المدة المشروطة أصلاً، وهو عجيب!
وفي "المهمات": يدخل في الأيام المشروطة ما اشتملت عليه من الليالي؛ للضرورة، كما في "شرح المهذب"(4)، ومقتضي العلة: أنه لو عقد وقت طلوع الفجر .. لا يثبت الخيار في الليلة الثالثة، بخلاف نظيره من مسح الخف، وكلام الرافعي في أول مواقيت الحج يوهم خلافه؛ فإنه قال: وقال عليه الصلاة والسلام: "واشْتَرِط الخيار ثلاثاً"، والمراد: الأيام والليالي. انتهى (5).
والذي في "شرح المهذب": عن المتولي وغيره فيما لو باع نصف النهار بشرط الخيار يوماً .. ثبت إلى نصف اليوم الثاني، ويدخل الليل في حكم الخيار للضرورة (6)، فكأنَّ شيخنا في "المهمات" أخذه من هذا.
1801 -
قول "التنبيه"[ص 87]: (وينتقل المبيع إلى المشتري بنفس العقد في أحد الأقوال، وبانقضاء الخيار في الثاني، وموقوف في الثالث) قال في "المنهاج"[ص 220]: (الأظهر: أنه إن كان الخيار للبائع .. فملك المبيع له، وإن كان للمشتري .. فله، وإن كان لهما .. فموقوف)،
(1) المنهاج (ص 220).
(2)
الحاوي (ص 267).
(3)
الروضة (3/ 442).
(4)
المجموع (9/ 183).
(5)
انظر "فتح العزيز"(3/ 327)، والحديث غريب، وقال ابن الصلاح: منكر لا يعرف. انظر "خلاصة البدر المنير"(1/ 347).
(6)
المجموع (9/ 183).
وعليه مشى "الحاوي" بقوله [ص 271]: (والملك لمن خُيّر، ويوقف فيما لهما)، قال شيخنا الإمام شهاب الدين بن النقيب: بقي ما لو شرطاه لأجنبي، لم أر من تعرض فيه لمالك المبيع، والذي يظهر - تفريعاً على المرجح - أنه موقوف؛ لأنا إن أثبتنا الخيار للشارط مع الأجنبي .. فهو لهما، فالملك موقوف، وإلا - وهو الأصح - .. فلا مزية، أو يقال: هو للمشتري؛ لأنه لازم من جهتهما، فأشبه ما بعد الخيار (1).
قلت: الظاهر: أن الملك لمن كان ذلك الأجنبي من جهته، وابتدأ باشتراط الخيار له؛ لوثوقه بنظره، فساعده الآخر عليه، فإن كان من جهتهما، وذكراه لوثوقهما به .. فهو كما لو كان الخيار لهما، فيكون الملك موقوفاً، وقول شيخنا:(إن أثبتنا الخيار للشارط مع الأجنبي .. فهو لهما، فالملك موقوف) عجيب! ؛ لأن الوقف إنما يجيء إذا كان الخيار لهما؛ أي: المتبايعين، وهنا ليس للمتبايعين، وقوله:(وإن لم نثبته للشارط .. فلا مزية) ممنوع، بل المزية للشارط موجودة؛ لأنه إنما فعل لغرضه ومصلحته؛ ولهذا كان الأصح: أنه إذا مات ذلك الأجنبي في زمن الخيار .. ثبت الخيار من ذلك الوقت للشارط، والله أعلم.
1802 -
قول "المنهاج"[ص 220] و"الحاوي"[ص 271، 272]: (إن وطئ البائع .. فسخ) اسْتثُني منه: إيلاج البائع في فرج الخنثى، فلا حكم له في الفسخ والإجازة، حكاه في (باب الأحداث) من "شرح المهذب" عن البغوي (2).
1803 -
قول "المنهاج"[ص 220]: (والأصح: أن هذه التصرفات من المشتري إجازة) أي: الوطء والإعتاق والبيع والإجارة والتزويج، ومحل الوجهين في الوطء والإعتاق: إذا لم يأذن فيهما البائع، فإن أذن .. كان إجازة منهما جزماً، ومحلهما في العتق أيضاً: إذا قلنا: بعدم نفوذه منه، فإن قلنا: ينفذ .. فهو إجازة قطعاً.
وأما البيع والإجارة والتزويج: فإن لم يأذن فيه البائع .. لم ينفذ، لكنه إجازة من المشتري في الأصح، وإن أذن فيه .. فالأصح: صحته، وهو إجازة قطعاً عند ابن الصباغ، قال الرافعي: وقياس ما سبق إنا إذا لم ننفذها .. أن يجيء الوجهان (3)، ومنع شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني رحمه الله هذا القياس، قال؛ لأن التراضي هنا من الجانبين حاصل، فلزم العقد قطعاً، وما سبق في تصرف واحد وإسقاط خياره. انتهى.
ولم يصرح "المنهاج" بحل الوطء للمشتري حيث كان الخيار له وحده، وذكره "الحاوي"
(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 70).
(2)
المجموع (2/ 64).
(3)
انظر "فتح العزيز"(4/ 203).