الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ القرض
2027 -
قول "المنهاج"[ص 240]: (الإقراض مندوب) ينبغي أن يقول كما في "التنبيه"[ص 99]: (إليه)، وكذا في "المحكم" وغيره (1)، لكن المعروف جره باللام، تقول: ندبته لكذا فانتدب له، ذكره الجوهري (2)، أما المندوب: فهو الشخص نفسه، وقول "التنبيه" [ص 99]:(القرض) كان ينبغي أن يقول بدله: (الإقراض) كما في "المنهاج" فإنه فعل المقرض، أما القرض: فهو القطع، ويستعمل أيضًا اسمًا للشيء المقرض، ومنه فيما قيل: قوله تعالى: قَرْضًا حَسَنًا، فنصبه مفعولًا؛ فإن مصدره الإقراض كما ذكرته، وذكر بعضهم: أنَّه مصدر بحذف الزوائد؛ كقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} ، فكل من عبارتي "التنبيه" و"المنهاج" أحسن من الأخرى من وجه.
2028 -
قول "المنهاج"[ص 240]: (وصيغته: "أقرَضْتك"، أو "أسلفتك"، أو "خذه بمثله"، أو "ملَّكْتكهُ على أن تَرُدَّ بَدَله") يقتضي حصر صِيَغِهُ في هذه الألفاظ الأربعة، وقد عبر "الحاوي" بقوله [ص 295]:(كأقرضتك) ليدل على أنَّها أمثلة، ومع ذلك فزاد فيها:(خذه، واصرفه في حوائجك، ورد بدله)(3) وهنا أمور:
أحدها: أن ظاهر كلامهما وكلام غيرهما يقتضي أن قوله: (خذه بمثله)(4) صريح، لكنه كناية في البيع، قال في "المهمات": فينبغي هنا كذلك، وسبقه إليه السبكي.
ثانيها: إنما يظهر قوله: (بمثله) في قرض المثلي، وفي المتقوم إذا قلنا: يضمن بالمثل صورة، كما هو المرجح، فإن قلنا: يُضمن بالقيمة .. فينبغي أن يقول: (بقيمته) ليطابق الواقع، قاله شيخنا الإسنوي أيضًا، فكأن المذكور هنا مفرع على الأصح، أو جعلت القيمة مثلًا بتأويل، وقال السبكي: يحتمل أن يصح، كما إذا شُرط في الخبز رد المثل على وجه، ويحتمل أن يقال: إنه شرط ينافي مقتضاه، فيبطل أو يُجعل بيعًا.
ثالثها: قد يقال في الصيغة التي زادها "الحاوي": لا حاجة لقوله: (واصرفه في حوائجك)، فيكفي الاقتصار على قوله:(خذه، ورد بدله)، كما في قوله:(خذه بمثله).
رابعها: لو اقتصر على قوله: (خذه واصرفه في حوائجك) .. ففي كونه قرضا وجهان في
(1) المحكم (9/ 354).
(2)
انظر "الصحاح"(1/ 223).
(3)
الحاوي (ص 295).
(4)
المنهاج (ص 240).
"المطلب"، وكلام "الحاوي" يقتضي أنَّه لا يكون قرضًا، وهو واضح؛ لاحتماله الهبة.
2029 -
قول "المنهاج"[ص 240]: (وفي المُقْرِض: أهْلِيَّهُ التبرع) يستثنى منه: القاضي؛ فإنه ليس أهلًا للتبرع في مال المحجور، وله إقراضه بلا ضرورة.
2030 -
قول "التنبيه"[ص 99]: (ويجوز قرض كل ما يثبت في الذمة بعقد السلم) يستثنى منه: الجارية التي تحل للمقترض؛ فإنها تثبت في الذمة بعقد السلم، ولا يجوز قرضها، وقد ذكرها بعد ذلك، لكن محل استثنائها هنا كما في "المنهاج" و"الحاوي"، وقد تفهم عبارتهم جواز قرض الجارية التي لا تحل له في الحال؛ كأخت الزوجة، والظاهر: المنع، قاله شيخنا ابن النقيب (1).
والخنثى كالمرأة في استقراض الجارية، قاله النووي في "شرح مسلم" (2). قال السبكي: وفيه نظر، وكلامهم يقتضي صحة إقراض الدراهم المغشوشة؛ فإن الرافعي حكى في (الغصب) عن المتولي: أنا إذا جوزنا المعاملة بها .. جعلناها مثلية (3)، والمثلي يستلزم صحة المسلم فيه، فيصح إقراضه، لكن ذكر الروياني في "البحر": أنَّه لا يجوز إقراضها.
2031 -
قول "التنبيه"[ص 99]: (إنه لا يصح السلم في الخبز) يقتضي أنَّه لا يصح قرضه، وهو مقتضى قول "المنهاج" [ص 240]:(وما لا يُسْلَم فيه لا يجوز إقراضُه)، ومفهوم قول "الحاوي" [ص 295]:(وجاز قرض ما جاز سلمه)، وصححه البغوي (4)، لكن قطع صاحبا "التتمة" و"المستظهري" بجوازه (5)، واختاره ابن الصباغ والرافعي في "الشرح الصغير"، وعبارة "الروضة" تفهم ترجيحه (6)، هاذا صح .. رد وزنه إن أوجبنا رد المثل، وإلا .. فالقيمة، وفي "الكافي": يجوز عددًا.
وقال في "الاستذكار": إن رد خبزًا .. جاز، وإن رد قيمة .. جاز، وإن تمانعا .. قال ابن المرزباني: فالأولى القيمة، وإن أقرضه خبزًا على شرط رد خبز .. فوجهان، قالهما ابن القطان. انتهى.
ويستثنى من هذه القاعدة أيضًا: جزء الدار؛ فلا يصح السلم فيه بلا شك، ويصح قرضه كما في الرافعي في (الشُّفْعةَ) عن "التتمة"(7)، وحكاه في "المطلب" عن الأصحاب، لكن قال
(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 167).
(2)
شرح مسلم (11/ 37).
(3)
انظر "فتح العزيز"(5/ 421).
(4)
انظر "التهذيب"(3/ 546).
(5)
حلية العلماء (2/ 592).
(6)
الروضة (4/ 33).
(7)
انظر "فتح العزيز"(5/ 508).
الماوردي: لا يجوز قرض العقار (1)، قال في "المهمات": ويمكن حمله على الدار جميعها، وما قاله أولئك على الجزء فقط.
قلت: وتقدير خلاف في ذلك أولى، والله أعلم.
واعلم: أن قول "المنهاج"[ص 240]: (وما لا يُسْلَم فيه) أي: في نوعه، وإلَّا .. وردت الأعيان؛ فإنها تُقرض، ولا يُسلم فيها.
2032 -
قول "التنبيه"[ص 99]: (وفيما لا مثل له .. قيل: يرد القيمة، وقيل: يرد المثل) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(2).
فإن قلت: الفرض أنَّه لا مثل له .. فكيف يحكم برد المثل؟
قلت: المنفي المثل الحقيقي، والمثبت المثل الصوري، وكذا عبر "المنهاج" و"الحاوي": بـ (المثل صورة)(3)، وهو يفهم أنَّه لا أثر لما فيه من المعاني؛ كحرفة العبد وفراهة الدابة، قال شيخنا ابن النقيب: والذي يظهر اعتبار ذلك، فإن تأتَّى ذلك، وإلَّا .. اعتبرت الصورة مع مراعاة القيمة (4).
2033 -
قول "التنبيه"[ص 99]: (وإن أقرضه طعامًا ما ببلد ثم لقيه ببلد آخر فطالبه به .. لم يلزمه دفعه إليه) يستثنى منه: ما إذا تساوت قيمة البلدين .. فيلزمه الدفع، كما حكاه في "الكفاية" عن ابن الصباغ وغيره، قال: وهو مقتضى تعليل المنع باختلاف القيمة.
2034 -
قوله: (وإن أقرضه دراهم في بلد ثم لقيه في بلد آخر، فطالبه بها .. لزمه دفعها إليه)(5) قال الإمام: وكذا إذا كان المقرض من النقود التي لا عسر في نقلها ولا تتفاوت قيمتها بتفاوت البقاع، فإن عسر نقلها، وتفاوتت قيمتها .. فلا يطالبه إلَّا في بلد القرض، ذكره في "الكفاية"(6)، ولم يعتبر "المنهاج" و"الحاوي" سوى مؤنة النقل وعدمها (7).
2035 -
قول "المنهاج"[ص 240]: (ولا يجوز بشرط رَدِّ صحيحٍ عن مكسَّرٍ أو زيادةٍ) ليس شاملًا لجميع صور المنع؛ فهو على سبيل التمثيل، وذكر "التنبيه" قاعدة عامة، وذكر لها أمثلة، فقال [ص 99]: (ولا شرط جرّ منفعة؛ مثل أن يقول: أقرضتك ألفًا على أن تبيعني دارك بكذا، أو
(1) انظر "الحاوي الكبير"(5/ 352).
(2)
الحاوي (ص 295)، المنهاج (ص 240).
(3)
الحاوي (ص 295)، المنهاج (ص 240).
(4)
انظر "السراج على نكت المنهاج"(3/ 167).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 99).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(5/ 454، 455).
(7)
الحاوي (ص 295)، المنهاج (ص 240).
ترد على أجود من مالي، أو تكتب لي به سفتجة)، وهو أحسن، ومع ذلك فأورد عليه: أنَّه لا بد من تقييده بجر منفعة إلى المقرض، كما في "الحاوي"(1) ليخرج جر المنفعة إلى المقترض، وهذا مفهوم من تمثيله، وهو واضح؛ فإن وضع القرض على جر المنفعة إلى المستقرض، فكيف يفسد القرض باشتراطه؟ " ولفظ الزِّيادة في "المنهاج" محمولة على زيادة القدر، كما صرح به "الحاوي" (2)، واستحسن السبكي حمله عليه، قال: أما زيادة الصفة: فأشار إليها برد الصحاح عن المكسر.
2036 -
قول "التنبيه"[ص 99]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 296]: (فإن بدأه المستقرض بذلك من غير شرط .. جاز) وقال في "المنهاج"[ص 240]: (فحسن)، وفي "الروضة" عن المحاملي وغيره: التصريح بالاستحباب (3).
2037 -
قول "التنبيه"[ص 99]: (ولا يجوز شرط الأجل) يفهم فساد القرض لو شرط، وهو كذلك إن كان للمقرض فيه غرض؛ بأن كان وقت نهب، وإلَّا .. فلا، ويلغوا الشرط، لكن يندب الوفاء به، وقد ذكر ذلك "الحاوي" بقوله [ص 25]:(أو بعد شهر وله فيه غرض؛ بأن كان زمان نهب)، وقيده في "الروضة" وأصلها بقيد آخر، وهو: أن يكون المستقرض مليئًا (4).
2038 -
قولهم: (ويملك القرض بالقبض)(5) يستثنى: ما حكاه في "الروضة" من زيادته عن "المهذب"، وهو ما لو قال: أقرضتك ألفا، وقبل وتفرقا، ثم دفع إليه ألفًا، وطال الفصل .. فلا يجوز؛ لتعذر البناء، فإن لم يطل .. جاز (6).
وقال السبكي: لم نر ذلك إلَّا لصاحب "المهذب" وأتباعه، وهو يقتضي أنَّه لا يجب إيراده على معين، وقال ابن أبي عصرون: إنه إذا فعل مثل ذلك في الهبة .. جاز؛ يعني: مع طول الفصل، قال السبكي: وهذا أغرب.
2039 -
قول "المنهاج "[ص 241]؛ (وله الرجوع في عينه ما دام باقيًا بحاله في الأصح) فيه أمور: أحدها: أنَّه يفهم أنَّه لو زال ثم عاد .. لم يرجع فيه، وقياس نظائره: الجواز، وأطلق الماوردي وجهين (7).
(1) الحاوي (ص 295).
(2)
الحاوي (ص 295).
(3)
الروضة (4/ 37).
(4)
فتح العزيز (4/ 434)، الروضة (4/ 34).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 99)، و"الحاوي"(ص 295)، و"المنهاج"(ص 241).
(6)
الروضة (4/ 37).
(7)
انظر "الحاوي الكبير"(5/ 354، 355).
ثانيها: لفظة: (بحاله) ذكرها الرافعي، وأسقطها في "الروضة"(1)، واحترز بها من رهنه وكتابته وجنايته .. فلا رجوع، لكن قد ترد الإجارة والتدبير وتعليق العتق بصفة؛ فإنها لا تمنع الرجوع، أما لو وجده زائدًا زيادة منفصلة .. رجع فيه دونها، أو ناقصًا .. رجع مع الأرش.
ثالثها: محل الوجهين: ما إذا قلنا: يملك بالقبض، هالا .. رجع قطعًا، واقتصر "الحاوي" على قوله [ص 295]:(وجاز الرجوع فيه).
2 -
قول "التنبيه"[ص 99]: (وإن أخذ عن القرض عوضًا .. جاز)، قال في "الكفاية": في لفظ الأخذ اعتبار القبض في العين، والأصح: خلافه، وعليه مشى "المنهاج" في قوله فيما تقدم [ص 225]: (ولو استبدل عن القرض وقيمة المتلف .. جاز، وفي اشتراط قبضه في المجلس ما سبق (أي: والأصح: عدم اشتراطه.
* * *
(1) فتح العزيز (4/ 435)، الروضة (4/ 35).