الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيها: لا يختص ذلك بدخول مكة، فدخول مطلق الحرم كذلك، كما نقله الرافعي عن بعضهم (1)، وصوبه النووي ونقل اتفاق الأصحاب عليه، قال: وصرح به خلائق، وعد جماعة (2)، وهذا وارد على تعبير " المنهاج " أيضًا تبعًا " للمحرر " بقوله:(ومن قصد مكة)(3)، وعلى قول " الحاوي " [ص 245]:(لدخولها).
ثالثها: يشترط في الوجوب أيضًا: أن يكون الداخل حرًا، فلا يلزم العبد وإن أذن سيده على المذهب، وأن يدخلها من الحل، وألَّا يكون دخوله لقتال، ولا هو خائف من قتال أو ظالم أو غريم يحبسه، وهو معسر لا يمكنه معه الظهور لأداء النسك، وهذا وارد على " المنهاج " أيضًا.
رابعها: يرد على الحصر في النذر ودخول مكة: إفساد النسك؛ فإنه من العوارض الموجبة لتكرر الإحرام، وقد استثناه الرافعي (4).
فصلٌ [شروط الطواف]
1457 -
قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فيشترط ستر العورة، وطهارة الحدث والنجس)(5) فيه أمور:
أحدها: أن مرادهم: اشتراط الطهارة عن النجاسة في بدنه وثوبه والمكان الذي يمشي عليه في طوافه، لكن عمت البلوى بغلبة النجاسات في المطاف، قال الرافعي: ولم أر للأئمة تشبيه مكان الطواف بالطريق في حق المتنقل ماشيًا أو راكبًا، وهو تشبيه لا بأس به (6)، قال السبكي: إن صح هذا التشبيه .. فقضيته أنه لا يبطل الطواف بوطء الطائف؛ أي: عن غير تعمد، أو إيطائه دابته النجاسة الكثيرة، وهو مخالف لإطلاق الأصحاب، لكنه رخصة عظيمة؛ لعموم البلوى بنجاسة موضع الطواف من الطير وغيره. انتهى.
وقال شيخنا الإمام البلقيني: لا يصح التشبيه المذكور، والفرق: أن الطرق الممتدة المطروقة يعسر فيها الاحتراز من ذلك، بخلاف المطاف حول المسجد الأعظم؛ فإنه يحترز فيه عن ذلك غالبأ، ويُنَظّف ويُكنس
…
إلى غير ذلك من الأمور الواضحة في الفرق.
(1) انظر " فتح العزيز "(3/ 390).
(2)
انظر " الروضة "(3/ 78).
(3)
المحرر (ص 125).
(4)
انظر " فتح العزيز "(3/ 280).
(5)
انظر " التنبيه "(ص 76)، و" الحاوي "(ص 242)، و" المنهاج "(ص 197، 198).
(6)
انظر " فتح العزيز"(3/ 290).
قلت: الصورة غلبة النجاسة بذرق الطير مطلقًا، وبغيره من النجاسات في أيام الموسم. وقد ذكر النووي في " شرح المهذب ": أن المختار عند جماعة من المحققين: العفو عما يشق الاحتراز عنه من ذلك إذا غلبت النجاسات. انتهى (1).
وهو أسهل من بحث الرافعي، ومن المعلوم أنه يستثنى من عبارتهم: النجاسة المعفو عنها، وهذه معفو عنها عند القائل به.
ثانيها: محل اشتراط ذلك: مع القدرة، فأما مع العجز .. فقال في " المهمات ": إن كان الطواف نفلًا أو للوداع .. فلا شك في جواز فعله بدون الطهارة والستارة، وإن كان طواف الركن .. جاز للعاري؛ لأنه لا إعادة عليه على المشهور، والقياس: مغ المتيمم والمتنجس منه؛ لأن الصلاة كذلك تجب إعادتها، فالطواف كذلك، وإنما فُعِلت الصلاة كذلك؛ لحرمة الوقت، وهو مفقود هنا؛ لأن الطواف لا آخر لوقته، والتحلل لا يحصل، والطواف في ذمته، ثم حكى عن الرويانى وجهين في الإعادة فيما لو طاف بالتيمم لعدم الماء ثم وجده (2)، قال في " المهمات ": وهو يقتضي الجزم بالجواز، ولا سبيل إليه، وبتقدير جوازه لا سبيل إلى قضائه. انتهى.
ثالثها: قال في " الكفاية ": يندرج فيه عدم صحة طواف النائم؛ لأنه محدث على الصحيح. انتهى.
ومحله: إذا لم يكن قاعدًا مفضيًا بمحل الحدث إلى الأرض؛ فإنه كذلك لا يحصل به نقض الوضوء، وقد يطوف كذلك، وصحح في " الروضة " من زيادته: صحته (3)، وفي الرافعي عن الإمام: يجوز أَنْ يقطع بوقوعه موقعه (4).
1458 -
قول " المنهاج "[ص 198]: (فلو أحدث فيه .. توضأ وبنى) لو قال: (تطهر) .. لكان أحسن؛ لأن قوله: (أحدث) يتناول الأكبر والأصغر، ولكن جرى في ذكر الوضوء على الغالب، وقد عبر " الحاوي " بقوله [ص 242]:(وإن أحدث .. بنى) وسكت عن التطهر؛ لأنه معلوم.
1459 -
قول " التنبيه "[ص 76]: (وإن طاف من غير نية .. فقد قيل: يصح، وقيل: لا يصح) فيه أمور:
أحدها: الأصح: الأول؛ لأن نية الحج تأتي عليه؛ ولذلك لم يذكر " المنهاج " و" الحاوي " في واجبات الطواف النية.
(1) المجموع (8/ 16).
(2)
انظر " بحر المذهب "(5/ 297).
(3)
الروضة (3/ 83).
(4)
انظر " نهاية المطلب "(4/ 313)، و" فتح العزيز "(3/ 416).
نعم؛ يشترط عدم الصارف إلى قصد آخر؛ كطلب غريم على الأصح.
ثانيها: لا يختص ذلك بالطواف، بل هو جابى في سائر الأركان هل يجب إفرادها بنية كما حكاه الرافعي عن المتولي؟ (1).
ثالثها: الخلاف خاص بطواف الركن حجًا كان أو عمرة، فأما طواف الوداع والمنذور والنفل .. فلا بد له من نية، كما ذكره ابن الرفعة، قال: وطواف القدوم يحتمل إجراء الخلاف فيه؛ لأنه من سنن الحج الداخلة فيه، فشملته نية الحج. انتهى.
قال السبكي: وهذا ظاهر في طواف الوداع إن قلنا: ليس نسكًا، هالا .. فيظهر مجيء الخلاف فيه.
قلت: والأصح: أنه نسك، فلا يحتاج حينئذٍ إلى نية، والله أعلم.
وأهمل " التنبيه " من الشروط: كون الطواف داخل المسجد، وقد ذكره " المنهاج " و" الحاوي "(2)، واستنبطه ابن الرفعة من إطلاقه الطواف بالبيت؛ لأنه إذا كان خارجه .. كان طائفًا بالمسجد لا بالبيت، فلو طاف على سطح المسجد، وكان أعلى من البيت .. ففي " العدة " وغيرها: أنه لا يجوز، واختاره السبكي، واستبعده الرافعي (3)، وصوب في " شرح المهذب " قول الرافعي (4).
1460 -
قولهم: (وأن يجعل البيت عن يساره)(5) فيه أمور:
أحدها: يستثنى منه: استقبال الحجر الأسود في ابتداء الطواف؛ فإنه يندب أن يمر مستقبله حتى يجاوزه، ثم يجعل البيت عن يساره حينئذٍ، ذكره النووي في " شرح المهذب "(6)، قال في " مناسكه ": ولا يجوز الاستقبال إلا في هذه الحالة فقط، وهي في ابتداء الطوفة الأولى فقط، قال: وهو غير الاستقبال عند لقاء الحجر قبل ابتداء الطواف؛ فإن ذلك سنة مستقلة قطعًا. انتهى (7).
ولم يذكر الأكثرون هذا الاستقبال في مروره، بل أنكره جماعة.
ثانيها: تناول إطلاقهم: ما لو طاف منكوسًا رأسه إلى أسفل ورجلاه إلى فوق، أو مستلقيًا على
(1) انظر " فتح العزيز "(3/ 416).
(2)
الحاوي (ص 242)، المنهاج (ص 198).
(3)
انظر " فتح العزيز "(3/ 395).
(4)
المجموع (8/ 43).
(5)
انظر " التنبيه "(ص 75)، و " الحاوي "(ص 242)، و" المنهاج "(ص 198).
(6)
المجموع (8/ 14).
(7)
الإيضاح في المناسك (ص 73).
قفاه، أو على وجهه، مع مراعاة كون البيت على يساره، فمقتضى كلامهم: الصحة في ذلك، وقال في " المهمات ": المتجه: البطلان؛ لمنابذة أو لمغايرة الشرع، وقال شيخنا ابن النقيب: الذي يظهر: صحته مع العذر؛ فإن المريض المحمول قد لا يتأتى حمله إلا كذلك، بل قد لا يتأتى حمله إلا ووجهه أو ظهره إلى البيت؛ لتعذر اضطجاعه إلا كذلك (1).
ثالثها: تناول إطلاقهم أيضًا: ما إذا رجع القهقرى إلى جهة الركن اليماني، والبيت على يساره، ولا شك في البطلان في هذه الصورة، فينبغي أن يزاد على كون البيت على يساره؛ أن يمشي تلقاء وجهه إلى جهة الباب؛ لتخرج هذه الصورة.
رابعها: مقتضى كلامهم: البطلان فيما لو مشى القهقرى إلى جهة الباب، وهو الأصح، وجزم الروياني بالصحة مع الكراهة (2)، وقد ذكر في " المهمات " انقسام هذه المسألة إلى اثنين وثلاثين قسمًا، وبسط ذلك.
1461 -
قول " المنهاج "[ص 198]: (مبتدئًا بالحجر الأسود) لو عبر كما في " المحرر " و" التنبيه " بقوله: (ويبتدئ بالحجر)(3) .. لكان أولى؛ فإن عبارته لا تدل على اشتراط البداءة بالحجر، بل غاية ما تدل عليه جعل البيت على اليسار في حال الابتداء بالحجر، وذلك لا يدل على وجوبه، وعبارة " الحاوي " [ص 242]:(من أول الحجر الأسود)، وفيها زيادة على التعبير بمطلق الحجر، وهو اعتبار أن يكون ذلك من أوله.
1462 -
قول " المنهاج "[ص 198] و" الحاوي "[ص 242]: (محاذيًا له) فيه ما تقدم في قوله: (مبتدئًا)، فلو قالا:(ويحاذيه) كما في " التنبيه "(4) .. لكان أولى كما تقدم.
1463 -
قول " المنهاج "[ص 198] و" الحاوي "[ص 242]: (بجميع بدنه) اعترض عليه: بأنه يوهم اشتراط محاذاة جميع الحجر، وليس كذلك، بل لو حاذى بعضه بكل بدنه؛ كنحيف جعله عن يساره .. صح، وقد يفهم ذلك من اعتبار الكل في البدن دون الحجر، وذكر النووي أن كيفية المحاذاة: أن يستقبل البيت على جانب الحجر الذي يلي الركن اليماني، بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرف الحجر، فينوي، ثم يمر مستقبله، فإذا جاوزه .. انفتل، وجعل البيت على يساره، قال: ولو فعل هذا من الأول، وترك الاستقبال .. جاز (5).
(1) انظر " السراج على نكت المنهاج "(2/ 279).
(2)
انظر " بحر المذهب "(5/ 163).
(3)
المحرر (ص 126)، التنبيه (ص 75).
(4)
التنبيه (ص 75).
(5)
انظر " المجموع "(8/ 14).
واعلم: أن اعتبار الابتداء بالحجر ومحاذاته محله: إذا كان باقيا مكانه، فلو أزيل - والعياذ بالله - .. وجبت محاذاة موضعه، قاله القاضي أبو الطيب.
1464 -
قول " الحاوي "[ص 242، 243]: (وستة أذرع من الحِجْر) أي: وخارج ستة أذرع من الحِجْر، فلو اقتحم الجدار وراء ذلك .. صح طوافه، كما جزم به الرافعى تفريعًا على الأصح في أن الذي من البيت منه قدر ستة أذرع (1)، وقد يفهم ذلك قول " المنهاج " [ص 198]:(أو دخل من إحدى فتحتي الحِجْر وخرج من الأخرى .. لم تصح طوفته)، لكن الذي صححه النووي: عدم الصحة في الحجر مطلقًا وإن خَلّف منه ما قيل أنه من البيت للاتِّبَاع (2)، وهو مقتضى إطلاق " التنبيه " أنه لو طاف على جدار الحجر .. لم يجزه (3).
1465 -
قولهم في سنن الطواف: (أن يطوف ماشيًا) وعبر " التنبيه " و" الحاوي ": (بالترجل)، زاد " التنبيه ":(فإن طاف راكبًا .. جاز)(4) فيه أمران:
أحدهما: ظاهره: يقتضي أنه لا كراهة في طوافه راكبًا ولو كان بغير عذر، وكذا في " الروضة " وأصلها عن الأصحاب (5)، وفي " شرح مسند الشافعي لا للرافعي: أن الشافعي نص في " الأم " على الكراهة (6)، وذكر في " المهمات " أن نقل الرافعي عن الأصحاب عدم الكراهة .. مردود، والمعروف لأئمة المذهب الكراهة، ومنهم النووي في " شرح المهذب "(7)، وابن الرفعة في " الكفاية "، ويؤيده أن إدخال الصبيان المسجد حرام مع غلبة التنجيس، ومكروه مع عدمها، وأقل مراتب البهائم: أن تكون كالصبيان في ذلك.
ثانيهما: قد يفهم من لفظ المشي: أن يكون قائمًا، مع أنه لو زحف مع قدرته على المشي .. صح مع الكراهة، كما في " شرح المهذب "(8).
1466 -
قول " الحاوي "[ص 246]: (وتقبيل الحجر) أهمل أمرين آخرين:
أحدهما: استلامه؛ أي: مسه باليد، وقد ذكره " التنبيه " و" المنهاج "، إلا أن " التنبيه " قال:(فيستلمه بيده)، و" المنهاج " أطلق استلامه (9)، فيمكن أن يحمل إطلاق " المنهاج " على
(1) انظر " فتح العزيز "(3/ 394).
(2)
انظر " المجموع "(8/ 25، 26).
(3)
التنبيه (ص 76).
(4)
انظر " التنبيه "(ص 75)، و" الحاوي "(ص 245)، و" المنهاج "(ص 198).
(5)
فتح العزيز (3/ 398)، الروضة (3/ 84).
(6)
الأم (2/ 174).
(7)
المجموع (8/ 28).
(8)
المجموع (8/ 29).
(9)
التنبيه (ص 75)، المنهاج (ص 198).
تقييد " التنبيه "، ويمكن أن يكون قول " التنبيه ":(بيده) مثالًا، وقد قال الرافعى: ولو لم يستلم بيده، ووضع عليه خشبة، ثم قَبَّلَ طَرَفَهَا .. جاز (1)، قال في " الروضة ": الاستلام بالخشبة ونحوها مستحب إذا لم يتمكن من الاستلام باليد. انتهى (2).
وإنما ذكرا ذلك في الاستلام عند العجز عن التقبيل؛ لأنهما لم يذكرا تقبيل ما يستلم به إلا في هذه الصورة، فأما تقبيل اليد بعد الاستلام بها مع تقبيل الحجر نفسه .. فلم يذكراه، كما سأذكره بعد ذلك، والظاهر: أنه لا فرق بين الاستلام المقرون بتقبيل الحجر والاستلام الخالي عن ذلك في أنه يكون بيده، فإن لم يتمكن .. فبخشبة ونحوها، فيكون تقييد " التنبيه " باليد؛ لأنه الأكمل، وإطلاق " المنهاج " لجواز كل منهما.
ثانيهما: السجود عليه، وقد ذكره " المنهاج " بقوله [ص 198]:(ويضع جبهته عليه) ولم يتعرض له " التنبيه "، وهو وارد عليه، ويرد عليهم جميعًا أمور:
أحدها: أنهم لم يذكروا تقبيل اليد بعد الاستلام بها مع تقبيل الحجر نفسه، وقال شيخنا ابن النقيب: الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وتبعه جماعة: إطلاق أنه يقبلها ويقبل الحجر من غير تخصيص تقبيل يده بالعجز عن تقبيل نفس الحجر، كما خصه به الرافعي والنووي (3).
ثانيها: أنه يستثنى من الاستلام والتقبيل: المرأة، إلا إذا خلا المطاف ليلًا كان أو نهارًا، وخصه في " الكفاية " بالليل، وكأنه جرى على الغالب، فلو خلا المطاف نهارًا .. فالحكم كذلك.
ثالثها: أن الحكم إنما هو للركن، حتى لو أزيل الحجر من موضعه والعياذ بالله .. أستلم الركن وقبَّله وسجد عليه، وحكاه في " شرح المهذب " عن الدارمي (4)، قال في " المهمات ": وهو نظير ما سبق في البداءة بالطواف، إلا أنه هناك واضح، وأما الاستلام: فمشكل.
1467 -
قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فإن عجز .. استلم)(5) أي: ويقبل ما استلم به كما في " الروضة " وأصلها (6)، ثم مقتضى كلامهم: الإتيان بذلك ولو آذى غيره لزحمة، لكن قال الشافعي في " الأم ": أحب الاستلام ما لم يؤذ غيره بالزحام، إلا في ابتداء الطواف .. فاستحب له الاستلام وإن كان بالزحام أو في آخر الطواف، حكاه البندنيجي، وذكر في " شرح المهذب ": أن
(1) انظر " فتح العزيز "(3/ 399).
(2)
الروضة (3/ 85).
(3)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(2/ 280).
(4)
المجموع (8/ 40).
(5)
انظر " التنبيه "(ص 75)، و" الحاوي "(ص 246)، و" المنهاج "(ص 198).
(6)
الروضة (3/ 85).
الأصحاب أطلقوا أنه لا يأتي به، ثم نقل هذا النص (1).
1468 -
قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (فإن عجز .. أشار بيده)(2) فيه أمران:
أحدهما: في معنى اليد: ما فيها من عصًا ونحوها؛ ولذلك أطلق " الحاوي " الإشاره (3).
ثانيهما: يستحب أن يقبل ما أشار به، كما ذكره النووي في " شرح المهذب " و" المناسك " تبعًا لابن الصلاح (4)، ولم يذكره في " الحاوي " ولا في " الروضة " وأصلها.
1469 -
قول " المنهاج "[ص 198]- والعبارة له - و" الحاوي "[ص 246]: (ويستلم اليماني) أي: ثم يقبل يده في الأصح، وقد ذكره " التنبيه "(5).
1470 -
قولهما: (ولا يقبله)(6)، وقول " المنهاج " [ص 198]:(ولا يقبل الركنين الشَّامِيَّيْنِ) معناه: أنه ليس بسنة، فإن قبلهن أو قبل غيرهن من البيت .. لم يكره، ولا هو خلاف الأولى، بل هو حسن، كما حكاه في " الاستقصاء " عن نص الشافعى أنه قال: وأيّ البيت قَبَّلَ فحسنٌ غير أنا نأمر بالاتباع. انتهى (7).
وأحسن " الحاوي " في كونه لم يتعرض لنفي تقبيلهن، بل اقتصر على كونه لم يذكر تقبيلهن في السنن، ثم مقتضى كلامهم جميعًا: أنه إذا عجز عن استلام اليماني .. لا يشير إليه، وبه صرح ابن أبى الصيف في " نكته " و" مناسكه "، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في " مناسكه ": إنه يشير إليه، قال المحب الطبري: وهو أوجه، قياسًا على الأسود. انتهى.
وقد يؤخذ ذلك من قول " الحاوي "[ص 246]: (ثم يشير) بعد ذكره تقبيل الحجر ومس اليماني.
1471 -
قولهما: (وأن يقول أول طوافه: " بسم الله والله أَكبر
…
إلى آخره") (8) كذا في " الروضة " وأصلها (9)، والذي في " شرح المهذب ": أنه يُندب ذلك في كل طرفة، لكنه في الأولى آكد (10).
(1) الأم (2/ 171)، المجموع (8/ 42).
(2)
انظر " التنبيه "(ص 75)، و" المنهاج "(ص 198).
(3)
الحاوي (ص 246).
(4)
المجموع (8/ 36)، الإيضاح في المناسك (ص 80).
(5)
التنبيه (ص 75).
(6)
انظر " التنبيه "(ص 75)، و" المنهاج "(ص 198).
(7)
انظر " الأم "(2/ 172).
(8)
انظر " التنبيه "(ص 75)، و" المنهاج "(ص 198).
(9)
الروضة (3/ 85).
(10)
المجموع (8/ 39).
1472 -
قول " المنهاج " في القول قبالة الباب [ص 198]: (وهذا مقام العائذ بك من النار) قيل: يعني إبراهيم عليه السلام، فيشير بيده إلى المقام، وقيل: يعني نفسه، فلا يشير، والأول أشهر، فتزاد سنة، وهي الإشارة حينئذ إلى المقام.
1473 -
قول " التنبيه "[ص 75]: (ويقول في الأربعة منها: " رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم؛ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار") لم يذكر " المنهاج " صدر هذا الدعاء، وذكر آخره غير مقيد له بالأربعة الأخيرة، بل قال: إنه يأتي به بين اليَمَانِيَّيْنِ، ولفظه: (اللهم؛ آتنا
…
إلى آخره) (1)، وكذا في " الروضة "(2)، لكن الذي في كتب الرافعي و" شرح المهذب ":(ربنا آتنا)(3)، وكذا رواه أبو داوود وغيره، وهو الموافق للقرآن (4)، وقال في " شرح المهذب " فيما ذكره في " التنبيه ": نص عليه الشافعي والأصحاب، وعَجَبٌ إهمالُه في " المهذب "(5).
1474 -
قول " المنهاج "[ص 198]: (وأن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى) لو قال: (في الطوفات) .. لكان أحسن؛ لأن الشافعي والأصحاب كرهوا تسميته شوطًا (6)، وإن كان النووي اختار في " شرح المهذب " عدم الكراهة (7)، وقد عبر " التنبيه " و" الحاوي " بالثلاثة دون ذكر الأشواط (8).
1475 -
قول " المنهاج "[ص 199] و" الحاوي "[ص 246]: (ويختص الرمل بطوافٍ يعقبه سعي) زاد " المنهاج "[ص 199]: (وفي قول: بطواف القدوم) فيه أمور:
أحدها: أنه ينبغي تقييد السعي بكونه ركنًا؛ للاحتراز عما لو سعى عقب القدوم، ثم أراد السعي عقب الإفاضة .. فإنه لا يستحب له الرمل فيه على الأظهر؛ لكون هذا السعي ليس ركنًا، بل ولا مستحبًا، فلا عبرة به.
ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني: ينبغي تقييد الطواف بكونه طواف قدوم أو إفاضة؛ احترازًا عن طواف الوداع إذا خرج؛ فإنه يجوز السعي بعده، ولا رمل فيه.
(1) المنهاج (ص 198).
(2)
الروضة (3/ 85).
(3)
انظر " فتح العزيز "(3/ 400)، و " المحرر"(ص 126)، و " المجموع "(8/ 48).
(4)
سنن أبي داوود (1892)، وأحمد (15435)، وانظر سورة البقرة:201.
(5)
المجموع (8/ 48).
(6)
انظر " الأم "(2/ 176).
(7)
المجموع (8/ 61).
(8)
التنبيه (ص 75)، الحاوي (ص 246).
ثالثها: اختار السبكي القول القديم تبعًا للبغوي (1).
رابعها: ينبغي أن يقال في القول القديم: بطواف قدوم، أو ركن اندرج القدوم فيه، ويُقيّد طواف القدوم بكونه ضِمْنَ إحرام، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، قال: فإنَّ من قدم مكة غير محرم .. يسن في حقه طواف القدوم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، قال: ولم يذكر أحد أنه رمل في هذا الطواف، ولا حرك دابته؛ فإنه كان راكبًا.
خامسها: محل القولين: في حاج آفاقي دخل مكة قبل الوقوف، ولم يُرد السعي عقب القدوم، أما المعتمر .. فيرمل جزمًا، والحاج المكي يرمل على الأول دون الثاني، والحاج الآفاقي الداخل بعد الوقوف يرمل جزمًا، وإن دخل قبله وأراد السعي عقب القدوم .. يرمل جزمًا؛ لوجود المعنيين، وإن أراد تأخيره إلى الإفاضة .. رمل في القدوم على القديم، وفى الإفاضة على الجديد.
1476 -
قول "المنهاج"[ص 199]: (وليقل فيه: "اللهم؛ اجعله حجًا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا ") فيه أمران:
أحدهما: قيده في "التنبيه" بمحاذاة الحجر الأسود، وزاد في أوله التكبير فقال: (ويقول في رمله كلما حاذى الحجر الأسود: "الله أكبر
…
إلى آخره") (2) ووافق في "المهمات" هذا التقييد والزيادة، وأنكرهما النشائي في "نكته"، ثم قال: (وكلام "المختصر" يفهمه؛ حيث قال بعد ذكر الرمل والاضطباع: وكلما حاذى الحجر الأسود .. كَبَّر، وقال في رمله: "اللهم؛ اجعله حجًا مبرورًا
…
إلى آخره"، قال: لكن تأويله واضح؛ فإن حالة الرمل مغايرة لحالة الطائف عند الحجر، فلا ملازمة) (3).
ثانيهما: قوله: (حجًا مبرورًا) ينبغي أن يكون محله في الحاج، أما المعتمر .. فينبغي أن يقول:(عمرة مبرورة، أو نسكًا ونحوه)، وقال في "المهمات" بعد ذكره أن المناسب للمعتمر: أن يقول: عمرة مبرورة، ويحتمل استحباب التعبير بالحج مراعاة للحديث، ويقصد المعنى اللغوي، وهو القصد.
1477 -
قول "التنبيه"[ص 75]: (ويضطبع) بيَّنَ في "المنهاج" محله فقال [ص 199]: (في جميع كل طواف يرمل فيه، وكذا في السعي على الصحيح) وقد يفهم الاضطباع في ركعتي الطواف، والآصح: خلافه؛ لكراهة هيئة الاضطباع فى الصلاة؛ ولذلك صرح به "الحاوي" فقال
(1) انظر "التهذيب"(3/ 262).
(2)
التنبيه (ص 75).
(3)
نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 69)، وانظر "مختصر المزني"(ص 67).
بعد ذكر الرمل في الثلاثة الأولى [ص 246]: (بالاضطباع إلى آخر السعي، لا في الركعتين).
1478 -
قولهما: (ولا ترمل المرأة، ولا تضطبع)(1) وكذا الخنثى كما في "شرح المهذب"(2)، وعليه يدل قول "الحاوي" [ص 246]:(وَرَملَ الرجل) ثم إن عبارة "المحرر" قد تفهم تحريم ذلك عليهن؛ لقوله: (ليس للنساء رمل ولا اضطباع)(3)، قال في "المهمات": والمعنى المقتضي للمشروعية وهو كونه دأب أهل الشطارة (4) يقتضي التحريم فيهن؛ لأن ذلك يؤدي إلى التشبه بالرجال، بل بأهل الشطارة منهم، والتشبه حرام.
1479 -
قول "المنهاج"[ص 199]: (وأن يَقْرُب من البيت) وهو مفهوم من عبارة "الحاوي" أيضًا (5)، فيه أمران:
أحدهما: أن محل ذلك: في الرجل، أما المرأة والخنثى: فيندب لهما حاشية المطاف.
ثانيهما: ومحله أيضًا: إذا لم يؤذ أحدًا، ولا تأذى بالزحمة، وإلا .. فالبعد أولى.
1480 -
قول "المنهاج"[ص 199]: (ويصلي بعده ركعتين خلف المقام) أي: هو الأفضل كما صرح به "التنبيه"(6)، فإن لم يكن .. ففي الحجر، وإلا .. ففي المسجد، وإلا .. فحيث شاء من الحرم وغيره، وقد صرح به "الحاوي" بقوله [ص 246]:(خلف المقام، ثم في الحجر، ثم في المسجد، ثم حيث شاء).
1481 -
قول "المنهاج"[ص 199]: (ويجهر ليلًا) هو المنقول، وقال ابن الصلاح في "مناسكه": ينبغي أن يسر فيهما ليلًا ونهارًا؛ لأنها صلاة واحدة تقع ليلًا ونهارًا، فسن فيها الإسرار مطلقًا كصلاة الجنازة على المذهب الأصح، وقال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا بحث صحيح.
1482 -
قول "التنبيه"[ص 75، 76]: (وإن حمله محرم ونويا جميعًا .. ففيه قولان، أحدهما: أن الطواف للحامل، والثاني: أنه للمحمول) فيه أمور:
أحدها: أن معنى قوله: (ونويا جميعًا): نوى كلٌّ منهما الطواف عن نفسه، وحينئذ .. فالأصح: أن الطواف للحامل، وعليه يدل كلام "المنهاج" و"الحاوي"(7)، وحكى في "الكفاية" عن "مناسك" النووي تصحيح أنه للمحمول، وهو وهم عليه (8)، أما لو نويا أن يكون
(1) انظر "التنبيه"(ص 75)، و"المنهاج"(ص 199).
(2)
المجموع (8/ 49).
(3)
المحرر (ص 127).
(4)
المراد به هنا: من عنده نشاط. انظر "حاشية البجيرمي"(2/ 125).
(5)
الحاوي (ص 246).
(6)
التنبيه (ص 76).
(7)
الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 199).
(8)
الإيضاح في المناسك (ص 76).
الطواف للحامل .. وقع عنه قطعًا، أو للمحمول .. وقع عنه على الأصح، وكلام "المنهاج" و"الحاوي" دال على هذا، قال في "الكفاية" فيما إذا نوياه للمحمول: مقتضى كلام "التنبيه" أنه لا يجري فيه القولان، قال: وهو صحيح في طواف التطوع دون طواف الفرض.
ثانيها: مقتضى قوله: (ونويا جميعًا): أنه لو نوى أحدهما فقط .. كان الطواف لذلك الناوي قطعًا، قال في "الكفاية": ويظهر أن يُبْنَى على اشتراط النية، فإن اشترطت .. وقع عن الناوي، وإلا .. جاء القولان.
ثالثها: بقي من الصور: أن يقصد الحامل الطواف له وللمحمول، والأصح: وقوعه للحامل، وقد ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(1)، قال في "المهمات": لكن نص الشافعي في "الأم" على وقوعه عن المحمول، وفي "الإملاء" على وقوعه عنهما، حكاه الروياني في "البحر"(2)، فالنصان متفقان على نفي هذا المصحح، ونصه في "الأم" أقوى عند الأصحاب، وهو هنا بخصوصه أظهر من نصه في "الإملاء"، فيجب الأخذ به.
وبقي من الصور أيضًا: ألَّا يقصد الحامل شيئًا، ولم يذكره "المنهاج"، وذكر "الحاوي" تبعًا للرافعي أنه يقع للحامل (3)، وهو واضح؛ لأن الشرط عدم الصارف، ولم يوجد.
رابعها: التقييد بما إذا كان الحامل محرمًا ليخرج ما إذا كان حلالًا؛ فإن الطواف حينئذ للمحمول، وفي معنى كونه حلالًا: أن يكون محرمًا قد طاف عن نفسه، وقد ذكر ذلك "المنهاج" و"الحاوي"(4)، وفيه أمور:
أحدها: أنه لا بد من تقييد ذلك بألَّا يكون المحمول قد طاف عن نفسه طواف إحرامه من قدوم وركن، فلو كان المحمول المحرم قد طاف عن نفسه .. كان كالحلال.
ثانيها: أنهما أطلقا في هذه الصورة وقوعه للمحمول، وكذا في "الروضة" وأصلها (5)، وينبغي أن يكون محله: ما إذا نواه الحامل له، أو لم يكن له نية، فأما إذا نواه لنفسه .. فينبغي تخريجه على القولين في أنه يقع عن الحامل فقط - لكونه فاعله، وهو الصحيح - أو لهما، ذكره في "الكفاية"، قال في "المهمات": وهو إشكال صحيح.
ثالثها: ينبغي أن يكون محله أيضًا: ما إذا لم يصرفه المحمول عن نفسه، فإن صرفه، أو لم
(1) الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 199).
(2)
الأم (2/ 211)، بحر المذهب (5/ 164).
(3)
الحاوي (ص 243)، وانظر "فتح العزيز"(3/ 406).
(4)
الحاوي (ص 243)، المنهاج (ص 199).
(5)
الروضة (3/ 83).
ينوه، وقلنا: تجب النية، وكان الحامل قد نوى .. وقع للحامل، وقد ذكره السبكي، وقال: إنه لاشك فيه.
رابعها: ينبغي أن يلتحق بالحلال والطائف عن نفسه ما إذا لم يكن دخل وقت طوافه؛ كمحرم بحج لم يطف عن نفسه حمل محرمًا بعمرة قبل انتصاف الليل ليلة النحر، فينبغي أن يكون الطواف هنا للمحمول؛ لأن هذا المحرم كالحلال بلا شك، ذكره في "المهمات".
خامسها: في بعض نسخ "المنهاج" بعد قوله [ص 199]: (ولو حمل الحلال محرمًا وطاف به .. حسب للمحمول بشرطه)، وليس في "المحرر"، والمراد به: اجتماع شروط الطواف في حق المحمول؛ من طهارة، وستر عورة، ودخول وقت، فإن فقد شرط من ذلك .. وقع للحامل؛ كما لو طاف بمحرم بحج قبل نصف ليلة النحر .. فذلك المحرم المحمول كالحلال عكس الصورة المتقدمة، وهنا تنبيهات:
أحدها: ظاهر إطلاقهم: أنه لا فرق بين أن يكون المحمول كبيرًا أو صغيرًا، ولا بين أن يكون الحامل له وليّه الذي أحرم به أم لا، وبه صرح الرافعي والنووي (1)، قال في "المهمات": لكن المنقول فيما إذا طاف الصغير راكبًا .. أنه لا يجزئه إلا إذا كان الولي سائقًا أو قائدًا، كذا قاله صاحب "البحر" وغيره (2)، وهو هنا أولى، قال: فتقييد الغزالي بالولي؛ للاحتراز عن غيره؛ فإن فيه هذا التفصيل (3).
ثانيها: صور "التنبيه" و"المنهاج" المسألة بما إذا كان المحمول واحدًا جريًا على الغالب، فلو كان المحمول اثنين فأكثر .. لم يختلف الحكم؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 243]:(ولو طاف حلٌّ، أو مَنْ طاف بمُحْرِمَيْن)، وعُلم حكم الواحد من طريق الأولى، وكذا لو كان الحامل اثنين فأكثر حَمَلا واحدًا، قُلْته تخريجًا، ويتفرّع عليه: ما لو حمل أكثرُ مِنْ واحد أكثرَ من واحد، وتتكثر المسائل.
ثالثها: لو لم يحمله، ولكن جعله في شيء موضوع على الأرض وجذبه .. فهل يلتحق بالمحمول؛ لم أر فيه نقلًا، وفيه نظر، وقد يتناوله قول "الحاوي" [ص 243]:(بمحرمين) فإن طوافه به أعم من حمله، فيتناول هذه الصورة، والله أعلم
رابعها: لم يذكروا الحمل إلا في الطواف، وقال شيخنا الإمام البلقيني: قضية كلام صاحب "الكافي" تعطي أنه لا فرق في أحكام المحمول بين الطواف والسعي، وفيه نظر.
قلت: بل هو واضح، والله أعلم.
(1) انظر "فتح العزيز"(3/ 406)، و"الروضة"(3/ 84)، و"المجموع"(8/ 30).
(2)
بحر المذهب (5/ 233).
(3)
انظر "الوجيز"(1/ 262).