الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ سجود السَّهو
604 -
قول " المنهاج "[ص 110]: (سجود السهو سنة عند ترك مأمور به، أو فعل منهي عنه) أي: على ما يفصله بعد ذلك، لا كل مأمور ومنهي، فكان ينبغي أن يقول هنا:(على ما سيأتي، أو بشرطه) وبقي ثالث، وهو: فعل فرض متردداً في تأديته، وقد ذكره بعد ذلك.
605 -
قوله: (وقد يشرع السجود كزيادة حصلت بتدارك ركن كما سبق في الترتيب)(1) أي: في الركن المعقود له، ومراده بـ (ما سبق): بيان الزيادة، لا السجود؛ فإنه لم يسبق، وذلك من قوله: (وإن سها .. فما بعد المتروك لغو
…
إلى آخر المسألة) (2) ففي تلك الصور كلها إذا تدارك .. سجد للسهو.
606 -
قوله: (إن الأبعاض: القنوت، وقيامه، والتشهد الأول، وقعوده، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والصلاة على الآل حيث سنَنَّاها)(3) أي: وهو في التشهد الأخير على الأصح، وفي الأول على وجه، فهذه ستة، وأهمل سابعاً، وهو: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، واقتصر " الحاوي " على خمسة، فلم يذكر القيام للقنوت، ولا الصلاة فيه (4)، واقتصر " التنبيه " على ثلاثة، وهي: التشهد الأول، والصلاة فيه، والقنوت (5).
وفي كلامهم بعد ذلك أمور:
أحدها: أن المراد: القنوت في الصبح ووتر النصف الأخير من رمضان، فأما قنوت النازلة: فإنه لا يشرع السجود لتركه ولو قلنا باستحبابه، كما صححه في " التحقيق "، وحكاه في " الروضة " عن تصحيح الروياني (6).
وأجيب: بأن قنوت النازلة سنة في الصلاة لا سنة منها؛ أي: بعضها، والكلام في القنوت الذي هو أحد الأبعاض، ولا شك أن الإيراد على اللفظ صحيح.
ثانيها: في تصوير السجود لترك القيام للقنوت، أو القعود للتشهد دونهما عسر، وصورته: أن يسقط استحباب القنوت عنه لكونه لا يحسنه، فيبقى استحباب القيام للقدرة عليه، فإن تركه .. سجد، وكذا القول في القعود للتشهد، قاله في " الكفاية "، لكن قال في " الإقليد ": التحقيق:
(1) انظر " المنهاج "(ص 110).
(2)
انظر " المنهاج "(ص 103).
(3)
انظر " المنهاج "(ص 110).
(4)
الحاوي (ص 169).
(5)
التنبيه (ص 37).
(6)
التحقيق (ص 254)، الروضة (1/ 318)، وانظر " بحر المذهب "(2/ 202).
أن القيام للقنوت لا يعد في هذه الجملة؛ لأن القنوت يشرع في قيام مشروع لغيره، وهو: ذكر الاعتدال؛ ولهذا لا يقف من لا يعرف القنوت بقدره، والتشهد شرع جلوسه مقصوداً في نفسه؛ ولهذا يجلس من لا يعرف التشهد. انتهى.
ثالثها: وكذلك في تصوير السجود لترك الصلاة على الآل في التشهد الأخير عسر؛ لأنه إن تذكره قبل السلام .. فليفعله؛ فلم يفت محله، وإن سلم .. فات محل السجود، وصورته: أن يتيقن ترك إمامه له بعد أن سلم إمامه وقبل أن يسلم هو، وذكر له في " المهمات " تصويرين آخرين في كل منهما نظر.
رابعها: المراد من التشهد الأول: اللفظ الواجب في التشهد الأخير دون ما هو سنة فيه، فلا يسجد لتركه، قاله المحب الطبري.
خامسها: ترك كلمة من القنوت كترك كله على خلاف ما يوهمه كلامهم، قاله المحب الطبري أيضاً، قال: وحَكى عن " فتاوى الإمام " احتمالاً أنه إذا أتى بأكثره .. لا سجود، وقياسه: المجيء في كلمة من التشهد، بل هو أولى بذلك. انتهى.
سادسها: يستثنى من ذلك: ما إذا تركه إمامه لاعتقاد عدم سنيّته، كحنفي ترك قنوت الصبح .. فلا يسجد المؤتم به، قاله القفال في " فتاويه "، وهو على أصله في اعتبار نية الإمام، لكن الأصح: مقالة الشيخ أبي حامد والأكثرين: أن العبرة بنية المقتدي، ومقتضى ذلك أن يسجد، وهو الظاهر.
سابعها: يستثنى من التشهد الأول: ما إذا نوى أربعاً وأطلق، أو قصد أن يتشهد تشهدين؛ فإنه إذا ترك الأول منهما عامداً .. لم يسجد، وكذا ساهياً على الأظهر في " الذخائر " في الكلام على النفل المطلق.
607 -
قول " المنهاج "[ص 110]: (ولا تجبر سائر السنن) وهو مفهوم من كلام " التنبيه " و" الحاوي "(1).
مقتضى ذلك: البطلان لو سجد لزيادته في الصلاة، وهو كذلك، لكن استثنى البغوي في " فتاويه ": ما إذا كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، وفيه نظر؛ لأن من هو كذلك .. لا يعرف مشروعية سجود السهو، ومن عرفه .. عرف محله غالباً، والله أعلم.
608 -
قولهما: (إن ما لا يبطل عمده الصلاة .. لا يسجد لسهوه)(2)، وهو مفهوم قول " الحاوي " [ص 169]:(وسهو مبطل العمد) يستثنى منه مسائل:
(1) التنبيه (ص 37)، الحاوي (ص 169).
(2)
انظر " التنبيه "(ص 36، 37)، و" المنهاج "(ص 110).
الأولى: لو نقل ركناً قولياً؛ كـ (فاتحة) في ركوع، أو تشهد .. فإن الصلاة لا تبطل بعمده في الأصح، ويسجد لسهوه في الأصح.
وقد صرح " المنهاج " باستثنائها (1)، وذكرها " الحاوي " معطوفة على السهو المبطل العمد بقوله [ص 169]:(وبنقل ركن ذِكريّ)، وذكرها " التنبيه " في قوله [ص 36]:(أو قرأ في غير موضع القراءة)، لكنه لم يصرح باستثنائها من هذه القاعدة، ثم إن ذلك لا يختص بالقراءة كما عرفته، لكن تعبير " المنهاج " و" الحاوي " يقتضي اختصاص هذا الحكم بنقل الركن بكماله، وليس كذلك، فلو قرأ بعض (الفاتحة) أو بعض التشهد .. كان الحكم كذلك.
وتعبير " التنبيه " يتناول قراءة بعض (الفاتحة)، وأيضاً: فمقتضى كلامه: السجود ولو لم يكن المقروء ركناً؛ كـ (سورة الإخلاص) مثلاً، وبه صرح في " شرح المهذب "(2)، وهذه الصورة ترد على تعبير " المنهاج " و" الحاوي " بالركن (3)، ويصح عدها صورة ثانية مستثناة.
ومقتضى إطلاقهما في نقل الركن: أنه لا فرق بين أن يفعله عمداً أو سهواً، وقال في " المصباح ": إنه أصح الوجهين، ودخل في عبارتهما التكبير، قال شيخنا شهاب الدين: وفي البطلان بنقله نظر (4).
الثالثة: القنوت قبل الركوع لا يبطل عمده الصلاة، ويسجد لسهوه على الأصح المنصوص؛ كما في زيادات " الروضة " (5) أي: بشرط أن يأتي به على نية القنوت، وإلا فلا .. سجود، قاله الخوارزمي في " الكافي " والمعافى الموصلي.
الرابعة: إذا ترك التشهد الأول ناسياً، وتذكره بعدما صار إلى القيام أقرب، فعاد للتشهد .. فإنه يسجد للسهو؛ كما صرح به " المنهاج "(6)، وصححه الرافعي في " المحرر " و" الشرح الصغير "(7)، وصحح في " تصحيح التنبيه " و" التحقيق ": أنه يسجد (8)، وقال في " شرح المهذب ": صححه الجمهور (9)، وأطلق " التنبيه " الخلاف في ذلك فقال [ص 37]: (وإن نهض للقيام في موضع القعود ولم ينتصب قائماً وعاد إلى القعود .. ففيه قولان، أحدهما: يسجد،
(1) المنهاج (ص 110).
(2)
المجموع (4/ 133).
(3)
الحاوي (ص 169)، المنهاج (110).
(4)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(1/ 325).
(5)
الروضة (1/ 255)، وانظر " الأم "(1/ 143).
(6)
المنهاج (ص 110).
(7)
المحرر (ص 44).
(8)
تصحيح التنبيه (1/ 139)، التحقيق (ص 248).
(9)
المجموع (4/ 136).
والثاني: لا يسجد) ومحله: في السهو، وقد عرفت أن الذي في " المنهاج " السجود إن كان إلى القيام أقرب، وفي " التصحيح " وغيره: عدمه مطلقاً، فلو كان عامداً .. بطلت صلاته إن كان أقرب للقيام، كما في " المنهاج " و" الحاوي "(1) ولم يقيده في " المحرر " بكونه إلى القيام أقرب (2).
الخامسة: إذا زاد القاصر على ركعتين سهواً .. فإنه يسجد مع أنه يجوز له زيادتهما، استثناها ابن الصباغ وابن أبي الصيف، واستشكله مجلّي؛ لأن عمد الزيادة لا بنية الإتمام مبطل.
وذكر في " المهمات " صورة سادسة، وهي: تطويل الركن القصير سهواً مع القول بأن عمده لا يبطل .. يسجد لسهوه على الصحيح، وهذه على وجه.
وسابعة، وهي: إذا فرقهم في الخوف أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة، أو فرقتين وصلى بإحداهما ثلاثاً .. فإنه يجوز على المشهور، لكنه يكره ويسجد للسهو؛ للمخالفة بالانتظار في غير موضعه، حكاه في " الروضة " في بابه عن النص (3)، وفي استثنائها نظر؛ لأنهم لم يخصوا السجود بحالة السهو، بل العمد كذلك أيضاً، والله أعلم.
609 -
قول " المنهاج "[ص 110] و" الحاوي "[ص 169]: (ما أبطل عمده .. سجد لسهوه إن لم يبطل سهوه أيضاً) وهو مفهوم من قول " التنبيه "[ص 36، 37]: (وإن فعل ما لا يبطل عمده الصلاة .. لم يسجد) يستثنى منه: ما إذا تنفَّل على دابة فحوّلها عن صوب مقصده ناسياً مع العود على الفور .. فلا يسجد، كما اقتضاه كلام " الروضة "، وصرح به في " التحقيق " و" شرح المهذب "(4)، مع أن عمده يبطل، لكن صحح في " الشرح الصغير ": أنه يسجد [وعزاه في " التوشيح " لـ" الحاوي الصغير "، وقد عرفت أنه لم يصرح به، بل هو كغيره من المختصرات في اندراج هذه المسألة تحت القاعدة التي ذكرها](5)، وقول " المنهاج " [ص 110]:(ككلام كثير في الأصح) إنما يعود الخلاف والتصحيح إلى المثال، لا إلى أصل المسألة.
610 -
قول " المنهاج "[ص 110]: (وتطويل الركن القصير يبطل عمده في الأصح) كقول " الحاوي "[ص 168]: (وبتطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين) والمراد: حيث لم يرد الشرع بتطويله، فالوارد بتطويله؛ كالقنوت المشروع، وصلاة التسبيح .. ليس من ذلك، واختار
(1) الحاوي (ص 169)، المنهاج (ص 111).
(2)
المحرر (ص 44).
(3)
الروضة (2/ 56، 57).
(4)
الروضة (1/ 212)، المجموع (3/ 210)، التحقيق (ص 188).
(5)
هكذا في جميع النسخ، إلا في (د) .. فسقطت هذه الجملة، وجاء مكانها (ومشى عليه في " الحاوي " في استقبال القبلة). انظر " الحاوي "(ص 157).
النووي من حيث الدليل: جواز إطالة الاعتدال مطلقاً (1)، ويلزمه ذلك في الجلوس بين السجدتين؛ لصحة الحديث فيهما (2)، وقول " المنهاج " [ص 110]:(فيسجد لسهوه) أي: قطعاً إن قيل بالأصح، وإن قيل بمقابله .. فمفهومه المنع، لكن الأصح: السجود أيضاً، وقد تقدم، وقوله:(وكذا الجلوس بين السجدتين في الأصح)(3) كذا في " الروضة " هنا (4)، وفي " التحقيق " و" شرح المهذب " في (الجماعة)، لكن صحح فيهما هنا: أنه طويل (5).
611 -
قوله فيما لو نسي التشهد الأول وذكره بعد انتصابه: (فإن عاد عالماً بتحريمه .. بطلت، أو ناسياً .. فلا)(6) كان ينبغي أن يقول: (عامداً عالماً بتحريمه) كما في " المحرر "(7) لأن النسيان ليس مقابل العلم بالتحريم، وإنما هو مقابل العمد.
612 -
قوله: (الأصح: وجوبه)(8) يعني: العود لمتابعة إمامه، محله كما قال في " شرح المهذب " و" التحقيق ": إذا قام ساهياً (9)، فإن قام عمداً .. فالعود مستحب لا واجب (10)، كذا أورد شيخنا شهاب الدين (11)، وهو غير وارد؛ لأن كلامه إنما هو في القيام سهواً، وقد ذكر القيام عمداً بعد ذلك، ويشكل على المذكور هنا تصريحهم في (صلاة الجماعة) بأن المأموم إذا تقدم بركن عمداً أو سهواً .. يندب له العود ولا يجب، إلا أن يفرق بفحش التقدم هنا.
613 -
قوله: (ولو نسي قنوتاً فذكره في سجوده .. لم يعد له، أو قبله .. عاد، وسجد للسهو إن بلغ حد الراكع)(12) بلوغ حد الراكع قيدٌ في السجود للسهو لا في العود، وقد يفهم من عبارته عوده لهما.
(1) انظر " المجموع "(4/ 132).
(2)
انظر " صحيح مسلم "(772).
(3)
انظر " المنهاج "(ص 110).
(4)
الروضة (1/ 306).
(5)
المجموع (4/ 133)، التحقيق (ص 246).
(6)
انظر " المنهاج "(ص 110، 111).
(7)
المحرر (ص 44).
(8)
انظر " المنهاج "(ص 111).
(9)
المجموع (3/ 447)، التحقيق (ص 247).
(10)
في حاشية (ج): (فإن قيل: ما الفرق بين ما إذا ترك التشهد ناسياً حيث قالوا: يجب عليه العود، وبين ما إذا تركه عامداً حيث قالوا: يستحب؟ قلنا: الفرق أنه في السهو فعل فعلاً غير معتد به، فوجب عليه العود، بخلاف العمد، قاله بمعناه الزركشي في " الخادم ").
(11)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(1/ 326).
(12)
انظر " المنهاج "(ص 111).
614 -
قوله: (ولو شك في ترك بعض .. سجد)(1) أي: في ترك بعض معين، فلو شك في أنَّه ترك بعضًا لا بعينه أم لا .. لم يسجد، وقد صرح بذلك "الحاوي" بقوله [ص 169]:(وبشك مفصل فيه).
615 -
قول "التنبيه"[ص 36]: (إذا شك في عدد الركعات وهو في الصلاة .. بنى على اليقين وهو الأقل، ويأتي بما بقي ويسجد للسهو) يستثنى من السجود للسهو: ما إذا زال الشك قبل فعل ما منه بد بتقدير، وقد صرح بذلك "الحاوي" بقوله [ص 170]:(ويسجد وإن زال الشك إن فعل ما منه بد بتقدير) و"المنهاج" وقال [ص 111]: (مثاله: شك في الثالثة: أثالثة هي أم رابعة؟ فتذكر فيها .. لم يسجد، أو في الرابعة .. سجد).
واعترض عليه: بأنه بعد فرضها ثالثة كيف يشك أثالثة هي أم رابعة؟ فكان ينبغي أن يقول: (شك في ركعة)، وكذا قوله:(أو في الرابعة) كان ينبغي أن يقول: (أو في التي بعدها) إذ من الجائز أن يتذكر أنَّها خامسة .. فلا يحسن فرضها رابعة.
616 -
قول "التنبيه"[ص 36]: (وكذلك إذا شك في فرض من فروضها .. بنى الأمر على اليقين، وهو أنَّه لم يفعل، فيأتي به ويسجد للسهو) استثنى في "الكفاية": النية والتكبير، ولا حاجة إليه؛ لقوله أولًا:(وهو في الصلاة) ومن شك في النية أو التكبير .. فليس في صلاة، ولو شك في السلام .. أتى به ولا سجود، قاله البغوي في "فتاويه"، وعلله: بفوات محله، قال في "الكفاية": فإن قيل: أفهم بقوله: (فرض) أنَّه لو شك في سنة؛ كالتشهد الأول ونحوه .. لا يكون الحكم كذلك.
قلت: المأمور به في الفرض شيئان، وفي السنة أحدهما؛ فإنه إن شك فيه في محله .. أتى به ولا سجود، أو بعد فواته .. سجد ولم يأت به. انتهى.
قال النشائي: ولا يخفى على المتأمل قوة الإيراد وضعف الجواب (2).
وقد سلم من ذلك "الحاوي" بقوله [ص 169]: (والمشكوك كالمعدوم).
617 -
قول "المنهاج"[ص 111]: (ولو شك بعد السلام في ترك فرض .. لم يؤثر) مثل قول "الحاوي"[ص 169]: (لا الركن بعد السلام) ويستثنى من ذلك: النية، فإذا شك فيها بعد السلام .. بطلت صلاته، كما في "المهمات" عن "فتاوى البغوي"، وقول "المنهاج" [ص 111]:(على المشهور) ترجيح لطريقة الخلاف، وفي "الروضة": على المذهب (3)، وهو
(1) انظر "المنهاج"(ص 111).
(2)
انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 32).
(3)
الروضة (1/ 316).
ترجيح لطريقة القطع، والذي ذكره الرافعي ترجيح طريقة الخلاف مع قصر الفصل، وطريقة القطع مع طوله (1)، وخرج بتعبيرهم بالفرض: الشروط؛ كالطهارة وغيرها، فإذا شك فيها ولو بعد السلام .. بطلت صلاته على المذهب في "شرح المهذب"(2).
618 -
قول "التنبيه"[ص 37]: (وإن سها خلف الإمام .. لم يسجد)، قال في "الكفاية": احترز به عن القدوة الحكمية فيما إذا سهت الفرقة الثانية في صلاة ذات الرقاع، والمزحوم في تخلفه عن الإمام، لكن الأصح: تحمل الإمام سهوه، وقد صرح به "الحاوي" بقوله [ص 170]:(لا لسهوه حال القدوة ولو تخلف) والظاهر: أن الشيخ إنما أراد بكونه خلفه: مطلق القدوة، لا قدرًا خاصا منها، وحينئذ .. فهو كقول "المنهاج" [ص 111]:(وسهوه حال قدوته يحمله إمامه) ويستثنى من كلامهما: ما إذا تبين كون الإمام محدثًا؛ فإن المأموم يسجد لسهو نفسه ولا يحمله عنه الإمام، وقد صرح بذلك "الحاوي" بقوله [ص 170]:(لا إن بان محدثًا فيهما) أي: في كونه لا يسجد لسهو نفسه وفي كونه يسجد لسهو إمامه، واستشكل من جهة أن الصلاة خلف المحدث صلاة جماعة على الصحيح.
619 -
قول "المنهاج"[ص 111]: (ولو ذكر في تشهده ترك ركنٍ غير النية والتكبير -أي: تركه بعد القدوة- .. صلى بعد سلام إمامه ركعة ولا يسجد) بقي عليه: إذا شك في ذلك .. فإنه يتداركه بعد سلام الإمام كما لو تيقنه، لكن هل يسجد؟ قال القاضي الحسين: كنت أقول: إنه يسجد؛ لأن ما يأتي به بعد سلام الإمام زيادة في أحد الاحتمالين؛ إذ من الجائز أنَّه لم يتركها، ثم رجعت وقلت: لا سجود عليه؛ لأن المأتي به بعد السلام صدر عن شك حالة القدوة، فلم يسجد اعتبارًا بتلك الحال. انتهى.
والسجود أظهر، ويوافقه ما في "الروضة" عن "فتاوى الغزالي": أن المسبوق إذا شك في إدراك ركوع الإمام، فتدارك تلك الركعة بعد سلام إمامه .. أنَّه يسجد كما لو شك في عدد الركعات، قال النووي: وهو ظاهر، ولا يقال: يتحمله عنه الإمام؛ لأنه شاك في العدد بعد سلام إمامه، وجزم به في "التحقيق"(3)، ويوافقه أيضًا ما ذكره الروياني في "البحر" فيما لو شك المأموم في الجمعة هل صلى ركعة أو ركعتين؟ فقام بعد سلام الإمام ليكمل .. أن القياس: أنَّه يسجد، قال: والشك وإن كان خلف الإمام فإنما تعلق السجود بفعل الركعات بعده (4).
(1) انظر "فتح العزيز"(2/ 86).
(2)
المجموع (1/ 560).
(3)
فتاوى الغزالي (ص 26) مسألة (12)، الروضة (1/ 309)، التحقيق (ص 247)، وانظر "المجموع"(4/ 134).
(4)
بحر المذهب (3/ 17).
620 -
قولهم -والعبارة لـ"المنهاج"-: (ويلحقه سهو إمامه)(1) يستثنى منه مسألتان: إحدالما: إذا تبين كون إمامه محدثًا، وقد استثناها "الحاوي" كما تقدم (2). الثانية: إذا علم سبب سجود الإمام وتيقن غلطه في ظنه؛ كما إذا ظن الإمام أنَّه ترك بعضًا والمأموم يتيقن عدم تركه له .. فلا يوافقه إذا سجد، والمسألة مشكلة تصويرًا وحكمًا، أما التصوير: فكيف للمأموم العلم بأن سبب سجود الإمام ظنه ترك ذلك البعض بعينه؟ وأما الحكم: فالأصح: أنَّه إذا ظن سهوًا فسجد ثم تبين عدمه .. سجد ثانيًا لسهوه بالسجود، فإن كان الإمام لم يسه .. فسجوده يقتضي السجود، وقد يقال: لا ترد هذه الصورة على عبارتهم؛ لأنهم علقوا سجود المأموم بسهو الإمام، ولا سهو من الإمام بمقتضى ظن المأموم.
621 -
قول "التنبيه"[ص 37]: (وإن سبقه الإمام بركعة فسجد معه) قال في "الكفاية": احترز به عما إذا لم يسجد معه؛ فإنه يسجد قطعًا، وصورته: إذا نوى المسبوق المفارقة قبله، أو تخلفت الطائفة الثانية في صلاة الخوف وسجد للسهو ثم عادت القدوة، وإلَّا .. فتبطل بالتخلف عنه.
622 -
قولهما -والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن سها سهوين أو أكثر .. كفاه للجميع سجدتان) لا يرد على ذلك إعادة سجود السهو في صور؛ لأنه لم يتعدد حكمًا، بل صورة فقط؛ إذ العبرة بالمفعول آخر الصلاة، وقد أشار "الحاوي" لتلك الصور بقوله [ص 171]:(ويعيد إن تمم القصر والجمعة ظهرًا، أو ظن سهوًا فبان، وخليفة الساهي السابق) وهي أربع:
الأولى: أن يسهو القاصر فيسجد ثم ينوي الإتمام، أو يصل إلى وطنه قبل السلام فيتمها أربعًا ويسجد آخر صلاته.
الثانية: أن يسهوا في الجمعة فيسجدوا ثم يتبين خروج الوقت .. فيتمونها ظهرًا ويسجدون آخرها.
الثالثة: إذا ظن سهوًا فسجد له ثم بان عدمه .. سجد ثانيًا؛ لسهوه بالسجود.
الرابعة: خليفة الإمام الساهي إذا كان مسبوقًا .. يمشي على نظم صلاة إمامه ويسجد موضع سجوده ثم يعيد السجود آخر صلاة نفسه، وكذا المسبوق الذي ليس خليفة يسجد مع الإمام ويعيده آخر صلاته، وقد ذكر "المنهاج" الصورة الثانية والثالثة (3).
623 -
قولهم -والعبارة لـ"المنهاج" -: (والجديد: أن محله بين تشهده وسلامه)(4) هذا إذا
(1) انظر "التنبيه"(ص 37)، و"الحاوي"(ص 170)، و"المنهاج"(ص 112).
(2)
الحاوي (ص 170).
(3)
المنهاج (ص 112).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 37)، و"الحاوي"(ص 169)، و"المنهاج"(ص 112).
كان منفردًا أو مقتديًا بمن يعتقد ذلك، فإن اقتدى بمن يراه بعد السلام .. قال الدارمي: فإن سبقه ببعضها .. أخرج نفسه وتمم لنفسه وسجد، وإلَّا .. فأوجه:
أحدها: يخرج نفسه ويسجد.
والثاني: يتبعه في السجود بعد السلام.
والثالث: لا يسلم إذا سلم الإمام، بل يصبر، فإذا سجد .. سجد معه ثم سلم.
قلت؛ والظاهر وجه رابع، وهو: أنَّه إذا سلم الإمام .. سجد هو منفردًا قبل السلام، وهو مقتضى قولهم -والعبارة لـ"التنبيه" -:(وإن ترك الإمام .. سجد المأموم)(1).
ويرد على "المنهاج" في تعبيره بالجديد: أن هذا القول هو المنصوص عليه في القديم أيضًا، كما حكاه الشيخ أَبو حامد وصاحب "جمع الجوامع"، والقولان المقابلان له:
أحدهما: إن سها بزيادة .. فبعد السلام، أو بنقص .. فقبله، وهو محكي عن اختلاف الحديث، وهو من الجديد.
والآخر: التخيير بينهما، وليس في القديم أيضًا، كما قاله شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني أبقاه الله تعالى، والمصنِّف تابع للرافعي؛ فإنه قال: إن الأول هو الجديد، وإن مقابليه قديمان، ثم هذا الخلاف في الإجزاء على المذهب، وقيل: في الأفضل، هذه عبارة "الروضة"(2)، لكن قال الماوردي: إنه لا خلاف بين الفقهاء أنَّه يجوز قبل السلام وبعده، وإنَّما الخلاف في الأَوْلَى (3)، وقال في "التتمة": من قال بأنه قبله .. لم يصححه بعده، بخلاف العكس.
624 -
قول "التنبيه"[ص 37]: (فإن لم يسجد حتَّى سلم ولم يطل الفصل .. سجد) محله: إذا كان ناسيا، فلو سلم عامدًا عالمًا بالسهو .. لم يسجد، وقد صرح بذلك "المنهاج" بقوله [ص 112]:(فإن سلم عمدًا .. فات في الأصح) وكان ينبغي أن يقول أيضًا: (عالمًا بالسهو)، وهما مفهومان من قول "الحاوي" [ص 169]:(وإن تذكر عقيبه وأراد أن يسجد .. سجد).
625 -
قول "المنهاج"[ص 112]: (وإذا سجد .. صار عائدًا إلى الصلاة في الأصح) مقابله: أنَّه لا يصير عائدًا؛ لأن التحلل حصل بالسلام، وصححه صاحب "التهذيب"(4)، وفي "النهاية" وجه ثالث: أنَّه يسلم مرة أخرى، ولا يعتد بذلك السلام (5)، قال السبكي: والقياس: إما هذا
(1) انظر "التنبيه"(ص 37)، و"الحاوي"(ص 170)، و"المنهاج"(ص 112).
(2)
الروضة (1/ 315، 316)، وانظر "فتح العزيز"(2/ 98).
(3)
انظر "الحاوي الكبير"(2/ 214).
(4)
التهذيب (2/ 195).
(5)
نهاية المطلب (2/ 242).
الوجه، وإما ما قاله صاحب "التهذيب"، أما الحكم بالعود إذا سجد دون ما إذا لم يسجد كما صححه المصنِّف .. ففيه إشكال. انتهى.
ويحرم العود إليهما إن ضاق الوقت، صرح به البغوي في "فتاويه" في المجمع والقاصر.
626 -
قول "المنهاج" - والعبارة له - و"الحاوي": (ولو ظن سهوًا فسجد فبان عدمه .. سجد في الأصح)(1) هي عبارة الغزالي (2)، قال في "المطلب": وهي تقتضي أن ظن السهو يجوِّز السجود، وليس كذلك.
نعم؛ إن اعتقد أنَّه يُجوِّزهُ ففعله .. لم يبعد أن يأتي فيه الخلاف المذكور، وصورها الإمام بما إذا اعتقد أنَّه سها فسجد (3)، وهذا واضح.
627 -
قول "التنبيه"[ص 36]: (وإن زاد في صلاته ركوعًا، أو سجودًا، أو قيامًا، أو قعودًا على وجه السهو .. سجد للسهو) يستثنى منه: القعود القصير؛ فإن عمده لا يبطل الصلاة كما تقدم، فلا يسجد لسهوه.
628 -
قوله فيما إذا تكلم ناسيًا: (أنَّه يسجد للسهو)(4) محله: في اليسير، فإن كان كثيرًا .. فإنه يبطل الصلاة في الأصح كما تقدم، فلا سجود.
629 -
قوله: (وإن ترك إمامه فرضًا .. نوى مفارقته)(5) يقتضي منع انتظاره، وليس كذلك.
630 -
قوله: (وإن ترك فعلًا مسنونًا .. تابعه ولم يشتغل بفعله)(6) هذا إذا كان فاحش المخالفة، فإن خف؛ كجلسة الاستراحة والقنوت .. فعله ولحق الإمام، ولا يرد ترك الإمام التسليمة الثانية؛ لانقطاع المتابعة، قاله في "الكفاية".
* * *
(1) الحاوي (ص 170)، المنهاج (ص 112).
(2)
انظر "الوسيط"(2/ 197).
(3)
انظر "نهاية المطلب"(2/ 276).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 36).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 37).
(6)
انظر "التنبيه"(ص 37).