الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما ينوب عن الفتحة]
قال ابن مالك: (وتنوب الفتحة عن الكسرة في جرّ ما لا ينصرف؛ إلّا أن يضاف أو يصحب الألف والّلام أو بدلها، والكسرة عن الفتحة في نصب أولات والجمع بزيادة ألف وتاء، وإن سمّي به فكذلك، والأعرف حينئذ بقاء تنوينه، وقد يجعل كأرطاة علما).
قال ناظر الجيش: شرع في ذكر مواضع النيابة:
واعلم أنه إما أن تنوب الحروف عن الحركات، والحذف عن السكون، وإما أن تنوب بعض الحركات عن بعض. ويمكن الرجوع بقول المصنف فيما تقدم: إلّا في مواضع النّيابة، إلى نيابة الحركات عن الحركات فقط، لا إلى المجموع من نيابة الحركات ونيابة الحروف. لأن نيابة الحروف قد تقدم ذكرها في قوله: وينوب عنهما الحرف والحذف، وهذا أولى حتى لا يكون في كلامه تكرير، ولا شك أن نيابة حركة عن حركة أقرب إلى الأصل من نيابة حرف عن حركة؛ فلذلك قدم المصنف ذكر نيابة الحركات عن بعضها. وهذه النيابة جاءت في موضعين [1/ 62]:
الموضع الأول: الاسم الذي لا ينصرف:
فإنه إذا جر نابت فيه الفتحة عن الكسرة، فقيل: لأنه لما أشبه الفعل وامتنع تنوينه امتنع فيه ما يمتنع في الفعل أيضا وهو الكسر. وهذا باطل لأنه يجر بالكسرة حال وجود الألف واللام معه أو الإضافة وشبه الفعل باق (1).
والعلة الصحيحة لجره بالفتحة: أنه لو جر بالكسرة مع عدم التنوين لتوهم أنه مضاف إلى ياء المتكلم وقد حذفت
لدلالة الكسرة عليها، أو بني على الكسر لأن الكسرة لا تكون إعرابية إلا مع تنوين أو مع ما يعاقبه من الإضافة والألف واللام.
ولذلك إذا أضيف الاسم المذكور ودخل عليه الألف واللام، جر بالكسرة لزوال الموهم، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: إلا أن يضاف، إلى آخره.
وأطلق الألف واللام لتشمل المعرفة والزائدة والموصولة فإنهن متساوية في إيجاب -
(1) يمكن دفعه بأن الألف واللام أو الإضافة قرباه من الاسمية أو يقال: وجد فيه شبهان: شبه بالاسم في ذلك وشبه بالفعل في امتناع التنوين، فسقطا وعاد إلى إعرابه الأصلي وهو جره بالكسرة عند وجودهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جر ما لا ينصرف بالكسرة.
فالمعرفة: كقوله تعالى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ (1).
والزائدة: كقول الشاعر:
51 -
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
…
شديدا بأعباء الخلافة كاهله (2)
والموصولة: كقول الآخر:
52 -
وما أنت باليقظان ناظره إذا
…
رضيت بما ينسيك ذكر العواقب (3)
والضمير في قوله: أو بدلها عائد إلى اللام، وأشار بذلك إلى لغة من يبدلها ميما، كقول بعضهم:
53 -
أأن شمت من نجد بريقا تألّقا
…
تكابد ليل ام أرمد اعتاد أولقا (4)
-
(1) سورة هود: 24.
(2)
البيت من بحر الطويل وهو مطلع قصيدة لابن ميادة يمدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وبعده:
أضاء سراج الملك فوق جبينه
…
غداة تنادى بالنّجاح قوابله
اللغة: مباركا: ميمون الطليعة. شديدا بأعباء الخلافة: قائما بأمورها الشاقة. كاهله: الكاهل ما بين الكتفين. قوابله: جمع قابلة، وهي من تتلقى الوليد عند خروجه.
وقد دار هذا البيت في كتب النحاة كثيرا مستشهدين به على زيادة أل في الأعلام، وهي في الوليد زائدة للمح الأصل كالحسن والعباس وفي
اليزيد زائدة لا لشيء، وقيل معرفة بعد تنكير العلم ثم بعد دخول أل على العلم الممنوع من الصرف يجر بالكسرة كاليزيد. وانظر مراجع البيت الكثيرة في معجم الشواهد (ص 287) وانظره أيضا في شرح التسهيل (1/ 41) وفي التذييل والتكميل (1/ 139).
ترجمة ابن ميادة: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان المعروف بابن ميادة وهي أمه وكانت فارسية. شاعر مجيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، مدح خلفاء بني أمية.
مات في خلافة المنصور سنة (149 هـ) وقد عملت فيه رسالة تحت عنوان: ابن ميادة وشعره، في جامعة عين شمس. وانظر ترجمته في معجم الأدباء (11/ 143)، الشعر والشعراء (2/ 775).
(3)
البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه.
اللغة: اليقظان: المتنبه الحذر. ناظره: ناظر العين النكتة السوداء فيها وقيل العين كلها. العواقب: نتائج الأمور. وشاهده كالذي قبله.
والبيت في معجم الشواهد (ص 59) وفي شرح التسهيل (1/ 41) والتذييل والتكميل: (1/ 148).
(4)
البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه إلا لرجل من طيئ ولم يعين.
اللغة: شمت: تقول: شمت السحاب والبرق شيما إذا نظرت إليه أن يسقط مطره.
بزيقا: تصغير برق. تألق: لمع وأضاء. أم أرمد: هو الأرمد الذي في عينه وجع. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أراد ليل الأرمد فجر أرمد بكسرة مع الميم كما يجر بها مع اللام.
الموضع الثاني: ما جمع بألف وتاء كمسلمات:
فإنه إذا نصب نابت فيه الكسرة عن الفتحة؛ والعلة في ذلك حمله على جمع المذكر وتشبيهه به في حمل نصبه على جره؛ هكذا ذكروا.
ولا يتجه ذلك إذا قلنا بمذهب سيبويه، وهو أن جمع المذكر معرب بالحركات كما سيأتي (1).
وقدم المصنف على الجمع المذكور أولات لمشاركتها له في الحكم مع أنها ليست بجمع إنما هي اسم جمع.
وقال المصنف: «أولو وأولات بمعنى ذوي وذوات إلّا أن هذين جمعان؛ لأن مفرديهما من لفظيهما بخلاف أولو وأولات؛ فلذلك لم يغن عن ذكرهما ذكر جمعي التّصحيح» .
وإنما قال المصنف: بزيادة ألف وتاء؛ فقيدهما بالزيادة احترازا من قضاة وأبيات؛ فإن كلّا منهما يصدق عليه أنه جمع بألف وتاء؛ لكن ألف قضاة منقلبة عن أصل لا زائدة، وتاء أبيات أصل.
لكن قد ورد على كلامه في الألفية ما احترز عنه هنا؛ لأنه قال فيها:
وما بتا وألف قد جمعا (2)
…
ولم يقيد بالزيادة.
ويجاب عنه: بأن التاء في قوله: بتاء متعلقة بقوله: جمع. أي حصلت جمعيته -
- الأولق: ما يشبه الجنون ووزنه أفعل وقيل فوعل.
معنى البيت: يقول لصاحبه (أو لنفسه): هل تبيت مسهد الجفن قريح العين مستطار القلب كمن به خبل أو جنون؛ لأنك أبصرت السحاب قادما من جهة نجد التي فيها أحباؤك؟.
أأن شمت: يروى بفتح همز أن على أنها مصدرية حذفت قبلها لام التعليل. وهو علة لما بعده ومتعلق به، ويروى بكسرها على أنها شرطية وجوابها تبيت؛ ورفع لأن فعل الشرط ماض وهو جائز.
والشاهد فيه: جر الاسم الممنوع من الصرف بالكسرة لدخول أم المعرفة عليه التي هي بدل من أل على لغة حمير وذلك في قوله: أم أرمد.
والبيت في شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 42) ولأبي حيان: (1/ 148) وفي معجم الشواهد (ص 242).
(1)
انظر: كتاب سيبويه (1/ 18). ومعناه أنه إذا كان جمع المذكر ينصب بالفتحة فكيف يحمل عليه نصب جمع المؤنث بالكسرة؟.
(2)
بقيته: يكسر في الجر وفي النصب معا. (انظر باب المعرب والمبني في الألفية).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالألف والتاء، ولا شك أن قضاة وأبيات إنما جمعيتهما بالصيغة؛ لأنهما جمعا تكسير وليست بالألف والتاء، بخلاف مسلمات؛ فإن الجمعية فيه إنما هي بالألف والتاء.
نعم لو علقنا الباء بمحذوف على معنى: وما جمع مصحوبا بألف وتاء لورد نحو قضاة وأبيات [1/ 63].
وكأن المصنف في التسهيل خشي من هذا فدفع الوهم بذكر قيد الزيادة، ولو قال: والجمع بألف وتاء، وقصد تعليق الباء بلفظ الجمع لاستغنى عن ذلك؛ فكلامه في المصنفين صحيح، رحمه الله تعالى ورضي عنه.
ولم يتعرض المصنف لتأنيث واحد هذا الجمع ولا لسلامة نظمه؛ لأن هذا الجمع قد يكون لمذكر كحسامات ودريهمات وأَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (1)، وقد لا يسلم فيه نظم الواحد: كتمرات وغرفات وكسرات (2).
وأشار المصنف بقوله: وإن سمّي به فكذلك إلى أنه إذا سمي بهذا النوع الذي تنوب فيه الكسرة عن الفتحة، فله بعد التسمية به ثلاثة أحوال (3):
الأول: ثبوت تنوينه ونصبه بالكسرة، كما كان قبل التسمية. وإليها أشار بقوله:
فكذلك. قال المصنف: «لأنه سلك بمسلمات ونحوه سبيل مسلمين ونحوه، فقوبل بالتنوين النون، ولولا قصد هذه المقابلة لساوى عرفات عرفة في منع التنوين والكسرة؛ لتساويهما في التعريف والتأنيث، مع زيادة ثقل عرفات
بعلامة الجمعية».
الحالة الثانية: حذف تنوينه مع بقاء الإعراب على حاله اكتفاء بتقابل الكسرة والياء، فيقال: هذه عرفات ورأيت عرفات ومررت بعرفات.
وفهمت هذه الحالة من قوله: والأعرف حينئذ بقاء تنوينه. وأفهم كلامه: أن حذف التنوين قليل.
الحالة الثالثة: معاملته معاملة الاسم الذي لا ينصرف، فيحذف تنوينه وينصب ويجر بالفتحة، وإليه أشار بقوله: كأرطاة علما أي كواحد زيد في آخره ألف وتاء -
(1) سورة البقرة: 197.
(2)
عين الجمع في الأول والثالث مفتوحة، وفي الثاني مضمومة، وهي ساكنة في مفرد كلّ. وهذا هو عدم السلامة.
(3)
انظر شرح التسهيل (1/ 42).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كأرطاة وسعلاة وبهماة. ونقل المصنف أن هذه الأحوال الثلاثة لغات للعرب (1).
ثم ها هنا تنبيهات:
الأول: ذهب الأخفش والمبرد إلى أن الفتحة في الاسم الذي لا ينصرف حال الجر، والكسرة في المجموع بالألف والتاء حال النصب، حركتا بناء وأن هذين الاسمين لهما حالتان: حالة إعراب وحالة بناء، وهو مذهب مرغوب عنه والجمهور على خلافه (2).
الثاني: نقل الشيخ أن الكوفيين يجيزون نصب ما جمع بألف وتاء بالفتحة، فقيل: سواء أكان تامّا نحو: استأصل الله عرقاتهم (3) أم ناقصا نحو: سمعت لغاتهم، وقيل: إنما يجوز في الناقص فقط.
الثالث: ناقض الشيخ المصنف في شيئين (4):
(1) انظر: شرح التسهيل (1/ 42).
(2)
حققت هذا الرأي الذي نسبه ناظر الجيش للمبرد، فلم أجده فيما اطلعت عليه من كتبه؛ بل إن المبرد يقول بعكسه، ويوافق الجمهور في إعراب جمع المؤنث السالم. وقد قال بهذا محقق كتاب المقتضب (3/ 331)، يقول الشيخ محمد عضيمة: «تحدث المبرد في غير موضع من
المقتضب عن إعراب جمع المؤنث السالم، وكان حديثا صريحا في أنه معرب في كل أحواله، فيقول هنا: واستوى خفضه ونصبه كما استوى ذلك في مسلمين».
وقال المبرد في الجزء الأول (ص 7): «فإذا أردت رفعه قلت: مسلمات فاعلم ونصبه وجره مسلمات يستوي الجر والنصب كما استويا في مسلمين» .
وقال الشيخ: «إن ابن جني هو الذي نسب إلى المبرد هذا الرأي في سر الصناعة (ص 428)، وإن هذا الزعم نظير ما نسب إليه فيما سبق من أن الممنوع من الصرف مبني في حالة الجر» . والسبب في نسبة ناظر الجيش هذا الرأي لهذين العالمين هو متابعته لأبي حيان إمامه، وانظر التذييل والتكميل (1/ 148).
وانظر في رأي الأخفش أيضا الهمع (1/ 19) وحاشية الصبان (1/ 92).
(3)
مثل من أمثال العرب، يقال في الدعاء على الواحد أو الجماعة ومعناه: قطع الله أصله (انظر مجمع الأمثال: 1/ 107).
وهو فيما ذكره الشارح جمع مؤنث بكسر أوله وسكون ثانيه، وقد نصب بالفتحة على المذهب المذكور، كما ضبط بفتح أوله وثانيه أيضا. وقيل: هو مفرد مؤنث مثل سعلاة.
(4)
انظر: التذييل والتكميل (1/ 156).
(5)
الحالة الثالثة من الأحوال التي ذكرها.