الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مفسّر ضمير الغائب وتأخيره جوازا]
قال ابن مالك: (وقد يقدّم الضّمير المكمّل معمول فعل أو شبهه على مفسّر صريح كثيرا إن كان المعمول مؤخّر الرّتبة، وقليلا إن كان مقدّمها، وشاركه صاحب الضّمير في عامله).
ــ
ثم ها هنا تنبيهان:
ناقش الشيخ المصنف في تمثيله بقوله تعالى: هِيَ راوَدَتْنِي (1)، ويا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ (2) لما لم يذكر مفسره، قال:
الثاني: لم يجعل ابن عصفور الضمير في: عندي درهم ونصفه - عائدا على نظير المذكور كما قال المصنف؛ بل جعله عائدا على الدرهم المذكور باعتبار اللفظ، لا باعتبار المعنى، وكذا جعل الضمير في: نصفه فقد، وفي: ونحن
خلعنا قيده (5).
قال ناظر الجيش: قد تقدم الإعلام بأن مفسر الضمير قد يؤتى به مؤخرا عن الضمير، وإن كان ذلك على خلاف الأصل (6).
وينبغي أن يعلم أن الضمير منه ما يفسره ما بعده، فعلى هذا يكون تأخير المفسر في هذا القسم واجبا لا لأمر اقتضى وجوب تأخيره؛ بل لأن من الضمير ما وضعه أن يفسره ما بعده.
إذا تقرر هذا فيقال: إن تأخير المفسر منه واجب ومنه جائز.
وقد بدأ بذكر مواضع الجواز، وثنى بذكر مواضع الوجوب، وإذا عرفت مواضع -
(1) سورة يوسف: 26.
(2)
سورة القصص: 26.
(3)
سورة يوسف: 25.
(4)
التذييل والتكميل (2/ 253).
(5)
انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 100). وقد وقع لي ما رآه ابن عصفور في مرجع هذه الضمائر وأنا أقرأ هذه الأمثلة، وكنت سأذكره إلا أنني وجدت النحوي الكبير سبقني به.
وفي نسخة الأصل كتب هنا: بلغت قراءة.
(6)
تقدم الإعلام بذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القسمين علم أن ما عداها باق على الأصل، فيمتنع فيه التأخير.
أما مواضع الجواز:
فاعلم أن المفسر [1/ 172] المؤخر إما أن يكون رتبته التقديم، وإما أن يكون رتبته التأخير، فهما قسمان:
أما القسم الأول: فإليه الإشارة بقوله: ويقدّم الضّمير المكمّل إلى قوله: إن كان المعمول مؤخر الرّتبة؛ لأن المعمول الذي اتصل به الضمير إذا كان مؤخر الرتبة كان المفسر عن ذلك الضمير مقدم الرتبة. ومراده أنه يجوز تأخير المفسر كثيرا إذا كان الضمير مكملا معمول فعل، ورتبة ذلك المعمول التأخير عن المفسر المؤخر في اللفظ، ويدخل تحت هذه العبارة صور وهي:
ضرب غلامه زيد (1)، وغلامه ضرب زيد، وضرب غلام أخيه زيد (2)، وغلام أخيه ضرب زيد، وما أراد أخذ زيد (3)، وضرب جارية يحبّها زيد (4).
لأن المضاف إليه يكمل المضاف، ومعمول الصلة يكمل الموصول، كما يكمل ما بفاعل أراد الممثل به، ومعمول الصفة يكمل الموصوف كما يكمل جارية بفاعل يحبها.
ونظير المثال الأول (5) قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (6).
ونظير الثاني (7) قول العرب: في بيته يؤتى الحكم (8)، وشتّى تؤوب -
(1) في هذا المثال مفسر الضمير هو زيد، وموقعه من الإعراب فاعل، ومرتبة الفاعل التقديم، ومعمول الضمير هو غلام؛ حيث أضيف إليه وبإضافته إليه صار مكملا له، وموقعه مفعول به. ومرتبته التأخير عن الفاعل، والعامل في المفسر وفيما أضيف إليه الضمير واحد وهو الفعل المقدم، والمثال الذي بعده يشبهه.
(2)
لا يفترق عن الأولين، غير أن المفعول مضاف إلى مضاف إلى الضمير.
(3)
في هذا المثال مفسر الضمير هو زيد أيضا، والضمير فاعل أراد، وجملة أراد صلة الموصول وهو ما مفعول، والأصل فيه التأخير، والعامل في المفسر هو العامل في المفعول.
(4)
في هذا المثال جملة يحبها التي بها الضمير صفة لجارية، والصفة تكمل الموصوف والموصوف هو المفعول.
(5)
وهو قوله: ضرب غلامه زيد بتقديم الضمير على مفسره، مع تأخير عامله عن العامل.
(6)
سورة طه: 67.
(7)
وهو قوله: غلامه ضرب زيد بتقديم الضمير على العامل والمفسر معا.
(8)
مثل من أمثال العرب حكوه على لسان الحيوان، وأصله كما في مجمع الأمثال (2/ 442): أن أرنبا وثعلبا احتكما إلى ضب وهو في جحره، فطلبا منه الخروج إليهما، فقال المثل. ويضرب لمن يريد شيئا فالواجب أن يذهب إليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحلبة (1).
فإن: في بيته في موضع نصب بيؤتى، والهاء عائدة على الحكم، وقد تقدما على العامل والمفسر. وشتى حال من الحلبة، وفيها ضمير عائد عليهم، وقد تقدم على العامل والمفسر.
قال المصنف: «والكوفيّون لا يجيزون مثل هذا، وسماعه من فصحاء العرب صحيح؛ فهو حجة عليهم» (2).
ونظير المثال الرابع (3) قول الشاعر:
268 -
شرّ يوميها وأغواه لها
…
ركبت عنز بحدج جملا (4)
لأن شر يوميها ظرف لركبت.
ونظير المثال الخامس (5) قول رجل:
269 -
ما شاء إن شاء ربّي والّذي هو لم
…
يشأ فلست تراه ناشئا أبدا (6)
-
(1) مثل من أمثال العرب. وأصله في مجمع الأمثال (2/ 150):
أن الحلبة يوردون إبلهم، وهم مجتمعون، فإذا صدروا تفرقوا، والمثل يضرب في اختلاف الناس وتفرقهم في الأخلاق.
(2)
انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (1/ 158): هل يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها.
قال ابن الأنباري: ذهب الكوفيّون إلى أنّه لا يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها مع الاسم الظّاهر، نحو: راكبا جاء زيد. ويجوز مع الضّمير نحو: راكبا جئت، وذهب البصريّون إلى أنّه يجوز تقديم الحال مع العامل فيها على الاسم الظّاهر والمضمر .... ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين.
(3)
وهو قوله: غلام أخيه ضرب زيد.
(4)
البيت من بحر الرمل، قاله بعض شعراء جديس، وقد سبق الاستشهاد به.
وشاهده هنا قوله: شرّ يوميها وأغواه لها - ركبت عنز. حيث فسر الضمير بمتأخر في اللفظ وجاز ذلك لأن الضمير مكمل لمعمول فعل. والتقدير: ركبت عنز في شر يوميها.
(5)
وهو قوله: ما أراد أخذ زيد. ولم يمثل المصنف وتبعه الشارح للمثال الثالث والسادس من كلام العرب. وأدرج أبو حيان الثالث في الرابع (التذييل والتكميل: 2/ 259) وانظر ذلك التقسيم في شرح التسهيل (1/ 160) وما بعدها.
(6)
البيت من بحر البسيط، وهو من الحكم. ومفرداته ومعناه واضحان، وإن كان قائله مجهولا.
والشاهد فيه قوله: ما شاء إن شاء ربي؛ حيث تقدم الضمير على مفسره، وجاز هذا لأن الضمير في معمول فعل عمل في المفسر وهو ليس فيه صراحة وإنما في الصلة ومعمول الصلة يكمل الموصول. والبيت -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال الضمير المكمل معمول شبه الفعل قولك: هند ضارب غلامه زيد من أجلها، ومررت بامرأة ضارب غلامه أخوها.
ولا أعلم ممّاذا احترز بقوله: صريح.
وأما القسم الثاني: فإليه الإشارة بقوله: قليلا إن كان مقدّمها، أي: ويقدم الضمير المكمل معمول فعل أو شبهه على مفسر صريح قليلا إن كان المعمول مقدم الرتبة؛ لأن المعمول المكمل بالضمير إذا كان مقدم الرتبة كان المفسر الذي أخر عن ذلك الضمير مؤخر الرتبة، أي: واقع في رتبته التي هو فيها.
ومراده: أن تقديم الضمير على مفسره إذا كان بهذه الحيثية يقل لما يلزم منه من عود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة؛ بخلاف القسم الأول؛ فإنه وإن عاد فيه الضمير على متأخر في اللفظ، فهو متقدم في الرتبة.
ومثال ذلك قول حسان بن ثابت رضي الله عنه يرثي مطعم بن عدي:
270 -
ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا
…
من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما (1)
[1/ 173] وقال غيره:
271 -
كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد
…
ورقّى نداه ذا النّدى في ذرا المجد (2)
-
- في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 160)، والتذييل والتكميل (2/ 260)، وليس في معجم الشواهد.
(1)
البيت من بحر الطويل، من مقطوعة لحسان بن ثابت يرثي فيها مطعم بن عدي، ومناسبتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يطوف بالكعبة فخشي أذى قريش بعد وفاة عمه أبي طالب، فأرسل إلى نفر من قريش ليجيره فلم يفعلوا، فأرسل إلى المطعم بن عدي، فأجاره هو وبنوه حتى طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إن المطعم هذا هلك، فقال حسان يرثيه ويذكر وفاءه للنبي عليه السلام (الديوان: ص 243).
ويستشهد النحاة بهذا البيت وما بعده على عود الضمير من الفاعل على مفسر متأخر في اللفظ والرتبة وهو المفعول به.
ويمنع النحاة - إلا بعضهم - مثل هذا البيت مما فيه عود الضمير من الفاعل إلى المفعول، وذلك لعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة. وفي البيت وما بعده كلام كثير في الشرح.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 160)، وفي التذييل والتكميل (2/ 260) وما بعدها، وفي معجم الشواهد (ص 329).
(2)
البيت من بحر الطويل، وهو في المدح بالحلم والكرم، ولم أعثر على قائله.
اللغة: كسا: من الكسوة، ويكون في الملبوسات أصلا. حلمه: الحلم الأناة والعقل. والسؤدد: المجد والسيادة. رقّى: جعله يرقى أي يصعد. النّدى: الكرم. ذرا: الذرا جمع ذروة وهي أعلى الشيء. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال آخر:
272 -
لمّا رأى طالبوه مصعبا ذعروا
…
وكاد لو ساعد المقدور ينتصر (1)
وقال آخر:
273 -
لقد جاز من يعنى به الحمد إن أبى
…
مكافأة الباغين والسّفهاء (2)
وقال آخر:
274 -
وما نفعت أعماله المرء راجيا
…
جزاء عليها من سوى من له الأمر (3)
وأنشد ابن جني:
275 -
ألا ليت شعري هل يلومنّ قومه
…
زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب (4)
-
- والمعنى: صاحب الحلم يسود قومه لعفوه عنهم، وكذلك الكريم لجوده عليهم.
وشاهده: كما في البيت قبله: عود الضمير من الفاعل (حلمه) إلى المفعول (ذا الحلم).
والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 260)، وفي معجم الشواهد (ص 110).
(1)
البيت من بحر البسيط قائله - كما في مراجعه - أحد أصحاب مصعب بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما يرثي به مصعبا لما قتل سنة (70 هـ).
اللغة: ذعروا: خافوا وفزعوا. المقدور: القدر. المعنى: يصف الشاعر حال أولئك الذين قتلوا مصعبا وأنهم ندموا على ما فعلوا؛ بل إن مصعبا كان على وشك أن ينتصر عليهم، وفيه كما في البيت قبله من شاهد.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 260)، وفي معجم الشواهد (ص 163).
(2)
البيت من بحر الطويل، ولم يرد في معجم الشواهد، وقد ورد في شروح التسهيل غير منسوب.
المعنى: يدعو الشاعر الإنسان أن يكون جازيه على عمله الله سبحانه وتعالى؛ فيحمده وحده على كل حال، ولا ينتظر مكافأة غيره من الناس، فكثير منهم ينكر الخير.
والشاهد فيه قوله: لقد جاز من يعنى به الحمد؛ حيث عاد الضمير من المفعول وهو الاسم الموصول إلى الفاعل وهو الحمد، والضمير هنا ليس في المفعول نفسه، ولكنه في صلته.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 261).
(3)
البيت من بحر الطويل، وهو من الحكم، حيث يقول صاحبه: لا تنفع أعمال الإنسان إذا قصد بها غير الله سبحانه وتعالى: فالواجب أن
يقصد المرء بعمله الله فقط. وهذا البيت شاهده كما في الأبيات قبله من عود الضمير من الفاعل إلى المفعول في قوله: وما نفعت أعماله المرء.
وهذ البيت مما اختص به شرح التسهيل لناظر الجيش، فلم يرد في معجم الشواهد، ولا ورد في شرح ابن مالك أو أبي حيان.
(4)
البيت من بحر الطويل، قائله أبو جندب بن مرة الهذلي، كما في مراجعه وكما في ديوان الهذليين (ص 87) من القسم الثالث. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأنشد أيضا:
276 -
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر
…
وحسن فعل كما يجزى سنمّار (1)
قال المصنف (2): «والنّحويون إلا أبا الفتح يحكمون بمنع مثل هذا، والصحيح جوازه لوروده عن العرب في الأبيات المذكورة وغيرها، ولأن جواز نحو: ضرب غلامه زيدا أسهل من جواز نحو: ضربوني وضربت الزّيدين، ونحو: ضربته زيدا على إبدال زيد من الهاء.
وقد أجاز الأول البصريون (3) وأجيز الثاني بإجماع حكاه ابن كيسان (4). -
- ومعنى البيت: يقول أبو جندب: على قوم زهير أن يلوموا زهيرا؛ فإنه السبب في إيذائي لهم واعتدائي عليهم.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 261)، وفي معجم الشواهد (ص 56).
ترجمة أبي جندب: هو أبو جندب بن مرة، أحد شعراء هذيل المعدودين، وهو أخو عروة وأخو خويلد بن مرة المشهور بأبي خراش الذي سبقت ترجمته.
وانظر ترجمة أبي جندب وأخباره في الشعر والشعراء (2/ 668).
(1)
البيت من بحر البسيط، قائله سليط بن سعد كما في مراجعه. ولم تذكر مراجعه بيتا قبله أو بيتا بعده.
اللغة: أبا الغيلان: بكسر الغين كنية رجل آذوه بنوه وأهله. سنمّار: رجل رومي بنى قصر الخورنق للنعمان بن امرئ القيس ملك الحيرة بظاهر الكوفة، فلما فرغ من بنائه ألقاه النعمان من أعلى القصر؛ لئلا يبني مثله لغيره فخر ميتا، فصار مثلا عند العرب لسوء المكافأة. والشاهد والمعنى واضحان.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 261)، وفي معجم الشواهد (ص 164).
(2)
أي في شرح التسهيل (1/ 161).
(3)
المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (1/ 58): أيّ العاملين في التّنازع أولى بالعمل؟ قال ابن الأنباري: «ذهب الكوفيّون في إعمال الفعلين نحو أكرمني وأكرمت زيدا، وأكرمت وأكرمني زيد - إلى أنّ إعمال الفعل الأول أولى، وذهب البصريّون إلى أنّ إعمال الفعل الثّاني أولى» . ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين.
وقد نقد أبو حيان المصنف في هذا الدليل قائلا: «لا تنظّر مسألة: ضرب غلامه زيدا بمسألة: ضربوني وضربت الزّيدين؛ لأن الأخيرة خارجة عن القياس في مسائل استثنيت بتأخّر مفسر الضّمير فيها، وما كان خارجا عن القياس لا يقاس عليه ولا يشبّه به» (التذييل والتكميل: 2/ 261).
(4)
شرح التسهيل (1/ 161)، وحاشية الصبان (1/ 61).
ونقده أبو حيان أيضا في هذا الدليل قائلا: «لا إجماع في المسألة، بل فيها خلاف: ذهب الأخفش إلى جواز ذلك، وذهب غيره إلى أنّه لا يجوز» .
ثم قال: «وكثيرا ما يدّعي المصنّف الإجماع فيما فيه الخلاف» (المرجع السابق).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكلاهما فيه ما في: ضرب غلامه زيدا، من تقديم ضمير على مفسّر مؤخر الرتبة؛ لأن مفسر واو ضربوني معمول معطوف على عاملها، والمعطوف ومعموله أمكن في استحقاق التّأخر من المفعول بالنسبة إلى الفاعل؛ لأن تقديم المفعول على الفاعل يجوز في الاختيار كثيرا، وقد يجب (1)، وتقديم المعطوف وما يتعلق به على المعطوف عليه بخلاف ذلك، فيلزم من أجاز: ضربوني وضربت الزّيدين - أن يحكم بأولية جواز: ضرب غلامه زيدا لما ذكرناه.
وكذلك يلزم من أجاز إبدال ظاهر من مضمر لا مفسر له غيره نحو: ضربته زيدا، واللهمّ صلّ عليه الرءوف الرحيم؛ لأن البدل تابع والتابع مؤخر بالرتبة، ومؤخر في الاستعمال على سبيل اللزوم، والمفعول ليس كذلك؛ إذ لا يلزم تأخره» انتهى (2).
وقال في شرح الكافية: الفعل المتعدّي يدلّ على فاعل ومفعول؛ فشعور الذهن بهما مقارن لشعوره بمعنى الفعل، فإذا افتتح كلام بفعل ووليه مضاف إلى ضمير - علم أن صاحب الضمير فاعل إن كان المضاف منصوبا، ومفعول إن كان المضاف مرفوعا، فلا ضرر في تقديم الفاعل المضاف إلى ضمير المفعول، كما لا ضرر في تقديم المفعول المضاف إلى ضمير الفاعل (3).
قال الشيخ (4): «وأجاز ذلك قبل أبي الفتح من الكوفيّين أبو عبد الله الطّوال» (5).
(1) مثال تقديم المفعول جوازا في الاختيار قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ [القمر: 41] ومثال تقديمه وجوبا مسائل:
منها: اشتمال الفاعل على ضمير يعود عليه، كقوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ [البقرة: 124].
ومنها: حصر المفعول في الفاعل، كقول الشاعر (من الطويل):
تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة
…
فما زاد إلّا ضعف ما بي كلامها
(2)
شرح التسهيل (1/ 162).
(3)
انظر نصه في شرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 585، 586) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي (جامعة أم القرى - مكة المكرمة) وبعده قال: وكلاهما وارد عن العرب.
(4)
أي في التذييل والتكميل (2/ 265)، وكذلك الأشموني على الألفية (2/ 59).
(5)
بتخفيف الطاء والواو، والطاء مضمومة. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى (1).
ومثال الضمير المكمل معمول شبه الفاعل في هذا القسم قولك: هند ضارب غلامه زيدا من أجلها [1/ 174].
وأما قول المصنف: وشاركه صاحب الضّمير في عامله - فهو قيد في جواز المسألة والمعنى، وشارك المعمول للفعل أو شبهه صاحب الضمير أي المفسر في عامله، أي: ويكون صاحب الضمير معمولا للعامل الذي عمل في المعمول المكمل بالضمير كالأمثلة المتقدمة (2).
فلو لم تحصل المشاركة المذكورة لم يجز التقديم؛ نحو: ضرب غلامها جار هند؛ لأن هند مؤخر الرتبة من جهتين (3). ولا تعلق لها بضرب بخلاف ضرب غلامها هندا؛ فإن صاحب الضمير في هذا المثال قد شارك المكمل بالضمير في عامله، وصاحب الضمير في المثال الأول وهو ضرب غلامها جار هند - غير مشارك له في العامل.
وهذا بخلاف ما إذا كان المعمول المكمل بالضمير مؤخر الرتبة؛ فإنه لا يشترط مشاركة صاحب الضمير له في العامل، فيجوز أن يقال: ضرب غلامها جار هند، ومنهم من منع التقديم في ذلك أيضا.
فعلى هذا إذا اتصل الضمير العائد على الفاعل بالمفعول، فقد يشارك الفاعل المفعول في العامل وقد لا يشاركه.
وإذا اتصل الضمير العائد على المفعول بالفاعل، فقد يشارك المفعول الفاعل في العامل، وقد لا يشاركه أيضا. فالصور أربع: -
- وأبو عبد الله الطوال: هو محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي، من أهل الكوفة، أحد أصحاب الكسائي، حدث عن الأصمعي وقدم
بغداد، وسمع عنه أبو عمرو الدوري المقرئ.
قال ثعلب عنه: كان حاذقا بإلقاء العربية. توفي سنة (243 هـ). (انظر ترجمته في بغية الوعاة: 1/ 50).
(1)
التذييل والتكميل (2/ 265).
(2)
المعنى أن يكون عاملهما واحدا، أي عامل المفسر وعامل المضاف إليه الضمير مثل: ضرب غلامه زيد.
(3)
الأولى: أنها مضاف إليه والمضاف إليه مؤخر في الرتبة عن المضاف.
الثانية: أن المضاف إليها مفعول وهو مؤخر في الرتبة عن الفاعل.
ويضاف إلى علة المنع ما ذكره الشارح من اختلاف الفاعل.