الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية (1).
وكان ناظر الجيش معتدلا في هذا الجانب واستشهد بالقراءات الواردة كلها، متواترها وشاذها، من ذلك قوله:
اختار المصنف جواز قراءة ابن عامر
…
قتل أولادهم شركائهم [الأنعام: 137]، وقال أبو حيان: «هو الصحيح وإن
كان أكثر النحويين لا يجيزونه في الكلام وذكروا أنه مختص بالشعر».
قال ناظر الجيش: «وهو كلام حسن صادر عن حسن الاعتقاد صحيح الاستمساك حافظ لنظام الشريعة المطهرة
…
».
ثالثا: الحديث الشريف:
اختلفت نظرة اللغويين والنحاة إلى الحديث الشريف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعل بعضهم يستشهدون به في قضاياهم، وبعضهم الآخر يستبعدونه فلا يستندون إليه في إثبات ألفاظ اللغة، ووضع قواعدها. قال العلامة السكندري:«مضت ثمانية قرون والعلماء من أول أبي الأسود الدؤلي إلى ابن مالك لا يحتجون بلفظ الحديث في اللغة إلا الأحاديث المتواترة» (2).
وقضية الاستشهاد بالحديث الشريف قد أخذت على يد ابن مالك اهتماما لم يتحقق لها من قبل. وجاء أبو حيان فأشعلها - كما يقولون - ثورة، وقال في ابن مالك ما قال. وهيأ الله لابن مالك من القوم من يردّ إليه حقه فكان ناظر الجيش تلميذ أبي حيان.
ونرى أن نبرز للبحث والباحثين تلك النصوص التي وردت بين ابن مالك، وأبي حيان، وناظر الجيش في هذه القضية.
(1) الاقتراح (ص 49).
(2)
مجلة مجمع اللغة العربية (1/ 299).
ونودّ أن نقرر أولا أن ناظر الجيش كان يجلّ شيخه، ويوقره، لكن لمّا وقع من الشيخ ما وقع، رد عليه الناظر بنية إحقاق الحق وتقرير الصواب.
نصّ ردّ أبي حيان على ابن مالك في استشهاده بالحديث:
قال أبو حيان (1): «فأما استدلاله بالأثر فنقول: قد لهج هذا المصنف في تصانيفه كثيرا بالاستدلال بما وقع في الحديث في إثبات القواعد الكلية في لسان العرب بما روي فيه، وما رأيت أحدا من المتقدمين، ولا المتأخرين سلك
هذه الطريقة غير هذا الرجل؛ على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب - كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي، والفراء، وعلي بن مبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين - لم يفعلوا ذلك، وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين، وغيرهم من نحاة الأقاليم، كنحاة بغداد وأهل الأندلس.
وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء، فقال: إنما ترك العلماء ذلك؛ لعدم وثوقهم أن ذلك نفس لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن الرواة جوّزوا النقل بالمعنى. قال: وقد وقع اللحن كثيرا في ما روي في الحديث؛ لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في نقلهم وهم لا يعلمون. وأطال الكلام في ذلك إلى أن قال: إن المصنف يستدل بالآثار متعقبا بزعمه على النحويين، وما أمعن النظر في ذلك ولا صحب من [له] التمييز في هذا الفنّ والاستبحار والإمامة؛ ولذلك تضعف استنباطاته من كلام سيبويه، وينسب إليه مذاهب، ويفهم من كلامه مفاهيم لم يذهب سيبويه إليها، ولا أرادها.
وقال لي قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي، وكان ممن قرأ على المصنف وقد جرى ذكر ابن مالك واستدلاله بما أشرنا إليه، قال:
(1) انظر ذلك في باب عوامل الجزم (آخر الباب) في شرح التسهيل لناظر الجيش.
قلت: يا سيدي هذا الحديث روته الأعاجم، ووقع فيه بروايتهم ما تعلم أنه ليس من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يجب بشيء. قال: وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة؛ لئلا يقول مبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما ورد في الحديث بنقل العدول كالبخاري، ومسلم وأضرابهما؟! فإذا طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث» (1) انتهى.
ردّ ناظر الجيش على شيخه أبي حيان في هذه القضية:
قال ناظر الجيش: وأقول: أما إنكاره على المصنف الاستدلال بما ورد من الأحاديث الشريفة معتلّا لذلك بأن الرواة جوزوا النقل بالمعنى:
فيقال فيه: لا شك أن الأصل في المروي أن يروى باللفظ الذي سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، والرواية بالمعنى وإن جازت فإنما تكون في بعض كلمات الحديث المحتمل لتغيير اللفظ بلفظ آخر يوافقه معنى؛ إذ لو جوزنا ذلك في كل ما يروى لارتفع الوثوق من جميع الأحاديث بأنها هي بلفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا
أمر لا يجوز توهمه فضلا عن أن يعتقد وقوعه. ثم إن المصنف إذا استدل على مسألة بحديث لا يقتصر على ما في الحديث الشريف؛ بل يستدل بكلام العرب من نثر، ونظم، ثم يردف ذلك بما في الحديث إما تقوية لما ذكره من كلام العرب، وإما استدلالا على أن المستدل عليه لا يختص جوازه بالشعر؛ بل إنه يجوز في الاختيار أيضا. ولا يخفى عن اللبيب أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه في ابن صياد:«إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» يبعد فيه أن يكون مغيرا، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:«إنّ الله ملّككم إيّاهم ولو شاء ملّكهم إيّاكم» .
وبعد: فرحمهم الله تعالى بمنه، وكرمه (2).
(1) شرح التسهيل لناظر الجيش (باب عوامل الجزم) وانظره في التذييل في الجزء الخامس ورقة (72)(مخطوط) والاقتراح (ص 52).
(2)
تمهيد القواعد باب عوامل الجزم.