الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[زمن الفعل المضارع]
قال ابن مالك: (والمضارع صالح له وللحال ولو نفي بلا؛ خلافا لمن خصّها بالمستقبل).
ــ
أحد موضوعيه ويتخلص له بقرائن؛ لكن ذكره غير مناسب أيضا؛ لأن الصيغة عند اقتضاء الطلب بها، خرجت عن موضوعها الأصلي وهو الخبر إلى معنى آخر وهو الطلب.
قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الأمر مستقبل وأنه لازم له الاستقبال، قال:
والمضارع صالح له وللحال. أي للاستقبال وللحال، فبين أنه يجوز أن يراد به كل واحد من الزمانين. وهو رد على من خصه بالاستقبال، وعلى من خصه بالحال.
واعلم أن المذاهب في المضارع، بالنسبة إلى كونه مستقبلا أو حالا أو مشتركا بين الزمانين، أو حقيقة في أحدهما، مجازا في الآخر - خمسة.
فمنهم من ذهب إلى أنه مستقبل، وأنكر أن يكون للحال وهو مذهب الزجاج (1).
واستدل بأمرين:
أحدهما: أن زمن الحال لقصره لا يتسع للنطق بالفعل؛ لأنك بقدر ما تنطق بحرف منه، صار الزمان ماضيا.
الآخر: أن فعل الحال لو كان موجودا في كلامهم، لكانت له بنية تخصه؛ إذ لا يوجد شيء في كلامهم إلا وله لفظ يخصه. وقد يكون له مع ذلك لفظ يشترك فيه مع غيره، نحو: جون؛ فإنه يقع على الأبيض والأسود (2) ويخص أحدهما لفظ الأبيض، والآخر لفظ الأسود. -
(1) هو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق، كانت مهنته خرط الزجاج قبل النحو وبعده. ومن هنا لقب بالزجاج. تعلم على المبرد وكان يعطيه كل يوم أجرة تعليمه من كسبه فوق خدمته، وظل كذلك حتى بلغ من العلم مبلغا كبيرا، فاستقل بنفسه وأرسله المبرد إلى أولاد بعض الأمراء ليعلمهم.
كان من أهل الدين والفضل والتقوى، عاش نحوا من سبعين سنة حيث توفي سنة (310 هـ).
مؤلفاته: إعراب القرآن، وهو مطبوع ببيروت منسوبا إليه، وله أيضا: سر النحو وهو مخطوط صغير بدار الكتب المصرية، وله: ما ينصرف وما لا ينصرف، وهو مطبوع مشهور، وفي معهد المخطوطات ميكروفيلم تحت عنوان: شرح شواهد الزجاج لابن هشام. وذكر السيوطي له مؤلفات أخرى غير ذلك.
انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 411)، وانظر رأيه هذا في التذييل والتكميل (1/ 81) والهمع (1/ 7).
(2)
في نسخة (ب): فإنه يقع للأسود والأبيض.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وردّ الأول: بأن زمان الحال عند النحويين، ليس بالآن الفاصل بين الماضي والمستقبل وإنما هو الماضي غير المنقطع.
[1/ 35] وقال المصنف: «كثير من الناس يعتقدون أن الحال هو المقارن وجود معناه لوجود لفظه. وليس كذلك؛
بل مقصود النحويين أنّ الحال ما قارن وجود لفظه وجود جزء من معناه، كقولنا: هذا زيد يكتب، فيكتب هنا: حال، ووجود لفظه مقارن لوجود بعض الكتابة لا جميعها. وعبر بالحال عن اللّفظ الدالّ على الجميع؛ لاتصال أجزاء الكتابة بعضها ببعض» (1).
ورد الثاني (2) بأنه قد وجد ذلك في كلامهم، وهو رائحة؛ فإنها تقع على جميع الروائح وليس لها اسم إلا ذلك اللفظ المشترك.
فإن قيل: إنها تخصص بالإضافة، كرائحة المسك ورائحة العنبر.
قيل: وكذلك يفعل، يتخصص بالسين وسوف وبالآن، وما في معناها.
وفي هذا الرد الثاني نظر: فإن رائحة من قبيل اللفظ المتواطئ لا المشترك (3). ثم إن المنكرين لفعل الحال، منهم من أنكر زمانه أيضا محتجّا بأنه إن وقع، فهو ماض وإن لم يقع فهو مستقبل، ولا سبيل إلى ثالث.
والدليل على وجود زمن الحال: أن الموجود في محال وجوده لا بد له من زمان، وهو منحصر في الماضي والمستقبل، على ما زعمت، وهما معدومان ولا يتصور وجود موجود في زمن معدوم؛ فثبت زمن الحال. -
(1) انظر شرح التسهيل: (1/ 18) ومن تعليله في ذلك أيضا قوله:
لأن مدة وجود اللفظ لا تتسع لوجود معنى الفعل، وذكر أن المخبر بالفعل الماضي يتقدم شعوره بمضيه على التعبير عنه، والمخبر بالمستقبل يتقدم شعوره باستقباله على التعبير عنه. فكذا المخبر بالحال، لا بد من تقدم شعوره بحاليته على التعبير عنه. وذلك موجب لعدم المقارنة المتوهمة.
(2)
انظر التذييل والتكميل: (1/ 82).
(3)
المشترك: هو اللفظ الواحد الذي يطلق على عدة معان إطلاقا وضعيّا حقيقيّا، كإطلاق العين على الباصرة والبئر وغيرهما.
والمتواطئ: هو المتفق والألفاظ المتواطئة هي المتفقة في المعنى، ثم تخصص بالإضافة أو بالوصف. ومن أمثلتها كما مثل الشارح: لفظ رائحة، فإنها تطلق على كثير، ثم تخصص بالإضافة، فيقال: رائحة المسك ورائحة العنبر، ومن ذلك أيضا: لفظ الفعل؛ فإنه يطلق على أنواع ثم يتخصص بالزمان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والدليل على وجود فعل الحال أمران:
أحدهما: أنهم يقولون: نفعل الآن، في فصيح الكلام، ولا يقولون:
سنفعل الآن، إلا قليلا على طريق المجاز، وتقريب المستقبل من الحال، نحو قول الشاعر:
12 -
فإنّي غير خاذلكم ولكن
…
سأسعى الآن إذ بلغت إناها (1)
فلو كان نفعل للمستقبل، لما صلح معه الآن، كما لا يصلح ذلك مع سنفعل.
الآخر: قول الشاعر:
13 -
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
…
ولكنّني عن علم ما في غد عم (2)
-
(1) البيت من بحر الوافر من مقطوعة صغيرة، عدتها ثلاثة أبيات، وجدتها في ديوان عنترة بن شداد (ص 204).
اللغة: إناها: بكسر الهمزة منتهاها.
والاستشهاد بالبيت: على أن الشاعر جمع بين السين التي تجعل الفعل مستقبلا وبين لفظ الآن الذي للحال، وذلك قليل من باب المجاز وتقريب المستقبل من الحال.
والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (1/ 82) وهذا البيت من الأبيات التي اكتشفت قائلها.
ترجمة عنترة: هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي صاحب عبلة التي ألهبت حماسه في القتال، ولسانه في الشعر، كان ابن أمة سوداء، وأنكره أبوه صغيرا، ولما وجد شجاعته نسبه إليه وأعتقه، كان عنترة أشجع أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده، وقد شهد حرب داحس والغبراء، وحمدت مشاهده فيها، وله معلقة مشهورة سماها النقاد بالمذهبة وهي جيدة، وانظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 256)، خزانة الأدب (1/ 128).
(2)
البيت من بحر الطويل لزهير بن أبي سلمى من معلقته المشهورة التي تمتلئ بالحكم والمواعظ وتصور عادات العرب في الجاهلية وحروبهم والسّلام والصلح بينهم، وهي في ديوان زهير (ص 4).
والشاهد في البيت: أن الظروف المذكورة فيه ليست على حقيقتها، وإنما هي كناية عن الأزمنة الثلاثة.
والبيت ليس في التذييل والتكميل، وهو في معجم الشواهد (ص 361).
ترجمة زهير بن أبي سلمى: هو زهير بن ربيعة بن قرط المزني، من الشعراء المتقدمين في الجاهلية ولم يدرك الإسلام، وإنما أدركه ولداه كعب وبجير وأسلما. كان جيدا في شعره حتى كانت قصائده تسمى الحوليات لاعتنائه بها، وأجود شعره ما قاله في هرم بن سنان، أعجب عمر بن الخطاب بشعره، قال لأنه: كان لا يتبع حوشي الكلام ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه. وأعجب عمر بشعره في هرم بن سنان، فقال له أحد أولاده: إنا كنا نعطيه فنجزل، فقال له عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم.
انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (1/ 143).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووجه الدليل منه: أن هذه الثلاثة ليست على حقائقها وإلا اختل معنى البيت؛ لأنه لا يعلم من علم اليوم إلا ما هو
فيه. ولا فائدة في الاقتصار على أمس وغد؛ فإنه يعلم علم ما قبل الأمس، ويجهل علم ما بعد غد؛ فهي كنايات عن الأزمنة، فاليوم عما هو فيه والأمس عما مضى والغد عما يستقبل، والأفعال كنايات عن الأحداث بالنظر إلى الزمان؛ فينبغي إذا أن تكون ثلاثة.
ومنهم من ذهب إلى أن يفعل لا يكون إلا للحال حيث وقع وهو ابن الطراوة (1).
واستدل على ذلك بأنه لا يخبر بالمستقبل نحو سيفعل، عن المبتدأ إلا أن يكون عامّا أو مؤكدا بإن نحو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (2) ونحو قول الشاعر:
14 -
وكلّ أناس سوف تدخل بينهم
…
دويهية تصفرّ منها الأنامل (3)
فإن عري منها لم يجز؛ فيمتنع زيد سيفعل، وإذا قلنا زيد يفعل كان جائزا، فدل على أن يفعل حال.
فأما قولهم: زيد يفعل غدا فمعناه زيد ينوي الآن الفعل غدا. وشبهته في منع ذلك أنه مستقبل فلا يتصور الإخبار عنه؛ لأنه غير متحقق الوجود.
وقد أبطل مذهبه بورود نحو زيد سيفعل ولا توكيد ولا عموم، قال النّمر بن تولب (4): -
(1) هو أبو الحسين سليمان بن عبد الله المالقي المشهور بابن الطراوة. كان نحويّا وأديبا، سمع كتاب سيبويه من الأعلم وروى عنه السهيلي والقاضي عياض، له آراء في النحو خالف فيها جمهور النحاة منثورة في كتب النحو. ومن هنا عظمه بعضهم وعابه آخرون على هذه المخالفة.
لم نعثر له على مطبوع أو مخطوط إلا أن السيوطي ذكر له مؤلفات منها: الترشيح في النحو، المقدمات على كتاب سيبويه، عاش طويلا وتوفي سنة (528 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 602)، الأعلام (2/ 196).
(2)
سورة مريم: 96.
(3)
البيت من بحر الطويل للبيد بن ربيعة من قصيدة سبق الحديث عنها في الشاهد رقم (5).
وشاهده هنا: الإخبار بالمستقبل عن المبتدأ لكونه عامّا.
والبيت في التذييل والتكميل (1/ 83)، ومعجم الشواهد (ص 283).
(4)
هو النمر بن تولب العكلي شاعر جواد يسمى الكيس لحسن شعره، كان جاهليّا حتى أدرك الإسلام فأسلم ووفد على النبي عليه الصلاة والسلام؛ وقال له (من الرجز): -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
15 -
فلمّا رأته آمنا هان وجدها
…
وقالت أبونا هكذا سوف يفعل (1)
وقال آخر:
16 -
قضوا آجالهم فمضوا وكانوا
…
على وجه وأنت ستلحقينا (2)
وبقول الله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً (3)؛ لأن النفس تدري ما تنوي كسبه، إلا أنها لا تدري هل تكسبه أو لا.
[1/ 36] ويرد عليه أيضا قول سيبويه (4):
«وأمّا بناء ما لم يقع فقولك آمرا: اذهب واقتل واضرب، ومخبرا: يذهب ويقتل ويضرب» ، فهذا نص منه على أن يفعل للاستقبال.
ومذهب الجمهور: أن يفعل يكون للحال والاستقبال، وهل هو حقيقة فيهما فيكون مشتركا، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، ثلاثة مذاهب:
القول بالاشتراك مذهب الجمهور، وهو الصحيح وهو ظاهر كلام سيبويه؛ فإنه قال (5): «وأمّا الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى، -
-
إنّا أتيناك وقد طال السّفر
…
نقود خيلا دمّرا فيها عسر
كان لسانه كريما فلم يمدح أحدا ولم يهج أحدا، وشعره يشبه شعر حاتم الطائي. وهو القائل:
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت
…
أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي
هاجر إلى الكوفة وعاش هناك حتى بلغ مائة سنة، وخرف عقله في آخر حياته وألقي على لسانه، انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 315).
(1)
البيت من بحر الطويل من قصيدة للنمر بن تولب بدأها بالغزل ووصف حالته ونظرته إلى الحياة.
وانظر بيت الشاهد والقصيدة في ديوانه المحقق (ص 213).
والبيت: يرد مذهب ابن الطراوة وفيه يجوز الإخبار بالفعل المقترن بالسين أو سوف وإن لم يكن المبتدأ مؤكدا أو عامّا، والبيت في التذييل والتكميل:(1/ 83)، وفي حاشية الشيخ يس:(1/ 160)، وليس في معجم الشواهد.
(2)
البيت من بحر الوافر لم أعثر على قائله، وشاهده كالبيت السابق.
وهو في التذييل والتكميل: (1/ 84) وليس في معجم الشواهد أيضا.
(3)
سورة لقمان: 34.
(4)
انظر الكتاب: (1/ 12). ووجه الدليل في كلام سيبويه: عطفه الأخبار على الأمر والأمر مستقبل، فكذا يكون المضارع، وانظر كيف جعل
الشارح كلام سيبويه حجة ودليلا تاركا السماع والقياس.
(5)
انظر الكتاب: (1/ 12).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولما يكون ولم يقع، ولما هو كائن لم ينقطع».
وقال بعد ذلك (1): «وأمّا بناء ما لم يقع فقولك آمرا: اذهب، ومخبرا:
يذهب» ثم قال: «وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت» .
فكونه ذكر أنه مبني لهذا ولهذا دليل على الاشتراك.
ودليل مذهب الجمهور: أنه يقع على الحال تارة وعلى المستقبل تارة، ولم يقم دليل على أنه أظهر في أحدهما فكان مشتركا.
وقال المصنف (2): «لما كان بعض مدلول المضارع المسمّى حالا مستأنف الوجود أشبه المستقبل المحض في استئناف الوجود فاشتركا في صيغة المضارع اشتراكا وضعيّا فحكم بالاشتراك» .
وذهب الفارسي (3) إلى أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، وصححه الأبذي.
قالوا: ومستند الفارسي أن اللفظ إذا صلح للقريب والبعيد كان القريب أحق به؛ بدليل أنك تقول: أنا وزيد قمنا، وأنت وزيد قمتما؛ فتغلب المتكلم والمخاطب لقربهما، وزمن الحال أقرب من المستقبل فهو أحق» وفي هذا الاستدلال والتنظير أيضا نظر (4).
وذهب ابن طاهر (5) إلى أنه حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال. واستدلاله -
(1) المرجع السابق (الجزء والصفحة).
(2)
انظر شرح التسهيل: (1/ 18).
(3)
هذا هو المذهب الرابع من الخمسة في كون المضارع مستقبلا أو حالا أو مشتركا، والثاني من الثلاثة وهي: هل دلالة المضارع على الحال والاستقبال حقيقة أو مجازا.
وانظر في رأي الفارسي: التذييل والتكميل: (1/ 85) والهمع: (1/ 7).
(4)
أما النظر في الاستدلال فوجهه أن زمن الحال قصير؛ لأن الحال ما قارن وجود لفظه لوجود جزء من معناه، ثم يمتد المعنى بعد ذلك وهو الاستقبال الطويل، وأما النظر في التنظير فوجهه أن هذه قاعدة في الإخبار عند اجتماع الضمير مع الاسم الظاهر، فالواجب مراعاة أعرف الضمائر والأسماء؛ فالمتكلم أولا ثم المخاطب وهكذا.
(5)
هذا هو المذهب الأخير من الخمسة والثلاثة، وانظر فيه التذييل والتكميل:(1/ 81 - 86) والهمع: (1/ 7).
وابن طاهر: هو أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي المعروف بالخدبّ وهو الرجل الطويل، نحوي مشهور أيضا موصوف بالحذق والنبل، أستاذ لابن خروف وغيره، درس كتاب سيبويه لتلاميذه.
مصنفاته: له تعليقاته على كتاب سيبويه ضمنها ابن خروف شرحه عليه، قال السيوطي: وقفت على حواشيه على الكتاب بمكة المكرمة، كما ذكر أن له تعليقا على الإيضاح. توفي سنة (580 هـ)، انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 28).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ضعيف مردود [1/ 37] فلا نطول بذكره (1).
وأشار المصنف بقوله: ولو نفي بلا خلافا لمن خصّها بالمستقبل إلى أن المضارع وإن اقترن بلا النافية باق على صلاحيته للحال والاستقبال، ولا يتعين الحكم باستقباله وهذا مذهب الأخفش والمبرد (2).
قال المصنف: وهو لازم لسيبويه وغيره من القدماء لإجماعهم على صحة قول القائل: قاموا لا يكون زيدا، بمعنى إلا زيدا، ومعلوم أن المستثني (3) منشئ للاستثناء، والإنشاء لا بد من مقارنة معناه للفظه، ولا يكون هنا استثناء فمعناه مقارن للفظه؛ فلو كان النفي بلا مخلصا لاستقبال المضارع لم تستعمل العرب لا يكون في الاستثناء لمباينته الاستقبال.
ومثل هذا الإجماع إجماعهم على إيقاع المضارع المنفي بلا في مواضع تنافي الاستقبال، نحو: أتظنّ ذلك كائنا أم لا تظنّه، وأتحبه أم لا تحبّه، وما لك لا تقبل، وأراك لا تبالي، وما شأنك لا توافق، ومثل ذلك في القرآن كثير، كقوله تعالى:
وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (4)، لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (5)، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً (6)، ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ (7)، ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ (8)، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ (9). -
(1) أما دليله في أن الاستقبال حقيقة في المضارع، فلأن أصل أحوال الفعل أن يكون منتظرا ثم حالا ثم ماضيا، فالمستقبل أسبق فهو أحق بالمثال.
وأما رد الدليل فهو أنه لا يلزم من سبق المعنى سبق المثال. (التذييل والتكميل: 1/ 86، الهمع: 1/ 7).
(2)
انظر المقتضب: (1/ 47، 2/ 335) بتحقيق الشيخ عضيمة (طبعة المجلس الأعلى).
والأخفش: هو سعيد بن مسعدة أبو الحسن أوسط الأخافشة الثلاثة المشهورين، قرأ النحو على سيبويه وانتصر لسيبويه من الكساء في
المناظرة التي راح سيبويه ضحيتها. وهو إمام الطبقة الخامسة البصرية، وعلم من أعلام النحو المشهورين، توفي سنة (221 هـ) على أصح الآراء.
مصنفاته: أشهر كتاب له هو معاني القرآن وهو مطبوع في مجلدين، وكتبت في الأخفش وآرائه كتب منها رسالة في جامعة القاهرة وكتاب طبع في بغداد تحت عنوان «منهج الأخفش الأوسط في الدراسات النحوية» .
انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 590)، الأعلام (3/ 155). وقد سبق ترجمة المبرد قبل ذلك.
(3)
المستثني: اسم فاعل من استثنى.
(4)
سورة المائدة: 84.
(5)
سورة التوبة: 92.
(6)
سورة النحل: 78.
(7)
سورة نوح: 13.
(8)
سورة النمل: 20.
(9)
سورة يس: 22.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو في غير القرآن، ومنه قول الشاعر:
17 -
يرى الحاضر الشّاهد المطمئنّ
…
من الأمر ما لا يرى الغائب (1)
وقول الآخر:
18 -
إذا حاجة ولّتك لا تستطيعها
…
فخذ طرفا من غيرها حين تسبق (2)
وقول الآخر:
19 -
كأن لم يكن بين إذا كان بعده
…
تلاق ولكن لا إخال تلاقيا (3)
قال الشيخ (4): «لا حجّة في شيء ممّا أورده المصنّف؛ لأنّ كلّ مثال من الأمثلة الّتي ذكرها، اقترنت به قرينة صرفته عن الاستقبال إلى الحال، والمدّعي أنّ ما صلح لهما ولا مرجّح لأحدهما إذا نفي بلا يتخلص للاستقبال» ثم بين القرائن.
ويمكن المنازعة في بعضها بل في أكثرها عند التأمل (5). -
(1) البيت من بحر المتقارب، قالت مراجعه: إنه مجهول القائل. انظر شرح التسهيل (1/ 18) - التذييل والتكميل (1/ 83) وقد وجدناه في الشعر والشعراء منسوبا لخويلد بن فطحل أحد شعراء هذيل المعدودين، ويستشهد بهذا البيت وما بعده على أن المضارع لا يتخلص للمستقبل إن نفي بلا. بل هو باق على صلاحيته للحال والاستقبال، يشير إلى ذلك معنى الأبيات وما قبل الفعل المنفي من كلام، والبيت ليس في معجم الشواهد.
(2)
البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للأعشى يمدح فيها المحلق بن خثعم بن شداد بن ربيعة. وقد أكثر فيها من الألفاظ الغربية والفارسية. كما يخلط المدح بالغزل فيها (انظر الديوان ص 116) وقد استوفى الشارح الحديث عن البيت.
ترجمة الأعشى: اسمه ميمون بن قيس، جاهلي وأدرك الإسلام في آخر عمره، ورحل إلى النبي عليه السلام ليسلم، فقيل له إنه يحرم الخمر والزنا، فقال: أتمتع بهما سنة ثم أسلم، فمات في تلك السنة، ولقب بالأعشى لضعف بصره مات سنة (7 هـ)، سنة (626 م). له ديوان شعر مطبوع.
انظر ترجمته في الشعر والشعراء: (1/ 263)، الأعلام (8/ 300).
(3)
البيت من بحر الطويل وليس في معجم الشواهد وهو في ديوان الحماسة (3/ 1346)، ولم ينسب ونسبه محقق شرح التسهيل (1/ 19) إلى ابن الدمينة وليس في ديوانه بشرح محمد الهاشمي.
وكان في البيت تامة، وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ومفعول إخال الثاني محذوف أي لا إخال تلاقيا بعده، ويستشهد به لما في البيت قبله. والبيت في التذييل والتكميل:(1/ 89).
(4)
انظر التذييل والتكميل: (1/ 89).
(5)
أما قرينته في مقال الاستثناء فقد قال: إنه لا يكون فعل جرى مجرى إلا، ولم يكن قبل دخول لا صالحا للحال والاستقبال. وحجة ابن مالك فيه أقوى من تلك. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم قال: «وأمّا قول الشّاعر: إذا حاجة
…
البيت فحمله على الحال وهم فاحش؛ لأنّ إذا ظرف لما يستقبل، فولّتك مستقبل وإن كان لفظه ماضيا.
فلا تستطيعها جملة في موضع نصب على الحال، والعامل فيها ولّتك المستقبل، فلا تستطيعها جملة مستقبلة». انتهى. وفيه حذف.
والظاهر أن الذي قاله المصنف عار عن الوهم، وذلك أن استطاعته للحاجة وعدم استطاعته إنما هو بالنسبة إلى وقت توليها، فالتولي وإن كان مستقبلا فلا تستطيعها حال، وجعلها جملة مستقبلة إنما هو بالنظر إلى وقت التلفظ بهذا الكلام.
وليس المراد إذا حاجة ولتك وأنت لا تستطيعها في المستقبل؛ بل المراد إذا ولتك حاجة وأنت لا تستطيعها حين توليها، وهذا ظاهر من البيت.
ثم قال المصنف: «والذي غرّ الزمخشريّ (1) وغيره من المتأخّرين قول سيبويه في نفي الفعل (2):
وإذا قال هو يفعل أي: هو في حال فعله، فإنّ نفيه ما يفعل، وإذا قال هو [1/ 38] يفعل ولم يكن الفعل واقعا، فإنّ نفيه لا يفعل، فاستعمل ما في نفي الحال ولا في نفي المستقبل، وهذا لا خلاف في جوازه، وليس في عبارته ما يمنع من إيقاع غير ما موقع ما، ولا من إيقاع غير لا موقع لا» انتهى (3). -
- وأما حجته في الأمثلة التي بعده فقد قال: إن الحال فيه جاءت من خارج عن لا، وهو الاستفهام المراد به الحال، ثم انسحب الحال فيه إلى الفعل المنفي، ويمكن رده بأن المثال - أو الآية - يجب النظر إليه وفهمه مرة واحدة.
(1)
أي دفعه بأن يقول: إن لا لنفي المستقبل (انظر المفصل 1/ 306)، يقول فيه: فصل:
والزمخشري: هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن أحمد جار الله الزمخشري، ولد سنة (467 هـ).
كان واسع العلم كثير الفضل متفننا في كل علم معتزليّا في مذهبه مجاهرا به حنفيّا، وله آراء كثيرة مشهورة في كتب النحو وتصانيفه مشهورة أيضا، منها الكشاف في التفسير والمفصل في النحو، وله الفائق في غريب الحديث. وله المستقصي في الأمثال وله أساس البلاغة في اللغة والأنموذج في النحو وكتب أخرى، توفي سنة (538 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 279).
(2)
انظر: الكتاب (3/ 117)، وهو باب طريف في معنى الفعل فارجع إليه.
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 20).