الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث باب إعراب المعتلّ الآخر
*
[كيفية إعراب المضارع المعتل الآخر]
قال ابن مالك: (يظهر الإعراب بالحركة والسّكون أو يقدّر في حرفه وهو آخر المعرب؛ فإن كان ألفا قدّر فيه غير الجزم وإن كان ياء أو واوا يشبهانه قدّر فيهما الرّفع وفي الياء الجرّ، وينوب حذف الثّلاثة عن السّكون).
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على إعراب الصحيح الآخر شرع في الكلام على إعراب مقابله وهو المعتل الآخر، وقد تقدم أن نحو دلو وظبي حكمها حكم الصحيح الآخر، فالمراد بالمعتل الآخر في باب الإعراب ما آخره ألف، أو ياء قبلها كسرة، أو واو قبلها ضمة.
وإلى ذلك الإشارة بقوله: وإن كان ياء أو واوا يشبهانه أي يشبهان الألف في كون حركة ما قبلهما مجانسة لهما كما أن حركة ما قبل الآخر مجانسة لها.
فقوله: يظهر الإعراب بالحركة والسّكون أي في الصحيح الآخر.
وقوله: أو يقدّر في حرفه أي في المعتل الآخر.
فالمعنى: أو يقدر في حرف الإعراب. وحرف الإعراب في المعتل هو آخره كما في الصحيح؛ فلا يذهب الوهم إلى أنا نقدر الإعراب في موضع الكلمة المعتلة المعربة، كما يحكم على المحل بالإعراب في الكلمة المبنية، وإن اشتركا في عدم ظهور الإعراب لفظا (1).
وعلم من كلام المصنف أن الإعراب إما ظاهر، أو مقدر، فلا واسطة بينهما.
وذكر الشيخ عن بعضهم أن الإعراب ظاهر، ومقدر، ومنوي، ومعتبر.
فالظاهر: هو الملفوظ به.
والمقدر: في نحو ملهى؛ لأن ألفه منقلبة عن ياء متحركة. -
(1) معناه أن الفعل المضارع المعتل يعرب بحركات مقدرة فوق حرف العلة نفسه: الألف أو الواو أو الياء، ولا يقال إن الحركة مقدرة فوق الكلمة كلها، كما يقال في الكلمة المبنية مثل هؤلاء: إنها مبنية على الكسر في محل جر، وإن اشترك المعتل والمبني في عدم ظهور الإعراب لفظا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمنوي: في نحو حبلى وأرطى؛ لأن ألفيهما لم ينقلبا عن شيء، وكذلك غلامي؛ لأن تقدير حركة يؤول إلى اجتماع حركتين ولا يصح، فالإعراب منوي لا مقدر.
والمعتبر: هو ما يحكم به على موضع الاسم المبني (1).
ثم إن كان آخر المعتل ألفا قدر فيه الرفع والنصب والجر. وإليه الإشارة بقوله:
فإن كان ألفا قدّر فيه غير الجزم نحو الفتى رفعا ونصبا وجرّا ويخشى رفعا ونصبا.
وإن كان الآخر ياء أو واو يشبهان الألف قدّر فيهما الرّفع نحو:
القاضي يرمي ويغزو، وقدر في الياء الجر نحو: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ (2) وإنما خص الياء بالجر؛ لأن الواو المشبهة الألف لا تكون حرف إعراب في غير الأفعال.
وسكوت المصنف عن النصب يدل على أنه يظهر في الياء والواو نحو:
أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ (3)، ونحو: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ (4).
فالحاصل: أن الرفع يقدر في الثلاثة والجر يقدر في الألف وفي الياء، ولا يتصور مع الواو، والنصب يقدر في الألف ويظهر في الياء والواو، وأما الجزم فيحذف بسببه الثلاثة، كما أشار إليه بقوله:
وينوب حذف الثّلاثة عن السّكون، نحو: من يهد الله يخشه ويرجه.
ثم ها هنا أبحاث:
الأول:
استدرك الشيخ على المصنف نحو معدي كرب إذا أضفنا الجزء الأول إلى الثاني؛ فإننا نقدر الفتحة حالة النصب، ولم يستثن المصنف ذلك (5).
والجواب: أن الشيء إذا كان خارجا عن قانونه اكتفي بالتنبيه عليه [1/ 76] في محله وقد نبه المصنف على ذلك حيث ذكره في باب ما لا ينصرف فاستغنى بذلك عن التعرض له هنا (6). -
(1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 199).
(2)
سورة القمر: 8.
(3)
سورة الأحقاف: 31.
(4)
سورة البقرة: 237.
(5)
انظر: التذييل والتكميل (1/ 200).
(6)
انظر: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (ص 221 - 222)، وفيه يقول عن معدي كرب وأمثاله: -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثاني:
أجمع النحاة على أن الحروف الثلاثة تحذف عند وجود الجازم، واختلفوا في حذفها، لماذا؟
فالمحققون على أنها حذفت عند الجازم لا بالجازم (1). قيل: وهو الذي فهم من كلام سيبويه رحمه الله تعالى (2) وعلل بأن هذه الحروف ليست علامة للرفع والجازم إنما يحذف ما كان علامة له (3).
ومذهب ابن السراج وأكثر النحاة أن حذف هذه الحروف علامة للجزم (4).
وهذا الخلاف مبني على أن حروف العلة التي في الفعل في حال الرفع هل فيها حركات مقدرة أو لا؟
فمذهب سيبويه: أن فيها حركات مقدرة في الرفع وفي الألف في النصب، فهو إذا جزم يقول: الجازم حذف الحركات المقدرة ويكون حذف حرف العلة عنده؛ لئلا يلتبس الرفع بالجزم.
فإن قيل: الفرق يحصل بينهما بالعامل كما يحصل الفرق في المقصور من -
(1)
أي والذي حذفه الجازم إنما هي الحركات المقدرة فوق حروف العلة، ثم كان حذف هذه الحروف؛ لئلا يلتبس الرفع بالجزم كما سيذكره.
(2)
جملة (رحمه الله تعالى) ناقصة من (ب)، (جـ).
وانظر رأي سيبويه في كتابه: (1/ 23). يقول: «واعلم أنّ الآخر إذا كان يسكّن في الرّفع حذف في الجزم لئلّا يكون الجزم بمنزلة الرّفع فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجمع، وذلك قولك:
لم يرم ولم يغز ولم يخش، وهو في الرّفع ساكن الآخر تقول: هو يغزو ويرمي ويخشى».
(3)
كحذف النون في الأفعال الخمسة والضمة في الأفعال الصحيحة الآخر.
كما علل أيضا بأن الأعراب زائد على ماهية الكلمة، وهذه الحروف من أصلها.
(4)
قال ابن السراج في حديث له عن إعراب المضارع المعتل:
«فإن دخل الجزم قلت: لم يغز ولم يرم فحذفت الياء والواو في الوقف، وكذلك في الوصل تقول: لم يغز عمر ولم يرم بكر. وإنّما حذفت الياء والواو في الجزم إذ لم يصادف الجازم حركة يحذفها، فحذفت الياء والواو؛ لأنّ الحركة فيهما وليكون للجزم دليل، والأمر كالجزم» (الأصول في النحو لابن السراج (2/ 170) تحقيق عبد الحسين الفتلي).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأسماء؟ أجيب بأنه يلتبس في مثل قولنا: زرني أعطك؛ فإنه لو لم يحذف عند الجازم، لما عرف هل أعطيك
جواب الأمر أو مستأنف ولا يفيد الفرق إلا حذف الياء.
فأفاد حذف حرف العلة الفرق بين الجزم والرفع والمعنى المطلوب بكل واحد منهما وطرود الباب في الحذف حيث لا لبس. وعند ابن السراج أنه لا حركة مقدرة في الرفع، قال:«ولمّا كان الإعراب في الأسماء لمعنى حافظنا عليه بأن نقدّره إذا لم يوجد في اللّفظ ولا كذلك الإعراب في الفعل؛ فإنه لم يدخل في الفعل إلا لمشابهة الاسم لا للدّلالة على معنى فلا نحافظ عليه بأن نقدّره إذا لم يكن في اللفظ فالجازم لمّا لم يجد حركة يحذفها حذف الحرف» .
ويدل على صحة مذهب سيبويه (1) أن الفعل يعرب على ما قد عرف والمعرب من الأسماء متى لم يظهر فيه علائم الإعراب إما للتعذر كعصا أو للاستثقال كالقاضي رفعا وجرّا قدرت فكذلك أيضا في الأفعال.
البحث الثالث:
قيد ابن عصفور حرف العلة المحذوف للجزم بكونه غير مبدل من همزة، ثم قال: فإن كان مبدلا من همزة نحو يقرا ويقري ويوضو جاز فيه وجهان: حذف حرف العلّة إلحاقا بالمعتلّ المحض. وإثباته إجراء له مجرى الصّحيح.
وعلى الحذف قوله:
71 -
جريّ متى يظلم يعاقب بظلمه
…
سريعا وإلّا يبد بالظّلم يظلم (2)
انتهى (3). -
(1) القائل: إن في هذه الحروف حركات مقدرة في الرفع وفي الألف في النصب.
(2)
البيت من بحر الطويل وهو من معلقة زهير بن أبي سلمى التي سبق الحديث عنها. وبيت الشاهد في وصف أسد وذلك حيث جاء قبله:
لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف
…
له لبد أظفاره لم تقلّم
انظر شرح ديوان زهير (ص 24). وشاهده قوله: وإلا يبد؛ حيث حذفت الألف المبدلة من الهمزة عند دخول الجازم، وذلك لأن الإبدال وقع قبل الجزم كما ذهب إليه ابن عصفور.
والبيت في التذييل والتكميل (1/ 205)، وهو في معجم الشواهد (ص 360).
(3)
انظر: المقرب لابن عصفور (1/ 50) من المطبوع المحقق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومراد ابن عصفور بذلك أن البدل حصل قبل دخول الجازم، وهي لغة ضعيفة حكاها الأخفش (1).
أما إذا كان البدل بعد دخول الجازم فلا حذف أصلا لأن الجازم قد عمل عمله في حذف الضمة من الهمزة قبل
الإبدال.
وقد رد على ابن عصفور ما ذكره من جواز الحذف، وقالوا: لا يجوز إلّا الإقرار.
وقال ابن الضائع: «حكم الهمزة المسهّلة حكم الهمزة المخفّفة، فلا يجوز إلّا:
لم يقرا زيد بألف ساكنة على لغة من سهّل. وأمّا قوله: وإلّا يبد بالظّلم يظلم فضرورة. ووجهها مراعاة اللّفظ بعد التّسهيل، كما أنّ منهم من يدغم [1/ 77] رويا بعد التّسهيل». انتهى (2).
وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى (3): «الوجهان اللّذان ذكرهما ابن عصفور مبنيّان على إبدال حرف العلّة: هل هو بدل قياسيّ أو غير قياسي؟
فإن قلنا: إنه بدل قياسي ثبت حرف العلّة مع الجازم؛ لأنّه همزة كما كان قبل البدل، وإن قلنا: إنه بدل غير قياسي صار حرف العلة متمحضا، وليس بهمزة فيحذف كما يحذف حرف العلّة المحض في يغزو ويخشى» انتهى (4) وهو كلام جيد.
وقد رد استشهاد ابن عصفور بأنه يقال في بدأ يبدأ: بدي يبدى كبقي يبقى (5) فعلى هذا يكون قوله: «وإلّا يبد» من هذه اللغة فلا تكون ألفه إذ ذاك بدلا من همزة.
(1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 204).
والذي حكاه الأخفش هو قولهم: قريت وتوضّيت ورقوت في قرأت وتوضّأت ورقأت.
(2)
انظر شرح الجمل لابن الضائع (مخطوط بدار الكتب رقم 19 نحو، جـ 1 ورقة 10)، وفيه بحث مفيد عن حكم الهمز بأنواعه وبقية تعليقه على البيت، يقول:
«حذف ألف يبدأ بعد التّسهيل للجزم فكأنّه جزمه مرّتين لأنّه لولا الجزم الأوّل لم تسكّن الهمزة» .
(3)
جملة الدعاء ناقصة من نسخة (ب)، (جـ).
(4)
انظر التعليقة لبهاء الدين بن النحاس (باب معرفة علامات الإعراب) وهو إملاء كتبه ابن النحاس على مقرب ابن عصفور.
(5)
في لسان العرب مادة بدأ (1/ 223): «بديت بالشّيء قدّمته وبديت بالشّيء وبدأت: ابتدأت.