الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول (*) باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلّق به
*
[تعريف الكلمة]
قال ابن مالك: (الكلمة لفظ مستقلّ دالّ بالوضع تحقيقا أو تقديرا أو منويّ معه كذلك).
ــ
[1/ 10] قال ناظر الجيش: الترجمة واضحة، وعدل المصنف عن لفظ الحد إلى لفظ الشرح؛ لأنه أعم فهو يصدق على التعريف الحدي والتعريف الرسمي (1).
والضمير في: به: يرجع إلى شرح لا إلى الكلام، كما توهمه بعضهم، وقد وقفت على هذه الترجمة في نسخة من نسخ هذا الكتاب، ذكر المصنف بخطه عليها أنها النسخة الأولى فقال فيها:«باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلّق بذلك من العلامات والأقسام» .
فأبان المقصد بما عاد عليه الضمير هنا.
الكلمة: تقال في اللغة بطريق الاشتراك لمعنيين:
أحدهما: الكلام التام أي المفيد كقوله تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (2).
وكقوله صلى الله عليه وسلم «الكلمة الطّيّبة صدقة» (3)، و «أصدق (4) كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: -
(*) كلمات: الباب الأول، الباب الثاني .... إلخ، من عملنا في التحقيق.
(1)
التعريف الحدي: ما كان بالذاتيات، أو: هو ما كان بالجنس والفصل القريبين، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق.
والتعريف الرسمي: ما كان بالعرضيات، أو هو ما كان بالجنس القريب والخاصة اللازمة، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك.
قال أبو حيان: «ذكر المصنف باب شرح الكلمة ولم يذكر باب حدّ الكلمة؛ لأن الحدّ بالشيء عسير الوجود؛ فعدل عن لفظ حد إلى لفظ شرح وكلاهما يشترك في كشف المحدود وبيانه» (التذييل والتكميل 1/ 13).
(2)
سورة التوبة: 40.
(3)
الحديث في صحيح البخاري: (8/ 11) في كتاب الأدب (طبعة صبيح). وهو حديث مستقل مروي عن أبي هريرة. وجعله أحمد بن حنبل في مسنده: (2/ 316)(دار صادر بيروت) جزءا من حديث ونصه مرويّا عن أبي هريرة أيضا: قال عليه السلام: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشّمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابّته تحمله عليها أو تدفع له متاعه عليها صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة» . والحديث جاء أيضا في المسند المذكور (2/ 350، 374).
(4)
الحديث في صحيح مسلم (7/ 49) وقد روي بروايات مختلفة منها: أشعر كلمة تكلم بها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، ومنها: أصدق بيت قالته الشعراء: ألا كل شيء .. إلخ.
والحديث في صحيح البخاري (8/ 120)، وفي مسند الإمام (2/ 248، 393).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
6 -
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل:
…
[وكلّ نعيم لا محالة زائل](1)
ثانيهما: أحد مفردات الكلام وهو الاسم وحده أو الفعل وحده أو الحرف وحده وهذا هو المصطلح عليه في علم النحو.
واعلم أن اللّفظ هو الصوت الذي يعتمد على مقاطع الحروف، واحترز بذلك من الصوت الساذج.
وأن المستقل (2): هو الذي لا يفتقر في الدلالة على معناه إلى غيره.
وأن الدال: هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء واحد.
وأن الوضع: تخصيص شيء بشيء؛ بحيث يفهم المراد من ذلك الشيء.
فقوله: لفظ: جنس يدخل تحته كل ملفوظ به، مهملا كان أو مستعملا. وهو أولى بالذكر من: لفظة؛ لأمرين:
أحدهما: أن التاء للوحدة وهي إنما تتحقق في الحرف الواحد. ولا يستقيم ذلك؛ إذ الكلمة ليست محصورة فيه، واللفظ يقع على كل ملفوظ به، حرفا كان أو أكثر.
الثاني: أن لفظا مصدر مراد به المفعول، كقولهم للمخلوق خلق، وللمنسوج نسج. والمعهود في هذا استعمال المصدر غير المحدود بالتاء.
وأكثر ما يوجد في عبارات المتقدمين: لفظ لا لفظة، كعبارة سيبويه في الباب المترجم بباب اللّفظ للمعاني حيث قال (3): -
(1) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة العامري، يرثي فيها النعمان بن المنذر وكلها في الحكم والمواعظ (الديوان ص
131).
ويستشهد بالبيت: على أن الكلمة قد تطلق على الكلام الكثير.
ترجمة لبيد: هو لبيد بن ربيعة بن مالك العامري، من شعراء الجاهلية وفرسانهم، كان على رأس مائة فارس قتلوا المنذر ابن ماء السماء، واشتهر لبيد بالسخاء كأبيه وأدرك الإسلام وأسلم. ولم يقل في الإسلام إلا قوله (من البسيط).
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
…
حتى كسيت من الإسلام سربالا
له شعر قبل إسلامه يشير إلى البعث والحساب والإيمان بالله. طلب منه عمر بن الخطاب شعرا فتلا عليه سورة البقرة فزاده عمر في العطاء. عاش مائة وسبعا وخمسين عاما. ومات في خلافة معاوية ودفن بالكوفة.
انظر ترجمته في الشعر والشعراء: (1/ 280)، خزانة الأدب (2/ 246) بتحقيق عبد السّلام هارون.
(2)
معناه: واعلم أن المستقل وكذا ما بعده، أي: واعلم أن الدال هو الذي .. واعلم أن الوضع
…
إلخ.
(3)
انظر كتاب سيبويه: (1/ 24) وفيه زيادة على ما ذكره: واختلاف اللفظين والمعنى واحد. ومثّل -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«واعلم أنّ من كلامهم اختلاف اللّفظين لاختلاف المعنيين» ومثّل ذلك بـ «جلس وذهب» .
ولم يقل: اختلاف اللفظتين. فتصدير حد الكلمة بلفظة، مخل ومخالف للاستعمال المشهور، بخلاف تصديره بلفظ.
وقوله: مستقلّ: فصل مقدم لفظا والنية به التأخير عن ما بعده، وأراد به هنا ما ليس بعض اسم كياء [1/ 11] زيدي وتاء مسلمة ولا بعض فعل كهمزة أعلم وألف ضارب.
قال المصنف (1): «فإنّ كلّ واحد من هذه المذكورات لفظ دالّ بالوضع وليس بكلمة لكونه غير مستقلّ.
وقوله: دال بالوضع: فصل أخرج به المهمل، كديز مقلوب زيد؛ فإنه لم يوضع لشيء، وإن دل السامع على حضور الناطق به وغير ذلك، فتلك دلالة عقلية لا وضعية (2) وليست بمقصودة هنا.
وقوله: تحقيقا أو تقديرا: تقسيم للدال وليس تتمة للحد، أي الدال بالوضع: إما أن يدل تحقيقا وإما أن يدل تقديرا، أي يقدر أنه دال وإن لم تكن له دلالة.
وإنما ذكر: تحقيقا؛ توطئة لقوله: تقديرا.
أما الدال تحقيقا: فنحو زيد ورجل؛ لأن كلّا منهما دال على معناه دلالة متحققة.
وأما الدال تقديرا: فكأحد جزأي العلم المضاف، نحو امرئ القيس، ونحو غلام زيد إذا جعلته علما، فإن امرأ فقط أو القيس فقط من هذا الاسم ليست لهما دلالة على شيء، فيقدر أنهما دالان فمجموع اللفظين من حيث هو اسم لمسمى واحد كلمة واحدة باعتبار المعنى ومن حيث هو مضاف ومضاف إليه كلمتان باعتبار -
- بذهب وانطلق، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ومثّل لذلك بوجدت عليه من الموجدة، ووجدت، إذا أردت وجدان الضالة.
(1)
يقصد بالمصنف هنا وطوال شرحه: ابن مالك؛ فهو الذي صنف كتاب التسهيل وشرح بعضه، انظر ما ذكره فيه:(1/ 4) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.
(2)
الدلالة الوضعية: فهم أمر من أمر بالوضع، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، والأسد على الرجل الشجاع، ودلالة الإشارات على معانيها الوضعية، كدلالة الإشارة باليد على معنى تعال أو اذهب.
والدلالة العقلية: فهم أمر من أمر بالعقل، كدلالة اللفظ على حياة لافظه والأثر على المؤثر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللفظ؛ لأن المتضايفين لا يكونان إلا اسمين أو في تقدير اسمين (1)، ولولا أنهما في تقدير اسمين لما أعرب الاسم الأول؛ إذا الإعراب لا يكون وسط الكلمة فامرؤ القيس اسم واحد تحقيقا؛ لأن مسماه لا يدرك بأحد جزئيه، وهو اسمان تقديرا؛ لأنه في اللفظ بمنزلة غلام زيد إذا لم يصر علما.
قال المصنف: والحاصل أن إطلاق الكلمة على ثلاثة أقسام:
حقيقي: وهو الذي لا بد من قصده.
ومجازي مهمل في عرف النحاة: وهو إطلاق الكلمة على الكلام التام.
فلا يتعرض لهذا بوجه.
ومجازي مستعمل في عرفهم: وهو إطلاقها على أحد جزأي العلم المضاف؛ فترك التعرض له جائز، والتعرض له أجوز؛ لأن فيه مزيد فائدة (2).
وقوله: أو منوي معه كذلك تقسيم للمحدود. أي الكلمة إما لفظ أو غير لفظ لكنه منوي مع اللفظ.
ومنوي: صفة قامت مقام موصوفها، والتقدير: الكلمة لفظ مقيد بما ذكر (4)، أو غير لفظ منوي مع اللفظ، فالهاء في معه عائدة على اللفظ مقيدا بفصوله.
و: كذلك مشار به إلى الاستقلال والدلالة المنبه عليهما، أي المنوي لا يكون كلمة حتى يتصف بالاستقلال والدلالة بالوضع. -
(1) مثال الاسمين واضح، وما في تقدير الاسمين: ما مثّل به: من امرئ القيس وعبد الله، علمين، ومنه إضافة الظروف إلى الجمل كـ: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة: 119].
(2)
انظر شرح التسهيل: (1/ 5).
ملحوظة: إذا قلنا: انظر: شرح التسهيل؛ بدون نسبة لأحد؛ فهو لابن مالك.
(3)
يصح أن يكون بالتاء، ويصح أن يكون بالنون. وكلاهما فيه مراد الشارح.
(4)
أي: بالاستقلال والدلالة بالوضع. وهو ما سيعبر عنه بفصول التعريف بعد قليل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحترز بهذا القيد من الإعراب المقدر في نحو: يا فتى؛ فإنه يصدق عليه أنه منوي مع اللفظ المقيد ولكنه غير مستقل، هذا شرح الحد المذكور.
ثم ها هنا أبحاث:
البحث الأول:
أورد الشيخ (1) على المصنف أن اللفظ جنس بعيد (2) لصدقه على المهمل والمستعمل.
والقول [1/ 12] أقرب منه لعدم صدقه على المهمل فكان الإتيان به أولى (3).
والجواب: أنه إنما يلزم الإتيان بالجنس القريب في الحد التام (4). ولم يذكر ذلك المصنف على أنه تام بل لم يتمحض كونه حدّا، فقد سماه رسما، وبتقدير كونه حدّا تامّا فالإتيان باللفظ أولى؛ لأن القول يطلق على الرأي، والاعتقاد مجازا وغلب حتى صار كأنه حقيقة، فرفض ذكره في الحد؛ لئلا يوهم دخول غير المراد فيه، وعدل إلى الجنس البعيد لعدم الإيهام.
ولا يكفي في الجواب أن يقال: القول يطلق على المهمل أيضا كما هو رأي بعضهم؛ لأن المصنف لا يرى ذلك والقول عنده مخصوص بالمستعمل (5). -
(1) يقصد بالشيخ هنا وطوال شرحه: أبا حيان محمد بن يوسف شارح كتاب التسهيل أيضا، والذي سماه بالتذييل والتكميل، وقد كان شيخا لناظر الجيش ولغيره. وانظر ما نقله عنه شارحنا في التذييل والتكميل (1/ 15) بتحقيق الدكتور/ حسن هنداوي (دار القلم - دمشق).
والتذييل والتكميل: سفر ضخم حققه زملاؤنا في عدة أجزاء، وكل جزء في عدة مجلدات. وهو موجود كله في كلية اللغة العربية بالقاهرة، وقد حقق عدة أجزاء منه الدكتور حسن هنداوي (جامعة الإمام بالسعودية) إلى أول باب إن وأخواتها (أربعة أجزاء).
(2)
الجنس البعيد: هو ما لا جنس فوقه وتحته أجناس: كالجسم فإنه لا شيء فوقه وتحته جنس آخر، وهو الحيوان.
والجنس القريب: ما لا جنس تحته وفوقه أجناس: كالحيوان بالنسبة للإنسان والفرس. والذي فوقه جنس بعيد، والذي تحته نوع.
(3)
ما أخذه أبو حيان على ابن مالك هو ما أخذه شراح الألفية عليه أيضا حين قال:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم. انظر حاشية الصبان (1/ 27).
(4)
الحد التام: ما كان بالجنس والفصل القريبين، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق.
والحد الناقص: ما كان بالفصل القريب فقط، كناطق في تعريف الإنسان.
والتعريف بالرسم: ما كان بالجنس القريب والخاصة اللازمة، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك.
(5)
انظر: شرح التسهيل (1/ 7).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البحث الثاني:
قال المصنف: تصدير الحد باللفظ مخرج للخط، ونحوه مما هو كاللفظ في تأدية المعنى (1).
فنوقش في قوله: مخرج؛ لأن الجنس لا يؤتى به للإخراج، فلا يقال في الحيوان الناطق: إنّا أخرجنا بالحيوان ما ليس بحيوان.
والجواب: أن الجنس إذا كان أعم من الفصل مطلقا يذكر لتقييد الذات لا للاحتراز.
وأما إذا كان أعم من الفصل من وجه، فيجوز أن يحترز به. والجنس الذي هو اللفظ هنا أعم من الفصل الذي هو الوضع من وجه؛ لأن اللفظ قد يوجد بغير وضع كما في المهملات. والوضع قد يوجد بغير لفظ كما في النّصب وغيرها (2).
فبين الجنس والفصل هنا عموم من وجه فجاز أن يخرج بالجنس؛ لأنه قد يتصور فيه (3) أن يكون فصلا بعد جعل الفصل المذكور معه جنسا. فبهذه الحيثية ساغ فيه ذلك.
البحث الثالث:
قد تقدم قول المصنف أنّ المعهود عند إطلاق المصدر مرادا به المفعول استعمال غير المحدود بالتّاء، قالوا: وقد جاء المصدر المحدود بمعنى المفعول، قال الله تعالى:
وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ (4)، أي: مقبوضته.
والجواب: أن قبضته هنا ليست مصدرا، وإنما هي اسم أنث بالتاء لوقوعه خبرا عن مؤنث وهو الأرض.
وأما وجهة، في قوله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها (5): إن قيل: إنها بمعنى المفعول هنا فغير وارد؛ لأن التاء فيها ليست للوحدة والمصدر موضوع عليها، كما في -
(1) انظر: شرح التسهيل (1/ 4).
(2)
النّصب: جمع نصبة وهي الحال الناطقة بغير اللفظ، والمشيرة بغير اليد. وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض، بالنسبة إلى وجود الله، ومن ذلك أيضا: الإشارات والعلامات التي تدل على شيء: كإشارات المرور للسيارات والقطارات، وقصبة السبق وغير ذلك.
(3)
كلمة: قد ساقطة من نسخة (ب)، (جـ).
(4)
سورة الزمر: 67.
(5)
سورة البقرة: 148.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رحمة ونشدة. فالتاء في هذه الألفاظ لازمة، والحكم المذكور إنما هو في المصدر الذي لم يوضع على التاء.
البحث الرابع:
تقدم أن المصنف أراد بقوله: مستقلّ ما ليس بعض اسم، كياء زيدي وتاء مسلمة، ولا بعض فعل، كهمزة أعلم وألف ضارب، فلم يفصح عن تفسير المستقل، وإنما مثّل لغير المستقل، وتمثيله له بياء النسب وهمزة أعلم ونحوهما (1) يقتضي أن يكون مراده بالمستقل ما دل على المعنى المقصود بتلك الكلمة؛ لأن الألفاظ التي مثل بها لغير المستقل ليس شيء منها دالّا بنفسه على المعنى، أما الدال فمجموع الكلمة التي ذلك اللفظ جزء منها، وإذا كان مراده ذلك لم [1/ 13] يحتج إلى قيد الاستقلال في حد الكلمة وكان قيد الدلالة كافيا؛ لأن هذا القيد يخرج ما قصد هو إخراجه مستقل، إذ ليس ما ذكر من ياء النسب وألف ضارب دالّا بل الكلمة بتمامها هي الدالة على المعنى المقصود بها.
وقد يشكل جعل ياء النسب وتاء التأنيث كالهمزة في أعلم والألف في ضارب، فيقال: إن المجموع في: مسلمة ليس هو الدال على المعنى المراد؛ بل مسلم دال على المتصف بهذا المعنى والتاء دلت على التأنيث. وكذا يقال في نحو زيدي.
ولا شك أن ياء النسب وتاء التأنيث ليسا في الامتزاج بما هما فيه كالألف والهمزة المذكورتين وهو واضح.
والجواب عن هذا الإشكال أن يقال: استعمال العرب دل على امتزاج التاء والياء بما صحباه، وأن الدال إنما هو المجموع لا ذلك اللفظ وحده، وهو كونهم جعلوا الحرفين المذكورين حرفي الإعراب والتزموا الكسر قبل الياء والفتح قبل التاء، فلو لم يجعلا مع ما هما فيه شيئا واحدا لم يعاملا المعاملة المذكورة.
البحث الخامس:
قال الشيخ: «إنّما احتاج المصنّف للاحتراز عن بعض اسم وبعض فعل؛ لأنّه أخذ الجنس البعيد وهو اللّفظ ولو أخذ القريب وهو القول لم يحتج إلى التّحرز -
(1) أي مما يزاد في الكلمة لمعنى، كتاء مسلمة وألف ضارب وياء رجيل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمستقلّ؛ لأنّ بعض اسم وبعض فعل لا يقال له قول» (1) انتهى.
وليس كما ذكره؛ لأنه إذا صدق عليه أنه لفظ دال بالوضع كما يراه المصنف صدق عليه أنه قول جزما، فلو ذكر القول عوض اللفظ لم يستغن عن مستقل أيضا.
وقال الشيخ أيضا: «قول المصنّف إنّه احترز بقوله: دالّ بالوضع عن المهمل ليس بجيّد؛ لأنّه قبل هذا الفصل فصل الاستقلال واللّفظ المهمل لا يدخل تحت قوله: مستقلّ؛ فيحتاج أن يحترز عنه بما ذكر» (2) انتهى.
وهذا عجب من الشيخ: فإن الفصل الذي هو مستقل مقدم لفظا، والنية به التأخير. وقد تقدم أن المصنف حكم على ياء النسب وأخواتها بأن كل واحد منها لفظ دال بالوضع وليس بكلمة لكونه غير مستقل فبيّن أن مراده ما قلناه (3).
وإذا كان كذلك لا يتوجه ما ذكره الشيخ.
فإن قيل: إذا كان المراد ما ذكرت، فلأي شيء قدم لفظ مستقل؟
أجيب عنه: بأنه لو لم يقدمه لوليه تحقيقا أو تقديرا، فيوهم ذلك أنهما راجعان إليه وهما قسمان للدال لا للمستقل.
وقد كان يمكنه أن يقول: لفظ دال بالوضع تحقيقا أو تقديرا مستقل؛ لكن يلزم تأخير أحد فصلي الحد عن تقسيم الفصل الآخر وهو غير مناسب.
البحث السادس:
قيل: الحد المذكور غير مطرد لدخول الكلام فيه؛ إذ يصدق عليه أنه لفظ دال بالوضع مستقل.
وغير منعكس (4)؛ لخروج بعض أفراد الكلمة عنه، وهو الكلمة المجازية والمنقولة نحو: أسد، المراد به الشجاع والأعلام المنقولة (5) لأنهما اذ ذاك غير دالين بالوضع. -
(1) انظر: التذييل والتكميل: (1/ 18).
(2)
انظر المرجع السابق (الجزء والصفحة).
(3)
وهو أن الدال بالوضع غير المستقل - كياء النسب - ليس بكلمة. وحتى يكون كلمة فلا بد من استقلاله.
(4)
المراد بكون الحد غير مطرد أي: غير مانع من دخول غير المحدود فيه كما مثله، والمراد بكونه غير منعكس أي: غير جامع لأفراد المحدود، ويشترط في الحدود أن تكون مانعة جامعة.
(5)
مثل: صابر المنقول من اسم الفاعل، ومثله: مسعود وحسن وفضل. وهي أسماء منقولة من اسم المفعول والصفة المشبهة والمصدر (انظر حديث النقل والارتجال في باب العلم من هذا التحقيق).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأجيب عن عدم الاطراد بأن الكلام خرج بقوله [1/ 14]: بالوضع إذ الكلام ليست دلالته وضعية على الأصح. وعن عدم الانعكاس بأن الحد إنما هو للكلمة الحقيقية الباقية على موضوعها من غير نقل؛ فليست المجازية والمنقولة بمقصودين بل هما خارجان عن الحد (1). ويقال فيهما: كلمة مجازية وكلمة منقولة بالتقييد.
أو يقال: إن الكلمة لا تخرج بالتجوز فيها والنقل عن الوضع؛ لأن الواضع تجوز وأجاز التجوز بشرطه، ونقل وأجاز النقل أيضا، والوضع حاصل في المجاز والمنقول، وهو استعمال الكلمة استعمالا استعملته العرب ومكنت لاستعماله أيضا.
البحث السابع:
قد يتوهم أن من حد الكلمة بأنها لفظ دال بالوضع واقتصر عليه يكون حده غير منعكس؛ لخروج الأسماء التي لا يلفظ بها؛ كفاعل أفعل منه، وحينئذ تتعين الزيادة التي زادها المصنف وهي قوله: أو منوي.
وليس كما يتوهم؛ فإن المقتصرين على ذلك أرادوا اللفظ إما حقيقة وإما حكما؛ ليدخل فيه ما أشير إليه من الأسماء الواجبة الاستتار؛ فإنها في حكم الملفوظ بها.
ويؤيد هذا تسميتهم أنت في نحو: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ (2) توكيدا لفظيّا لذلك المستكن، والتوكيد اللفظي إعادة اللفظ؛ فلو لم يجعلوا المقدر في حكم الملفوظ لما ساغت التسمية المذكورة.
البحث الثامن:
قال الشيخ: «ادّعاء التّركيب في نحو أفعل (3) مشكل وكذا ادّعاء الإفراد فيه» .
أما الأول: فلأن التركيب من عوارض الألفاظ، ويستدعي تقدم وجود ولا وجود (4). -
(1) في نسخة (ب)، (جـ): خارجان عن الحد دون: هما.
(2)
بعض آية من سورة البقرة: 35 وأولها: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.
(3)
وزن لفعل مضارع مع فاعله الضمير المستتر وجوبا، مضموم العين كأقتل، أو مكسورها كأضرب، أو مفتوحها كأسعى.
(4)
بمعنى أن كل مركب أقله كلمتان وهنا كلمة واحدة. قال أبو حيان في بقية الاعتراض: «فلو كان وجد ثمّ عرض له حذف لم يشكل» .
وانظر في الاعتراض كله: التذييل والتكميل (1/ 21).