الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع أبيات أخر قال ناظر الجيش: وهذه الأبيات أدلة ظاهرة على المدعى؛ غير أن المصنف لم ينسب هذا المذهب لبصري ولا كوفي؛ جريا منه على طريقته المألوفة، وهي أنه إذا قام الدليل عنده على شيء اتبعه، ثم إنه قد ينبه على خلاف في ذلك إن كان، وقد لا يتعرض إلى ذلك، والجماعة يذكرون أن هذا القول إنما هو قول الفراء، قال ابن عصفور: ولا يجوز جعل الفعل جوابا للشرط إذا توسط بينه وبين القسم، فأما قول الأعشى: لئن منيت
…
البيت، وقوله:
لئن كان ما حدثته
…
البيت، فاللام في: لئن ينبغي أن تكون زائدة كالتي في قوله: أمسى لمجهودا، ومن ثم قال أبو حيان: وهذا الذي أجازه ابن مالك هو مذهب الفراء وقد منعه أصحابنا والجمهور، ثم نقل كلام ابن عصفور.
وأقول: إن ابن عصفور لم يذكر دليلا على امتناع ما ذكره المصنف؛ بل عمد إلى الأدلة على هذا الحكم فأخرجها عن ظاهرها بغير موجب، وحكم بزيادة اللام مع إمكان القول بعدم الزيادة، وبعد، فلا يخفى على الناظر وجه الصواب، فالوقوف مع ما ورد عن العرب حيث لا مانع يمنع من الحمل على ظاهر ما ورد عنهم. اهـ. كلام ناظر الجيش» (1).
الغاية من تأليفه:
لقد أوضح لنا ناظر الجيش الغاية من تأليفه لهذا الشرح، وذلك في مقدمة الكتاب؛ حيث قال بعد أن أشار إلى كتاب «التسهيل» وأنه جامع مفيد مختصر: وقلّ أن تسمح به القرائح أو تطمح إلى النسج على منواله المطامح، ثم أشار إلى أن المؤلف قد شرع في شرح هذا الكتاب؛ إلا أنه لم يكمله، وأنه تركه مختلّا فاقد التمام، لا يتوصل إلى حل غير المشروح من أصله إلا بعد إعمال فكر ومراجعة كتب ..
إلى أن قال: «إلى أن أتاح الله تعالى إكمال ذلك على يدي إمام زمانه وعالم أوانه، وحيد دهره في علم العربية،
وفريد عصره في الفنون الأدبية
(1) انظر: الخزانة (4/ 536: 537) وانظر: شرح التسهيل لناظر الجيش، باب عوامل الجزم.
شيخنا الشيخ: أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الجياني الغرناطي. أمتع الله تعالى بفوائده الجمة، وأهدى إلى روحه روح الرضا والرحمة، ففتح مغالقه المعضلة، وفكّ تراكيبه المشكلة، وأجمل في تفصيل مبانيه المجملة؛ فتم بذلك التكميل الأرب، وأقبل المشتغلون ينسلون إليه من كل حدب، ثم اقتضت نعمه العلية، ومقاصده المرضية أن يضيف إلى ما وضعه شرح بقية الكتاب ليكون مصنفا مستقلّا، وغماما على المتعطشين مستملّا، فوضع كتابا كبيرا سائغ الذيول جم النقول عزيز الفوائد، كثير الأمثلة والشواهد، أطال فيه الكلام، ونشر الأقسام إلا أنه جمع فيه بين الدّرّ والصّدف، ومزج بسنا ضوئه غبش السّدف، وتحامل في الرد والمؤاخذات تحاملا بينا، وبالغ حتى صارت المناضلة عن المصنف لازمة، والانتصار له متعينا.
ولقد خرج الكتاب المذكور بسبب الإطالة عن مقصود الشرح، وصار فيه للمتأمل سبيل إلى القدح، مع أن المعتني بحمل الكتاب لا يحظى منه بطائل، ولا يظفر ببغيته إلا بعد قطع مهامه وطي مراحله.
وأما شرح المصنف فالناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه، ولا يقنعه ما يجده لديه؛ بل تتشوف نفسه إلى زيادات الشرح الكبير، ويرى أنه لم يحط بها علما كان منسوبا إلى التقصير؛ فرأيت أن أضرب بقدح وأرجو أن يكون القدح المعلى بين القدحين، وأن أضع على هذا التصنيف ما هو جامع لمقاصد الشرحين وأتوخى الجواب عمّا يمكن من مؤاخذات الشيخ، ومناقشته بالبحوث الصحيحة، والنقود الصريحة مع ذكر زيادات انفرد بها هذا الكتاب وتنقيحات يرغب فيها المتيقظون من الطلاب» (1).
من هنا نستطيع أن نقول: إنّ ناظر الجيش قد عرف قيمة التسهيل، وأدرك أنه كتاب ذو فائدة عظيمة، كما أنه لم يغفل شرح المصنف عليه؛ إلا أنه مختصر لا يقنع الطالب ولا يرضي الباحث، وهو أيضا لم يغفل شرح الشيخ أبي حيان؛ حيث أشار إلى أنه شرح عظيم الفائدة يستحق التقدير.
(1) انظر: شرح التسهيل لناظر الجيش (الجزء الأول ومقدمة الشرح المذكور).