الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام أخرى تخص ضمير الشأن]
قال ابن مالك: (وإفراده لازم وكذا تذكيره ما لم يله مؤنّث، أو مذكّر شبيه به مؤنّث، أو فعل بعلامة تأنيث، فيرجّح تأنيثه باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشّأن).
ــ
البصريون حذف بعض الجمل المذكورة؛ لأنها مؤكدة له، ومدلول به على فخامة مضمونها. واختصارها مناف لذلك؛ فلا يجوز [1/ 176] كما لا يجوز ترخيم المندوب، ولا حذف حرف النداء قبله.
قال المصنف (1): «وبهذا يعلم أنّ ما أجازه الكوفيّون من: إنّه ضرب، وإنّه قام ونحوهما - غير مستقيم ولا سليم؛
لافتتاحه بمزيد الاعتناء بالمحدّث عنه، واختتامه بحذف ما لا بدّ منه» (2).
وأما تجويزهم نحو: ظننته قائما زيد، على أن يكون الهاء ضمير الشأن - فمردود أيضا؛ لأن سامعه يسبق إلى فهمه كون زيد مبتدأ مؤخرا، وكون ظننت ومفعوليها خبرا مقدما، وذلك مفوت للغرض الذي لأجله جيء بضمير الشأن؛ لأن من شرطه عدم صلاحية الضمير لغير ذلك، حتى يحصل به من فخامة الأمر ما قصده المتكلم.
قال ناظر الجيش: لا يجوز أن يكون ضمير الشأن مثنّى ولا مجموعا؛ لأنه كناية عن الشأن في التذكير، وعن القصة في التأنيث، وهما مفردان، فوجب إفراد ما هو كناية عنهما، فيقال: إنه أخواك منطلقان، وإنها جاريتاك حسنتان، وإنه إخوتك صالحون، وإنها إماؤك مطيعات. ولا تؤنث إلا إذا وليه مؤنث، كقوله تعالى:
فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا (3)، أو مذكر شبه به مؤنث نحو:
«إنّها قمر جاريتك» (4)، أو فعل بعلامة تأنيث مسند إلى مؤنث، كقوله تعالى: -
(1) شرح التسهيل (1/ 164).
(2)
وعلل ابن هشام ضعفه، فقال:«فيه فسادان: التّفسير بالمفرد، وحذف مرفوع الفعل» .
(المغني: 2/ 490).
(3)
سورة الأنبياء: 97.
(4)
إعراب إنها قمر جاريتك: إنّها: إن واسمها. قمر جاريتك: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والجملة خبر إن. ويجوز أن يعرب قمر مبتدأ (على رأي الكوفيين) وجاريتك فاعل سد مسد الخبر. ومثل هذا المثال الآية السابقة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ (1).
ومثله قول الشاعر:
280 -
على أنّها تعفو الكلوم وإنّما
…
يوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي (2)
فهذا وأمثاله التأنيث فيه أجود من التذكير؛ لأن مع التأنيث مشاكلة تحسن اللفظ مع كون التأنيث لا يختلف؛ إذ القصة والشأن بمعنى واحد، والتذكير مع ذلك جائز، كما قال أبو طالب:
281 -
وإلّا يكن لحم غريض فإنّه
…
تكبّ على أفواههنّ الغرائر (3)
وكما قال غيره:
282 -
نخلت له نفسي النّصيحة إنّه
…
عند الشّدائد تذهب الأحقاد (4)
-
(1) سورة الحج: 46.
(2)
البيت من بحر الطويل، من مقطوعة قالها أبو خراش الهذلي يرثي فيها أخاه عروة، وكان قد قتل بمكان اسمه قوس ونجا ابنه خراش وكانا معا يقول (ديوان الهذليين: 2/ 58).
حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا
…
خراش وبعض الشّر أهون من بعض
اللغة: تعفو: تبرأ وتذهب. الكلوم: جمع كلم وهو الجرح. جل: عظم.
والمعنى: أن الجروح والمصائب تنسى على مر الأيام، وإن عظمت - والإنسان لا يتذكر ولا يعيش إلا مصائب الوقت وأحداثه.
وشاهده واضح. والأبيات في شرح ديوان الحماسة أيضا (2/ 786) وفي الأمالي لأبي علي: (1/ 321)، كما أن الشاهد في معجم الشواهد (ص 205)، وفي شرح التسهيل (1/ 164)، وفي التذييل والتكميل (2/ 276).
(3)
البيت من بحر الطويل، قائله أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم يرثي فيه خاله أبا أمية بن المغيرة من قصيدة له في الديوان (ص 77) وما بعدها، وقبل بيت الشاهد قوله:
ضروب بنصل السّيف سوق سمانها
…
إذا عدموا زادا فإنّك عاقر
اللغة: نصل السّيف: حده. سوق سمانها: سيقانها السمينة. عاقر: ذابح. لحم غريض: طري.
تكبّ: تصب وتلقى. الغرائر: جمع غريرة، وهي الزكيبة يكون فيها الحنطة والدقيق وغيرها.
والبيتان غاية في المدح بالكرم: تعطي اللحم، فإن لم يكن لحم فمما يعيش به الإنسان من دقيق وغيره.
وشاهده قوله: فإنه تكب، حيث ذكر ضمير الشأن وإن جاء بعده فعل مؤنث.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 164)، وفي التذييل والتكميل (2/ 276)، وليس في معجم الشواهد.
(4)
البيت من بحر الكامل، وهو من مقطوعة لعويف بن معاوية بن حصن، شاعر مجيد مقل من شعراء الدولة الأموية، يسمى عويف القوافي. وهذه المقطوعة قالها في عيينة ابن أسماء، وكان متزوجا أخت -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلو كان المؤنث الذي في الجملة بعد مذكر لم يشبه به مؤنث فضلة أو كالفضلة - لم يكترث بتأنيثه فيؤنث لأجله الضمير، بل حكمه حينئذ التذكير، كقوله تعالى:
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (1).
وكقول الشاعر:
283 -
ألا إنّه من يلع عاقبة الهوى
…
مطيع دواعيه يبؤ بهوان (2)
وكذلك لا يكترث بتأنيث ما ولي الضمير من مؤنث شبه به مذكر، نحو «إنّه شمس وجهك» ولا بتأنيث فاعل فعل ولي الضمير بلا علامة تأنيث، نحو «إنّه قام جاريتك» هذا كله كلام المصنف (3).
وقال الشيخ (4): «أصحابنا ذكروا أن ضمير الأمر أو القصة يجوز أن يأتي بعدهما المذكّر والمؤنث، فتقول: هو زيد قائم، وهي زيد قائم، وهي هند ذاهبة، وهو هند ذاهبة [1/ 177] قال: وأما الكوفيون فزعموا أن المخبر عنه إن كان مذكرا فالضمير ضمير أمر، أو مؤنثا فالضمير ضمير قصة، ولا يجوز عندهم خلاف ذلك، وقد رد عليهم بقراءة من قرأ: أولم تكن لهم آية أن يعلمه علمؤا بنى إسرائيل (5).
فآية خبر مقدم لأن يعلمه، وأن يعلمه هو المبتدأ، وهو مذكر، والضمير في تكن -
- عويف هذا ثم طلقها فعاداه عويف. ولما سجن الحجاج عيينة في جبايات له وصله عويف وعطف عليه، وقال هذه المقطوعة.
وانظر القصة بالتفصيل وبقية الأبيات في الأمالي (2/ 218)، والتنبيه على الأمالي (ص 119)، وشرح ديوان الحماسة (1/ 263).
وشاهده كالذي قبله، والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 164)، وفي التذييل والتكميل (2/ 277).
(1)
سورة طه: 74.
(2)
البيت من بحر الطويل، غير مذكور في معجم الشواهد ولم ينسب فيما ورد من مراجع.
اللغة: عاقبة الهوى: نتيجته التي عامة ما تكون وخيمة. مطيع دواعيه: مستجيبا لأسبابه. يبؤ بهوان:
يرجع بخسران مبين.
المعنى: يذكر أن العاقل من يعرف نتائج الأمور، فلا يقرب الورد حتى يعرف الصدر، بخلاف غيره فإنه يبوء بالهوان. والبيت في شرح التسهيل (1/ 165)، وفي التذييل والتكميل (2/ 277).
(3)
في شرح التسهيل (1/ 165).
(4)
في التذييل والتكميل (2/ 278).
(5)
سورة الشعراء: 197.