الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الآراء في إعراب المثنى وجمع المذكر والأسماء الستة]
قال ابن مالك: (وليس الإعراب انقلاب الألف والواو ياء ولا مقدّرا في الثّلاثة ولا مدلولا بها عليه، ومقدّرا في متلوّها ولا النّون عوض من حركة الواحد ولا من تنوينه ولا منهما ولا من تنوينين فصاعدا خلافا لزاعمي ذلك، بل الأحرف الثّلاثة إعراب والنّون لرفع توهّم الإضافة أو الإفراد).
ــ[1/ 93] وقد رد الشيخ ذلك بما يوقف عليه في كلامه (1).
قال ناظر الجيش: ذكر المصنف في إعراب المثنى والمجموع أربعة مذاهب، أبطل ثلاثة منها واختار الرابع، وذكر في النون أربعة مذاهب لكنه أبطلها واختار أمرا خامسا، فقال (2): زعم قوم أن رفع المثنى والمجموع على حده
بلا علامة وأن ترك العلامة له علامة؛ فإذا حدث عامل جر أو نصب أوجب الانقلاب ياء كان إعرابا لحدوثه عن عامل، وهذا ظاهر قول الجرمي واختيار ابن عصفور (3) وهو مردود بوجوه:
أحدها: أن ترك العلامة لو صح جعله علامة الإعراب لكان النصب به أولى؛ لأن الجر له الياء وهي به لائقة لمجانسة الكسرة، والرفع له الواو وهي به لائقة لمجانسة الضمة وهي أصل ألف المثنى فأبدلت ألفا كما قيل في يوجل ياجل وفي يوتعد ياتعد فلم يبق للنصب إلا مشاركة الجر أو الرفع (4). -
(2)
انظر: شرح التسهيل (1/ 74).
(3)
انظر: شرح الجمل له (1/ 31)، وقال السيوطي في الهمع (1/ 48):
(4)
ناقشه أبو حيان في قوله: إن الواو أصل ألف المثنّى فقال: غير مسلّم بل جاءت الألف على الأصل وهي كألف حبلى (التذييل والتكميل: 1/ 290).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثاني من وجوه الرد: أن ذلك يستلزم مخالفة النظائر؛ إذ ليس في المعربات غير المثنى والمجموع على حده ما ترك العلامة له علامة وما أفضى إلى مخالفة النظائر دون ضرورة فمتروك (1).
الثالث: أن الرفع أقوى وجوه الإعراب؛ فالاعتناء به أولى وتخصيصه بجعل علامته عدمية مناف لذلك فوجب اطّراحه (2).
الرابع: أن تقدير الإعراب إذا أمكن راجح على عدمه بإجماع، وقد أمكن فيما نحن بسبيله فلا عدول عنه، وذلك أننا نقدر مغايرة الألف والواو في نحو: عندي اثنان وعشرون للألف والواو فيهما قبل التركيب، كما نقدر مغايرة الألف والواو والياء في نحو: نعم الزيدان أنتما يا زيدان ونعم الزّيدون أنتم يا زيدون، ومررت برجلين لا رجلين
مثلهما. وكما نقدر ضمة حيث مرفوعا بعد تسمية امرأة به غير ضمته قبل التسمية به، وضمة يضربون غير ضمة يضرب. وفتحة يا هندبنة عاصم غير فتحة ناد هندبنة عاصم وكسرة قمت أمس غير كسرة قمت بالأمس، وكما نقدر ضمة فلك في الجمع غير ضمته في الإفراد وياء بخاتي مسمى به غير يائه منسوبا إليه ولذلك صرف في النسب وأمثال ذلك كثيرة (3).
أما كون الإعراب مقدرا في الثلاثة (4) فمردود أيضا؛ إذ لازمه ظهور الفتحة في نحو: رأيت بنيك لأن ياءه كياء جواريك مع ما في جواريك من زيادة الثقل (5)، -
(1) ناقشه أبو حيان فيه، فقال: مذهب الجرمي في الأسماء الستة أنها معربة بالتغير والانقلاب حالة النصب والجر وبعدم ذلك حالة الرفع (المرجع السابق).
(2)
ناقشه أبو حيان فيه فقال: لا يعني بالعدم العدم الصرف؛ بل معناه بقاء الألف في المثنى وبقاء الواو في المجموع غير مغيرين؛ فالإعراب هو بقاء اللفظ على حاله (المرجع السابق).
(3)
الألف والواو في اثنان وعشرون بعد التركيب علامتا إعراب، وأما قبل التركيب فانظر الآراء في أسماء العدد، باب إعراب الصحيح الآخر.
والألف والواو والياء في نعم الزيدان
…
إلخ علامات إعراب تارة وعلامات للبناء تارة أخرى، وهو واضح؛ وحيث علما معرب وظرفا مبني وفتحة يا هند للبناء وفتحة ناد هند للإعراب وهكذا
…
إلخ.
(4)
هذا هو المذهب الثاني من المذاهب في إعراب المثنى والمجموع على حده وهو أن الإعراب مقدر على أحرف العلة وهو مذهب سيبويه كما سيبينه. وفي النسخ الثلاثة: وأما كون الإعراب مقدرا في التثنية فمردود وهو خطأ والصواب ما أثبتناه وهو من شرح التسهيل لابن مالك (1/ 74).
(5)
لعل زيادة الثقل في الثاني - مع أنهما جمعان - صيغة منتهى الجموع.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولما انتفى اللازم وهو ظهور الفتحة علم انتفاء الملزوم وهو تقدير الضمة والكسرة.
وأما القول الثالث وهو أن الإعراب مقدر في الحرف الذي كان حرف الإعراب قبل طروء التثنية والجمع وأن حروف اللين المتجددة دلائل عليه، فهو قول الأخفش والمبرد (1) وهو مردود أيضا من ثلاثة أوجه [1/ 94]:
أحدها: أن الحروف المتجددة مكملة للاسم؛ إذ هي مزيدة في آخره لمعنى لا يفهم بدونها كألف التأنيث وتائه وياء النسب. فكما لم يكن ما قبل هذه محلّا للإعراب كذلك لا يكون ما قبل الأحرف الثلاثة محلّا له إذا الإعراب لا يكون إلا آخرا.
الثاني: أن الإعراب لو كان مقدرا فيما قبلها لم تحتج إلى تغييرها كما لم تحتج إلى تغيير بعد الإعراب المقدر قبل ياء المتكلم وفي ألف المقصور.
الثالث: أن الإعراب إنما جيء به للدلالة على ما يحدث بالعامل والحروف المذكورة محصلة لذلك فلا عدول عنها.
وإذا بطلت الثلاثة تعين الحكم بصحة الرابع: وهو أن الأحرف الثلاثة هي الإعراب، انتهى كلام المصنف (2).
واعلم أن هذا المذهب الذي اختاره هو مذهب الكوفيين وقطرب. وقد رد المذهب المذكور بأن الإعراب زائد على الكلمة ولو قدر إسقاطه لم يخل بمعناها، ولو -
(1) انظر المقتضب: (2/ 153) وما بعدها. وقد نسب ابن مالك وأبو حيان وناظر الجيش هذا الرأي للمبرد وهو أن المثنى والمجموع معربان بحركات مقدرة على الحرف الذي كان حرف الإعراب قبل طروء التثنية والجمع. وفي المقتضب (1/ 5) غير ذلك، يقول المبرد:
إذا ثنيت الواحد ألحقته ألفا ونونا في الرفع أما الألف فإنها علامة الرفع
…
أما إذا كان الاسم مجرورا أو منصوبا فعلامته ياء مكان الألف
…
وإذا جمعته على حد التثنية ألحقته في الرفع واوا ونونا، أما الواو فعلامة الرفع
…
ويكون معه في الجر والنصب ياء مكان الواو. هذا رأيه عرضه صريحا وهو واضح.
وأعاد الكلام مرة أخرى في (2/ 153).
هذا أقصى ما قاله المبرد في كتابه ولا أرى فيه ما رأى العلماء. والسيوطي يحشر في إعراب المثنى خمسة عشر علما منهم الأخفش ولا يذكر فيهم رأيا للمبرد. (الهمع 1/ 47، 48).
(2)
انظر: شرح التسهيل (1/ 75).
ومعنى قوله: إن الأحرف الثلاثة إعراب أي أن الألف في الزيدان والواو في الزيدون والياء في الزيدين والزيدين علامات الإعراب وهو المشهور في أعاريب الناس إلى يومنا هذا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قدر زوال هذه الأحرف لاختل معنى التثنية والجمع؛ لأن هذه الأحرف دالة عليهما كما لو قدر زوال تاء التأنيث وألفه وياء النسب لاختل معنى الكلمة الذي هو المقصود بدلالة هذه الأحرف عليه.
ومذهب سيبويه والخليل رحمهما الله تعالى: أنّ الإعراب مقدّر في الأحرف الثّلاثة (1).
وهو القياس ولا يرد عليه سوى ما تقدم من لزوم ظهور الفتحة في نحو: رأيت بنيك.
وقد أجيب عنه بأنهم لما حملوا حالة النصب على حالة الجر في التثنية والجمع في الياء جعلوا الحكم في الياء حكما
واحدا. فلما قدروا الكسرة في الياء حالة الجر كذلك قدروا الفتحة حالة النصب.
وأما ما ألزمه ابن عصفور من أنه يجب أن تكون تثنية المنصوب والمخفوض بالألف لتحرك الياء فيهما وانفتاح ما قبلها (2) - فليس بشيء لأن الحركة هنا عارضة والمعتبر في مثل هذا أصالة الحركة؛ ولهذا لم تنقلب في نحو جيل مخفف جيأل.
وأما النون فقال المصنف: ليست عوضا من حركة الواحد؛ لأن الأحرف الثلاثة -
(2)
انظر: ما قاله ابن عصفور في شرح الجمل له (1/ 31).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نائبة عن الحركات وقائمة مقامها في بيان مقتضى العامل؛ فلا حاجة إلى التعويض.
وليست عوضا من تنوينه لثبوتها فيما لا تنوين في واحده نحو: يا زيدان ولا رجلين فيها (1).
وإذا لم تكن عوضا من أحدهما (2) فأن لا تكون عوضا منهما معا أو من تنوينين فصاعدا أحق وأولى.
وأشير بالتعويض من تنوينين فصاعدا إلى ما رآه ثعلب (3) من أن نون التثنية عوض من تنوينين، ونون الجمع عوض من تنوينات على حسب الآحاد.
وضعف هذا القول غير خاف، عفا الله عن قائله وعنا.
وإذا بطلت الأوجه المتقدمة ثبت صحة ما قلناه: وهو كون النون رافعة لتوهم إضافة أو إفراد.
فرفع توهم الإضافة بيّن، وذلك أنه لو لم يكن بعد الأحرف المذكورة نون لم يعلم إضافة من عدمها في نحو: رأيت بني كرماء وعجبت من ناصري باغين (4).
ورفع توهم الإفراد أيضا بيّن في مواضع:
منها: تثنية اسم الإشارة وبعض المقصورات نحو: هذان والخوزلان في تثنية الخوزلى (5).
ومنها: جمع المنقوص [1/ 95] في حال الجر نحو: مررت بالمهتدين وانتسبت إلى أبين كرام، فلولا النون في هذه وما أشبهها لكان لفظ الواحد كلفظ الجمع. -
(1) وثبوتها أيضا مع الألف واللام والتنوين لا يثبت معهما (الهمع: 1/ 48).
(2)
أي: من الحركة والتنوين.
(3)
في النسخ: إلى ما رواه ثعلب وما أثبتناه من شرح المصنف نفسه وهو أولى. وانظر إسناد هذا الرأي لثعلب في التذييل والتكميل (1/ 291).
(4)
أي تعين بحذف النون أن الأول مضاف إلى الثاني وأن المقصود: رأيت أبناء رجال كرماء. وعجبت من قوم ينصرون الباغين، فإذا لم يكن المقصود بحذف النون الإضافة فإن المعنى على الوصف أي: رأيت أبناء كرماء. وعجبت من ناصرين باغين. وفرق كبير بين المعنيين.
(5)
الخوزلى: مشية فيها تثاقل. وفي النسخ اضطراب في هذا السطر، صححناه من شرح التسهيل (1/ 75).