الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ترتيب المعارف]
قال ابن مالك: (وأعرفها ضمير المتكلم، ثمّ ضمير المخاطب، ثمّ العلم، ثمّ ضمير الغائب السّالم عن إبهام، ثمّ المشار به، والمنادى، ثمّ الموصول وذو الأداة؛ والمضاف بحسب المضاف إليه).
ــ
وأما الموصول: فذهب الأخفش (1) إلى أنه معرف باللام، وما ليس فيه لام كمن وما، فهو في معنى ما هي فيه، وأما أيهم فإنه معرف بالإضافة، وعلى هذا الأكثرون من النحاة؛ فالموصول على هذا من قبيل المعرف باللام أيضا.
وذهب الفارسي (2) إلى أن تعريفه بالعهد الذي في الصلة؛ وهذا هو رأي المصنف، ولذا عده قسما برأسه.
وقد رد هذا المذهب بأن الصلة تتنزل من الموصول منزلة الجزء، فكما أن جزء الشيء لا يعرف الشيء، كذلك ما نزل منزلته. وفي هذا الرد نظر لا يخفى (3).
قال ناظر الجيش: اعلم أن معنى كون بعض المعارف أعرف من الآخر، أن يكون أقل اشتراكا من الذي أعرف منه، فيكون تطرق الاحتمال إلى الأعرف أقل من تطرقه إلى غير الأعرف، وعلى هذا يندفع ما ذكر عن ابن حزم الظاهري (4) -
- الكتاب: (2/ 5 - 8). وقد أسقط أبو حيان العبارة السابقة من شرحه؛ فدل ذلك على دقته؛ لكن شارحنا ذكرها تبعا لابن مالك. عفا الله عن الجميع.
(1)
انظر: التذييل والتكميل (2/ 111)، والهمع (1/ 55).
(2)
قال أبو علي - في المسائل الشيرازيات (ص 419) بعد كلام في الموصول -: «
…
وهكذا ينبغي أن يكون في القياس؛ لأن الذي إنما يتعرف بالصلة وليس يتخصص بلام المعرفة؛ ألا ترى أن أخوات الذي معارف ولا ألف ولام فيهن، وإنما اختصصن بصلاتهن، ولو اختص الذي بلام المعرفة للزم أن يكون في الاسم تعريفان. وهذا خلف».
(3)
هذا النظر يقال فيه: إن الصلة وإن تنزلت من الموصول منزلة الجزء، إلا أنها مستقلة في اللفظ والوضع، ولها شروط خاصة تدل على استقلالها، مما يمنع أن تكون سببا في تعريف موصولها. وعلى فرض جزئيتها من الموصول فلا يمتنع التعريف بها أيضا، ألا ترى أن أل في الاسم سبب في تعريفه وأنها جزء منه بدليل أن العامل يتخطاها (الهمع: 1/ 79) وأكثر المعارف تعريفها بالمعاني؛ فالضمائر بالتكلم والخطاب والغيبة، وأسماء الإشارة بالإشارة والمنادى بالقصد
…
إلخ.
(4)
هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة بالأندلس، وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة؛ فزهد فيها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من فضلاء الباحثين -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رحمه الله تعالى، من أن المعارف كلها مستوية الرتبة، فلا يصح أن يقال: هذا أعرف من هذا؛ لأن المعرفة لا تتفاضل. ولا يصح أن يقال: عرفت هذا أكثر من هذا؛ لأنه يكون في حق المرجوح المعرفة جهلا؛ فالذي أشار إليه ابن حزم وإن كان صحيحا في نفسه هو غير ما أراده أهل الصناعة النحوية (1).
ثم إن المنادى والموصول لم يخصا بالذكر عند التعرض لذكر التفاضل بين المعارف:
أما على رأي من لا يعدهما قسمين برأسيهما فظاهر، وأما على رأي من يعدهما كالمصنف، فلأنه جعل المنادى في رتبة المشار إليه، والموصول في رتبة ذي الأداة؛ فعلى هذا إنما يذكر التفاضل بين الخمسة الباقية وهي:
المضمر، والعلم، والمشار به، وذو الأداة (2)، والمضاف إلى أحدهما.
واعلم أنه ما من شيء من المعارف المذكورة إلا قيل إنه أعرف من بقيتها إلا المضاف. وسببه أن المضاف إنما يكتسب التعريف من الذي أضيف إليه، فلا يمكن جعله أعرف مما اكتسب منه التعريف.
إذا تقرر هذا: فقيل: المضمر أعرفها، وعلى ذلك الجمهور وهو مذهب سيبويه، وقيل: العلم أعرفها، وعزي إلى الكوفيين والصيمري (3)، وقيل: اسم الإشارة أعرفها، ونسب إلى ابن السراج، وقيل: المعرف بأل أعرفها.
والأصح: أن الضمير أعرفها، ثم يليه العلم، ثم اسم الإشارة، ثم ذو الأداة، وهذا هو الذي أورده المصنف. وقد تقدم أن المنادى في رتبة المشار به؛ وأن الموصول -
- والمؤلفين والعلماء. من مؤلفاته: طوق الحمامة في الأدب، وجمهرة الأنساب في التراجم، وغير ذلك من الكتب، وتوفي سنة (456 هـ)، ترجمته في الأعلام (5/ 59).
(1)
الهمع (1/ 55).
(2)
ويدخل في المشار به وفي مرتبته: المنادى، كما يدخل الموصول في ذي الأداة ويكون في مرتبته.
(3)
هو عبد الله بن علي بن إسحق الصيمري النحوي أبو محمد، قال السيوطي: له التبصرة في النحو، وهو كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب. وقال: أكثر أبو حيان من النقل عنه. انظر ترجمته وأخباره في بغية الوعاة (2/ 49). وكتاب التبصرة المذكور طبع في دار الفكر بدمشق سنة (1982 م) بتحقيق الدكتور فتحي أحمد مصطفى علي الدين (جزآن في مجلدين). وانظر رأي الصيمري في أعرف المعارف، كتابه المذكور (1/ 95، 172).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في رتبة ذي الأداة (1).
وأما المضاف إلى أحدها ففيه ثلاثة مذاهب:
أحدها: أن ما أضيف إلى شيء فهو في رتبة ذلك الشيء، وهو رأي جماعة منهم المصنف.
الثاني: أن ما أضيف [1/ 127] إلى شيء فهو دون ما أضيف إليه في الرتبة وهو قول المبرد.
الثالث: التفصيل وهو إن أضيف إلى غير المضمر فهو في رتبته، وإن أضيف إلى المضمر فهو في رتبة العلم (2).
وذكر ابن عصفور (3) أنه مذهب سيبويه.
واختار الشيخ أن العلم أعرف المعارف، ثم المضمر، ثم المبهم، ثم ذو الأداة؛ -
(1) في أعرف المعارف وآراء النحاة في ذلك وإسناد كل رأي إلى صاحبه، ما قرره ناظر الجيش هنا تابعا لأبي حيان في شرحه:(2/ 112، 113، 114). وجاء بعد ذلك صاحب الهمع (1/ 55) وقرر ما قرراه، وبعد تحقيق هذه الآراء ونسبتها إلى أصحابها ظهر لي:
1 -
أن سيبويه لم ينص على أن أعرف المعارف هو الضمير؛ وإنما حين ذكر أنواع المعرفة الخمسة بدأ بالعلم وختم بالضمير. انظر الكتاب (2/ 5 - 8).
2 -
قال محقق التذييل والتكميل (د. مصطفى حبالة) في نسبة أعرف المعارف العلم إلى الصيمري بعد نقول عنه من كتابه التبصرة: وبذلك يتبين لنا أن الصيمري يرى أن المضمر هو أعرف المعارف، وليس كما يقول أبو حيان ها هنا عنه (التذييل والتكميل (1/ 394) - رسالة دكتوراه بكلية اللغة بالقاهرة).
3 -
قال محقق التذييل والتكميل أيضا في نسبة أعرف المعارف اسم الإشارة إلى ابن السراج، قال:
لم أجد في أصول ابن السراج ما يفيد ذلك. تنظر الأصول في النحو (1/ 176) وفيها يقول: والمعرفة خمسة أشياء: الاسم المكنى عنه وهو الضمير والمبهم والعلم، وما فيه الألف واللام، وما أضيف إليهن (التذييل والتكميل: 1/ 394 - الرسالة).
(2)
انظر في المذهب الأول شرح التسهيل (1/ 117) والجماعة هم ابن طاهر وابن خروف؛ وانظر المذهب الثاني في المقتضب: (4/ 143) وفيه حديث للمبرد عما توصف به المعارف من أنواع المعارف، وذكر أن المضاف إلى شيء لا يوصف بذلك الشيء بل بأدنى منه، ومثل له بقوله: مررت بأخيك الطويل، وجاء غلام زيد القاتل، ومررت بأخيك ذي المال، ورأيت أخاك ذا الجمة، وجاءني أخوك هذا. وانظر في المذهب الثالث التذييل والتكميل (1/ 397)، وأصحاب التفصيل هم الأندلسيون.
وانظر في المذاهب الثلاثة الهمع (1/ 56).
(3)
انظر شرح الجمل له: (1/ 153) تحقيق الشغار؛ قال ابن عصفور: وهو الصحيح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فجرى على الترتيب المذكور آنفا، غير أنه قدم العلم على المضمر، قال:
وهذا الذي ذهب إليه الشيخ من أن المضمر وبقية المعارف غير العلم كليات وضعا - ذهب إليه بعض المتأخرين من علماء الأصول، فاستشكل كونهم جعلوا الضمير أعرف المعارف.
والحق أن المضمر جزئي وضعا؛ وذلك أن أنا مثلا وضع للمتكلم، والمتكلم حال التكلم معين. وأنت للمخاطب والمخاطب حال الخطاب معين، وكذا بقية الضمائر.
واسم الإشارة أيضا وضع للمشار إليه، وهو معين حال الإشارة إليه، فلم يوضع كل من الضمير واسم الإشارة إلا لمعين.
ثم إذا كان المضمر أعرف من بقية المعارف، فإن تعريفه في نفسه متفاوت بالنسبة إلى أنواعه، فضمير المتكلم
أعرف. قال المصنف: لأنه يدل على المراد به بنفسه، وبمشاهدة مدلوله، وبعدم صلاحيته لغيره وبتميز صوته (2).
ثم ضمير المخاطب؛ لأنه يدل على المراد به بنفسه وبمواجهة مدلوله. ويقتضي قولهم: إن الضمير أعرف المعارف أن يلي ضمير المخاطب في الرتبة ضمير الغائب، وقد صرح ابن عصفور بذلك (3).
لكن المصنف جعل رتبة العلم قبل رتبة ضمير الغيبة، قال: لأن العلم يدل على المراد به حاضرا وغائبا على سبيل الاختصاص.
قال الشيخ: «لا أعلم أحدا جعل العلم أعرف من ضمير الغائب إلّا المصنف» (4).
وقيد المصنف ضمير الغائب بكونه سالما عن إبهام ومثله بقوله: زيد رأيته، قال: -
(1) انظر: التذييل والتكميل (2/ 114).
(2)
في النسخة (جـ): (وبتميز صورته) وكلاهما مفيد.
(3)
انظر شرح الجمل له (2/ 239) بتحقيق الشغار.
(4)
انظر: التذييل والتكميل (2/ 114) ونص ما قاله أبو حيان: لا أعلم أحدا
…
إلا هذا الرجل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«فلو تقدمه اسمان أو أكثر نحو: قام زيد وعمرو كلمته - لتطرق إليه إبهام، ونقص تمكنه في التّعريف» انتهى (1).
وعلى ما قرره لم تعرف رتبة الضمير المتطرق إليه الإبهام ما هي في التعريف؛ والظاهر أنها دون رتبة الضمير السالم عن الإبهام، وفوق رتبة المشار إليه (2).
وقول المصنف: ثمّ المشار به والمنادى - قد تقدم أن المشار به دون العلم في الرتبة وأن المنادى في رتبته؛ وقوله: ثم الموصول وذو الأداة تقدم أن ذا الأداة بعد المشار إليه في الرتبة، وأن الموصول في رتبته. قال المصنف:«وهو بحسب صلته يتكمل تعريفه بكمال وضوحها وينقص بنقصانها» (3) وكلامه في الشرح يشعر بتقديم الموصول في الرتبة على ذي الأداة [1/ 128](4).
قال ابن عصفور - بعد أن ذكر أعرف المضمرات - (5): «وأعرف الأعلام أسماء الأماكن، ثم أسماء الأناسي، ثم أسماء الأجناس. وأعرف الإشارات ما كان للقريب ثم للمتوسط ثم للبعيد؛ وأعرف ذي الأداة ما كان فيه للحضور ثم للعهد في شخص، ثمّ للعهد في جنس. وأسماء الأجناس لا يعرف تعريفها من تنكيرها إلا بالاستقراء. فمما هو معرفة ابن آوى وابن قرة (6)، ومما هو نكرة ابن لبون وابن مخاض، ومما جاء معرفة ونكرة ابن عرس.
وأما ابن أوبر فزعم سيبويه أنه معرفة لامتناعه من الصرف (7)، وقال المبرد: هو نكرة لدخول اللام (8) عليه في قول الشاعر: -
(1) انظر: شرح التسهيل (1/ 116).
(2)
في نسخة (ب)، (جـ): المشار به.
(3)
شرح التسهيل: (1/ 116، 117).
(4)
وذلك لأنه تحدث عن ذي الأداة بعد الموصول في الشرح وعطف عليه بثم، أما في المتن فعطفه بالواو، وكان يعطف بثم عند الانتقال إلى الرتبة الأخرى. قال أبو حيان: وثبت في بعض النسخ ثم ذو أداة، فجعل ذا الأداة في التعريف بعد الموصول. (التذييل والتكميل: 2/ 116).
(5)
شرح الجمل لابن عصفور (2/ 239).
(6)
ابن آوى: دابة صغيرة، وابن قرة: ابن الضفدع، وابن أوبر: كمأة صغيرة مزغبة في لون التراب.
(7)
الكتاب: (2/ 94): يقول: هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في الأمة ثم يقول:
ومنه أبو جخادب وهو ضرب من الجنادب، كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة.
(8)
المقتضب: (1/ 48، 49) ثم خرج دخول الألف واللام عليه بأنها للمح الأصل مثلها في الفضل والعباس، أو أن الكلمة صارت مثل هذا ابن عرس وابن عرس آخر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
179 -
[ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا]
…
ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (1)
وعند من يرى مذهب سيبويه تكون أل في هذا الاسم زائدة». انتهى ملخصا (2).
وقوله: والمضاف بحسب المضاف إليه قد تقدم ذكر المذاهب فيه، وأن مذهب سيبويه أن المضاف في رتبة المضاف إليه؛ إلا المضاف إلى المضمر فإنه في رتبة العلم. وإنما جعلوا المضاف إلى المضمر دونه في الرتبة؛ لئلا يكون مساويا للمضمر في التعريف؛ والغرض أن المضمر فقط أعرف المعارف، فلا يشاركه غيره؛ وليس بعد المضمر رتبة تليه إلا رتبة العلم؛ فقالوا: هو في رتبة العلم، ولا يخفى ضعف هذا التعليل (3).
وأما من جعل المضاف في رتبة المضاف إليه مطلقا، فعمدته في ذلك أن سيبويه حكم بذلك فيما أضيف إلى ذي الأداة، فعمم هؤلاء الحكم (4).
وقد قيل إن سيبويه لم يطلق التسوية إلا في المضاف إلى ذي الأداة؛ وموجب ذلك أن ذا الأداة أقل وجوه التعريف،
فلا انحطاط بعده.
وأما أبو العباس المبرد فإنه حمل المضاف إلى كل واحد من الثلاثة غير المضمر على -
(1) البيت من بحر الكامل، وقد ورد في مراجع كثيرة من كتب النحو واللغة (انظر ذلك في معجم الشواهد ص 188) ولم ينسب فيها.
اللغة: جنيتك: أصلها جنيت لك ومثله كثير، وهو تعدى اللازم بنفسه وحذف حرف الجر. أكمؤا:
مفرده كمء واسم جمعه كمأة على العكس من باب تمرة وتمر، ومعناه ضرب من النبات. وعساقلا:
جمع عسقل بزنة جعفر أو عسقول وهو ضرب من الكمأة أبيض. بنات الأوبر: كمأة صغيرة رديئة الطعم تلسع. والشاعر يأمر صاحبه بأكل نوع وينهاه عن نوع.
ودار هذا البيت في كتب النحاة، مختلفين على بنات أوبر: معرفة أو نكرة؟ فقيل: معرفة لامتناعه من الصرف وأل فيه زائدة، وقيل: نكرة لدخول الألف واللام عليه. (التذييل والتكميل: 2/ 126، وشرح التسهيل: 1/ 259).
(2)
انظر شرح الجمل لابن عصفور (جـ 2، ص 239) وقد لخصه الشارح كما قال بحذف الأمثلة.
(3)
أي: ما المانع أن يكون المضاف إلى الضمير كالضمير في الرتبة؟.
(4)
ثم مثل لذلك أثناء كلامه. وتوضيح كلامه في الشرح.