الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الملحق بالمثنى وأنواعه]
قال ابن مالك: (وما أعرب إعراب المثنّى مخالفا لمعناه أو غير صالح للتّجريد وعطف مثله عليه فملحق به وكذلك كلا وكلتا مضافين لمضمر ومطلقا على لغة كنانة).
ــ
وعلى هذه اللغة قراءة من قرأ: إن هذن لسحرن (1).
وأنكر أبو العباس هذه اللغة وهو محجوج بنقل الثقات أنها لغة لطوائف من العرب (2).
قال ناظر الجيش: من الكلام ما صورته صورة المثنى وليس بمثنى صناعي؛ لكنه محمول في إعرابه على المثنى. والكلام على هذا الموضع يظهر فائدة قيود حد المثنى -
- عيره بأمه مطلعها:
يعيّرني أمّي رجال ولن ترى
…
أخا كرم إلّا بأن يتكرّما
وهل لي أمّ غيرها إن تركتها
…
أبى الله إلّا أن أكون لها ابنما
وانظر القصيدة والشاهد في هذه المراجع: الأصمعيات (ص 244)، الشعر والشعراء (1/ 186)، مختارات ابن الشجري (ص 151).
اللغة: أطرق: سكت. الشجاع: ضرب من الحيات عظيم. مساغا: مدخلا. صمما: عض.
ومعناه: أنه يسكت سكوت الحية التي إذا رأت مكانا لنابيها قتلت ولدغت. ويستشهد به في قوله: لناباه حيث ألزم المثنى الألف في حالة الجر. والبيت في معجم الشواهد (ص 321) وفي شرح التسهيل (1/ 63)، والتذييل والتكميل (1/ 246).
ترجمة المتلمس: هو جرير بن عبد المسيح بن عبد الله ولقب بالمتلمس لبيت قاله فيه هذا اللقب وهو خال طرفة بن العبد، وقصتهما مع عمرو بن هند مشهورة - وملخصها أنهما قد هجياه ثم مدحاه فكتب لهما كتابا إلى عامله بالحيرة ظنّا فيه الخير وكان فيه حتفهما، ففض المتلمس كتابه وفهم ما فيه ثم هرب إلى الشام. أما طرفة فركب رأسه ومضى إلى عامل الحيرة فقتله وأصبحت صحيفة المتلمس يضرب بها المثل لكل من قرأ صحيفة فيها قتله. وانظر ترجمة المتلمس في هذه المراجع: وفيات الأعيان (6/ 92)، الشعر والشعراء:(1/ 185)، خزانة الأدب (6/ 345).
(1)
سورة طه عليه السلام: 63. وانظر الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ص 242) قال: «أجمع القراء على تشديد نون إنّ إلّا ابن كثير وحفص عن عاصم فإنهما خففاها. وأجمعوا على لفظ الألف في قوله: (هذن) إلا أبا عمرو فإنه قرأها بالياء وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلا ابن كثير فإنه شدّدها». ثم احتج ابن خالويه لهذه القراءات كلها وبين أوجهها. وخرّج تشديد نون إن ولزوم الألف في (هذن) على لغة بلحارث بن كعب كما ذكر الشارح.
(2)
قال أبو حيان: «وذهب أبو العباس إلى إنكار هذه اللغة ولا يجيز مثلها في كلام ولا شعر، وهو محجوج بنقل النحاة الثقات من هؤلاء الطوائف من العرب» . (التذييل والتكميل 1/ 248).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المتقدم الذكر (1). فمن المحمول على المثنى: ما قصد به التكثير: وإليه الإشارة بقوله:
مخالفا لمعناه أي لمعنى المثنى لدلالته على أكثر من اثنين وإن صلح للتجريد وعطف مثله عليه وذلك ككرتين من قوله تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ (2) المعنى كرات لأن بعده: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (3)[1/ 85] أي مزدجرا وهو كليل ولا يكون ازدجار وكلال بكرتين فحسب بل بكرات.
ولقائل أن يقول: إن كرتين إنما دل على اثنين والكثرة إنما فهمت من السياق.
وفائدة العدول عن لفظ الجمع وهو كرات إلى لفظ التثنية: الدلالة على أن المقصود إتباع كل رجعة من رجع البصر بأخرى؛ فالمراد نظرة تتبعها نظرة، ثم نظرة تتبعها نظرة. وكذا كل ما ذكر أنه يراد به التكثير يمكن تخريجه على هذا. وإذا كان كذلك فهو مثنى حقيقة لا محمول عليه.
قال المصنف: «ومنه أي من المثنى الّذي يراد به التكثير: قولهم: سبحان الله وحنانيه وقولهم:
99 -
ومهمهين قذفين مرتين
…
ظهراهما مثل ظهور التّرسين
جبتهما بالسّمت لا بالسّمتين (4)
قال الفراء: «أراد ومهمه بعد مهمه» (5). -
(1) وقد حدّه بقوله: هو ما دل على اثنين بزيادة صالحا للتجريد منها، وعطف مثله عليه.
(2)
سورة الملك: 4.
(3)
السورة السابقة والآية.
(4)
أبيات من مشطور السريع نسبت لخطام المجاشعي ولغيره.
اللغة: مهمه: بزنة جعفر، الصحراء المقفرة. وقذفين (متحركات): البعيد من الأرض. مرتين: مثنى مرت وهي أرض لا ماء فيها ولا نبات. ظهراهما: ما ارتفع منهما.
الترسين: مثنى ترس بضم فسكون من أدوات الحرب يتقى به الضرب، ووجه الشبه الصلابة في كل.
جبتهما بالسمت: سرت فيهما بالظن. والشاعر يصف نفسه بالحذق والمهارة والعرب تفتخر بمعرفة الطرق وتعير الجاهل بها. والواو في أوله واو رب وجوابها قوله: جبتهما. وما بعد المجرور بالواو نعوت له.
ويستشهد بالأبيات على أن المراد بالمثنى فيها الجمع والتكثير. وهي في شرح التسهيل (1/ 64)، وفي التذييل والتكميل (1/ 250) وفي معجم الشواهد (ص 543).
(5)
لم يقل الفراء ذلك ولكنه جعل البيت شاهدا لإرادة المفرد من المثنى، قال بعد أن أنشد البيتين: يريد مهمها وسمتا واحدا. انظر معاني القرآن له: (2/ 118).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا النوع قد يغني عنه التجريد وعطف مثله عليه وهو مع ذلك دال على أكثر من اثنين، كقول جرير:
100 -
إنّا أتيناك نرجو منك نافلة
…
من رمل يبرين إنّ الخير مطلوب
تخدي بنا نجب أفنى عرائكها
…
خمس وخمس وتأويب وتأويب (1)
وكقول الأفوه الأودي (2):
101 -
إنّ النّجاة إذا ما كنت ذا بصر
…
من ساحة الغيّ إبعاد فإبعاد (3)
وقول الآخر:
102 -
لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمهم
…
ميتا وأبعدهم عن منزل الذّام (4)
-
(1) البيتان من بحر البسيط من قصيدة لجرير يمدح فيها أيوب بن سليمان بن عبد الملك وفيها يقول:
إنّ الإمام الّذي ترجى نوافله
…
بعد الإمام ولي العهد أيّوب
وانظر القصيدة والشاهد في الديوان.
اللغة: نافلة: يريد العطايا. يبرين: موضع في جزيرة العرب كثير الرمال. تخدي: تسرع يقال: خدت الناقة تخدي من باب ضرب أي أسرعت وروي تجري. نجب: جمع نجيبة وهي الناقة الكريمة. عرائكها:
جمع عريكة وهي أسنمة الجمال. خمس وخمس: الخمس بكسر الخاء الإبل ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع. التأويب: الرجوع.
ويستشهد بالبيت على جواز تجريد الكلمة من التثنية وعطف مثلها عليها، ويكون المعنى على التكثير.
والبيت في معجم الشواهد (ص 47) وشرح التسهيل (1/ 64)، والتذييل والتكميل (1/ 250).
(2)
هو صلاءة بن عمرو من مذحج ويكنى أبا ربيعة شاعر جاهلي يماني كان سيد قومه وقائدهم في حروبهم وهو أحد الكماة الشعراء في عصره. لقب بالأفوه لأنه غليظ الشفتين ظاهر الأسنان وهو القائل:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
…
ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
له ديوان مطبوع أو بعض منه في كتاب الطرائف الأدبية. وانظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 229) الأعلام (3/ 298).
(3)
البيت من بحر البسيط من قصيدة للأفوه الأودي أكثرها في الحكم ومنها البيت الذي ذكر في ترجمته.
وانظر القصيدة في كتاب الطرائف الأدبية وفيه ديوان الأفوه ص 10. ويستشهد به على ما في البيت قبله.
والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل (1/ 64)، والتذييل والتكميل (1/ 251).
(4)
البيت من بحر البسيط من مقطوعة قصيرة لعصام بن عبيد الزماني اليماني. من بني زمان ابن مالك ابن صعب وقبل بيت الشاهد قوله يعاتب رجلا يدعى أبا مسمع:
أبلغ أبا مسمع عنّي مغلغلة
…
وفي العتاب حياة بين أقوام
أدخلت قبلي قوما لم يكن لهم
…
في الحقّ أن يدخلوا الأبواب قدّامي
-
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد يغني في هذا النوع التكرير عن العطف: ومنه قوله تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (1) أي دكّا بعد دك وصفّا بعد صف.
ومن المعرب كمثنى وهو في المعنى جمع: قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (2) وقوله عليه السلام: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا» (3).
ومنه قول الشاعر:
103 -
تلقى الأوزون في أكناف دارتها
…
تمشي وبين يديها البرّ منثور (4)
أراد بين أيديها. انتهى كلام المصنف (5).
ويمكن أن يكون بين أخويكم، والبيعان بالخيار مثنيين حقيقة؛ فلا يكونان من -
=
لو عدّ قبر وقبر ....
…
................
…
إلخ انظر شعره وأخباره في معجم الشعراء (ص 114) وديوان الحماسة (3/ 1120). وهو في بيت الشاهد يقول: لو عد أصحاب القبور كنت أكرمهم أبا وأشرفهم بيوتا وأبعدهم عن منزل العيب والذم.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 64)، وفي التذييل والتكميل (1/ 250)، وليس في معجم الشواهد.
(1)
سورة الفجر: 21، 22.
(2)
سورة الحجرات: 10.
(3)
الحديث في صحيح مسلم (5/ 9) كتاب البيوع. وهو أيضا في سنن ابن ماجه (2/ 736) كتاب التجارات. وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (2/ 4، 9، 311).
(4)
البيت من بحر البسيط من قصيدة للنابغة الذبياني في ديوانه (ص 76)، وهو مما اكتشفت قائله.
وهو في البيت يصف أمامة ابنته وهي في دارها. ورواية الديوان:
تلقى الإوزّين في أكناف دارتها
…
بيضا وبين يديها التّبن منشور
اللغة: الأوزون: جمع أوزة وهي البط. دارة: هي الدار. البرّ: القمح، واستشهد بالبيت هنا على أن المثنى قد يراد به الجمع وهو قوله: بين يديها كما استشهد به في موضع آخر وهو جمع إوزة جمع مذكر سالم. والبيت في شرح التسهيل (1/ 65)، والتذييل والتكميل (1/ 251)، وشرح المفصل (5/ 5)، وليس في معجم الشواهد.
ترجمة النابغة: هو زياد بن معاوية ويكنى أبا أمامة نبغ في الشعر بعد ما كبر وهو من أحسن الشعراء ديباجة وأكثرهم رونقا؛ فضله عمر بن
الخطاب على الشعراء ببيت له. له في النعمان بن المنذر مدائح مشهورة وله فيه أيضا اعتذاريات مختلفة، توفي قبل بعثة النبي عليه السلام سنة (604 م).
له ديوان شعر مطبوع وعملت فيه كتب ومقالات كثيرة. انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (1/ 163).
(5)
انظر: شرح التسهيل (1/ 65).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القبيل الذي ذكره. وأما وبين يديها البر منثور: فاليدان فيه كناية عن الأمام؛ إذ لا أيدي للأوز، فليس ذلك مما ذكره في شيء.
ومن المحمول على المثنى أيضا: ما هو غير صالح للتجريد وعطف مثله عليه: نحو الكلبتين لآلة الحداد، ونحو البحرين والدونكين علمين لموضعين؛ فإن هذه الكلمات غير صالحة للتجريد. ونحو القمرين والعمرين والأبوين فإنها وإن صلح كل منها للتجريد لا يصلح لعطف مثله عليه بل لعطف مباينه عليه. قال المصنف (1):
«فإن قيل في نحوها مثنّى فبمقتضى اللّغة لا الاصطلاح، كما يقال لاسم الجمع جمع» . قال المصنف:
«ومن المعرب إعراب المثنى وليس مثنى في الاصطلاح لعدم الصلاحية للتجريد:
اثنان واثنتان والمذروان وقول بعض العرب: جنبك الله الأمرّين: أي الفقر والعري، وكفاك شر الأجوفين: أي البطن والفرج، وأذاقك البردين: أي الغنى والعافية» انتهى (2).
ودعواه أن المذروين والأمرّين، والأجوفين، والبردين غير صالح للتجريد ممنوعة، ولا يلزم من عدم الاستعمال عدم الصلاحية [1/ 86] والظاهر أن هذه الكلمات مثناة لا محمولة على المثنى. وقال المصنف أيضا:
ومن المعرب إعراب المثنى ما يصلح للتجريد ولا يختلف معناه: كحول وحوال.
فتجريدهما كقوله تعالى: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ (3) وكقول الراجز:
104 -
وأنا أمشي الدّألى حوالكا (4)
-
(1) شرح التسهيل: (1/ 71).
(2)
المرجع السابق.
(3)
سورة البقرة: 17.
(4)
بيت من الرجز المشطور لشاعر مجهول، قاله على لسان ضب يخاطب ابنه وقبله:
أهدموا بيتك لا أبا لكا
…
وزعموا أنّك لا أخا لكا
والدّألى: نوع من المشي فيه تثاقل.
وشاهده: تجريد حول من التثنية وإفادتها ما تفيده التثنية. والبيت في شرح التسهيل (1/ 65). والتذييل والتكميل (1/ 252)، ومعجم الشواهد (ص 512).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتلبسهما بعلم التثنية، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهمّ حوالينا ولا علينا» (1).
وكقول الراجز:
105 -
يا إبلي ما ذامه فتأبيه
…
ماء رواء ونصيّ حوليه (2)
قال: وندر هذا الاستعمال في متمحض الإفراد كقول الشاعر:
106 -
على جرداء يقطع أبهراها
…
حزام السّرج في خيل سراع (3)
وكقول الآخر:
107 -
تربّع وعس الأخرمين وأربلت
…
له بعد ما ضاقت جواء المكامن (4)
-
(1) نصه في صحيح مسلم (3/ 25) كتاب الصلاة. باب الدعاء في الاستسقاء: مروي عن أنس بن مالك.
(2)
بيتان من الرجز المشطور قائلهما الزفيان السعدي يخاطب إبله:
اللغة: الذام: العيب. تأبيه: فعله أبى يأبى أي امتنع وهو مضارع منصوب مسند لياء المخاطبة. نصي:
النبت ما دام رطبا. والشاعر يدعو إبله إلى المرعى السهل من ماء ونبات.
واستشهد به هنا على أن حوليه مثنى حول وانظر اللسان (مادة: حول) والبيت في معجم الشواهد (ص 561)، وشرح التسهيل (1/ 65).
ترجمة الشاعر: هو عطاء بن أسيد أحد بني عرافة بن سعد بن زيد مناة وسمي الزفيان لبيت قال فيه الفعل تزفى. وهو شاعر إسلامي رجاز (انظر ترجمته وأخباره في معجم الشعراء ص 159). وانظر أشعارا له في لسان العرب مواد: أبى. حول. سبد.
(3)
البيت من بحر الوافر ولم ينسب في مراجعه.
اللغة: الجرداء: الناقة التي لا شعر لها أو لها شعر ولكنه قليل. أبهراها: مثنى أبهر وهو عرق في الظهر وهو موضع الشاهد حيث وقع المثنى موقع المفرد؛ لأن الدابة لها أبهر واحد. وهو في البيت يصف ناقته بشدة الإعياء. والبيت في شرح التسهيل (1/ 66) وفي معجم الشواهد (ص
232).
(4)
البيت من بحر الطويل مجهول القائل ولم يرد في مراجع اطلعت عليها إلا في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 66).
اللغة: تربع: ترعى. الوعس: السهل اللين من الرمل. الأخرمين: مثنى أخرم وهو موضع. أربلت: يقال أربلت الأرض كثر ربلها وهو نوع من الشجر.
والشاعر يصف إبلا ترعى في مكان كثير النبات والشجر بعد ما ضاقت بأمكنة أخرى ولم تجد فيها ما تريده. وشاهده: قوله الأخرمين فهو مثنى مقصود به الواحد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأبهر عرق والأخرم موضع فثنيا مجازا قال: وأنشد ابن سيده (1):
108 -
فجعلن مدفع عاقلين أيامنا
…
وجعلن أمعز رامتين شمالا (2)
وقال: أراد عاقلا وهو جبل، انتهى (3).
وملخص ما ذكره المصنف أن المحمول على المثنى في الإعراب بالنسبة إلى المدلول:
ثلاثة أقسام: ما مدلوله واحد وما مدلوله اثنان وما مدلوله أكثر من اثنين.
فما مدلوله واحد: اسم جنس: كالمقصّين والجلمين والكلبتين وهذه لا تجرد، والأبهرين وحواليكا ويجوز تجريدهما دون عطف. وعلم: وهو قسمان: قسم مسمى بلفظ المثنى كالبحرين. وقسم عرضت له التثنية لفظا بعد التسمية به مفردا؛ كالأخرمين وعاقلين؛ فالبحران كالمقصين في أنه لا يجرد، والأخرمان وعاقلان كالأبهرين في أنهما يجردان دون عطف لعدم مثل يعطف.
وما مدلوله اثنان: كالقمرين والعمرين ويجردان دون عطف وكاثنين واثنتين ولا يصلحان للتجريد.
وما مدلوله أكثر من اثنين: نحو: كَرَّتَيْنِ (4) وحنانيه وفَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (5). وهذا القسم صالح للتجريد والعطف.
ومن المحمول على المثنى في الإعراب أيضا: كلا وكلتا:
قال المصنف: «هما مفردا اللفظ مثنيا المعنى واعتبار اللفظ في خبرهما وضميرهما أكثر من اعتبار المعنى قال تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها (6) ولو اعتبر المعنى لقال آتتا، وقد جمع الشاعر الاعتبارين في قوله: -
(1) سبقت ترجمته.
(2)
البيت من بحر الكامل ولم ينسب في مراجعه. وهو يصف قافلة تسير جعلت مدفع عاقل - اسم جبل - ناحية اليمين وأمعز رامتين - جبل آخر - ناحية الشمال. وشاهده: كالذي قبله حيث ثني ما لا يثنى ضرورة. وانظر البيت في اللسان: (مادة: عقل)، شرح التسهيل (1/ 66)، وليس في معجم الشواهد.
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 66).
(4)
سورة الملك: 4.
(5)
سورة الحجرات: 10.
(6)
سورة الكهف: 33.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
109 -
كلاهما حين جدّ الجري بينهما
…
قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي (1)
وكونهما مفردي اللفظ مثنيي المعنى أعربا إعراب المفرد في موضع وإعراب المثنى في موضع إلا أن آخرهما معتل؛ فلم يلق بهما من إعراب المفرد إلا المقدر فجعل ذلك لهما مضافين إلى ظاهر؛ ليتخلص من اجتماع إعرابي تثنية في شيئين (2) كشيء واحد وجعل الآخر لهما مضافين إلى المضمر؛ لأن المحذور (3) إذ ذاك مأمون.
وقد أجرته كنانة مجرى المثنى مع الظاهر أيضا: فيقولون: جاء كلا أخويك، ورأيت كلي أخويك، ومررت بكلي أخويك.
وبهذه اللغة التي رواها الفراء معزوة إلى كنانة (4) يتبين صحة قول من جعل كلا من المعرب [1/ 87] بحرف لا بحركة مقدرة. فإن القائل: إن كلا معرب بحركة مقدرة يزعم أن انقلاب ألفه ياء مع المضمر هو كانقلاب ألف لدى وإلى وعلى، ولو كان الأمر كما قال لامتنع انقلاب ألفها مع الظاهر في لغة كنانة كما يمتنع عندهم وعند غيرهم انقلاب ألف لدى وإلى وعلى مع الظاهر، على أن مناسبة كلا للمثنى أقوى من مناسبته للدى وعلى وإلى. ومراعاة أقوى المناسبتين أولى من مراعاة أضعفهما. وأيضا فإن تغير ألف كلا حادث عن تغير عامل وتغير ألف لدى وإلى -
(1) البيت من بحر البسيط قاله الفرزدق: ديوانه (1/ 34) مطبعة الصاوي نشر المكتبة التجارية، وليس في طبعة بيروت المشهورة؛ وذلك لأن محقق الديوان ذكر في مقدمته أنه حذف أبيات الهجاء الفاحشة.
قال صاحب الدرر (1/ 17): الضمير في كلاهما
…
إلخ لعضيدة بنت جرير وزوجها الأبلق ولم يصب من جعله لفرسين لأن الشعر للفرزدق يعير به جريرا بتزويج ابنته للأبلق.
وشاهده: عود الضمير من خبر كلا إليها مرة مثنى مراعاة لمعناها ومرة مفردا مراعاة للفظها؛ ومثله قول الأسود بن يعفر (من الكامل).
إنّ المنية والحتوف كلاهما
…
يوفي المخارم يرقبان سوادي
وبيت الشاهد في شرح التسهيل (1/ 67) ومعجم الشواهد (ص 62).
(2)
هما المضاف: (كلا وكلتا) والمضاف إليه: (الاسم الظاهر بعدهما).
(3)
وهو اجتماع إعرابي تثنية في شيئين كشيء واحد.
(4)
قال السيوطي في الهمع (1/ 41): بعد أن حكى اللغة المشهورة في إعراب كلا وكلتا: وبعض العرب يجريهما مع الظاهر مجراهما مع المضمر في الإعراب بالحرفين وعزاها الفراء إلى كنانة، وبعضهم يجريهما معهما بالألف مطلقا. وانظر أيضا التذييل والتكميل (1/ 259).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلى حادث بغير تغير عامل فتباينا، وامتنع أن يلحق أحدهما بالآخر» انتهى (1).
ونقل الشيخ: أن الفراء زعم أنهما قد يضافان إلى مضمر ويكونان بالألف على كل حال. وأن كلا في قول العرب: كلاهما وتمرا في موضع نصب (2).
قال: فعلى هذا يكون في كلا وكلتا ثلاث لغات:
إلحاقهما بالمقصور مطلقا، إلحاقهما بالمثنى مطلقا. التفرقة بين أن يضافا إلى ظاهر فيكونان بالألف أو إلى مضمر فتنقلب ألفه ياء في حالتي النصب والخفض. انتهى (3).
ثم ما ذكره المصنف من أنهما مفردا اللفظ مثنيا المعنى هو مذهب البصريين.
وذهب الكوفيون إلى أنهما مثنيان لفظا كما أنهما مثنيان معنى، واعتذر عن سلامة الألف في: رأيت كلا أخويك، ومررت بكلا أخويك (4) بأن الكلمة شبهت بالواحد (5).
وقال البغداديون: إنّ كلتا قد نطق لها بمفرد (6) وهو قول الشاعر:
110 -
في كلت رجليها سلامى واحده
…
كلتاهما قد قرنت بزائده (7)
-
(1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 68).
(2)
قوله: كلاهما وتمرا
…
مثل من أمثال العرب وأصله: أن رجلا أضر به العطش والجوع فنزل عند كريم مضياف وكان عنده زبد وتمر
وتامك (لحم سنام) فدنا منه الجائع وقال له: أطعمني من هذا الزبد والتامك فقال له الكريم: نعم كلاهما وتمرا فذهب قوله مثلا. وقد روي المثل برفع كلاهما أي لك كلاهما ونصب تمرا على معنى أزيدك تمرا. وروي بنصبه (كلاهما - كليهما) على معنى أطعمك كليهما وتمرا. وانظر المثل وقصته في مجمع الأمثال: (2/ 38).
(3)
انظر التذييل والتكميل: (1/ 259) وما قبلها.
(4)
في نسخ المخطوطة: ومررت بكلي أخويك وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه.
(5)
انظر المسألة بالتفصيل وحجج كل من الفريقين في الإنصاف (1/ 439).
(6)
في قول البغداديين هذا دليل للكوفيين على أن كلا وكلتا مثنيان لفظا ومعنى. ووجه الدليل في البيت: أنه قد نطق لهما بمفرد أي بدون ألف فظهر أن ألفهما للتثنية كألف الزيدان. وهو مردود بعدم الانقلاب في حالتي النصب والجر عند الإضافة إلى الظاهر.
(7)
بيتان من الرجز المشطور في وصف نعامة ولم أقف على قائلهما فيما وردا من مراجع.
والسلامى: عظام تكون بين كل مفصلين من مفاصل الأصابع من اليد والرجل.
والشاهد فيهما واضح من الشرح. وانظرهما في معجم الشواهد (ص 464) والتذييل والتكميل (1/ 257).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وردّ بأن هذا من الحذف بالضرورة، كقول الآخر:
111 -
درس المنا بمتالع فأبان
…
[فتقادمت بالحبس فالسّوبان](1)
أراد المنازل.
واعلم أن الأكثرين على أن كلا وكلتا لم يعربا بالحروف أصلا، وأنهما حال إضافتهما إلى المضمر معربان بحركات مقدرة كحالهما إذا أضيفا إلى مظهر، وأن ألفهما إنما انقلبت ياء مع المضمر تشبيها لها بألف لدى وعلى وإلى ولهذا قال سيبويه (2):
ثم اعتذر الخليل عن كونهم لم يقلبوا الألف في الرفع فيقولوا قام كليهما بأن قال:
فلم يشبه كلاهما حال الرفع بل أجريت على أصلها من سلامة الألف.
وقد علمت أن المصنف لم يرتض ذلك، وأنه قد رده بما جاءت به لغة كنانة من القلب مع الظاهر، وبما ذكره من
العلة المقتضية لمنع الإلحاق ومن مناسبة كلا وكلتا للمثنى دون لدى وعلى. وقد نقل الشيخ عن صاحب الإفصاح أنه قال (3): «فأمّا كون كلا يقلب آخره مع الظّاهر (4)، فلا أعرف للبصريين اعتذارا عنه» . -
(1) البيت من بحر الكامل مطلع قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة كلها من الغريب المعقد كشعر لبيد كله، وهي في وصف الأطلال والصحراء والظباء والطرد (انظر الديوان ص 206).
اللغة: المنا: قيل: إنه المنازل وحذف الشاعر منه الزاي واللام، وقيل: لا حذف فيه وهو كذلك اسم موضع. متالع وأبان: اسما جبلين وكذا الحبس. السوبان: كطوفان واد لبني تميم.
ومعنى البيت وكذا ما بعده: أن منازل الأحباب قد درست وتقادم عليها العهد وصارت أطلالا مثل الكتابة على العسب التي مضى عليها الزمن فهي غير واضحة.
ويستشهد بالبيت على الحذف من الكلمة دون ترخيم أو غيره للضرورة. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 410). والتذييل والتكميل (1/ 257).
(2)
انظر: الكتاب (3/ 413). وقد نقل الشارح اعتذار الخليل المؤخر بالمعنى.
(3)
انظر: التذييل والتكميل (1/ 257).
(4)
أي في لغة كنانة التي تجري الإضافة إلى الظاهر كالإضافة إلى الضمير في إعرابهما بالحروف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم إن الشيخ جعل اختيار المصنف غير مذهب البصريين وغير مذهب الكوفيين؛ لأنه وإن وافق البصريين في كونهما مفردي اللفظ مثنيي المعنى، فقد خالفهم في جعلهما معربين بالحروف حال الإضافة إلى المضمر. وإن وافق الكوفيين في كونهما معربين بالحروف فقد خالفهم في الحكم عليهما بالإفراد لفظا (1)[1/ 88].
واعلم أن لام كلا واو قلبت تاء في كلتا عند سيبويه، فألفها عنده للتأنيث، والتاء بدل من لام الكلمة، والأصل كلوى (2). وعللوا إبدالها تاء بأن في التاء علم التأنيث، والألف في كلتا قد تصير ياء مع المضمر، فتخرج من علم التأنيث فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث.
وقال الجرمي: «التّاء ملحقة والألف لام الكلمة ووزنها عنده فعتل» (3).
وردّ قوله بأنهم يقولون في النسبة إليه: كلوي فيسقطون التاء فدل ذلك على أنها كتاء أخت حيث قالوا فيها: أخوي. ولو كان الأمر كما قال الجرمي لقالوا فيها كلتوي.
قال الشيخ: «الذي يقطع ببطلان مذهب المصنف في دعواه أن كلا وكلتا معربان بالحروف مع أنهما مفردان في
اللفظ، أنه كان يلزم على قوله قلب ألفهما -
(1) فتلخص أن المذاهب في معنى وإعراب كلا وكلتا ثلاثة:
مذهب البصريين: أن كلا وكلتا مفردان لفظا مثنيان معنى، وأنهما يعربان في كل الأحوال بحركات مقدرة كالمقصور، وأما انقلاب ألفهما في حالتي النصب والجر مع المضمر فلأنها أشبهت ألف لدى وعلى التي تنقلب ياء أيضا في هاتين الحالتين.
مذهب الكوفيين: أنهما مثنيان لفظا ومعنى وأنهما يعربان بالحروف عند الإضافة إلى المضمر، وبالحركات عند الإضافة إلى الظاهر.
مذهب ابن مالك: أنهما مفردان لفظا مثنيان معنى (مذهب البصريين) وأنهما يعربان بالحروف عند الإضافة إلى المضمر وبالحركات عند الإضافة إلى الظاهر (مذهب الكوفيين) وهذا المذهب هو المشهور وهو الذي يسير عليه النحاة والمعربون. وحاول إبطاله أبو حيان (التذييل والتكميل: 1/ 254 - 257) ولكن هل يستطيع أحد أن يطفئ نور الشمس؟
(2)
انظر الكتاب: (3/ 364) وفيه يقول: «ومن قال: رأيت كلتا أختيك فإنّه يجعل الألف ألف تأنيث فإن سمّى بها شيئا لم يصرفه في معرفة ولا نكرة وصارت التاء بمنزلة الواو في شروى» .
(3)
قال في الهمع (1/ 41) في حديث عن التاء: «وذهب بعضهم إلى أنّ التاء زائدة للتأنيث بدليل حذفها في النسب وقولهم كلوي كما يقال في أخت أخوي وردّ بأن تاء التأنيث لا تقع حشوا ولا بعد ساكن غير ألف. وذهب آخرون إلى أنّها زائدة للإلحاق والألف لام الكلمة وعليه الجرمي» .