المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلام على خطبة الكتاب - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ١

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أما قسم الدراسة فقد جعلناه في: تمهيد وعشرة فصول

- ‌وأما القسم الثاني وهو «التحقيق» فقد سرنا فيه وفق الخطوات التالية:

- ‌تمهيد

- ‌العصر الثقافي أو الحياة العلمية في عصر ناظر الجيش:

- ‌خصائص المدرسة النحوية في عصر «ناظر الجيش»:

- ‌الفصل الأول حديث موجز عن ابن مالك صاحب «التسهيل»

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌كنيته ولقبه:

- ‌مولده وموطن ولادته:

- ‌ثناء الناس على ابن مالك:

- ‌مؤلفات ابن مالك (النحوية فقط):

- ‌وفاته:

- ‌الفصل الثاني حديث عن ناظر الجيش صاحب «شرح التسهيل»

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌لقبه وكنيته:

- ‌مولده وموطن ولادته:

- ‌شيوخه:

- ‌1 - أبو حيان:

- ‌2 - تاج الدين التبريزي:

- ‌3 - التقي السبكي:

- ‌4 - التقي الصائغ:

- ‌5 - الجلال القزويني:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثقافته:

- ‌ مؤلفاته

- ‌صفاته وأخلاقه:

- ‌المناصب التي تولاها:

- ‌وفاته:

- ‌الفصل الثالث كتاب التسهيل لابن مالك وقيمته العلمية

- ‌ قيمة التسهيل العلمية:

- ‌شروح التسهيل:

- ‌أثر التسهيل في المؤلفات النحوية بعده:

- ‌باحث معاصر حقق الكتاب:

- ‌الفصل الرابع كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش المسمى «تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد»

- ‌ اسم الكتاب:

- ‌نسبة الكتاب لناظر الجيش:

- ‌الغاية من تأليفه:

- ‌زمن تأليف الكتاب:

- ‌قيمة الكتاب العلمية:

- ‌الفصل الخامس مصادر ومراجع كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش

- ‌أما النحاة فنجد من أبرزهم:

- ‌ومن اللّغويين:

- ‌وأما رجال الحديث، والمفسرون، والقراء، والصحابة، فمنهم:

- ‌وأما الشعراء والرجاز:

- ‌الفصل السادس منهج ناظر الجيش في شرحه للتسهيل وأسلوبه فيه

- ‌ أولا: منهجه في التأليف:

- ‌ثانيا: أسلوبه في شرح التسهيل:

- ‌الفصل السابع شخصية ناظر الجيش النحوية

- ‌أولا: ناظر الجيش وسيبويه إمام النحاة:

- ‌ثانيا: ناظر الجيش وأبو علي الفارسي:

- ‌ثالثا: ناظر الجيش وابن جني:

- ‌رابعا: ناظر الجيش والزمخشري:

- ‌خامسا: ناظر الجيش وابن الحاجب:

- ‌سادسا: ناظر الجيش وابن عصفور:

- ‌سابعا: ناظر الجيش وابن مالك:

- ‌ثامنا: ناظر الجيش وأبو حيان:

- ‌الفصل الثامن موقف ناظر الجيش من قضية الاستشهاد والأدلة النحوية

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا: القراءات القرآنية:

- ‌ثالثا: الحديث الشريف:

- ‌رابعا: الشعر:

- ‌خامسا: النّثر:

- ‌الفصل التاسع ناظر الجيش مذهبه النحوي - بعض اختياراته

- ‌ أولا: مذهبه النحوي:

- ‌ثانيا: اختياراته النحويّة:

- ‌الفصل العاشر شرح ناظر الجيش - بين التأثر والتأثير - ما له وما عليه

- ‌ أولا: التأثر:

- ‌ثانيا: التأثير:

- ‌ميزات الكتاب:

- ‌مآخذ الشرح:

- ‌خاتمة

- ‌وقد خرجنا من البحث بالنتائج التالية:

- ‌منهجنا في التحقيق بإيجاز بعد أن ذكرناه بالتفصيل في المقدمة:

- ‌وصف النسخ التي اعتمدنا عليها في التحقيق:

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌الكلام على خطبة الكتاب

- ‌الباب الأول (*) باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلّق به

- ‌[تعريف الكلمة]

- ‌[تقسيم الكلمة]

- ‌[تعريف الكلام]

- ‌[تعريف الاسم]

- ‌[تعريف الفعل]

- ‌[تعريف الحرف]

- ‌[علامات الاسم]

- ‌[علامات الفعل]

- ‌[أقسام الفعل]

- ‌[علامات الفعل الماضي والمضارع]

- ‌[زمن الأمر]

- ‌[زمن الفعل المضارع]

- ‌[ترجح زمن الحال في المضارع]

- ‌[تعيين زمن الحال للمضارع]

- ‌[الأمور التي تخلص المضارع للاستقبال]

- ‌[انصراف الفعل المضارع إلى زمن المضي]

- ‌[صرف الماضي إلى الحال والاستقبال]

- ‌[احتمال الماضي للحال والاستقبال]

- ‌الباب الثاني باب إعراب الصّحيح الآخر

- ‌[تعريف الإعراب]

- ‌[الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال]

- ‌[متى يعرب المضارع ومتى يبنى

- ‌[وجوه الشبه بين الاسم والحرف]

- ‌[أنواع الإعراب]

- ‌[علامات الإعراب الأصلية]

- ‌[ما ينوب عن الفتحة]

- ‌[ما ينوب عن الضمة]

- ‌[اللغات في الأسماء الستة]

- ‌[اللغات في: فم]

- ‌[إعراب الأمثلة الخمسة عند الرفع]

- ‌[الأمثلة الخمسة عند النصب والجزم]

- ‌[حد البناء وأنواعه]

- ‌الباب الثالث باب إعراب المعتلّ الآخر

- ‌[كيفية إعراب المضارع المعتل الآخر]

- ‌[بناء حرف العلة مع الجازم للضرورة]

- ‌[الضرورة وإعراب الأفعال والأسماء]

- ‌الباب الرابع باب إعراب المثنّى والمجموع على حده

- ‌[تعريف المثنى وإعرابه]

- ‌[الملحق بالمثنى وأنواعه]

- ‌[حكم العطف دون التثنية]

- ‌[تعريف جمع المذكر السالم]

- ‌[إعراب جمع المذكر السالم]

- ‌[الآراء في إعراب المثنى وجمع المذكر والأسماء الستة]

- ‌[تعريف جمع المؤنث السالم]

- ‌[شروط جمع المذكر السالم]

- ‌[الملحق بجمع المذكر السالم]

- ‌[حكم سنين وبابه]

- ‌[إعراب المعتل اللام من جمع المذكر وجمع المؤنث]

- ‌الباب الخامس باب كيفيّة التّثنية وجمعي التّصحيح

- ‌[تعريف المقصور والمنقوص والممدود]

- ‌[تثنية الاسم غير المقصور والممدود]

- ‌[تثنية المقصور]

- ‌[تثنية الممدود]

- ‌[تثنية خاصة لبعض الأسماء]

- ‌[جمع المقصور والمنقوص الجمع الصحيح]

- ‌[تثنية خاصة لأسماء مخصوصة]

- ‌[جمع بعض الأسماء الجمع الصحيح]

- ‌[جمع فعلة جمعا مؤنثا وحكم العين فيه]

- ‌[تثنية محذوف اللام وحكمه]

- ‌[تثنية اسم الجمع وجمع التكسير]

- ‌[الأوجه الجائزة في المضاف إلى المثنى]

- ‌[الأوجه الجائزة في مثل: عيناه حسنتان]

- ‌[ما يجمع بالألف والتاء]

- ‌الباب السادس باب المعرفة والنّكرة

- ‌[أنواع المعرفة]

- ‌[ترتيب المعارف]

- ‌[تفوق الأقل في التعريف]

- ‌[تعريف النكرة]

- ‌[اختلاف النحويين في ترتيب المعارف]

- ‌الباب السابع باب المضمر

- ‌[تعريف الضمير]

- ‌[مواضع استتار الضمير وجوبا]

- ‌[مواضع استتار الضمير جوازا]

- ‌[الحديث عن الضمير المتصل المرفوع]

- ‌[حكم الفعل الماضي المسند إلى الضمائر]

- ‌[نيابة بعض الضمائر عن بعض]

- ‌[بقية الحديث عن نيابة بعض الضمائر عن بعض]

- ‌[الحديث عن الضمير المتصل المنصوب والمجرور]

- ‌[أحكام ضمائر التثنية والجمع]

- ‌[نون الوقاية وأحكامها وماذا تلحق]

- ‌[الحديث عن ضمائر الرفع المنفصلة]

- ‌[اللغات في هو وهي]

- ‌[الحديث عن ضمائر النصب المنفصلة]

- ‌[مواضع انفصال الضمير]

- ‌[مواضع جواز الاتصال والانفصال]

- ‌[المختار في مواضع جواز الاتصال والانفصال]

- ‌[فصل الضمير الواجب الاتصال]

- ‌[مفسّر ضمير الغائب وتقديمه]

- ‌[مفسّر ضمير الغائب وتأخيره جوازا]

- ‌[مفسّر ضمير الغيبة وتأخره لزوما]

- ‌[ضمير الشأن وأحكامه]

- ‌[أحكام أخرى تخص ضمير الشأن]

- ‌[حكم ضمير الشأن من بروزه أو استتاره]

- ‌[أسباب بناء الضمائر]

- ‌[ضمير الفصل وأحكامه]

- ‌[استثناء من بعض أحكام الضمير]

- ‌[مسائل وأحكام أخرى لضمير الفصل]

الفصل: ‌الكلام على خطبة الكتاب

‌الكلام على خطبة الكتاب

(1)

(هذا) إنما أشار إلى ما أجمع عليه رأيه ووجه إليه عزمه؛ لأنه رتب في نفسه أمرا وقصد إيراده على وجه مخصوص، وكيفية معتبرة فصار مقصوده من ذلك لقوة أسبابه عنده وتمكنه من إبرازه - في حكم الوجود الحاضر فعومل في الإشارة إليه معاملته.

وقد تكلم الناس على كلمة (هذا) من قول سيبويه رحمه الله «تعالى» (2) -:

هذا باب علم ما الكلم من العربيّة (3). فقيل: استعملها غير مشير بها؛ ليشير بها عند الحاجة وقيل: أشار إلى شيء وإن لم يكن موجودا؛ لأنه متوقع قريب، وقيل: أشار إلى ما في نفسه من مقصود الباب. وذلك حاضر عنده (4). فقد يقال: هذه الأقوال هنا أيضا، ولكن الأولى ما أشرنا إليه (5)، وإياه قصد صاحب القول الثالث.

وأما ما قيل من أن سيبويه وضع الباب أولا ثم وضع الترجمة، فلا يتأتى هذا؛ لقول المصنف في آخر الخطبة:(وها أنا ساع فيما انتدبت إليه)، فدل على أنه وضعها أولا.

(كتاب) هو مصدر في الأصل فقد يقال: المراد به هنا المكتوب [1/ 5]

(1) شرح ناظر الجيش هذه الخطبة المثبتة في التسهيل شرحا عظيما وافيا بالمراد، بلا اختصار مخل أو تطويل ممل، لم يثبتها ابن مالك في شرحه على التسهيل وبالتالي لم يشرحها، وكان الأولى بأبي حيان في شرحه أن يثبتها ويشرحها، ولكنه لم يفعل.

(2)

كلمة «تعالى» من نسخة (ب)، (جـ).

وسيبويه إمام النحاة بلا مجادل وعلمهم المشهور يعرفه كل من خطا خطوة في طريق النحو، وهو عمرو بن عثمان أبو بشر الملقب بسيبويه. كتبت فيه كتب كثيرة، وشرح كتابه شراح كثيرون، ولد بإحدى قرى شيراز سنة (148 هـ) ورحل إلى بغداد والبصرة وكان إمام النحاة البصريين إلا أنه مات شابّا سنة (180 هـ). ترجمته مفصلة في كتب التراجم كلها. وانظر: نزهة الألباء (ص 60)، بغية الوعاة (2/ 229) الأعلام (5/ 252).

(3)

انظر: كتاب سيبويه (1/ 12)، (طبعة هارون) وقد صدّر سيبويه أبواب الكتاب كلها بكلمة: هذا.

(4)

انظر في هذه الآراء الثلاثة شرح كتاب سيبويه للسيرافي (1/ 45) الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق د/ رمضان عبد التواب. وانظر أيضا هامش كتاب سيبويه (1/ 12) تحقيق عبد السّلام هارون.

(5)

وهو أن ابن مالك يريد ما في نفسه من مقصود الباب، وما عقد عليه عزمه من تأليف العلم وتصنيفه.

ص: 113

فهو مصدر أريد به المفعول، والظاهر أن الكتاب اسم لما يصنف؛ سمي كتابا لجمعه مقاصد العلم الذي صنف فيه.

(في النّحو) هو علم بأصول يتعرف منها أحوال الكلمة العربية، التي بها يعرف أحكام التكلم إفرادا وتركيبا (1).

وإنما قيل: علم بأصول يتعرف منها، ولم يقل: علم أحوال الكلم ليدخل فيه العلم بما هو، كالمقدمات، كالكلمة والكلم والكلام والإعراب والبناء وأنواعهما وأقسام المعارف والنكرات، ونحو ذلك؛ فإن هذه الأمور أصول يتعرف منها الأحوال، وليست علما بالأحوال أنفسها. وإنما قيل: التي يعرف بها أحكام التكلم؛ ليخرج علم المعاني وعلم العروض مثلا؛ فإن الأول:

يتعرف منه أحوال الكلم بالنسبة إلى المطابقة لمقتضى الحال وعدم المطابقة، والثاني: يتعرف منه أحوال الكلم بالنسبة إلى كونها موزونة بأوزان خاصة.

وإنما قيل: إفرادا وتركيبا؛ ليشمل علمي الإعراب والتصريف (2).

(جعلته) أي صيرته لأن الأمر (3) الكلي الذي في نفسه من العلم (4) قد كان يمكن أن يصيره على غير هذه الصفة، ويحتمل أن يريد معنى وضعته واخترعته.

(بعون الله) أي إعانته، والباء فيه إما للاستعانة، كما في: كتبت بالقلم، وإما للحال، أي مستعينا بالله، والأول أظهر.

(مستوفيا) أي غير تارك شيئا. يقال: استوفى حقه، إذا أخذه تامّا، ويقال: توفى حقه أيضا، فاستفعل فيه بمعنى تفعل كاستكبر وتكبر.

(لأصوله) أصل الشيء ما ينبني عليه ذلك الشيء. فالكتاب المذكور حاو للأصول، أي للقوانين وهي الأمور الكلية المنطبقة على جزئياتها فالجزئيات إذا مبنية عليها.

(1) انظر في هذا التعريف: التذييل والتكميل لأبي حيان (1/ 14)، تحقيق د/ حسن هنداوي (دار القلم - دمشق). وقد نسب أبو حيان هذا التعريف إلى القاسم بن الموفق الأندلسي (575 - 661 هـ).

(2)

كان الأولى أن يقول: علمي التصريف والإعراب، وهو النحو؛ ليكون اللف والنشر مرتبا.

(3)

تعليل لتفسير جعل بمعنى صير.

(4)

كلمة: من العلم ساقطة من نسخة (ب).

ص: 114

(مستوليا) أي بالغا الغاية في الإحاطة بالمقصود.

(على أبوابه وفصوله) الأبواب: المداخل لغة، والمراد بها هنا ما تضمنه من أحكام المسائل.

والفصل: هو الحاجز بين شيئين لاختلافهما بوجه ما. وأصله لغة: القطع، كأنه يفصل ما بعده عما قبله أي يقطعه. والمراد به هنا ما تضمنه من أحكام تفرد عن غيرها لاختلاف ما، ولو اقتصر على الأبواب لشملت الأحكام أجمع، فيكون عطف الفصول على الأبواب لهذا الاعتبار من عطف الخاص على العام.

وفي قوله: مستوفيا، ومستوليا، وكذا في أصوله، وفصوله - الجناس اللاحق لاتفاق الكلمتين في عدد الحروف والهيئات والترتيب واختلافهما في حرف واحد وليس بين المختلفين تقارب في المخرج (1) إلا أن الاختلاف بين: مستوفيا، ومستوليا في حرف أوسط، فهو نظير قوله تعالى: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (2) وبين: أصوله وفصوله، في حرف أول: فهو نظير قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (3).

وفي: أصوله وفصوله أيضا، السجع المتوازي لتواطؤ الفاصلتين على حرف واحد مع اتفاقهما في الوزن فهو نظير قوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [1/ 6](13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (4).

(فسمّيته لذلك) أي لما اتصف الكتاب بهذه الصفة استحق أن يسمى هذه التسمية فالتسمية بهذا الاسم مسببة عن الاتصاف بهذا الوصف (5)، ولذلك أتى

(1) فإذا كان بينهما تقارب في المخرج كقوله تعالى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام: 26] فإنه يسمى الجناس المضارع وسيذكره. وإن اتفقت الكلمتان في كل شيء سمي الجناس التام، وهو إما مماثل إن اتفقا في النوع كاسمين، وإما مستو إن كانا في نوعين.

(2)

سورة غافر: 75.

(3)

سورة الهمزة: 1. والجميع يطلق عليه جناس لاحق.

(4)

سورة الغاشية: 13، 14. وإن اختلفت الفاصلتان في الوزن سمي السجع المطرف كقوله تعالى:

ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً [نوح: 13، 14].

(5)

كلمات: بهذا الوصف: ساقطة من الأصل وهو تحريف.

ص: 115

بالفاء لإشعارها بترتيب الثاني على الأول، وبقوله (1): لذلك، للدلالة على العلّيّة.

(تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد) الأولى أن لا يؤول المصدران باسم فاعل؛ بل يجريان على ظاهرهما؛ ليجعل متن الكتاب نفس هذين المعنيين فتحصل المبالغة.

وفي هاتين الفقرتين (2) السجع المرصّع لتقابل كلماتها وزنا وتقفية فهو نظير قوله تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (3)، ومنه قول الحريري (4):

فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه (5).

(فهو جدير) يقال: فلان جدير بكذا، أي: يستحق ذلك استحقاقا لا منازعة فيه، ومثله: حقيق وخليق، والفاء في قوله: فهو، تشعر بالسببية؛ فيكون جعل تسمية الكتاب بما تقدم، علة لما ذكر وليس في التسمية مناسبة لذلك.

والذي يظهر أن المصنف كأنه يقول: إنما سميته بذلك؛ لاشتماله على معنى الاسم المسمى به حقيقة. وإذا كان مشتملا على ذلك كان جديرا بما يذكره.

(بأن يلبّي دعوته الألبّاء) معنى يلبي أي: يجيب دعوته بقوله: لبّيك.

وفي قوله: دعوته: استعارة مكني عنها واستعارة تخييلية؛ وذلك أنه شبه

(1) أي: وأتى بقوله، فهو معطوف على ما قبله، ومعنى قوله: للدلالة على العلية، أي: من أجل ذلك.

(2)

في نسخة (ب): القرينتين، وهي الفقرتان أيضا.

(3)

سورة الغاشية: 25، 26. ولا يشترط في السجع المرصع عدد معين من الكلمات، كما لا يشترط التساوي بين الفقرتين.

(4)

هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان بن الحريري أبو محمد، ولد بالبصرة في حدود (446 هـ).

قرأ الأدب والنحو وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة. تولى ديوان الخلافة طوال حياته، ثم أسند هذا المنصب لأولاده من بعده. وله مصنفات عجيبة في الأدب والنحو، منها: كتاب المقامات الذي شهر به، وكتاب: درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ، وكتاب ملحة الإعراب، وهي قصيدة في النحو، ثم شرح هذا الكتاب. توفي عن سبعين عاما سنة (510 هـ). والتلقيب بالحريري نسبة إلى عمل الحرير أو بيعه.

انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 379)، معجم الأدباء (16/ 261)، الأعلام (6/ 12).

(5)

الفقرتان من المقامة الأولى للحريري (1/ 53)، وفيها يتحدث عن شخص فيقول: رأيت في بهرة الحلقة شخصا سخت الخلقة عليه أهبة السياحة وله رنة النياحة فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. وقد أحاطت به أخلاق الزمر إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر؛ فدلفت إليه؛ لأقتبس من فوائده وألتقط بعض فرائده

إلخ شرح مقامات الحريري للشريشي (المؤسسة المصرية).

ص: 116

الكتاب بالإنسان وأضمر التشبيه في النفس، فلم يذكر سوى المشبه خاصة، وهو الضمير المضاف إليه دعوة. وهذا هو الاستعارة المكني عنها، ودل على أن مراده التشبيه المذكور بإثبات شيء من خصائص المشبه به للمشبه، وهو الدعوة التي لا تكون إلا للإنسان. وهذا هو الاستعارة التخييلية.

ويجوز أن يجعل ما اشتمل عليه الكتاب: من حسن الاختيار، وجودة السبك، وكثرة المسائل، وتبريزه على غيره من الكتب المختصرة في جذب النفوس إليه، واستمالة الأهواء نحوه - مشبها بدعوة إنسان ذي كمال يدعو الناس إلى الاشتمال عليه؛ فتكون الاستعارة حينئذ تخييلية، ثم يكون قوله:

يلبي، ترشيحا لها؛ لأنه قرنها بما يلائم المستعار منه.

(وتجتنب منابذته النّجباء) الاجتناب: الترك. والنبذ: الإلقاء من اليد، ومنه المنبوذ للصبي تلقيه أمه في الطريق، والمنابذة: مفاعلة من: تنابذوا الأمر، إذا ألقاه كل منهم على الآخر؛ تنكبا عنه وإعراضا.

والنجابة: الكرم والرشد في الأفعال. والنجيب: البيّن النجابة، والمعنى:

وتترك الرغبة عنه النجباء أي: المتّسمون بسمات الفلاح.

(ويعترف العارفون برشد المغرى بتحصيله) الرشد: ضد الغي، والمغرى:

اسم مفعول من أغري بكذا إذا ألصق به والمراد به هنا العاكف على الشيء الملازم الذي هو كاللاصق بالشيء العكوف عليه. ومثل: ويعترف العارفون، مما ألحق عند علماء البديع بالجناس؛ لاشتراك اعترف وعارف، في الحروف الأصول. ومنه قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ (1).

(وتأتلف قلوبهم على تقديمه وتفضيله)، وتأتلف أي: وتجتمع قلوبهم، وتتفق على أن محصله ذو [1/ 7] تقدم وفضل.

(فليثق متأمّله ببلوغ أمله) هذا منه ترغيب في الاشتغال بهذا الكتاب، وتطييب لنفس العاكف عليه ووعد له بحصول مقصوده من هذا العلم؛ لأن

(1) سورة الروم: 43.

ص: 117

من علم بحصول مقصوده من هذا العلم جد واجتهد وأقبل على ذلك الشيء، فهذا الكلام يهز السامع ويجذب الراغب في اقتضاء العلم، ويحثه على الاستمساك بالكتاب المذكور، وفي طيه مدحه هذا التصنيف والتفخيم لقدره، ولهذا أردفه بقوله:(وليتلقّ بالقبول ما يرد من قبله).

وأما قوله: (وليكن لحسن الظّنّ آلفا ولدواعي الاستبعاد مخالفا) فكأنه - رحمه الله تعالى - لما وصف كتابه بما وصف، ووعد متأمله بما وعد، ملزما له بقبول ما يرد عليه منه، استشعر من النفوس منازعته في هذه الدعوى، وأنها لا توافق فيما ذكره - بل تستبعد - اشتمال الكتاب على هذه الصفات الجلى.

وتنكر أن يرتقي رتبة متأخر في العلم إلى هذا الحد، فقصد العظة والإرشاد لمن يتلجلج ذلك في صدره، وأمره بالإلف لحسن الظن، والمخالفة لما تحدث النفس به من استبعاد صدور مثل ذلك من متأخر.

ويجوز أن يكون قوله: (وليكن لحسن الظّنّ آلفا) مقصودا به ما قلناه، وأن يكون قوله:(ولدواعي الاستبعاد مخالفا) مقصودا به تحريك طالب العلم، فهو يحذره أن تتقاعس نفسه مستهولا ما يقدم عليه من المصنفات المعتبرة، فأمره أن يخالف ما عنده من دواعي الاستبعاد؛ لأنه إذا استبعد أمرا تقاعد عن تعاطيه فيفوته بسبب ذلك شيء كثير ولا يحصل على طائل. ويرجح هذا المعنى قوله بعد:(فقلّما حلي متحلّ بالاستبعاد - أي: باستبعاد حصول العلم له - إلا بالخيبة والإبعاد)، لكن قوله بعد ذلك:(وإذا كانت العلوم منحا إلهيّة) إلى آخره، يرجح المعنى الأول (1)؛ فينبغي التعويل عليه؛ ليحصل ارتباط الكلام ويكون كله نسقا وعلى هذا يكون المراد بالاستبعاد في كلامه استبعاد لظان وفاء صاحب الكتاب بما التزمه في كتابه المذكور.

(فقلّما حلي متحلّ بالاستبعاد إلّا بالخيبة والإبعاد) المراد بقلما: النفي ولهذا فرغ العامل معها لما بعد إلا والمعنى: ما حلي متحلّ بالاستبعاد إلا بكذا وكذا.

(1) وهو أنه يجب على طالب العلم ألا يكسل عن طلبه ظانّا منه أنه - وهو متأخر - لن يبلغ به المجد والعلا.

ص: 118

قال في الصحاح (1): «حلي بعيني وفي عيني - بالكسر - يحلى حلاوة إذا أعجب» قال: «وقولهم: لم يحل منه بطائل أي لم يستفد منه كبير فائدة، ولا يتكلّم به إلّا مع الجحد» انتهى. ولا يظهر واحد من هذين المعنيين هنا، فإن كان (حلي) يستعمل بمعنى: تحلّى بكذا أي اتصف به - فلا إشكال، وإلا فقد يكون أصل التصنيف، فقلما تحلّى ثم عرض التغيير للكلمة في الكتابة.

(وإذا كانت العلوم منحا إلهيّة ومواهب اختصاصيّة، فغير مستبعد أن يدّخر لبعض المتأخّرين ما عسر على كثير من المتقدّمين). العلوم هنا جمع علم مرادا به اسم ذات المعلوم لا المصدر. ولذلك جمعه، ويدّخر: يفتعل، من دخر الشيء إذا أحرزه وحفظه. وهذا الكلام كالجواب عما هو كالسؤال المقدر، وذلك أنه لما ادعى في كتابه دعوى يلزم منها أنه اشتمل [1/ 8] في هذا الفن على ما لم يشتمل عليه غيره، والتزم للمقبل عليه بحصول أمله من هذا العلم، آمرا له أن يتلقى كل ما يرد عليه منه بالقبول. توهم أن قائلا يقول: يبعد أن يفوق متأخر على متقدم، وأن يأتي بمصنف لم يسبق إليه، مع عظمة قدر من تقدم من علماء هذه الصناعة.

فرد هذا الوهم بأن المواهب من الله عز وجل والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، لا مانع لما أعطى.

وهذا الكلام وإن كان مطلقا بالنسبة إلى كل ذي موهبة من العلم، فيه رمز وإشارة إلى أنه، أعني المصنف - رحمه الله تعالى - من المتأخرين الذين ذخر لهم ذلك. وإنما ترك التصريح بذلك أدبا؛ لأن الإنسان لا ينبغي له تزكية نفسه.

فإن قيل: إذا كان الإنسان لا ينبغي له ذلك فكيف أشار إليه ولوح به؟

قلت: لإيراده الكلام مورد الاعتراف؛ فإن الله سبحانه وتعالى تفضل عليه بأن جعله من المختصين بمواهبه المشرفين بمنحه، بعد إسناد المواهب كلها إلى الله تعالى، وأنه يختص بها من أراد، ففي طي كلامه إقرار بنعم الله تعالى عليه واعتراف

(1) هو كتاب الصحاح للجوهري (توفي سنة 398 هـ)، معجم كبير من ستة أجزاء ومواده مرتبة على نظام القافية؛ بل يعد هذا المعجم إمام هذه المدرسة.

وانظر ما اقتبسه الشارح منه مادة حلا: (6/ 2719) طبعة بيروت. وقد حذف الشارح منه شيئا قليلا.

ص: 119

بما خصه به منها.

ونظير هذا الرمز والتلويح ما فعله شيخ الإسلام وعلّامة الوقت، الشيخ:

تقيّ الدّين، عرف بابن دقيق العيد (1) - رحمه الله تعالى، ورضي عنه - في خطبة شرحة للإلمام (2)؛ حيث قال في أثنائها:«والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجّة. والأمّة الشّريفة لا بدّ فيها من سالك إلى الحقّ على واضح المحجّة» .

فالظاهر أنه ما عنى إلا نفسه بالنسبة إلى زمانه الذي هو فيه وإنه لجدير بذلك.

ثم في هذا الكلام من المصنف حث وترغيب في النظر في كلام المتأخرين والاشتغال به، ونهي عن أن يقتصر المحصل على كلام المتقدمين ويرفض كلام من بعدهم؛ فإنه قد يعثر في كلام المتأخر على ما لا يعثر عليه في كلام المتقدم، ولا شك أن للمتقدم فضيلة السبق والاختراع والتدوين، وللمتأخر فضيلة الجمع والإكثار وتقييد ما لعله أطلق وتفصيل ما لعله أجمل، مع الاختصار التام وتيسير ما هو على المحصل صعب المرام، فيتعين الجنوح إلى كلامهم، والتعريج على مصنفاتهم؛ فربما فات من لم يشتمل عليها مقصود كبير، ولهذا قال الجاحظ (3) ما معناه: «من أضرّ

(1) هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع، أبو الفتح تقي الدين القشيريّ، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العيد. قاض مجتهد من أكابر العلماء

بالأصول، أصل أبيه من منفلوط بمصر، انتقل إلى قوص، وولد له ابنه محمد. فنشأ بقوص وتعلم بدمشق والإسكندرية والقاهرة، وولي قضاء الديار المصرية سنة (695 هـ)، واستمر فيها إلى أن توفي سنة (702 هـ).

من مصنفاته: الإلمام في أحاديث الأحكام، الإمام في شرح الإلمام، شرح الأربعين النووية، شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه، وكان مع غزارة علمه ظريفا. له أشعار وملح وأخبار.

انظر ترجمته في الأعلام (7/ 173).

(2)

كتاب الإلمام في أحاديث الأحكام للشيخ تقي الدين محمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد، جمع فيه متون الأحاديث المتعلقة بالأحكام مجردة عن الأسانيد ثم شرحه وبرع فيه وسمي الشرح بالإمام.

ويقال إن بعض الحسدة أعدمه؛ لأنه كتاب جليل القدر لو بقي لأغنى الناس عن تطلب كثير من الشروح. وقد شرح الإلمام شراح كثيرون ولخصه بعضهم انظر: (كشف الظنون 1/ 158). و (لوحة رقم 122 من كتاب: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون).

(3)

هو أبو عثمان: عمرو بن بحر الجاحظ من أهل البصرة. ولد سنة (150 هـ)، كان كثير الاطلاع صابرا عليه. له أساتذة مشهورون كالأصمعي والأخفش. قال عنه عالم: لا أحسد الأمة العربية إلا على ثلاثة أنفس: عمر بن الخطاب وأبو الحسن البصري والجاحظ.

ومصنفاته كثيرة جدّا، حتى كتبها ياقوت في معجمه في أربع صفحات ومن أشهرها: البيان والتبيين، -

ص: 120

ما يرد على الأسماع قولهم: لم يدع الأوّل للآخر شيئا».

وما أحسن قول حبيب بن أوس الطّائيّ (1) - رحمه الله تعالى -:

2 -

لا زلت من شكري في حلّة

لابسها ذو سلب فاخر

يقول من تقرع أسماعه

كم ترك الأول للآخر (2)

وبالغ المعرّي (3) في مدح نفسه؛ حيث قال:

- الحيوان، البخلاء، وغيرها. وعاش الجاحظ محبوبا في الأوساط الأدبية ولدى الملوك والأمراء، وله نوادر كثيرة معهم. وامتد به العمر حيث مات سنة (255 هـ).

انظر في ترجمته: نزهة الألباء (192)، معجم الأدباء (16/ 74).

وانظر فيما نقله عنه الشارح: معجم الأدباء في ترجمته، ونصه:«وممّا قاله الجاحظ: إذا سمعت الرّجل يقول: ما ترك الأوّل للآخر شيئا فاعلم أنّه ما يريد أن يفلح» .

وقد نقل هذا ابن جني أيضا عن الجاحظ في كتابه الخصائص: (1/ 190) طبعة بيروت.

(1)

هو أبو تمام الشهير بكنيته الشاعر الأديب، ولد بقرية جاسم من قرى سوريا سنة (188 هـ)، ثم رحل إلى مصر، ثم عاد إلى بغداد؛ ليمدح المعتصم فأجازه وقدمه على شعراء وقته، وفي شعره قوة وجزالة؛ لأنه كان يحفظ الآلاف من أشعار العرب، وقد جمعها في ديوانه المشهور بالحماسة، وقد كتبت في سيرته وأخباره كتب كثيرة، توفي بالموصل سنة (231 هـ). انظر في ترجمته: نزهة الألباء (ص 155)، الأعلام (2/ 170).

(2)

البيتان من بحر السريع من قصيدة لأبي تمام يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي ويستميحه.

ديوان أبي تمام (1/ 315)(دار الكتاب العربي).

والبيت الأول اعتراف بالجميل والثاني يذكر فيه أبو تمام أن ممدوحه عظيم لم يترك لمن بعده شيئا من العظمة. والاستفهام فيه بمعنى النفي، ومن فيه إما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة.

والشاهد: في البيت الثاني في معنى: وهو أنه يجب بعث الهمة والنشاط وطرد اليأس والكسل.

(3)

هو أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان بن داود التنوخي، ولد بمعرة النعمان سنة (363 هـ)، وذهب بصره بعد مولده بأربع سنين، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد ولزم منزله إلى أن مات سنة (449 هـ).

كان أبو العلاء غزير الفضل شائع الذكر، وافر العلم. ترجم له ياقوت في حوالي نصف جزء من كتابه معجم الأدباء (3/ 107) وما بعدها، اشتهر أبو العلاء في الوسط العلمي بالأدب والشعر، ولا يعرف الناس عنه أنه كان عالما بالنحو وأن له مؤلفات فيه، وقد صنفت في أبي العلاء المعري رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحت عنوان: النّحو في آثار أبي العلاء المعريّ، تأليف (د/ محمد أبو المكارم قنديل).

أما مصنفاته النحوية فمنها: تعليق الجليس مما يتصل بكتاب الجمل لأبي القاسم الزجاجي، إسعاف الصديق: ثلاثة أجزاء تتعلق بالجمل أيضا.

كتاب شرح لكتاب سيبويه، ظهير العضدي، وهو كتاب في النحو يتصل بالكتاب المعروف بالعضدي لأبي علي الفارسي. -

ص: 121

3 -

وإنّي وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم تستطعه الأوائل (1)

وهو من أحسن ما قيل [1/ 9] في مدح المتأخرين نفوسهم.

والمنصف هو أبو العباس المبرد (2) حيث يقول في «الكامل» له:

«وليس لقدم العهد يفضّل القائل ولا لحدثانه يهتضم المصيب ولكن يعطى كلّ ما يستحق» (3).

(أعاذنا الله من حسد يسدّ باب الإنصاف ويصدّ عن جميل الأوصاف)، أعاذنا: حمانا وحفظنا. والحسد: أول ذنب عصي الله به في السموات وفي الأرض. فأما في السماء فحسد إبليس آدم، وأما في الأرض فحسد قابيل هابيل،

فالحسد حمل إبليس على الكفر، وحمل قابيل على قتل أخيه (4). وكفى الحسود إتعاب نفسه. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا راحة لحسود (5).

- وله كتب أخرى في الأدب، كشرح ديوان المتنبي، وله رسالة الغفران في الأدب والفقه والمواعظ، وله دواوين شعر كثيرة مشهورة. انظر في ترجمته: معجم الأدباء (3/ 107)، بغية الوعاة (1/ 333)، الأعلام (1/ 150).

(1)

البيت لأبي العلاء المعري من بحر الطويل من قصيدة مشهورة له مطلعها:

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

عفاف وإقدام وحزم ونائل

وبيت الشاهد غاية في الفخر والاعتزاز بالنفس.

انظر القصيدة والبيت في شروح سقط الزند (ص 519) طبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة.

(2)

هو محمد بن يزيد الأزدي البصري أبو العباس الملقب بالمبرد بكسر الراء. وهو لقب أطلقه عليه المازني لما سأله عن دقيق في النحو وعويص فيه فأجابه أبو العباس، ومعنى المبرد: أي المثبت للحق، إمام العربية في بغداد في زمانه وزعيم الطبقة السابعة عند البصريين، كان فصيحا بليغا مفوها ثقة علامة صاحب نوادر ولا سيما في صباه، حفلت كتب الأدب والنحو بمناظرات له بينه وبين ثعلب معاصره من زعماء الكوفيين.

من مصنفاته: المقتضب وهو كتاب عظيم في النحو مشهور، والكامل وهو في الأدب مشهور أيضا وله غير ذلك ولد سنة (210 هـ) وتوفي ببغداد سنة (285 هـ).

انظر في ترجمته بغية الوعاة (1/ 269)، الأعلام (8/ 15)، نشأة النحو (ص 45، 95).

(3)

انظر في هذا النص: الكامل للمبرد: (1/ 35) طبعة دار الجيل بيروت (حنا الفاخوري).

(4)

في الأول نزل قوله تعالى: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص: 76].

وفي الثاني نزل: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ [المائدة: 30].

(5)

انظر في هذا المعنى قوله كرم الله وجهه: صحّة الجسد من قلّة الحسد (نهج البلاغة (ص 398) طبعة كتاب الشعب).

ص: 122

ولقد أحسن التّهاميّ (1) حيث قال:

4 -

إنّي لأرحم حاسديّ لفرط ما

ضمّت صدورهمو من الأوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم

في جنّة وقلوبهم في نار

لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي

فكأنّما برقعتها بنهار (2)

وفي قول المصنف: يسد ويصد، الجناس المضارع. وهو كالجناس اللاحق إلا في شيء واحد وهو تقارب الحرفين المختلفين في المخرجين، كما رأيت من تقارب السين والصاد.

(وألهمنا شكرا يقتضي توالي الآلاء ويقضي بانقضاء اللّأواء).

والإلهام: الإلقاء في الروع، يقال: ألهمه الله كذا أي: ألقى في روعه.

والشكر: الثناء على المحسن بما أولى من المعروف، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه. وتوالي: ترادف وتتابع، والآلاء: النعم، واحدها ألي بالفتح وقد يكسر كمعي وأمعاء.

ولقضى معان منها: حكم: قال الله تعالى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (3).

فالمعنى: ويحكم بانقضاء اللأواء وهي الشدة. وفي الحديث: «من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهنّ كنّ له حجابا من النّار» (4).

(1) هو أبو الحسن علي بن محمد بن نهد التهامي، شاعر مشهور من أهل تهامة بين الحجاز واليمن. زار الشام والعراق، وولي خطابة الرمي، ثم رحل إلى مصر متخفيا ومعه كتب من حسان بن مفرح الطائي أيام استقلاله ببادية فلسطين إلى بني مرة قبيل عصيانهم بمصر، فعلمت به حكومة مصر فاعتقلته وحبسته بالقاهرة ثم قتل سرّا في سجنه وكان ذلك سنة (416 هـ)، له ديوان شعر مطبوع، وشعره سهل ميسور. انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (5/ 145).

(2)

الأبيات من بحر الكامل وهي من القصيدة المشهورة لأبي الحسن التهامي في رثاء ابن صغير له ومطلعها:

حكم المنيّة في البريّة جار

ما هذه الدّنيا بدار قرار

ومعنى الأبيات واضح، وهي في ذم الحسد ووصف حال الحاسد وفيها هجو للناس.

انظر ديوان أبي الحسن التهامي (ص 31) مطبعة الأهرام (الإسكندرية).

(3)

سورة الإسراء: 23.

(4)

الحديث في صحيح مسلم (8/ 38)(كتاب التحرير بالقاهرة) وروايته فيه: من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترا من النار. وهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 154):

من كان له ثلاث بنات فصبر عليهنّ فأطعمهن وسقاهنّ وكساهنّ من جدّته كنّ له حجابا من النّار، =

ص: 123

والقاعدة الكلية: قلب همزة التأنيث المنقلبة عن حرف زائد في التثنية واوا، كحمراوان، إلا في هذه الكلمة - أعني لأواء - وفي كلمة أخرى وهي حواء، فإن الهمزة فيهما لا تقلب بل تقر في التثنية كالأصلية، فيقال: لأواءان

وحواءان، كما يقال: قرّاءان (1).

(وها أنا ساع فيما انتدبت إليه مستعينا بالله عليه) أي: وها أنا مجدّ.

وأصل السعي العدو فجعل توجهه إلى هذا التصنيف بوجه مجد، كما أن الساعي هو المجد في المشي. ويقال: ندبه إلى كذا وانتدبه: دعاه إليه فانتدب، أي: أجاب، فقوله: انتدب - بالبناء لما لم يسم فاعله - إعلام بأنه طلب منه ذلك ودعي إليه.

(ختم الله لي ولقارئيه بالحسنى وحتم لي ولهم الحظّ الأوفى في المقرّ الأسنى)، ختم: جعل آخر أمرنا وخاتمته، والمراد بالحسنى: الحسن وهو الموت على الإسلام، وحتم: معناه أوجب قاله في الصحاح (2). وبين ختم وحتم جناس التصحيف لاتفاق الكلمتين وذوات بعضها مع اتحاد الكتابة؛ فهو نظير قوله تعالى: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (3).

ومنه قول ابن المعتز (4):

5 -

له وجه به يصبي ويضني

ومبتسم به يشقي ويشفي (5)

= ومعناه أيضا في سنن الترمذي (4/ 318)(طبعة بيروت).

(1)

القرّاء: بالفتح: الحسن القراءة وجمعه قراءون، وبالضم: الناسك المتعبد وجمعه قراءون أيضا (القاموس: قرأ).

(2)

انظر (5/ 1892) من المعجم المذكور طبعة بيروت، ونصه: وحتمت عليه الشيء: أوجبته.

(3)

سورة الكهف: 104. وأول الآية أو الآيتين: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.

(4)

هو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي ولد سنة (246 هـ)، كان أديبا بليغا وشاعرا مطبوعا تعلم على أيدي المبرد وثعلب، واتفق جماعة على خلع الخليفة المقتدر سنة (296 هـ) ثم تولية ابن المعتز. ولكن أنصار المقتدر استطاعوا أن يقضوا على ابن المعتز ومن معه ويقتلوهم جميعا وعلى رأسهم عبد الله. ومن مصنفاته: كتاب البديع في البلاغة، وطبقات الشعراء، وديوان شعر وغير ذلك. انظر في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 76)، نزهة الألباء (ص 233).

(5)

البيت من بحر الوافر في ملحقات شعر ابن المعتز في رسالة بجامعة القاهرة (ص 116) وهو أيضا في =

ص: 124

والحظ: النصيب، والأسنى: الأعلى، والمقر الأسنى: هو الجنة، جعلنا الله تعالى من أهلها بمنه وكرمه!.

وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

* * *

= العمدة لابن رشيق (1/ 327) والبيت ثاني بيتين فقط أولهما:

لئن نزّهت سمعك عن كلامي

لقد نزّهت في خدّيك طرفي

والبيتان ليسا في ديوان ابن المعتز طبعة القاهرة.

والبيت شاهد لجناس التصحيف وفيه شاهدان: أولهما: بين يصبي ويضني، والثاني: بين يشقي ويشفي.

ص: 125