الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مفسّر ضمير الغيبة وتأخره لزوما]
قال ابن مالك: (ويتقدّم أيضا غير منويّ التّأخير إن جرّ بربّ، أو رفع بنعم، أو شبهها، أو بأوّل المتنازعين، أو أبدل منه المفسّر، أو جعل خبره، أو كان المسمّى ضمير الشّأن عند البصريّين [1/ 175]، وضمير المجهول عند الكوفيّين).
ــ
الأولى: ضرب غلامه زيد وهي جائزة بلا خلاف (1).
الثانية: ضرب غلامها بعل هند وفيها خلاف. فالمجيز يقول: لما عاد الضمير على ما أضيف إليه الفاعل، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد - كان بمنزلة عود الضمير على الفاعل.
والمانع نظر إلى تأخر مفسر الضمير لفظا ورتبة، مع عدم تعلق الفعل به، فمنع.
لكن الصحيح الجواز، وقد أفهمه كلام المصنف؛ لأنه لما قال: إن كان المعمول مؤخر الرّتبة لم يعتد بالمشاركة، كما فعل في المسألة الثانية بل أطلق.
الثالثة: ضرب غلامه زيدا وقد علمت أنها ممنوعة (2) إلا عند أبي الفتح والمصنف.
الرابعة: ضرب غلامها بعل هند، وهي ممنوعة بلا خلاف.
وقد تقدم ذكر علة المنع (3).
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المفسر الجائز التأخير شرع في ذكر المفسر الواجب التأخير. وأفاد قول المصنف ويتقدم أيضا غير منويّ التّأخير أن الضمائر
(1) لاتحاد العامل، ولأن المفسر هو الفاعل نفسه، وهو وإن كان مؤخرا في اللفظ إلا أنه مقدم في الرتبة.
(2)
لما فيها من عود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، وهو لا يجوز إلا في مواضع ليست هذه منها.
(3)
وهي أن هندا مؤخر الرتبة من جهتين، ولا تعلق لها بضرب أي العامل، وهو شرط في المسألة.
(4)
انظر شرح التسهيل (1/ 162).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التي يذكرها موضوعة على أن يفسرها ما بعدها، فرتبتها أن تكون مقدمة على المفسر.
وذكر أن الضمير يفسره ما بعده في ستة مواضع:
الأول: المجرور برب، مثاله قول الشاعر:
277 -
واه رأبت وشيكا صدع أعظمه
…
وربّه عطبا أنقذت من عطبه (1)
الثاني: المرفوع بنعم أو شبهها يعني ببئس (2) مثاله قول الشاعر:
278 -
نعم امرأ هرم لم تعر نائبة
…
إلّا وكان لمرتاع بها وزرا (3)
الثالث: المرفوع بأول المتنازعين (4) مثاله قول الشاعر:
279 -
جفوني ولم أجف الأخلّاء إنني
…
لغير جميل من خليلي مهمل (5)
-
(1) البيت من بحر البسيط، غير منسوب في مراجعه وهو في الفخر.
اللغة: واه: من وهى الحائط إذا ضعف وهم بالسقوط، وهو مجرور برب محذوفة. رأبت: من رأبت الإناء أي شعبته وأصلحته. وشكيا: سريعا وهو صفة لمحذوف أي رأبا سريعا. صدع أعظمه: أي أصلحت حاله المائل الفاسد. العطب: بكسر الطاء الهالك، وبفتحها بمعنى الهلاك.
والشاعر يفتخر بنجدته، فهو يساعد المحتاج ويقف بجانب الضعيف، ويصلح الفاسد من أحوال الناس.
وشاهده واضح من الشرح، والبيت في شرح التسهيل (1/ 162)، وفي التذييل والتكميل (2/ 267)، وفي معجم الشواهد (ص 63).
(2)
ويكون مفسره تمييزا مفردا كما مثل.
(3)
البيت من بحر البسيط، نسبته بعض المراجع إلى زهير بن أبي سلمى. شرح شذور الذهب (ص 191)، شرح التسهيل لابن مالك: (1 /
163)، التذييل والتكميل:(2/ 267).
وورد بلا نسبة في بعضها (حاشية الصبان: 3/ 32، التصريح: 1/ 392).
والبيت فيه روح هرميات زهير التي كتبها في هرم بن سنان المزني والتي بقيت وذهب ما أخذه أجرا لها، ومع ذلك فالبيت ليس في ديوان زهير.
اللغة: لم تعر نائبة: لم تنزل حادثة عظيمة. المرتاع: الفزع الخائف. وزرا: ملجأ وعونا، والمعنى بعد ذلك واضح. وشاهده: عود الضمير المرفوع، بنعم على متأخر لفظا ورتبة.
وذهب الكوفيون إلى أنه لا فاعل مضمر في نعم، بل الاسم المرفوع بعد نعم (المخصوص) هو الفاعل بها. والبيت في معجم الشواهد (ص 143)، وفي مراجع أخرى ذكرناها.
(4)
هذا عند البصريين، وأما الكوفيون فيمنعونه: قال الكسائي: يحذف الفاعل، وقال الفراء: يفسر ويؤخر عن المفسر. فإن استوى العاملان في طلب الرفع وكان العطف بالواو نحو: قام وقعد أخوك - فهو فاعل بهما.
(5)
البيت من بحر الطويل، وهو في مراجعه غير منسوب مع كثرة الاستشهاد به. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرابع: ما أبدل منه مفسره، كقوله: اللهمّ صلّ عليه الرّءوف الرّحيم (1)، حكاه الكسائي. وذكر ابن عصفور أن في ذلك خلافا، وأن الأخفش يجيزه وغيره يمنعه، وأن الصحيح الجواز (2).
الخامس: ما جعل المفسر خبرا له، ومثال قوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا (3).
قال الزمخشري: «هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلّا بما يتلوه من بيانه وأصله: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع هي موضع الحياة؛ لأن الخبر يدلّ عليها ويبيّنها.
قال: ومنه: هي النّفس تحمل ما حمّلت، وهي العرب تقول ما شاءت» (4).
قال المصنف: «وهذا من جيد كلامه، وفي تنظيره بهي النّفس وهي العرب - ضعف لإمكان جعل النّفس والعرب بدلين، وتحمل وتقول خبرين» انتهى (5).
ومفسر هذه الخمسة مفرد. ولكل واحد منها موضع إن شاء الله تعالى (6).
وأما السادس: فمفسره جملة كما سيأتي: وهو ضمير الشأن إن ذكر لفظه، -
- اللغة: جفوني: من الجفاء وهو ترك المودة أو فعل السوء. الأخلاء: الأصدقاء.
المعنى: يفتخر الشاعر بمروءته وطيب نفسه، فهو يحمل للناس الحب وللأصدقاء الإخلاص، ويتجنب كل فعل قبيح يسوءهم، أما هم فيفعلون
به غير ذلك.
وشاهده: عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لأنه مرفوع بأول الفعلين المتنازعين اسما واحدا. والمسألة فيها خلاف مشهور بين النحاة مذكور في باب التنازع.
والبيت في معجم الشواهد (ص 282)، وفي شرح التسهيل (1/ 163)، وفي التذييل والتكميل (2/ 267).
(1)
في نسخة (ب): كقولنا. وخرج مثل ذلك الكسائي على أنه نعت لا بدل (المغني: 1/ 492).
(2)
انظر نص ذلك في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 99). ونقله عنه الأشموني (1/ 60).
(3)
سورة المؤمنون: 37.
(4)
انظر نصه في الكشاف له (3/ 32).
(5)
شرح التسهيل (1/ 163). قال ابن هشام:
«وفي كلام ابن مالك أيضا ضعف؛ لإمكان وجه ثالث في المثالين لم يذكره وهو كون هي ضمير القصّة» . (المغني: 2/ 490).
(6)
انظر باب التنازع، قال ناظر الجيش:«تقديم الضمير إذا كان على شريطة التفسير مجمع على جوازه في باب نعم، وفي باب ربّ، وفي باب البدل، وفي باب الابتداء، وفي باب التنازع ثم مثل لكلّ» .