الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأمثلة الخمسة عند النصب والجزم]
قال ابن مالك: (وتحذف جزما ونصبا ولنون التّوكيد، وقد تحذف لنون الوقاية أو تدغم فيها وندر حذفها مفردة في الرّفع نظما ونثرا).
ــ
وأما الفارسي فلا يقوم له دليل على ما ادعاه في هذه المسألة (1).
قال ناظر الجيش: اعلم أن نون الرفع تحذف كثيرا ونادرا وحذفها كثيرا قسمان:
واجب وجائز، فأما الواجب فالمقتضي له ثلاثة أمور:
الجزم والنصب ونون التوكيد.
وأما الجائز فالمقتضي له أمر واحد: وهو نون الوقاية فيجوز معها إثبات نون الرفع وحذفها، وإذا أثبتت فقد تدغم في نون الوقاية وقد لا تدغم، فصار لنون الرفع مع نون الوقاية ثلاثة أحوال:
الفك والإدغام والحذف، وقرئ بالأوجه الثلاثة قوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي (2).
واختار المصنف أن المحذوف هو نون الرفع لا نون الوقاية وهو مذهب سيبويه (3).
وقال الأخفش والمبرد وأكثر المتأخرين: إنّ المحذوف نون الوقاية لا نون الرّفع (4).
وصحح المصنف مذهب سيبويه بوجوه (5): -
(1) والذي ادعاه هو قوله: إنها معربة ولا إعراب فيها، وهو مردود لأنه لا بد من علامة تدل على الإعراب.
(2)
سورة الزمر: 64. وانظر في تخريج هذه القراءات الثلاثة والتفصيل فيها كتاب النشر لابن الجزري: (2/ 363)، والكشف عن وجوه القراءات لمكي (2/ 240). وانظر أيضا: التبيان في إعراب القرآن للعكبري (2/ 1113).
قال: «قرأ ابن عامر بنونين ظاهرتين. وقرأ نافع بنون واحدة، وهي إما نون الرّفع وإمّا نون الوقاية، وقرأ الباقون بنون مشدّدة» ، وانظر أيضا كتاب سيبويه (3/ 519).
(3)
الكتاب: (3/ 519) قال في حذف نون الرفع بعد أن تكلم في حذفها مع نون التوكيد: وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا، بلغنا أن بعض القراء قرأ: أتحاجوني [الأنعام: 80] وكان يقرأ:
فبما تبشرون [الحجر: 54] وهي قراءة أهل المدينة وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف.
(4)
انظر في تخريج رأي الأخفش والمبرد: التذييل والتكميل (1/ 194). وانظر في تخريج رأي المبرد أيضا كتابه المقتضب (1/ 252) وعلل حذف الثانية بأنها منفصلة عن الأولى.
(5)
انظر: شرح التسهيل (1/ 52).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحدها: أن نون الرفع قد تحذف دون سبب مع عدم ملاقاتها لنون الوقاية، ولا تحذف نون الوقاية المتصلة بفعل محض غير مرفوع بالنون، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه.
ثانيها: أن نون الرفع نائبة عن الضمة، وقد حذفت الضمة تخفيفا في فعل واسم، كقراءة السوسي (1): وما يشعركم (2).
وقراءة مسلمة بن محارب (3): وبعولتهن (4)، وكرواية أبي يزيد (5):
(ورسلنا لديهم يكتبون)(6) بسكون اللام. فحذف النون النائبة عنها تخفيفا أولى وليؤمن بذلك تفضيل الفرع على الأصل (7). -
(1) هو صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن الجارود الملقب بالثقة مقرئ ضابط للقراءة ثقة أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبي محمد الزيدي وهو من أجلّ أصحابه، كما قرأ على حفص عن عاصم وروى القراءة عنه ابنه محمد وموسى بن جرير النحوي وأبو الحارث الطرسوسي، عاش ما يقرب من تسعين سنة؛ حيث ولد سنة 173 هـ وتوفي سنة 261 هـ.
ترجمته في الأعلام (3/ 276)، غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 332).
(2)
سورة الأنعام: 109، وبقيتها:
…
أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ، وانظر القراءة في المحتسب لابن جني (1/ 227)، قال:«هو من إسكان المرفوع تخفيفا» ثم أتى بأمثلة كثيرة من كلام العرب:
سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم
…
ونهر تيرى فلا تعرفكم العرب
فاليوم أشرب غير مستحقب
…
إثما من الله ولا واغل
ورد على المبرد ردّا عنيفا حين اعترض على سيبويه في هذه الشواهد.
(انظر ذلك كله في المحتسب: 1/ 110).
(3)
هو أبو عبد الله مسلمة بن عبد الله بن محارب الفهري البصري النحوي له اختيار في القراءة.
قال فيه ابن الجزري: قال محمد بن سلام: كان مسلمة بن عبد الله مع ابن أبي إسحاق وأبي عمرو بن العلاء، وقال ابن مجاهد: كان من العلماء بالعربية وكان يقرأ بالإدغام الكبير كأبي عمرو وروى حروفا لم يدغمها أبو عمرو (غاية النهاية: 2/ 228).
(4)
سورة البقرة: 228، وبقيتها قوله: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وانظر القراءة في المحتسب لابن جني (1/ 122).
(5)
لم أعثر له على ترجمة في كتب تراجم العلماء عامة كالأعلام للزركلي، وكتب تراجم القراء خاصة كغاية النهاية لابن الجزري، ولم أقف على اسمه.
(6)
سورة الزخرف: 80، وبعدها قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ.
وانظر القراءة في المحتسب لابن جني: (1/ 109)، وهو من باب التسكين للتخفيف أيضا.
(7)
جعل ابن عصفور من الضرائر: تسكين المضارع دون ناصب أو جازم وذكر أن المبرد والزجاج أنكرا -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثالثها: أن حذف نون الرفع يؤمن معه حذف نون الوقاية؛ إذ لا يعرض لها سبب آخر يدعو إلى حذفها، وحذف نون الوقاية لا يؤمن معه حذف نون الرفع عند الجزم والنصب، وحذف ما يؤمن بحذفه حذف أولى من حذف ما لا يؤمن بحذفه حذف.
رابعها: لو حذفت نون الوقاية لاحتيج إلى كسر نون الرفع بعد الواو والياء، وإذا حذفت نون الرفع لم يحتج إلى تغيير ثان، وتغيير يؤمن معه تغيير أولى من تغيير لا يؤمن معه تغيير (1).
وأما حذفها النادر فهو إذا لم يكن سبب من الأسباب المتقدمة الذكر.
فمن حذفها في النظم قول الراجز:
69 -
أبيت أسري وتبيتي تدلكي
…
وجهك بالعنبر والمسك الزّكي (2)
ومنه قول أبي طالب (3): -
- هذه الأمثلة وتلك الروايات. ثم قال: «والصحيح أنّ ذلك جائز سماعا وقياسا:
أما القياس فإن النحويين اتّفقوا على جواز ذهاب حركة الإعراب للإدغام.
وأما السّماع فقد قرأ ابن محارب وبعولتهن [البقرة: 228]: بإسكان التاء.
وقرأ الحسن: وما يعدهم [الإسراء: 64]: بإسكان الدال. وقرأ مسلمة بن محارب: وَإِذْ يَعِدُكُمُ [الأنفال: 7] بإسكان الدال ثم قال: «والذي حسّن مجيء هذا التخفيف في حالة السعة شدة اتّصال الضمير بما قبله من حيث كان غير مستقلّ بنفسه، فصار التّخفيف كأنه واقع من كلمة واحدة كعضد (الضرائر الشعرية: ص 74).
(1)
انظر: شرح التسهيل (1/ 52).
(2)
البيتان: من الرجز المشطور، وقد ذكرا في مراجع كثيرة غير منسوبين.
اللغة: أسري: من السرى وهو السير ليلا. تدلكي: من الدّلك وهو الدعك باليد.
والشاعر: يقرع امرأته على شقائه وتنعمها.
قال ابن منظور: (لسان العرب مادة دلك): «حذف النّون من تبيتي كما تحذف الحركة للضرورة في قول امرئ القيس (من السريع): فاليوم أشرب غير مستحقب .. إلخ.
وحذفها من تدلكي أيضا لأنه جعلها بدلا من تبيتي أو حالا قال: وقد يجوز أن يكون في موضع النصب بإضمار أن في غير الجواب كما جاء في بيت الأعشى (من الطويل):
لنا هضبة لا ينزل الذل وسطها
…
ويأوي إليها المستجير فيعصما
والبيت في معجم الشواهد (ص 515) وفي شرح التسهيل (1/ 53) وفي التذييل والتكميل (1/ 195).
(3)
عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، والد علي رضي الله عنه وعم النبي صلى الله عليه وسلم وكافله ومربيه -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
70 -
فإن يك قوم سرّهم ما صنعتم
…
ستحتلبوها لاقحا غير باهل (1)
ومن حذفها في النثر قراءة أبي عمرو (2) من بعض طرقه:
قالوا ساحران تظاهرا (3)، بتشديد الظاء، أصله تتظاهران فأدغم أي: قالوا -
- وناصره ضد أعدائه من قريش، دعاه النبي إلى الإسلام، فامتنع خوفا من أن تعيره قريش فنزل فيه قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56] وقيل: كان مسلما ولكنه أخفى الإسلام لصالح النبي، عاش أكثر من ثمانين سنة حيث ولد سنة 85 قبل الهجرة وتوفي قبلها بثلاث سنين. له ديوان شعر مطبوع. (انظر ترجمته في الأعلام: 4/ 315).
(1)
البيت من بحر الطويل قاله أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم من قصيدة في الديوان (ص 127)، قالها عند ما تحالفت قريش وكتبت صحيفة علقتها في الكعبة تنص على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب ومحاصرتهم في شعب أبي طالب (انظر القصيدة أيضا في خزانة الأدب: 2/ 59).
اللغة: اللاقح: الحامل من النوق، الباهل: الناقة التي لا صرار عليها، والصرار ككتاب ما يشد على ضرع الناقة لئلا تحلب ولئلا يرضعها ولدها. وأبو طالب يهدد قريشا بقيام حرب تعمهم جميعا.
وشاهده قوله: ستحتلبوها حيث حذفت نونه دون ناصب أو جازم وهو نادر.
والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 53) وفي التذييل والتكميل (1/ 195).
(2)
هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن عبد الله المازني، ولد بمكة سنة (68 هـ)، وهو أحد القراء السبعة المشهورين، قرأ القرآن على سعيد بن جبير ومجاهد وروى عن أنس بن مالك وطائفة، وكان أعلم الناس بالنحو والقراءات واللغة وأيام العرب والشعر والأدب وكان من أشراف العرب ووجهائها وقد مدحه الفرزدق، وقال سفيان بن عيينة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله قد اختلفت عليّ القراءات فبقراءة من تأمرني؟ فقال: «بقراءة أبي عمرو بن العلاء» . زهد في الدنيا وكتب على خاتمه:
وإنّ امرأ دنياه أكبر همّه
…
لمستمسك منها بحبل غرور
امتد به العمر حتى مات بالكوفة سنة (159 هـ).
انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 231)، معجم الأدباء (11/ 156)، غاية النهاية (1/ 288)، نزهة الألباء (ص 24).
(3)
سورة القصص: 48، قال أبو حيان (البحر المحيط: 7/ 124): «قرأ الجمهور: (ساحران)، وفسر بموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقرأ عبد الله وزيد بن علي والكوفيون: سحران وفسر بالتوراة والفرقان» .
وقال: «تظاهرا: تعاونا. قرأ الجمهور (تظهرا:) فعلا ماضيا على وزن تفاعل، وقرأ طلحة والأعمش: اظاهرا بهمزة وصل وشد الظاء وأصله تظاهرا فأدغم التاء في الظاء فاجتلبت همزة الوصل لأجل سكون التاء المدغمة وقرأ محبوب عن الحسن، وأبو خلاد عن اليزيدي: تظاهرا بالتاء وتشديد الظاء قال: قال ابن خالويه: وتشديده لحن لأنه فعل ماض وإنما يشدد في المضارع فقط.
وقال: وله تخريج في اللسان: ذلك أنه مضارع حذفت منه النون وقد جاء حذفها في قليل من الكلام -