الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس باب المعرفة والنّكرة
*
[أنواع المعرفة]
قال ابن مالك: (الاسم معرفة ونكرة؛ فالمعرفة مضمر وعلم ومشار به ومنادى وموصول ومضاف وذو أداة).
قال ناظر الجيش: لم يحدّ المصنف المعرفة واستغنى عن ذكرها بذكر أنواعها، ولا النكرة؛ لأنه لما حصل أنواع المعرفة بالعد بين أن النكرة ما عدا ذلك، والحامل له على ترك ذكر الحد ما ذكره في الشرح، وهو أنه قال (1):
«من تعرض لحد المعرفة عجز عن الوصول إليه [1/ 124] دون استدراك عليه؛ لأن من الأسماء ما هو معرفة معنى، نكرة لفظا، وما هو نكرة معنى، معرفة لفظا، وما هو في استعمالهم على وجهين:
فالأول: نحو قولهم: كان ذلك عاما أوّل وأوّل من أمس، فإن مدلول كل واحد منهما معين لا شياع فيه؛ ولكنهما لم
يستعملا إلا نكرتين.
والثاني: نحو قولهم للأسد: أسامة، فإنه يجري في اللفظ مجرى حمزة في منع الصرف والاستغناء عن الإضافة، والألف واللام، وفي وصفه بالمعرفة دون النكرة، واستحسان مجيئه مبتدأ وصاحب حال، وهو في الشياع كأسد.
والثالث (2): كواحد أمّه، وعبد بطنه؛ فإن أكثر العرب يجعلهما معرفتين بمقتضى الإضافة، وبعض العرب يجعلهما نكرتين ويدخل عليهما ربّ وينصبهما على الحال، ذكر ذلك أبو علي.
ومثلهما في إعطاء حكم المعرفة تارة وحكم النكرة أخرى - ذو الألف واللام الجنسيتين؛ فإنه من قبيل اللفظ معرفة، ومن قبيل المعنى لشياعه نكرة؛ فلذلك يجوز أن يوصف بمعرفة اعتبارا بلفظه وهو الأكثر، ويجوز أن يوصف بنكرة اعتبارا بمعناه نحو:
مررت بالرجل خير منك. وعلى ذلك حمل المحققون قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ -
(1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 115).
(2)
الثالث من تقسيمه الأسماء القسمة السابقة، وهي معرفة معنى نكرة لفظا، نكرة معنى معرفة لفظا، وما هو في الاستعمال على وجهين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (1) فجعلوا نسلخ صفة لليل، والجمل لا يوصف بها إلا النكرات.
وإذا ثبت كون الاسم معرفة بهذه المثابة، فأحسن ما يبين به ذكر أقسامه مستقصاة.
ثم يقال: وما سوى ذلك فهو نكرة» انتهى (2).
وناقشه الشيخ فيما ذكره فقال:
«أما قوله إن عاما أوّل، وأوّل من أمس في التركيب الذي أشار إليه مدلولهما معين لا شياع فيه بوجه، ولم يستعملا إلا نكرتين، ففرق بين الوضع والاستعمال.
أما لفظ عام فلا شك في أنه نكرة ومدلوله شائع (3) في جنسه كرجل؛ وإنما اكتسب التعيين عند السامع باستعماله عند صفته للعام الذي كان قبل عامك.
وكذلك أول من أمس معناه: يوما أول من أمس فحذف يوما وقامت صفته مقامه ومدلول يوم شائع في جنسه؛ ولما وصفته بأول وعنيت عاما أول من عامك، ويوما أول من يومك - اكتسب بالاستعمال والوصف انطلاقه على العام الذي يلي عامك، واليوم الذي يلي يومك (4).
ولا شك أنه يعرض للنكرات أن تعيين المراد ببعض أفرادها لقرينة لفظية أو حالية» انتهى (5).
والذي ذكره الشيخ حق؛ ولا شك أن بين الوضع والاستعمال فرقا واضحا؛ فلا يلزم من التعيين في الاستعمال التعيين في الوضع (6).
ثم قال الشيخ: «وأما قولهم للأسد أسامة ونحو ذلك، فقد يطلق عليه أنه معرفة على طريق المجاز؛ إذ لا يخالف في معناه دلالة أسد؛ إنما يخالفه في أحكام لفظية» انتهى (7). -
(1) سورة يس: 37.
(2)
انظر: شرح التسهيل (1/ 126).
(3)
في التذييل والتكميل: ومدلوله معنى شائع في جنسه كرجل
…
إلخ.
(4)
في الفقرات الأخيرة اضطراب أو سقوط بعض ألفاظ صححتها من شرح أبي حيان نفسه: (2/ 107).
(5)
انظر التذييل والتكميل: (2/ 107). ومن أمثلة تعيين المراد بالقرينة ما مثل به أبو حيان من قولك: لقد قتل ابن ملجم رجلا عظيما؛ فيفهم من قولك: رجلا عظيما أنه علي بن أبي طالب. وقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير: 19] فيفهم منه أنه محمد صلى الله عليه وسلم؛ فذلك لا يحتمل الشياع ولكنه نكرة في الصناعة النحوية.
(6)
أي: فلا يلزم من التعيين في الاستعمال الذي يوجب تعريف الاسم التعيين في الوضع الذي يوجب تنكيره.
(7)
انظر: التذييل والتكميل (2/ 108). وأما الأحكام اللفظية التي يخالف فيها أسد وأسامة فستأتي بعد ذلك في باب العلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلت: ويؤيد ما ذكره الشيخ قول المصنف في ألفيته:
(ووضعوا لبعض الأجناس علم
…
كعلم الأشخاص لفظا وهو عم)
ثم قال الشيخ: «وأما قوله يعني [1/ 125] المصنف: كواحد أمّه وعبد بطنه، فهذا له اعتبارات كما ذكر، لا يدخل أحد الاعتبارين على الآخر.
ومن تأول واحد أمه بمنفرد أمه، وعبد بطنه بخادم بطنه، اعتقد تنكيرهما لتأولهما باسم الفاعل، ومن لم يتأولهما باسم الفاعل أقرهما على التعريف بالإضافة، وهذا لا يبعد نظيره في اللفظ الواحد باعتبار تأويلين. ألا ترى أن مثلك نكرة عند أكثر العرب، ومعرفة عند بعضهم؟» انتهى (1).
والذي ذكره الشيخ من الاعتبارين صحيح.
ثم قال: وأما قوله: ومثلهما ذو الألف واللام الجنسيتين - فلا يقوم دليل على أن الذي هي فيه نكرة، ولا يقوم دليل
على أنها تنعت بالنكرة.
وأما قولهم: مررت بالرجل خير منك، فيحتمل أن تكون اللام زائدة، أو يكون (خير منك) بدلا لا وصفا.
وأما قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (2) فنسلخ جملة حالية لا نعت. انتهى (3).
قلت: وقد قال المصنف في باب المعرف بالأداة: «والبدليّة في نحو: ما يحسن بالرّجل خير منك - أولى من النّعت والزّيادة» (4).
وإذ قد عرفت هذا فلنذكر حدي المعرفة والنكرة، وأحسن ما قيل إن المعرفة: هي ما وضع لشيء بعينه، فما وضع لشيء: يشمل المعرفة والنكرة. وبعينه: يخرج النكرة، ولا يعني بالتعريف أن يكون المدلول معينا للمخاطب حتى لا يلتبس بغيره، وإنما يعني به أن يكون اللفظ موضوعا لمعين، على خلاف وضع النكرات في كونها موضوعة لواحد لا بعينه من آحاد مشتركة في معنى كلي.
وإن النكرة: هي ما وضع لشيء لا بعينه، أي لواحد شائع في أمته لا يخصّ -
(1) انظر: التذييل والتكميل (2/ 109).
(2)
سورة يس: 37.
(3)
انظر المرجع السابق.
(4)
سيأتي في هذا التحقيق آراء النحاة في نحو: ما يحسن بالرّجل خير منك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحدا دون آخر باعتبار الوضع وبخلاف المعرفة.
وفي كلام المصنف إشارة إلى شيء من هذا، حيث قال في الكافية الشافية:
ما شاع في جنس كعبد نكرة
…
وغيره معرفة كعنترة (1)
والمراد بالمنادى في كلام المصنف: النكرة المقبل عليها؛ لأن النكرة غير المقبل عليها باقية على التنكير، والعلم باق في النداء على تعريف العلمية، خلافا لمن ادعى أنه ينكر ثم يعرف بالنداء.
والمراد بالمضاف: ما أضيف إلى معرفة إضافة معنوية لا لفظية؛ وإنما سكت عن تبيين ذلك لوضوحه.
وعند المصنف: أن أقسام المعرفة سبعة كما ذكرها. وأكثرهم يذكرون أنها خمسة أقسام؛ لأنهم لا يعدون المنادى والموصول، ومنهم من يغفل المنادى خاصة فيكون الأقسام عنده ستة، لكن يعدها خمسة؛ لأنه يجعل منها قسما هو المبهم، ويعبر به عن اسم الإشارة والموصول.
والسبب في أن منهم من يعد المنادى والموصول، ومنهم من لا يعدهما، أو لا يعد أحدهما: أنهم اختلفوا في الموجب لتعريفهما.
وأما المنادى: فقيل: إنه معرفة بألف ولام محذوفتين. وناب حرف النداء منابهما؛ فهو من قبيل ما عرف باللام. قال الشيخ: «وهو الّذي صحّحه أصحابنا» (2).
وقيل: إنه معرفة بالإقبال عليه والقصد والخطاب، فهو قسم برأسه.
قال المصنف: «قال قوم: تعريفه بحرف [1/ 126] حذف لفظا وبقي معنى، كما بقي معنى الإضافة في نحو: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ (3).
وقال قوم: بل تعريفه بالمواجهة والإشارة إليه، وهذا المعنى مفهوم من ظاهر قول سيبويه، وهو أظهر وأبعد من التكلف» انتهى (4). -
(1) انظر تحقيق شرح الكافية الشافية لابن مالك (جـ 1 ص 222) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي - جامعة أم القرى.
(2)
انظر: التذييل والتكميل (2/ 111).
(3)
سورة الفرقان: 39 وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً.
(4)
انظر: شرح التسهيل (1/ 116). وقول ابن مالك (وهذا المعنى مفهوم من ظاهر قول سيبويه) لم أجده في الكتاب. وقد ذكر سيبويه أنواع المعرفة وعدها خمسة، ولم يذكر منها المنادى. انظر -