الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسائل وأحكام أخرى لضمير الفصل]
قال ابن مالك: (ولا يتقدّم مع الخبر المقدّم خلافا للكسائي، ولا موضع له من الإعراب على الأصحّ، وإنّما يتعيّن فصليته إذا وليه منصوب وقرن باللّام، أو ولي ظاهرا، وهو مبتدأ مخبر عنه بما بعده عند كثير من العرب).
ــ
المصاب لا أن الصديق يرى مصاب المتكلم هو المصاب (1).
وذكر الشيخ عن العكبري (2) أنه قال: «هو توكيد للفاعل في يراني، وفصل به بين المفعولين، والأول محذوف، وأقيم المضاف إليه مقامه، والمضاف مصدر؛ أي يظنّ مصابي هو المصاب يحقر كلّ مصاب دونه» انتهى (3).
وما قاله العكبري أقرب مما قاله المصنف.
قال ناظر الجيش: هذه أربع مسائل:
الأولى: أن ضمير الفصل لا يؤتى به مع الخبر المقدم بل يترك، قال المصنف:
«لما كانت فائدة الفصل صون الخبر من توهمه تابعا لزم من ذلك الاستغناء عنه إذا قدّم الخبر؛ لأنّ تقدمه يمنع من توهمه تابعا؛ إذ التابع لا يتقدم على المتبوع.
فلو قدم المفعول الثاني في حسبت زيدا هو خيرا منك - لترك الفصل لعدم الحاجة إليه مع كونه في محلّه؛ فلأن يترك ولا يجاء به قبل الخبر المقدم أحقّ وأولى، فظهر بهذا بطلان ما أجازه الكسائيّ من ذلك» انتهى (4). -
(1) هذا المعنى يذهب به الشارح إلى إبطال رأي المصنف أو تضعيفه، وقد دعمه بما نقله عن أبي حيان عن العكبري.
(2)
هو محب الدين عبد الله بن الحسين بن عبد الله النحوي البغدادي الشهير بأبي البقاء العكبري، أصله من عكبرا وقد ولد في بغداد سنة (530 هـ). تلقى مختلف العلوم على يد الأعلام حتى حاز قصب السبق في كثير منها وخاصة في العربية التي قرأها على ابن الخشاب وغيره، وكانت لا تمضي عليه ساعة من نهار أو ليل إلا في العلم ونشر علمه على كثيرين حيث كان حسن الأخلاق متواضعا.
مصنفاته: كثيرة منها إعراب القرآن، وإعراب الحديث، واللباب في علل البناء والإعراب، وإعراب القراءات الشاذة، وإيضاح المفصل،
وشرح أبيات الكتاب، وشرح اللمع، وشرح ديوان الحماسة، وشرح ديوان المتنبي، وأكثرها في أيدي الناس. ومات العكبري سنة (616 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 39) والأعلام (4/ 208).
(3)
التذييل والتكميل (2/ 298).
(4)
شرح التسهيل (1/ 168). وعلق أبو حيان على كلام ابن مالك فقال: «وما نقله المصنف من -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولو قال المصنف: ولا يؤتى به مع الخبر المقدّم - لكان أولى من قوله:
ولا يتقدّم. ومن فروع هذه المسألة أنه إذا تقدم مفعولا ظننت عليها جاز أن يأتي الفصل بينهما نحو: زيدا هو القائم ظننت. فإن توسطت ظننت بين المفعولين نحو:
زيدا ظننت هو القائم، قال الشيخ: ففي جواز ذلك نظر (1).
المسألة الثانية: هل لضمير الفصل موضع من الإعراب أو لا؟
وقد اختلف النحويون أولا في صيغ ضمير الفصل، فالأكثرون (2) على أنها حروف وأنها تخلصت للحرفية، كما تخلصت الكاف التي في أكرمك للخطاب مع أسماء الإشارة في نحو ذلك. قال المصنف في شرح الكافية:
«وإذا لم يكن له موضع من الإعراب فالحكم عليه بالحرفية غير مستبعد» انتهى (3).
وذهب الخليل (4) ووافقه جماعة إلى أنها باقية على الاسمية.
ورجح ابن عصفور مذهب الأكثرين (5) واستدل على الخليل بأنها لا موضع لها من الإعراب، قال: لو كانت أسماء لكان لها موضع من الإعراب.
وقد ردّ على ابن عصفور (6)[1/ 181] بأنه لا يلزم من كونها لا موضع لها من الإعراب نفي اسميتها؛ لأن ذلك نفي عارض من العوارض عنها، ونفي ما يعرض لا ينتفي به الأصل إنما ينتفي الشيء بانتفاء وضعه الذي أتى له. -
- الجواز عن الكسائيّ مختلف فيه عن الكسائيّ، فالّذي حفظ عنه هشام المنع، والذي حكاه الفراء وغيره عنه الجواز. والمنع قول البصريين وهشام والفرّاء» (التذييل والتكميل: 2/ 298).
(1)
هو ما رآه ابن مالك في الأولى حين يتقدم الخبر حيث لا حاجة إلى الفصل؛ لأن التابع لا يتقدم على المتبوع هنا يقال: لا حاجة إليه ولا يجوز؛ لأنه لا يفصل بين التابع والمتبوع فالأولى عدمه.
(2)
هم أكثر البصريين (المغني لابن هشام: 2/ 496).
(3)
انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (جـ 1، ص 245)(تحقيق د/ عبد المنعم هريدي)، ونص ما ذكره الشارح في (ص 40) من التحقيق وبقية الكلام
…
كما فعل بكاف ذلك ونحوه.
(4)
رأي الخليل في المغني (2/ 497)، وفي التذييل والتكميل (2/ 299).
(5)
وهو القول بالحرفية، ونص ما ذكره واستدلاله على الخليل في كتابه شرح الجمل (2/ 161، 162).
(6)
الراد هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الأنصاري المالقي المعروف بالشلوبين الصغير، توفي في حدود (660 هـ) (التذييل والتكميل: 2/ 286).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصحيح: ما ذهب إليه الخليل من أنها أسماء ولا موضع لها من الإعراب؛ إذ لا يحتاج إلى ذلك في كل موضع؛ لأن حقيقة الاسمية ثابتة في كل منها، وهي الدلالة على المسمى مثل سائر الأسماء.
وإذا ثبت أنه من الأسماء فلا بعد في أن يكون ضميرا؛ إذ دلالته بكناية كسائر الضمائر.
ثم القائلون باسمية ضمير الفصل اختلفوا: هل له موضع من الإعراب أو لا؟
فالبصريون على أنه لا موضع له (1)، لأن الغرض به الإعلام من أول وهلة؛ ليكون الخبر خبرا لا صفة فاشتد شبهه بالحرف، إذ لم يجأ به إلا لمعنى في غيره، فلم يحتج إلى موضع من الإعراب، ولأنه لو كان له موضع من الإعراب لكان إياي أولى من أنا في نحو: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ (2)، ولكان إياه أولى من هو في نحو:
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً (3).
والكوفيون يرون أن له موضعا من الإعراب، فله عند الكسائي ما لما بعده، وله عند الفراء ما لما قبله: فإذا قلت: زيد هو القائم فهو في موضع رفع على مذهبيهما، وإذا قلت: ظننت زيدا هو القائم فهو في موضع نصب، وإذا قلت: كان زيد هو القائم فهو عند الكسائي في موضع نصب، وعند الفراء في موضع رفع (4).
وقد تبين أن مختار المصنف أن الفصل لا موضع له من الإعراب، لكن لم يشعر -
(1) قال أبو البركات الأنباري في مسألة ضمير الفصل (2/ 706): «ذهب الكوفيّون إلى أن ما يفصل به بين النّعت والخبر يسمّى عمادا وله موضع من الإعراب، وذهب بعضهم إلى أن حكمه حكم ما قبله، وذهب بعضهم إلى أنّ حكمه حكم ما بعده، وذهب البصريون إلى أنه يسمى فصلا؛ لأنّه يفصل بين النّعت والخبر إذا كان الخبر مضارعا لنعت الاسم ليخرج من معنى النّعت - كقولك: زيد هو العاقل ولا موضع له من الإعراب.
(2)
سورة الكهف: 39.
(3)
سورة المزمل: 20.
(4)
نص رأي الكسائي والفراء في المغني (2/ 497)، وفي التذييل والتكميل (2/ 300)، وفي الهمع (1/ 68).
أما من ذهب بأن حكمه حكم ما بعده، فاحتج بأنه مع ما بعده كالشيء الواحد؛ فوجب أن يكون حكمه بمثل حكمه.
وأما من ذهب بأن حكمه حكم ما قبله، فاحتج بأنه لما كان توكيدا لما قبله نزل منزلة النفس إذا كانت -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلامه بحرفيته إلا ما نقلته عنه من شرح الكافية من أنه لا يستبعد القول بذلك إن قيل به. وأما كلامه في التسهيل فيشعر باسميته لقوله: من المضمرات المسمّى عند البصريّين فصلا. فظاهر هذه العبارة أن صيغ الفصل عنده من المضمرات.
وإذا كان كذلك تعين القول باسميتها، ودل كلامه في الشرح على أن القائلين بأن له موضعا يجعلونه توكيدا لما قبله.
ورد عليهم بقول سيبويه (1): «لو كان كذلك لجاز مررت بعبد الله هو نفسه» ، وبأنه قال (2):«إن كان زيد لهو الظّريف، وإن كنّا لنحن الصّالحين» .
قال سيبويه (3)«فالعرب تنصب هذا والنّحويّون أجمعون، ولا يكون هو ونحن صفة ومعها اللّام» . يعني بالصفة التوكيد.
ثم قال سيبويه (4): «فصارت هو وأخواتها بمنزلة ما إذا كانت لغوا في أنّها لا تغيّر ما بعدها عن حالته قبل أن تذكر» انتهى.
وأشعر كلام سيبويه بأن الفصل لا موضع له من الإعراب.
المسألة الثالثة: في تعيين ذلك الضمير للفصلية:
وذكر أنه يتعين فصليته في صورتين:
إحداهما: إذا ولي ذلك الضمير منصوب وقرن الضمير باللام ظاهرا كان ذو الخبر أو ضميرا، نحو: -
- توكيدا وكما أنك إذا قلت جاءني زيد نفسه كان تابعا لزيد في إعرابه، فكذلك العماد إذا قلت زيد هو العاقل، يجب أن يكون تابعا في إعرابه.
وأما الذين ذهبوا بأنه لا موضع له من الإعراب وهم البصريون؛ لأنه إنما دخل لمعنى وهو الفصل بين النعت والخبر كما تدخل الكاف في ذلك وتلك وتثنى وتجمع ولا حظ لها في الإعراب، وما تكون للتوكيد ولا حظ لها في الإعراب.
وردوا رأي الكسائي القائل بأن محله ما بعده، قالوا: هذا باطل؛ لأنه لا تعلق له بما بعده لأنه كناية عما قبله.
وردوا على رأي الفراء القائل: محله ما قبله لأنه توكيد، قالوا: هذا باطل أيضا؛ لأن المكني لا يكون تأكيدا للمظهر في شيء من كلامهم. (الإنصاف: 2/ 706).
(1)
الكتاب (2/ 390).
(2)
المرجع السابق.
(3)
الكتاب (2/ 391).
(4)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن كان زيد لهو الفاضل، وإن كنت لأنت الفاضل، وإن ظننت زيدا لهو الفاضل، وإن ظننتك لأنت الفاضل.
وإنما تعينت فصليته في هذه الصورة لامتناع حمله [1/ 182] على غير الفصلية، وذلك لأن الابتدائية فيه تمتنع لنصب الواقع بعده، وكذا البدلية والتأكيد؛ لأن اللام المذكورة لا يفصل بها بين التابع والمتبوع، وإذا امتنع كونه مبتدأ وتابعا تعين كونه فصلا.
الصورة الثانية: إذا ولي ذلك الضمير منصوبا أيضا كما في الأولى ولم يقرن هو باللام، لكن ولي ظاهرا نحو: ظننت زيدا هو القائم، فقول المصنف: أو ولي معطوف على قوله: وقرن باللّام لا على قوله: وليه منصوب؛ لأن شرط تعينه للفصلية في الصورتين هو أن يليه منصوب. ثم لا بد مع هذا الشرط من أحد شيئين: وهو أن يقرن الضمير باللام أو يلي هو ظاهرا وإن لم يقرن بها.
وإنما تعينت فصليته في هذه الصورة أيضا؛ لامتناع حمله على غير الفصلية.
أما منع الابتدائية فيه فظاهر لنصب ما بعده، وأما التوكيد فيه فممتنع أيضا؛ لأن الظاهر لا يؤكد بالضمير، وأما البدل فذلك لعدم المطابقة في الإعراب.
واعلم أن المصنف يدخل عليه لكونه اقتصر في هذه الصورة الثانية على قوله:
أو ولي ظاهرا نحو: كان زيد هو القائم؛ لأنه قد ولي الضمير فيه منصوب، والضمير قد ولي ظاهرا، ومع هذا لا تتعين الفصلية في هذا المثال؛ إذ يجوز أن يكون الضمير بدلا من الظاهر الذي هو زيد لاتفاقهما في الإعراب، فكان الواجب أن يقول: وولي ظاهرا منصوبا؛ ليندفع عنه هذا الداخل.
أما غير هاتين من الصور التي يؤتى فيها بضمير الفصل، فلا يتعين ذلك الضمير فيها للفصلية، بل يجوز كونه فصلا وغير فصل؛ فنحو زيد هو القائم يجوز في هو أن يكون فصلا وغير فصل وأن يكون بدلا وأن يكون مبتدأ ثانيا.
وإن كان المبتدأ مضمرا نحو: أنت أنت القائم، جازت الأوجه الثلاثة (1) وزاد رابع وهو أن يكون توكيدا. -
(1) هي الابتداء والفصل والبدل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونحو كان زيد هو القائم، وكنت أنت القائم، مع رفع القائم في المثالين يتعين أن يكون الضمير مبتدأ، ونحو كان زيد هو القائم بنصب القائم يجوز الوجهان (1).
ووجه ثالث وهو التوكيد.
ونحو إن زيدا هو القائم يجوز فيه الابتداء والفصل (2)، ونحو إنّك أنت القائم يجوز فيه الوجهان (3) ووجه ثالث وهو التوكيد.
ونحو ظننت زيدا هو القائم، وظننتك أنت القائم بنصب القائم يجوز فيه الفصلية والتأكيد.
المسألة الرابعة: هو أن كثيرا من العرب (4) يجعلون هذا الضمير مبتدأ، ويخبرون عنه بما بعده فيقرءون: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ (5)، وتجدوه عند الله هو خير (6) بالرفع.
قال سيبويه (7): «بلغنا أنّ رؤبة كان يقول: أظنّ زيدا هو خير منك، وحدّثنا عيسى أنّ ناسا [1/ 183] كثيرا من العرب يقولون: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ -
(1) هما الفصل والبدل: أما الفصل فهو الأصل، وأما البدل فإنه يجوز إبدال المضمر من الظاهر، وأما الوجه الثالث الذي ذكره فهو وهم وخطأ؛ حيث لا يؤكد الظاهر بمضمر، فالمثال المذكور ليس فيه إلا الوجهان المذكوران فقط. وما وهم فيه ناظر الجيش وهم فيه أبو البقاء العكبري، فقد أجاز في إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 3]، التوكيد ورده ابن هشام (المغني: 2/ 497).
(2)
ووجه ثالث وهو البدل عند من أجاز إبدال المضمر من الظاهر.
(3)
الابتداء والفصل، ويمتنع البدل لأن الضمير المنفصل ضمير رفع.
(4)
هم التميميون كما في البحر المحيط (8/ 27).
(5)
سورة الكهف: 39، والقراءة المشهورة نصب أقل على أنها المفعول الثاني لترى، وأنا فصل أو توكيد، وقراءة الرفع على أن تكون أنا مبتدأ وأقل خبره، والجملة في موضع المفعول الثاني. (التبيان: 2/ 848).
(6)
سورة المزمل: 20. قال أبو حيان: «قرأ الجمهور هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً بنصبهما، واحتمل هو أن يكون فصلا وأن يكون توكيدا»، قال: «وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلا وهو وهم لأنه لو كان بدلا لكان إيا». ثم قال: «وقرأ أبو السمال وابن السميفع هو خير وأعظم برفعهما على
الابتداء والخبر، قال أبو زيد: هي لغة بني تميم يرفعون ما بعد الفاصلة». ثم أنشد الشاهد الآتي (البحر المحيط: 8/ 367).
(7)
الكتاب (2/ 392) وأوله يقول: «وقد جعل ناس كثير من العرب هو وأخواتها في هذا الباب بمنزلة اسم مبتدأ وما بعده مبنيّ عليه، فكأنّه يقول: أظنّ زيدا أبوه خير منه؛ فمن ذلك بلغنا أنّ رؤبة
…
» إلخ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الظَّالِمِينَ (1)» وأنشد:
288 -
تبكي على لبنى وأنت تركتها
…
وكنت عليها بالملا أنت أقدر (2)
قال المصنف في شرح الكافية:
ثم ها هنا أمران:
أحدهما: أن هؤلاء العرب المشار إليهم الملتزمين لابتدائية هذا الضمير والإخبار عنه بما بعده لا يعرفون ضمير الفصل، أي لا يستعملونه في أساليب كلامهم، وإذا نطقوا بكلام غيرهم وكان مشتملا على الضمير المذكور - رفعوا ما بعده إن لم يكن مرفوعا، وجعلوه خبرا عنه؛ حتى إنهم يعدلون في الصورتين اللتين تعينت الفصلية فيهما عن نصب ما هو بعد ذلك الضمير إلى رفعه.
والحاصل: أنهم لا ينطقون بالفصل أصلا. -
(1) سورة الزخرف: 76، قال الفراء:«من جعل (هم) عمادا نصب الظّالمين، ومن جعلها اسما رفع وهي في قراءة عبد الله ولكن كانوا هم الظالمون» . (معاني القرآن للفراء: 3/ 37).
(2)
البيت من بحر الطويل، وهو لقيس بن ذريح الكناني صاحب لبنى بنت الحباب الكعبية.
وكان قد تزوجها ثم طلقها وندم على ذلك، ومما قاله في ذلك بيت الشاهد وبعده:
فإن تكن الدّنيا بلبنى تقلّبت
…
عليّ فللدّنيا بطون وأظهر
لقد كان فيها للأمانة موضع
…
وللكفّ مرتاد وللعين منظر
اللغة: تبكي: البكاء معروف؛ وفيه خرم وهو حذف أول الوتد المجموع، وروي بهمزة الاستفهام فلا خرم، كما روي مكانه: تحن إلى ليلى. الملا: المتسع من الأرض.
وهو في البيت والقصيدة يندم على ما فعل مع زوجته.
وشاهده قوله: وكنت عليها بالملا أنت أقدر؛ حيث جاء ما بعد ضمير الفصل مرفوعا وحقه النصب.
والبيت في معجم الشواهد (ص 135)، وفي التذييل والتكميل (2/ 303)، وفي شرح التسهيل (1/ 169).
ترجمة قيس: هو قيس بن ذريح بفتح الذال، من بني كنانة، أحد عشاق العرب المشهورين، وصاحبته لبنى التي ذكرنا طرفا من أخباره معها في بيت الشاهد. وقد أرضعت أمه الحسين بن علي، فهو أخو الحسين في الرضاعة. عاش زمن معاوية الخليفة، وقد أهدر معاوية دمه لأنه تعرض في شعره للنبي عليه السلام.
(انظر أخباره في الشعر والشعراء: 2/ 632).
(3)
شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 246) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثاني: ذكر النحاة عند ذكرهم اشتراط تعريف الخبر تقسيما ينشأ عنه مسائل اختلف الأئمة فيها جوازا ومنعا فقالوا:
لم يشترط البصريون في تعريف الخبر شرطا؛ فالمضمر والعلم والمبهم والمعرف باللام (1) والمضاف إلى واحد منها في ذلك سواء.
وقال الفراء:
«إن كان معرفة بغير اللّام: لم يجز إلّا الرّفع، ولا يجوز أن يكون فصلا» (2).
وأما إن كان معرفة باللام: فإن كان في باب ما فلا يجوز الفراء أن يكون فصلا نحو: ما زيد هو القائم.
وإن كان في باب ليس: فالرفع الوجه عند الفراء، نحو: ليس زيد هو القائم، ويجوز النصب. وأما البصريون (3) فالنصب عندهم هو الوجه وأجازوا الرفع.
وإن كان في غير ليس: فإما أن يكون دخل على الخبر لام الفرق، أو فاء جواب أما، أو دخل على صيغة المضمر لا النافية أو إلا، أو كان في معنى ما دخل عليه إلا.
فإن دخلت لام الفرق، نحو: إن كان زيد هو للقائم فلا يجوز أن يكون فصلا، وينصب القائم عند الفراء، وهو الذي يقتضيه تعليل سيبويه، لأن الفصل إنما جيء به فرقا بين النعت والخبر، فيجب ألا يجوز النصب، لأن اللام لا تدخل في النعت، وعلى قول أبي العباس يجوز النصب؛ لأن الفصل عنده إنما يؤتى به ليدل على أن الخبر معرفة أو ما قاربها (4).
وإن دخلت على الخبر فاء جواب أما نحو قولك: أمّا زيد هو فالقائم - فذهب سيبويه والفراء إلى أنه لا يجوز
الفصل؛ لأن دخول الفاء يدل على أنه ليس بنعت. -
(1) يقصد بالمبهم أسماء الإشارة، ويدخل في المعرف باللام الأسماء الموصولة.
(2)
أخذ رأي الفراء من كتابه معاني القرآن (1/ 409) عند تفسير قوله تعالى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [الأنفال: 32] يقول: في الحق النصب والرفع إن جعلت هو اسما رفعت الحق بهو، وإن جعلتها عمادا بمنزلة الصلة نصبت الحق، وكذلك فافعل في أخوات كان وأظن وأخواتها .... ولا بد من الألف واللام إذا وجدت إليهما السبيل، فإن جئت إلى الأسماء الموضوعة مثل عمرو ومحمد أو المضافة مثل أبيك وأخيك رفعتها فقلت: أظن زيدا هو أخوك، وإذا أمكنتك الألف واللام ثم لم تأت بهما فارفع فتقول: رأيت زيدا هو قائم
…
إلخ بتلخيص.
(3)
التذييل والتكميل (2/ 289، 290).
(4)
التذييل والتكميل (2/ 290).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلى قول أبي العباس يجب أن يجوز (1).
وإن دخلت لا النافية على صيغة المضمر نحو قولك: كان عبد الله لا هو العالم ولا المقارب؛ فمذهب البصريين جواز الفصل والنصب؛ لأن (لا) لا تغير من هذا شيئا، ويفرق بها بين النعت والمنعوت لا اختلاف في ذلك.
وذهب الفراء إلى أنه لا يجوز إلا الرفع فيهما جميعا (2).
وإن دخلت (إلا)[1/ 184] على صيغة المضمر نحو: ما كان زيد إلّا هو الكريم؛ فذهب البصريون والفراء إلى أنه لا يجوز الفصل ولا النصب، وذهب الكسائي إلى جواز ذلك؛ لأن المعنى: ما كان زيد إلا الكريم.
وإن كان الكلام في معنى ما دخل عليه (إلا) نحو: إنّما كان زيد هو القائم؛ فهي عند الفراء كالمسألة التي قبلها (3). والحجة في إجازتها أن النعت هنا يجوز.
* وإن لم يدخل على الخبر ولا على صيغة الضمير شيء مما ذكر فإما أن يكون الخبر جامدا أو مشتقّا:
إن كان جامدا: جاز أن يكون فصلا، نحو قوله تعالى: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ (4)، وإن كان مشتقّا: فإما أن يرفع ضمير الأول أو سببيه:
إن رفع ضمير الأول: فإما أن يتقدم عليه ما ظاهره التعلق به من حيث المعنى أو لا يتقدم، نحو: كان زيد هو بالجارية الكفيل. فإن أردت يكون بالجارية في صلة الكفيل لم تجز المسألة بإجماع رفعت الكفيل أو نصبته. وإن أردت ألا تكون في صلة الكفيل، فمن النحاة من يجعل ذلك تبيينا، ومنهم من يقدره هو كفيل بالجارية الكفيل،
ومنهم من يجعل الكفيل بمنزلة الرجل، والرفع في الكفيل هو البين. فإن -
(1) التذييل والتكميل (2/ 290)، وكتاب سيبويه (2/ 390).
(2)
أي تتعين ابتدائية الضمير عنده، وأما البصريون فجوزوا الفصل والنصب لأن (لا) لا تصلح فارقة بين النعت والمنعوت (المرجع السابق لأبي حيان).
(3)
أي مسألة ما وإلا لأن إنما تؤدي معناهما، وعليه فالفراء لا يجوز الفصل ولا النصب فيها، وأجاز الفصل غيره، لأن النعت هنا يجوز بخلاف الأولى للفصل بإلا.
(4)
سورة الأنفال: 32. وانظر ما نقلناه عن الفراء في هذه الآية في الصفحة السابقة. والنصب في الآية قراءة العامة، والرفع قراءة زيد بن علي والمطوعي عن الأعمش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نصبت الكفيل لم تجز المسألة عند الفراء بوجه، وعلى أصول البصريين إذا جعلت الجارية تبيينا جاز النصب في هذا الوجه خاصة. وإن لم يتقدم جاز الفصل نحو: كان زيد هو الكفيل بالجارية، وظننت زيدا هو القائم، وكان زيد هو الحسن الوجه (1).
وإن كان رافعا السببي والضمير مطابق للاسم نحو: ظننت زيدا هو القائم أبوه، وهو القائمة جاريته، فلا يجوز فيه عند البصريين الفصل؛ بل يجب الرفع، وأجاز الكسائي الفصل والنصب. وفصل الفراء بين أن يكون خلفا (2) فيوافق الكسائي، وغير خلف فيوافق البصريين.
وإن كان مخالفا نحو: كان زيد هي القائمة جاريته؛ فأجاز الكسائي النصب ومنع الفراء والبصريون هذه المسألة، فلا يجوز لا برفع ولا بنصب لتقدم المكني على الظاهر (3).
وإذا عطفت بالواو: فإن لم يذكر الضمير بعدها نحو: كان زيد هو المقبل والمدبر جاز الوجهان: الرفع والنصب - وإن ذكر بعدها واختلف الخبران نحو: كان زيد هو القائم وهو الأمير، فلا يجوز في الأمير عند البصريين والفراء إلا الرفع، وأجاز هشام فيه النصب (4).
وإن اتفقا نحو: كان زيد هو المقبل وهو المدبر، فالرفع في المقبل والمدبر عند البصريين فقط، وأجاز النصب الفراء وهشام (5).
وإذا عطفت بلا وذكرت الضمير بعدها نحو: كان زيد هو القائم لا هو القاعد رفعت على قول البصريين، ونصبت على قول هشام - وإن لم يذكر نحو: كان زيد هو القائم لا القاعد جاز رفعهما ونصبهما بلا خلاف.
وإذا عطفت بـ (ولكن) نحو: ما كان زيد هو القائم ولكن هو القاعد رفعت القاعد في قول البصريين وأجاز هشام النصب (6)[1/ 185].
واعلم أن فائدة الفصل عند الجمهور هو إعلام السامع أن ما بعده لا يكون نعتا مع -
(1) انظر في هذا البيان وفي تلك التوجيهات والتخريجات (التذييل والتكميل: 2/ 292) مع توضيح وبعض تغيير من الشارح.
(2)
أي الوصف خلفا عن موصوف، فيكون معناه: ظننت زيدا هو الرّجل القائم أبوه.
(3)
التذييل والتكميل (2/ 292)، والهمع (1/ 70).
(4)
التذييل والتكميل (2/ 292، 293)، والهمع (1/ 70).
(5)
المرجعان السابقان.
(6)
المرجعان السابقان، والعجيب أن هذا التفصيل نقله الشارح من التذييل والتكميل، ولم يشر إليه على غير عادته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التوكيد (1).
وقال السهيلي (2): «فائدته الاختصاص، فإذا قلت: كان زيد القائم، كان إخبارا عن زيد بالقيام، واحتمل أن يكون غيره قد شاركه فيه، وإذا قلت: كان زيد هو القائم أفاد اختصاصه بالقيام دون غيره، وعلى هذا معنى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) أنه المختص بالبتر دونك يا محمد، والآية نزلت في العاص بن وائل (4).
وجعل من الاختصاص قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (5)، وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (6)، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (7)، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (8).
لما كان ثم من يدعي أنه يضحك ويبكي، ويميت ويحيي ويفني ويغني، وأن الشعرى رب - أخبر تعالى عن نفسه بأنه هو المختص بذلك، وقال تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ (9) لما لم يدّع أحد الخلق لم يحتج إلى التخصيص» انتهى.
ولا يخفى (10) أن الخبر الواقع بعد ضمير الفصل لا يكون فعلا؛ فإدراجه ذلك في التمثيل ليس بجيد.
إلا أن الشيخ حكى أن الجرجاني حكى أن بعضهم أجاز أن يكون ما بعد صيغة الضمير الذي هو فصل فعلا مضارعا نحو: كان زيد هو يقوم (11) وكذا في كلام -
(1) التذييل والتكميل (2/ 303)، والمغني (2/ 496) وقد سمى ابن هشام الفائدة الأولى وهي الاختصاص: لفظية، وسمى الثانية وهي التوكيد: معنوية.
(2)
انظر في رأي السهيلي: المغني (2/ 494)، والهمع (1/ 69)، والتذييل والتكميل (2/ 303).
(3)
سورة الكوثر: 3.
(4)
قال ابن كثير (توفي: 774 هـ) في تفسيره المسمى بتفسير القرآن العظيم (4/ 559) قال ابن عباس وجماعة: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له؛ فإذا هلك انقطع ذكره. فأنزل الله هذه السورة.
(5)
سورة النجم: 43.
(6)
سورة النجم: 44.
(7)
سورة النجم: 48.
(8)
سورة النجم: 49.
(9)
سورة النجم: 45.
(10)
فيه تضعيف لما ذهب إليه السهيلي في الآيات السابقة من أن هذا الضمير للفصل وأنه أفاد الاختصاص.
(11)
التذييل والتكميل (2/ 294). قال ابن هشام (المغني: 2/ 494): وتبع الجرجاني أبو البقاء فأجاز الفصل في: وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10] وانظر التبيان لأبي البقاء (2/ 1073)، والمقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحاب علم البيان ما يشعر بجواز ذلك. لكن قد تقدم النقل عن سيبويه بأن هو لا يكون فصلا حتى يكون ما بعده معرفة أو ما أشبه المعرفة، وبأنه قال: فلو قلت:
كان زيد هو منطلقا كان قبيحا (1).
وأما إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (2)، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (3)، فمحتمل ما قاله (4) ووافق السهيلي في هذه الدعوى أصحاب علم البيان، فقالوا:
إنّ ضمير الفصل يفيد الاختصاص (5).
ولنختم الكلام على الفصل بمسألة ذكرها الشيخ في ارتشاف الضرب (6) له وهي:
* * *
(1) سبق ذكر النصوص كاملة ومواضعها من كتاب سيبويه.
(2)
سورة الكوثر: 3.
(3)
سورة النجم: 49.
(4)
وهو أن هذه الضمائر للفصل، وأنها أفادت الاختصاص والتوكيد أيضا وهما متقاربان.
(5)
قال الإمام السكاكي (في كتابه مفتاح العلوم: ص 83) في معرض الحديث عن المسند إليه.
وقال الخطيب القزويني صاحب الإيضاح (بغية الإيضاح: 1/ 105):
(6)
ارتشاف الضرب من لسان العرب، سفر كبير لأبي حيان لخص فيه ما فصله في سفره الآخر في النحو وهو التذييل والتكميل، وقد طبع الكتاب مرتين الأولى سنة (1984 م) بتحقيق الدكتور/ مصطفى النماس (جامعة الأزهر) وقد انتفع الناس بها حيث حقق الكتاب لأول مرة، والثانية سنة (1998 م) بتحقيق الدكتور/ رجب عثمان (جامعة القاهرة) وقد انتفع الناس بتعليقاتها الكثيرة، وكل له فائدة.
(7)
انظر النص المذكور في الجزء الأول (ص 495)(تحقيق الدكتور النماس) والجزء الثاني (ص 959)(تحقيق الدكتور/ رجب عثمان).