الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني باب إعراب الصّحيح الآخر
*
[تعريف الإعراب]
قال ابن مالك: (الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف).
قال ناظر الجيش: لما فرغ من شرح الكلمة وذكر أقسامها، وشرح الكلام وما يتعلق بذلك، وكان المقصود من علم النحو تصحيح الكلام، وكان ذلك لا يتم إلا بالإعراب شرع في ذكره، ويلزم من ذلك التعرض لذكر المعرب والمبني من الكلمات الثلاث.
ولما كان المعرب مفردا وغير مفرد وهو المثنى والمجموع على حده، والمفرد منه ما آخره صحيح ومنه ما آخره معتل، أفرد المصنف لكلّ بابا.
فبدأ بذكر المفرد الصحيح الآخر، وثنى بذكر المعتل الآخر، وثلث بذكر المثنى والمجموع.
والمراد بالصحيح الآخر: ما ليس آخره حرف علة وحروف العلة في باب الأعراب ثلاثة: الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها والألف. فما آخره واو ليس قبلها ضمة كدلو، وياء ليس قبلها كسرة كظبي، حكمه حكم الصحيح لقبوله للحركات.
وقد ذكر الأئمة أن الإعراب في اللغة يطلق لمعان ثلاثة:
الإبانة عن الشيء: أعرب الإنسان عن حاجته إذا أبان عنها، ومنه: والثيب تعرب عن نفسها (1) أي تبين.
والتحسين (2): أعربت الشيء حسنته، قال الله تعالى: عُرُباً أَتْراباً (3) أي -
(1) جعله ابن منظور في لسان العرب (مادة: عرب) حديثا. ونصه في كتب الأحاديث غير ذلك وهو فيها: «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» (صحيح البخاري: 7/ 17)، (صحيح مسلم: 4/ 141)، (مسند الإمام: 1/ 269).
(2)
هو المعنى الثاني، وقوله: والتغيير: هو المعنى الثالث.
(3)
سورة الواقعة: 37.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حسانا. والتغيير: عربت معدة الرّجل إذا تغيّرت، وأعربها الله: غيّرها.
وأما الإعراب في الاصطلاح: فذهب جماعة إلى أنه معنوي: [1/ 50] وهو التغيير العارض للكلم أي الانتقال عن الحالة التي وضعت عليها إلى الحالة التي أحدثها العامل. وهو رأي أكثر المتأخرين من المغاربة (1). قيل: وهو ظاهر قول سيبويه (2). وذهب جماعة منهم ابن خروف (3)، وأبو علي (4) إلى أنه لفظي، وهو اختيار صاحب المفصل (5) والمصنف أيضا؛ وكذا قال في حده (6): -
(1) كابن عصفور وغيره: قال في المقرب (1/ 47): «الإعراب اصطلاحا: تغيير آخر الكلمة لعامل يدخل عليها في الكلام الذي بني فيه لفظا أو تقديرا عن الهيئة التي كان عليها قبل دخول العامل إلى هيئة أخرى» . وانظر شرح الجمل (1/ 31)، والبسيط (1/ 171). ومن المغاربة أيضا الأعلم، انظر التذييل والتكميل (1/ 116)، الهمع (1/ 14)، حاشية الصبان (1/ 48).
(2)
يقول سيبويه (1/ 13): «هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربيّة:
وهي تجري على ثمانية مجار: على النصب والجر والرفع والجزم، والفتح والضم والكسر والوقف.
وهذه المجاري الثمانية يجمعهنّ في اللفظ أربعة أضرب: فالنصب والفتح في اللفظ ضرب واحد، والجرّ والكسر فيه ضرب واحد وكذلك الرفع والضمّ والجزم والوقف
…
» إلخ.
(3)
هو أبو الحسن علي بن محمد المشهور بابن خروف أندلسي من إشبيلية وأقام في حلب مدة، كان إماما في العربية. أخذ النحو من ابن طاهر المعروف بالخدب، لم يتزوج قط وكان يسكن الحانات واختل في آخر عمره؛ حتى مشى في الأسواق بادي العورة. أقرأ النحو بعدة بلاد وعاش حتى بلغ خمسا وثمانين سنة؛ حيث توفي سنة (610 هـ) لوقوعه في جبّ ليلا.
مصنفاته: له كتاب مطبوع يسمى كتاب تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب، وله شرح الجمل للزجاجي مفقود.
انظر في ترجمته معجم الأدبا (15/ 76)، بغية الوعاة (2/ 203)، الأعلام (5/ 151). وذكر أبو حيان تعريف ابن خروف للإعراب فقال: صوت يحدثه العامل في آخر الكلمة، ثم أفسد هذا التعريف بقوله: إن الإعراب قد يكون بحذف لا بصوت. (التذييل والتكميل 1/ 116).
(4)
هو الأستاذ أبو علي الشلوبين وتلقبه المراجع دائما بالأستاذ ولا أدري لم جرده الشارح هنا وقد سبقت ترجمته في هذا التحقيق، وقد نقل أبو حيان تعريفه للإعراب فقال: حكم يحدثه العامل في آخر الكلمة.
(التذييل والتكميل: 1/ 116).
(5)
هو محمود بن عمر جار الله الزمخشري، سبقت ترجمته في هذا التحقيق. وكتاب المفصل كتاب في النحو صار عمدة بأسلوبه المحكم الواضح ألّف سنة (515 هـ)، وقد شرحه كثيرون. (انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 5/ 225). وانظر فيما ذكره الشارح (ص 16) من كتاب المفصل.
(6)
انظر: شرح التسهيل (1/ 33).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأفاد بقوله: من حركة أو حرف أو سكون أو حذف أمرين (2):
أحدهما: إيضاح الإجمال الذي في لفظ ما.
الثاني: الإعلام بأن الإعراب منحصر فيما ذكره.
وقال في الشرح (3): «هو أي الإعراب عند المحققين من النحويين عبارة عن المجعول آخر الكلمة مبينا للمعنى الحادث فيها بالتركيب من حركة أو سكون أو ما يقوم مقامهما» .
ثم قال: «وبهذا الإعراب اللازم يعلم فساد قول من جعل الإعراب تغيرا» .
ثم قال: «وقد اعتذر عن ذلك بوجهين:
أحدهما: أنّ ما لزم وجها واحدا من وجوه الإعراب فهو صالح للتغيير، فيصدق عليه متغير وعلى الوجه الذي لازمه تغير.
الثاني: أن الإعراب تجدد حالة التركيب فهو تغير باعتبار كونه منتقلا إليه من السكون الذي قبل التركيب». انتهى (5) وهو اعتذار جيد صحيح. -
(1) الأول في الاسم يقتضي الرفع والثاني النصب والثالث الجر، والأول في الفعل يقتضي الجزم، والثاني الرفع؛ والثالث النصب.
(2)
قال أبو حيان: قوله: أو سكون أو حذف: وهذي عندي ليس كذلك؛ بل يكفي الحذف؛ لأن الحذف على قسمين: حذف حركة نحو يضرب وحذف حرف نحو لم يذهبا (التذييل والتكميل: 1/ 121).
(3)
أي شرح التسهيل للمصنف، وانظر ذلك في (1/ 33).
(4)
قوله: لا نولك أن تفعل أي لا ينبغي لك أن تفعل. وقوله ذي الكلاع بفتح الكاف هما اثنان:
ذو الكلاع الأكبر وهو زيد بن النعمان، والأصغر حفيد له، وهما من أزواء اليمن. (القاموس: 1/ 82) وأم عريط: كنية العقرب.
(5)
انظر: شرح التسهيل (1/ 33).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد طعن المصنف في الوجهين المذكورين:
أما الأول: فبأن الصالح لمعنى لم يوجد بعد لا ينسب إليه ذلك المعنى حقيقة حتى يصير قائما بذاته. ألا ترى أن رجلا صالح للبناء إذا ركب مع لا، وخمسة عشر صالح للإعراب إذا فك تركيبه؟ ومع ذلك لا ينسب إليهما إلا ما هو صالح في الحال من إعراب رجل وبناء خمسة عشر؛ فكذا لا ينسب تغيير إلى ما لا تغير له في الحال.
وأما الثاني: فلأن المبني على حركة مسبوق بأصالة السكون فهو متغير أيضا وحاله تغير، فلا يصلح أن يحد بالتغيير الإعراب؛ لكونه غير مانع من مشاركة البناء. انتهى (1).
والجواب عن الأول: أن يقال: إنما يصدق البناء على رجل مع صلاحيته له إذا ركب مع لا والإعراب على خمسة عشر مع الصلاحية له عند الفك؛ لأن شرط البناء وهو التركيب مفقود في الأول، وشرط الإعراب وهو الفك مفقود في الثاني؛ ويلزم من عدم الشرط عدم المشروط. وأما الكلمات التي لزمت رفعا أو نصبا أو جرّا فكل منها صالح للتغير دون شرط؛ فلا يلزم أن يصدق عليه (2) ما لا يصدق على ما انتفى شرط ذلك الحكم فيه.
وعن الثاني [1/ 51]: بأن المبني على حركة وإن كان مسبوقا بأصالة السكون، فليست حركته مجتلبة بعامل؛ فالتغير الحاصل له ليس كالتغير الذي حصل للمعرب؛ فإن تغيره إنما هو بعامل؛ فلا يرد على حد الإعراب بأنه تغير أنه غير مانع لدخول البناء؛ لأن التغير الحاصل للمبني إنما هو تغير دون عامل بخلاف تغير المعرب.
قال المصنف: وقال بعضهم: لو كانت الحركات وما يجري مجراها إعرابا لم تضف إلى الإعراب؛ لأن الشيء لا
يضاف إلى نفسه، وهذا قول صادر عمن لا تأمل له؛ لأن إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى أو تقاربهما واقعة في كلامهم بإجماع.
وأكثر ذلك فيما يقدر أولهما بعضا أو نوعا والثاني كلّا أو جنسا وكلا التقديرين في حركات الإعراب صالح؛ فلم يلزم من استعماله خلاف ما ذكرنا. انتهى (3). -
(1) المرجع السابق (ص 33).
(2)
في نسخة (ب)، (جـ): فلا يلزم ألا يصدق، وما أثبتناه من الأصل هو الصحيح في المعنى.
(3)
انظر شرح التسهيل (1/ 34).