الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحديث عن الضمير المتصل المنصوب والمجرور]
قال ابن مالك: (ومن البارز المتّصل في الجرّ والنّصب ياء للمتكلّم، وكاف مفتوحة للمخاطب، ومكسورة للمخاطبة، وها للغائبة، وهاء مضمومة للغائب؛ وإن وليت ياء ساكنة أو كسرة كسرها غير الحجازيّين، وتشبع حركتها بعد متحرّك، ويختار الاختلاس بعد ساكن مطلقا وفاقا لأبي العبّاس، وقد تسكّن أو تختلس الحركة بعد متحرّك عند بني عقيل وبني كلاب اختيارا وعند غيرهم اضطرارا. وإن فصل المتحرّك في الأصل ساكن حذف جزما أو وقفا جازت الأوجه الثّلاثة).
ــ
أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب ينبحها كلاب الحوأب (1) وإنما حقه الأدبّ، وكما حمل على الخروج من وزن الكلمة إلى غيره، كقول العرب: أخذه ما قدم (2) وما حدث وهنأه ومرأه، وفعلته على ما يسوءك وينوءك. ولا يقولون في الإفراد إلا حدث وأمرأه، وأناءه ينيئه، وهذا هو المراد بقوله: وقد يسوغ لكلمات غير ما لها من حكم ووزن.
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على البارز المتصل المرفوع، شرع في المتصل البارز المنصوب الموضع
والمجروره. وقد تقدم أن غير المرفوع لا يكون مستكنّا إنما يكون بارزا (3).
ولم يخص الضمائر بلفظ، بل لفظها لفظ المنصوب المتصل؛ لأنه لما كان سبب وضع الضمائر طلب الاختصار، ناسب ذلك أن يشرك بينهما؛ فكل ما هو للمنصوب هو للمجرور، وإنما يميز بينهما العوامل. -
(1) نص الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/ 97).
الحوأب: منزل بين البصرة ومكة، وهو الذي نزلت فيه عائشة رضي الله عنها وهي في موقعة الجمل (اللسان:
حأب) والجمل الأدب: الكثير الوبر.
(2)
هو بعض حديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 404)، (6/ 2، 5). ونصه: عن أبي موسى أن النّبيّ عليه السلام كان يحرسه أصحابه فقمت ذات ليلة، فلم أره في منامه، فأخذني ما قدم وما حدث
…
إلخ. وكان عليه السلام قد قام يدعو الله ويتشفع لأمته.
(3)
سبق أن قال الشارح بعد أن عد الضمائر المستكنة: «وكلّها في موضع رفع؛ إذ الضّمير المستكن لا يكون غير مرفوع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأصول المنصوب أعني البارز المتصل خمسة ألفاظ (1):
وهي الياء، ونا، والكاف، والهاء، وها. وما عدا ذلك فهو متفرع عليه.
أما الياء: فللمتكلم وحده، ومثاله: رَبِّي أَكْرَمَنِ (2):
وأما نا: فقد تقدم أنها للمتكلم المعظم نفسه أو المشارك، نحو: رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ (3).
وأما الكاف: فللخطاب؛ فإن فتحت كانت للمخاطب نحو: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (4) وإن كسرت كانت للمخاطبة (5).
وأما الهاء: فللغائب نحو: فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ (6).
وأمّا ها: فللغائبة نحو:
…
وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (7).
ولغة الحجازيين (8) في هاء الغائب الضم مطلقا، وهو الأصل؛ فيقولون: ضربته ومررت به ونظرت إليه (9) ولغة غيرهم الكسر بعد الكسرة. أو الياء الساكنة إتباعا وبلغة غيرهم قرأ القراء إلا حفصا (10):
…
-
(1) احترز بذلك عن المنصوب المنفصل، وهو إيا وما يتصل بها، وهو اثنا عشر ضميرا وستأتي.
(2)
سورة الفجر: 15.
(3)
سورة آل عمران: 193، 194.
ونا في الآيتين وقعت أكثر من مرة: تارة في محل نصب، وأخرى في محل جر.
(4)
سورة الضحى: 3، وقد وقعت الكاف فيها مرتين، واحدة في محل نصب والأخرى في محل جر.
(5)
لم يمثل لها والتمثيل كالآتي: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ [يوسف: 29]. وقد وقعت الكاف فيها مرتين، واحدة في محل نصب والأخرى في محل جر.
(6)
سورة الكهف: 37.
(7)
سورة الشمس: 8، 9.
(8)
شرع في حركات هذه الضمائر: أما ما وضع منها على حرفين كنا وها، فلا حديث فيه؛ لأنه سينطق على ما وضع عليه. وأما ما وضع على حرف واحد فهو حديثه الآن كالهاء والكاف.
أما ياء المتكلم فلم يتحدث عنها هنا، ولها حديث خاص في آخر باب النداء.
(9)
قوله: مطلقا: يشير به إلى أنه سواء كان قبل الهاء ضم أو كسر أو ياء ساكنة، وقد مثل الشارح للثلاثة.
(10)
هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي بالولاء الكوفي البزاز، وكنيته أبو عمرو إمام قارئ راوي عاصم بن أبي النجود، كان ربيب عاصم من زوجته فأخذ عنه القراءة، وكان أعلم أصحابه بقراءته، ولذا أخذ الناس قراءة عاصم عن حفص، وقد نزل بغداد وجاور بمكة، وامتد عمره إلى التسعين حيث -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ (1)، وبِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ (2)، وحمزة في لِأَهْلِهِ امْكُثُوا * في الموضعين (3)، فإنهما قرآ بالضم على لغة الحجازيين.
ومن العرب من يكسرها بعد كسرة مفصولة بساكن ومنه: أَرْجِهْ وَأَخاهُ * (4).
في قراءة ابن ذكوان (5) وإشباع حركة هذه الهاء هو الأصل والتزم ذلك بعد متحرك في غير الضرورة (6)، إلا عند بني عقيل وبني كلاب كما سيأتي [1/ 146].
أما إذا كان ما قبل الهاء ساكنا فإن الاختلاس يختار على الإشباع.
قال المصنف: «لأن اللافظ بالإشباع بعد ساكن كالجامع بين ساكنين، فلذلك كثر اختلاس الضّمة والكسرة في نحو منه ويأتيه ويرجوه» . -
- ولد سنة (90 هـ) وتوفي سنة (180 هـ). انظر ترجمته في معجم الأدباء (1/ 215)، والأعلام (2/ 291)، غاية النهاية (1/ 254).
(1)
سورة الكهف: 63. وقد قرأ حفص بضم الهاء على لغة الحجازيين وقرأ الباقون بكسرها على لغة غيرهم. قال ابن خالويه: الحجة لمن ضم
أنه أتى بلفظ الهاء على أصل ما وجب لها.
والحجة لمن قرأه بالكسر فلمجاورة الياء (الحجة: ص 226).
(2)
سورة الفتح: 10. وفيها ما في الآية السابقة.
(3)
أما الموضع الأول فهو قوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [طه: 9، 10]. وأما الثاني فهو قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [القصص: 29]. وقد قرأهما حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها.
(4)
موضعان في القرآن أما الأول فهو قوله تعالى: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الأعراف: 111]. وأما الثاني فهو قوله: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الشعراء: 36]. قرأ ابن كثير بالهمز وضم الهاء مع إشباعها، ونافع بغير الهمز وكسر الهاء مع إشباعها، وقراءة حفص عن عاصم بغير الهمز وسكون الهاء، وقراءة ابن ذكوان بالهمز وكسر الهاء.
قال ابن خالويه: وهو عند النحويين غلط لأن الكسر لا يجوز في الهاء إذا سكن ما قبلها كقوله تعالى:
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 32] ثم قال: وله وجه في العربية، وذلك أن الهمزة لما سكنت للأمر والهاء بعدها ساكنة على لغة من يسكن الهاء كسرها لالتقاء الساكنين (الحجة: ص 160).
(5)
هو عبد الرحمن بن أحمد أبو عمر بن ذكوان عالم بالقراءات، كان شيخ الإقراء بالشام ولم يكن في المشرق والمغرب في زمانه أعلم بالقراءة منه. وقد ولد سنة (173 هـ) وتوفي شابّا سنة (202 هـ).
تنظر ترجمته في الأعلام (4/ 64)، غاية النهاية (1/ 364).
(6)
انظر باب ما يحمل الشعر من كتاب سيبويه (1/ 36) ومن أمثلته قول الشاعر وهو من الوافر:
له زجل كأنه صوت حاد
…
إلخ وسيأتي. وقول الآخر وهو من البسيط:
ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ورجح سيبويه الإشباع إذا لم يكن الساكن حرف لين (1).
قال المصنف: «وردّ ذلك أبو العبّاس ويعضّده السّماع الشّائع» (2).
قال الشيخ: «والّذي يدلّ عليه السّماع الشّائع هو ما ذكره سيبويه وذهب إليه» (3)، ولم يستشهد الشيخ بشيء غير أنه إنما اعتمد في ذلك كلام سيبويه وهو قوله:
«وقد يحذف بعض العرب الحرف الّذي بعد الهاء إذا كان ما قبل الهاء ساكنا لأنّهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرف خفيّ نحو الألف، فكما كرهوا التقاء السّاكنين في آمين ونحوها كرهوا ألّا يكون بينهما حرف قويّ، وذلك
قول بعضهم منه يا فتى، والإتمام أجود لأن هذا السّاكن ليس بحرف لين والهاء حرف متحرّك» انتهى (4).
وروى الكسائي عن بني عقيل وبني كلاب الإسكان واختلاس الضمة والكسرة في الهاء بعد متحرك.
قال الكسائي (5): «سمعت أعراب عقيل وكلاب يقولون: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) بالجزم ولِرَبِّهِ لَكَنُودٌ بغير تمام. وبهذه اللّغة قرأ -
(1) قال سيبويه (4/ 189): هذا باب ثبات الياء والواو في الهاء التي هي علامة الإضمار وحذفهما: فأمّا الثّبات فقولك: ضربهو زيد وعليها مال ولديهو رجل، جاءت الهاء مع ما بعدها هاهنا في المذكّر كما جاءت وبعدها الألف في المؤنّث، وذلك قولك: ضربها زيد وعليها مال. فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصل أحسن. وبعد التعليل والتمثيل: وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106]، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقه: 30]؛ قال: والإتمام عربيّ ثمّ قال: فإن لم يكن قبل هاء التّذكير حرف لين أثبتوا الياء والواو في الوصل (الكتاب: 4/ 190).
(2)
شرح التسهيل (1/ 132). ولم يرد المبرد ذلك، وإنما يتفق رأيه مع رأي سيبويه، وهذا نص ما ذكره، قال في هذا الموضع (المقتضب: 1/ 36، 37، 38):
وإن كانت هذه الهاء بعد واو أو ياء ساكنتين أو ألف فالّذي يختار حذف حرف اللين بعدها. تقول:
عليه مال يا فتى بكسر الهاء
…
ومن لزم اللّغة الحجازيّة قال: عليه مال بالضم. فإن كان قبل الهاء حرف ساكن من غير حروف المدّ واللّين فأنت مخيّر إن شئت أثبتّ وإن شئت حذفت.
(3)
التذييل والتكميل (1/ 439).
(4)
انظر: نصه في الكتاب (4/ 190).
(5)
شرح التسهيل (1/ 132).
(6)
سورة العاديات: 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو جعفر (1) له وبه وما أشبههما».
وغير بني عقيل وبني كلاب لا يوجد في كلامهم اختلاس ولا سكون في «له» وشبهه، إلا في ضرورة كقول الشاعر وهو الشماخ (2):
200 -
له زجل كأنّه صوت حاد
…
إذا طلب الوثيقة أو زمير (3)
وقال آخر:
201 -
وأشرب الماء ما بي نحوه عطش
…
إلّا لأنّ عيونه سيل واديها (4)
فإن فصل المتحرك في الأصل ساكن حذف جزما أو وقفا، جاز في الهاء التحريك مع الإشباع، والتحريك مع الاختلاس والتسكين نحو قوله تعالى: -
(1) سبقت ترجمته.
(2)
هو الشماخ بن ضرار وقيل: اسمه معقل بن ضرار، كان له أخ يدعى يزيد. عاش الشماخ في الجاهلية والإسلام. قال الحطيئة: إنه أشعر غطفان وكان وصافا للسيوف والحمير وأرجزهم، وعنه أخذ ذو الرمة الأوصاف. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 321).
(3)
البيت من بحر الوافر قائله الشماخ كما في الشرح، وهو هنا يصف حمارا وحشيّا يطلب أنثاه.
اللغة: الوثيقة: أنثى الحمار التى يضمها من وثقت الشيء إذا جمعته. الزّجل: صوت فيه حنين وترنم.
زمير: صوت المزمار.
والشاعر يصف حمارا وحشيّا هائجا فيقول: إنه إذا طلب أنثاه صوّت لها، وكان صوته من حسن الترجيع والتطريب صوت حاد بإبل أو صوت مزمار.
ويستشهد بالبيت على اختلاس الضمة بعد هاء الضمير، وهو ضرورة عند الجمهور جائز عند بني عقيل وبني كلاب.
انظر البيت في كتاب الشماخ بن ضرار الذبياني، حياته وشعره (ص 344). وهو أيضا في شرح التسهيل (1/ 132)، وفي معجم الشواهد (ص 145).
(4)
البيت من بحر البسيط قائله دريد بن الصمة كما في مراجعه - انظر معجم الشواهد (ص 415).
وشاهده: تسكين هاء الضمير للضرورة.
والبيت في شرح التسهيل: (1/ 133)، وفي التذييل والتكميل (1/ 442).
ترجمة الشاعر: هو دريد بن معاوية بن الحارث، والصّمّة لقب أبيه وهو بكري من هوازن شجاع من الأبطال الشعراء المعمرين في الجاهلية، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم، غزا مائة غزوة لم يهزم في واحدة منها. وعاش حتى سقط حاجباه عن عينه، وأدرك الإسلام ولم يسلم فقتل على دين الجاهلية يوم حنين سنة (8 هـ). انظر ترجمته في الأعلام (3/ 16).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (1)، ونحو يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (2)، أصلهما يرضاه ويؤديه، هذا مثال ما حذف جزما.
ومثال ما حذف وقفا قوله تعالى فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ (3). أصله ألقيه؛ فمن أشبع نظر إلى اللفظ وأن الهاء متصلة بحركة، ومن اختلس استصحب ما كان للهاء قبل أن تحذف الألف (4)؛ لأن حذفها عارض والعارض لا يعتد به غالبا. ومن سكن نظر إلى أن الهاء قد وقعت موقع المحذوف الذي كان حقه لو لم يكن حرف علة أن يسكن؛ فأعطيت الهاء ما
يستحقه المحل من السكون؛ وهذه هي الأوجه الثلاثة التي أشار إليها في المتن.
قال الشيخ:
أما ضربته فقال سيبويه (6):
«وحدّثني الخليل أنّ ناسا يقولون: ضربتيه فيلحقون الياء وهذه قليلة» .
وأما أعطيتكه فقال سيبويه (7):
ثم قال: «وذلك قولك أعطيتكيه وأعطيتكيها [1/ 147] للمؤنّث ويقولون في التّذكير: أعطيتكاه وأعطيتكاها» .
(1) سورة الزمر: 7.
(2)
سورة آل عمران: 75.
(3)
سورة النمل: 28.
(4)
أي في يرضاه ومثلها الياء في يؤديه وألقيه.
(5)
التذييل والتكميل (2/ 170).
(6)
انظر نصه في الكتاب (4/ 200).
(7)
المرجع السابق: الجزء والصفحة.