الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مواضع انفصال الضمير]
قال ابن مالك: (فصل: يتعيّن انفصال الضّمير إن حصر بإنّما، أو رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب، أو بصفة جرت على غير صاحبها، أو أضمر العامل، أو أخّر، أو كان حرف نفي أو فصله متبوع، أو ولي واو المصاحبة، أو إلّا، أو إمّا، أو اللّام الفارقة، أو نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتّفقا رتبة، وربّما اتّصلا غائبين إن لم يشتبها لفظا).
ــ
وهي أيّاك بفتح الهمزة وتشديد الياء، وإياك بكسر الهمزة وتخفيف الياء، وهيّاك بكسر الهاء وتشديد الياء، وهياك بفتح الهاء وتخفيف الياء.
قال المصنف: «وأغرب لغاتها تخفيف الياء» (1).
قال ناظر الجيش: المضمر بالنسبة إلى الاتصال والانفصال على ثلاثة أقسام:
قسم يجب اتصاله، وقسم يجب انفصاله، وقسم يجوز فيه الأمران.
ولما كانت مواضع الانفصال محصورة، وكذا مواضع الاتصال والانفصال، اقتصر المصنف على ذكرها، فعلم أن ما سكت عنه يجب فيه الاتصال.
أما الانفصال فذكر أنه يجب في اثني عشر موضعا:
الأول: إذا حصر بإنما (2) كقول الشاعر:
232 -
أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما
…
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (3)
-
(1) قال أبو حيان: «وقد طال بنا الكلام في إيّا ولواحقه، وليس في ذلك كبير فائدة» . (التذييل والتكميل: 2/ 213).
وأحسن الأوجه في إيا هو ما ذهب إليه سيبويه: وهو أنّ إيا مضمر، واللواحق التي تلحقها حروف دالة على التكلم وغيره.
وأحسن منه رأي الكوفيين وهو أن الاسم بجملته هو الضمير، وهو إيا وما يتصل بها، وما أبطلوه من أن الاسم لا يتغير بتغير أحوال المراد به، فالجواب عليه أنّ كل ضمير مستقل بنفسه فلا اشتراك.
(2)
سيأتي بحث طويل في إنما وآراء النحاة في انفصال الضمير بعدها قريبا.
(3)
البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق، صدرها محقق الديوان بقوله:
«بلغ نساء بني مجاشع فحش جرير بهنّ، فأتين الفرزدق وهو مقيد لحفظ القرآن فقلن له: قبّح الله قيدك؛ فقد هتك جرير عورات نسائك
فأحفظنه فقام وفكّ قيده، ثمّ قال القصيدة الّتي منها ذلك الشّاهد». -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكقول الآخر:
233 -
كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا (1)
الثاني: إذا رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب (2) كقول الشاعر:
234 -
بنصركم نحن كنتم ظافرين وقد
…
أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا (3)
الثالث: إذا رفع بصفة جارية على غير صاحبها، كقول الشاعر:
235 -
غيلان ميّة مشغوف بها هو قد
…
بدت له فحجاه بان أو كربا (4)
الرابع: إذا أضمر العامل، كقول الشاعر: -
- (ديوان الفرزدق: (2/ 152).
اللغة: الذائد: من ذاد عنه أي دافع، وقد روي مكانه الفارس. الذّمار: بزنة كتاب؛ ما يلزمك حفظه وحمايته. الأحساب: مفاخر الآباء.
والمعنى والشاهد واضحان. وانظر البيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص 301)، وشرح التسهيل:(1/ 147)، والتذييل والتكميل (2/ 215).
(1)
البيت من بحر الهزج، وهو لذي الأصبع العدواني (جاهلي معمر) من قصيدة يصف فيها قومه الذين أوقعوا ببني عمهم فإنهم بقتلهم كانوا يقتلون أنفسهم (انظر ذلك في خزانة الأدب: 5/ 283) وديوان ذي الأصبع (ص 78).
اللغة: قرّى: موضع في بلاد بني الحارث بن كعب وقيل ماء.
وشاهده قوله: إنما نقتل إيانا؛ حيث وجب انفصال الضمير المفعول عند قصد حصره بعد إنما حملا لها على إلا. وفي البيت كلام آخر يناقض هذا سيأتي.
وانظر البيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص 389)، وفي شرح التسهيل (1/ 148)، وفي التذييل والتكميل (2/ 216).
(2)
قال أبو حيان: «لا يصحّ هذا على ظاهره؛ لأنّه لا يضاف المصدر إلى المنصوب؛ فإنّما تأويله إلى المنصوب معنى لا لفظا ومثاله: عجبت من ضرب زيد أنت. (التذييل والتكميل: 1/ 485).
(3)
البيت من بحر البسيط، لم ينسب في مراجعه وهو في الفخر.
اللغة: ظافرين: الظفر النصر والفوز. العدا: جمع عدو، وهم الأعداء. فشلا: جبنا.
والشاعر يمن على من ساعدهم بأنه لولاهم لانهزموا. وشاهده واضح.
والبيت في معجم الشواهد (ص 267). وفي شرح التسهيل (1/ 149)، والتذييل والتكميل (2/ 220).
(4)
البيت من بحر البسيط، وهو بيت مفرد منسوب لذي الرمة في ملحقات ديوانه صدرها المحقق بقوله (الديوان: ص 661): «أبيات مفردات وهي منسوبة لذي الرّمّة وبعضها غير صحائح» .
ويستشهد بالبيت على وجوب إبراز الضمير؛ لأنه مرفوع بصفة جرت على غير صاحبها.
وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 29)، وشرح التسهيل (1/ 149).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
236 -
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب
…
لعلّك تهديك القرون الأوائل (1)
الخامس: إذا أخر العامل، كقوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (2).
السادس: أن يكون العامل حرف نفي، كقوله تعالى: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (3)، ومنه قول الشاعر:
237 -
إن هو مستوليا على أحد
…
إلّا على أضعف المجانين (4)
السابع: إذا فصل بمتبوع، كقوله تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ (5).
ومنه قول الشاعر، أنشده سيبويه (6):
238 -
مبرّأ من عيوب النّاس كلّهم
…
فالله يرعى أبا حفص ويرعانا (7)
-
(1) البيت من بحر الطويل من قصيدة للبيد بن ربيعة، وقد سبق الحديث عنها في الشاهد رقم: 6 من هذا التحقيق، وهي في الديوان (ص 131) وفي الشعر والشعراء (1/ 185).
والبيت وما قبله في الرثاء والموعظة والتذكير بالموت، وأن الإنسان ميت كما مات من سبقوه.
قال أبو حيان في البيت: «لم يبين المصنف (ولا ناظر الجيش) الفعل الّذي انفصل الضمير لإضماره.
وظاهر كلامه أنه أضمر فعلا يفسره قوله: لم ينفعك، ولا يصحّ ذلك لأنه لو حمل أنت على السببي المرفوع الذي هو علمك، لأدّى إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، ألا ترى أنك لو وضعت أنت مكان علمك لكان التقدير: فإن لم ينفعك، ولا يجوز حمله أيضا على الكاف في ينفعك؛ لأنه لو فعل ذلك لنصب فقال: إياك، وإذا امتنع أن يحمل أنت على علمك، وعلى الكاف لما ذكرناه، فقد اختلف الناس في تخريجه:
ذهب ابن عصفور إلى أنه فاعل بفعل محذوف يفسره المعنى، ويدلّ عليه، والتقدير: فإن ضللت لم ينفعك علمك. وذهب السهيليّ إلى أن أنت
مبتدأ، وقد أجازه سيبويه واكتفى بوجود فعل الشرط في الجملة، وإن لم يل الأداة، كما خرجوه على أن الضمير المذكور منصوب بالعامل، وفيه وضع المرفوع موضع المنصوب». (التذييل والتكميل: 2/ 223).
(2)
فاتحة الكتاب: 4.
(3)
سورة الشورى: 31.
(4)
البيت من بحر المنسرح، ومع كثرة دورانه في كتب النحو غير منسوب لقائل.
والبيت يهجو به الشاعر رجلا أتباعه من المجانين، ويستشهدون به في باب إن العاملة عمل ليس.
وشاهده هنا واضح. والبيت في معجم الشواهد (ص 412)، وفي شرح التسهيل (1/ 165)، والتذييل والتكميل (2/ 225).
(5)
سورة الممتحنة: 1.
(6)
الكتاب (2/ 356).
(7)
البيت من بحر البسيط، وهو في كتاب سيبويه غير منسوب لقائل، وهو من الخمسين المجهولة القائل، ومعناه والشاهد فيه واضحان، ويروى مكان أبا حفص أبا حرب، ويروى مكان: ويرعانا (وإيانا). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثل المصنف لذلك بقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ (1).
الثامن: إذا ولي واو المصاحبة، كقول الشاعر:
239 -
فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة
…
تكون وإيّاها بها مثلا بعدي (2)
التاسع: إذا ولي إلا، كقوله تعالى: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (3)، ومنه [1/ 160] قول الشاعر:
240 -
قد علمت سلمى وجاراتها
…
ما قطّر الفارس إلّا أنا (4)
العاشر: إذا ولي أما كقول الشاعر:
241 -
بك أو بي استعان فليك إمّا
…
أنا أو أنت ما ابتغى المستعين (5)
-
- قال أبو حيان في الشاهد: «وقد خالف في ذلك بعض أصحابنا، والانفصال في وإيّانا لم يجز إلّا لضرورة الوزن» .
والبيت في معجم الشواهد (ص 488)، وشرح التسهيل (1/ 150)، والتذييل والتكميل (2/ 225).
(1)
سورة الأنبياء: 54، المتبوع هنا هو الضمير في كنتم، والتابع أنتم وهو توكيد لفظي.
(2)
البيت من بحر الطويل من مقطوعة لأبي ذؤيب الهذلي (ديوان الهذليين: ص 159) قالها حين جاءته أم عمرو تعتذر إليه، وقد أحبت عليه ابن عمه خالدا. وأولها يخاطب أم عمرو:
تريدين كيما تجمعيني وخالدا
…
وهل يجمع السّيفان ويحك في غمد
اللغة: آليت: حلفت. لا أنفك: لا أزال. أحدو: أسوق وأكتب.
وأبو ذؤيب يهدد أم عمرو وحبيبها بأن سيفضحهما في شعره طوال الزمان.
وشاهده قوله: تكون وإياها؛ حيث فصل الضمير لوقوعه بعد واو المصاحبة، وهو هنا مفعول معه.
والبيت في معجم الشواهد (ص 109)، وفي شرح التسهيل (1/ 150)، وفي التذييل والتكميل (2/ 225).
(3)
سورة يوسف: 40.
(4)
البيت من بحر السريع، وهو في مراجعه منسوب إلى عمرو بن معدي كرب (كتاب سيبويه: 2/ 353) من قصيدة يفتخر فيها بيوم القادسية، وكان قد قتل مرزبان وظنه رستما.
اللغة: قطّر: صرعه على أحد جانبيه، والقطر: الجانب. الفارس: الشجاع.
والبيت في التذييل والتكميل (2/ 225)، وفي معجم الشواهد (ص 389).
(5)
البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه.
اللغة: استعان: طلب العون. فليك: مضارع كان مجزوم بلام الأمر، وحذفت نونه للتخفيف، وروي مكانه (فليل) وهو مضارع مجزوم أيضا من ولي الأمر يليه ولاية واسم كان (أو فاعل يلي) الضمير المنفصل بعد إما وهو موضع الشاهد. ما ابتغى المستعين: ما طلب ورجا. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحادي عشر: إذا ولي اللام الفارقة (1) كقول الشاعر:
242 -
إن وجدت الصّديق حقّا لإيّا
…
كـ فمرني فلن أزال مطيعا (2)
الثاني عشر: إذا نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتفق رتبة مثاله:
علمتك إيّاك أي أنت في علمي الآن كما كنت من قبل.
والمراد بالموافقة في الرتبة كونه لمتكلم كعلمتني إياي، أو لمخاطب كعلمتك إياك، أو لغائب كزيد علمته إياه، أو لغائبين كقولك: مال زيد أعطيته إياه (3).
قال المصنف: «فانفصال ثاني الحاضرين متعين أبدا؛ لأنه لا يكون إلّا مثل الأول لفظا ومتحدا به معنى؛ فاستثقل اتّصالهما، ولأنّ اتّصالهما يوهم التّكرار.
وانفصال ثاني الغائبين متعين أيضا إن كان هو الأول في المعنى، نحو: مال زيد أعطيته إيّاه» انتهى (4).
واحترز بقوله: غير مرفوع: من قولهم: ظننتني قائما؛ فإن الضمير الذي هو الياء نصبه عامل في مضمر قبله، وقد اتفقا رتبة؛ فإنهما لمتكلم؛ لكن الضمير الأول مرفوع فلا يجب انفصال الثاني بل ولا يجوز انفصاله. وكذلك قولك: زيد ظنّه قائما (5)، قد عمل ظن في مضمر مرفوع، وهو الفاعل المستكن، وفي مضمر -
- والشاعر يفتخر بنفسه وبصاحبه بأن من يريد الاستعانة بأحد في أمر فليستعن به أو بصاحبه.
والبيت في معجم الشواهد (ص 395)، وفي شرح التسهيل (1/ 150)، وفي التذييل والتكميل (2/ 227).
(1)
سميت بذلك لأنها تفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية. وفي شرح الأشموني على الألفية: (1/ 288) يقول: تنبيه: «مذهب سيبويه أنّ هذه اللام هي لام الابتداء، وذهب الفارسيّ إلى أنها غيرها اجتلبت للفرق» .
(2)
البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه إلى قائل.
والشاعر يقول لصاحبه: أنت الصديق المخلص؛ ولذلك فمن حقك علي أن تأمرني بأي أمر، وأنا سأطيعك وأنفذ كل طلبك. واستشهد بالبيت على فصل الضمير لوقوعه بعد اللام الفارقة بين إن المخففة وإن النافية في قوله: إن وجدت الصديق حقّا لإياك.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 151)، وفي التذييل والتكميل (2/ 227)، وفي معجم الشواهد (ص 216).
(3)
قوله: أو لغائب أو لغائبين معناه: أن الضميرين في زيد علمته إياه مقصود بهما واحد، وفي مال زيد أعطيته إياه مقصود بهما اثنان. الأول للمال والثاني لزيد ويجوز العكس.
(4)
شرح التسهيل (1/ 167).
(5)
معناه: زيد ظن نفسه قائما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منصوب وهو الهاء وقد اتفقا رتبة ولا يجوز فصل الضمير المنصوب أيضا.
وأشار المصنف بقوله: وربّما اتّصلا غائبين إذا لم يشتبها لفظا إلى أنه إن غاير الثاني الأول لفظا حال الغيبة جاز الاتصال لكنه ضعيف، وبه يشعر قوله: وربّما، واستدل المصنف على ذلك بما روى الكسائي من قول العرب:«هم أحسن النّاس وجوها وأنضرهموها» . وقول مغلّس بن لقيط (1):
243 -
وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة
…
لضغمهماها يقرع العظم نابها (2)
(وأنشد الإمام بدر الدين بن مالك (3)
…
-
(1) هو مغلس - بضم الميم وفتح الغين المعجمة وكسر اللام المشددة - بن لقيط بفتح اللام وكسر القاف - ابن حبيب بن خالد بن نضلة
الأسدي، شاعر من شعراء الجاهلية، كان كريما حليما شريفا. أورد البغدادي له قصيدة من جيد الشعر. وله قصيدة أخرى جيدة منها بيت الشاهد. وستذكر مناسبتها.
ترجمته في خزانة الأدب (5/ 311، 312)، الأعلام (8/ 196)، معجم الشعراء (ص 308).
(2)
البيت من بحر الطويل من قصيدة لمغلس بن لقيط يعاتب أخوين له، وكان له ثلاثة إخوة مات أحدهم وكان به بارّا، فأظهر الآخران عداوته فقال (معجم الشعراء للمرزباني: ص 308):
إذا رأيا لي غرّة أغريا بها
…
أعاديّ والأعداء تعوي كلابها
وإن رأياني قد نجوت تلمّسا
…
لرجلي مغوّاة هياما ترابها
وأعرضت أستبقيهما ثمّ لا أرى
…
حلومهما إلّا وشيكا ذهابها
وقد جعلت نفسي تطيب
…
... ......
إلخ اللغة: الضّغمة: العضة بالناب، ومنه قيل للأسد ضيغم. يقرع: يصيب. وهو في بيت الشاهد يذكر أن نفسه طابت؛ لأن هذين الأخوين أصيبا بشدة كانا يتمنيانها له، وظاهر المعنى أنه عضهما بنابه عضة قوية وصل أثرها إلى وجع في العظم.
الإعراب: جعلت نفسي تطيب: جعل واسمها وخبرها. لضغمة: متعلق بالفعل قبله. لضغمهماها: بدل مما قبله، وهو هنا مصدر فاعله محذوف ومضاف إلى مفعوله ضمير المثنى العائد على أخويه، وضمير الغيبة المؤنث الأخير مفعول مطلق. وجملة يقرع صفة للضمير وإن كان الضمير لا يوصف. والعظم:
مفعول يقرع مقدم. ونابها: فاعله وضمير الغيبة فيه عائد على العضة.
واستشهد بالبيت على: أن الضميرين إذا اتحدا رتبة واختلف لفظهما جاز اتصالهما على ضعف، وهو قوله: لضغمهماها.
والبيت في معجم الشواهد (ص 44)، وفي شرح التسهيل (1/ 151)، وفي التذييل والتكميل (2/ 228).
(3)
بدر الدين: هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك، كان إماما في النحو وفي علوم العربية كلها.
أخذ عن والده، ولما مات والده طلب من أهل دمشق أن يلي وظيفة والده، لكن اللعب كان يغلب عليه وعشرة من لا يصلح. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في شرح الألفية (1):
244 -
لوجهك في الإحسان بسط وبهجة
…
أنا لهماه قفو أكرم والد (2)
وهذا في الدلالة أصرح مما ذكره والده) (3).
ثم هنا أبحاث:
[البحث الأول]:
ذكر ابن عصفور في شرح الجمل (4) والصفار (5) في شرح الكتاب (6) في -
- وقد شرح ألفية والده وهو الكتاب المأخوذ منه النص المذكور. كما شرح كافيته أيضا ولاميته. وقد كمل شرح التسهيل بعد والده، من أول المصادر، لكنه لم يتم الكتاب، وله كتب أخرى في البلاغة والمنطق والعروض. توفي بدمشق سنة (686 هـ) وحزن الناس عليه حزنهم على والده.
انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 225)، الأعلام (7/ 260).
(1)
انظر البيت في شرح الألفية المذكور (ص 66) تحقيق د/ عبد الحميد السيد (بيروت) وانظره في الورقة (16 ب) من الكتاب نفسه مخطوطا بدار الكتب تحت رقم: 22 نحو.
(2)
البيت من بحر الطويل، قال فيه صاحب الدرر (1/ 41): ولم أعثر على قائله مع كثرة من استشهدوا به.
اللغة: بسط: طلاقة وبشاشة. بهجة: حسن وسرور. أنالهماه: أعطاهما إياه. قفو: مصدر قفاه يقفوه أي اتبعه وسار على نهجه.
المعنى: يمدحه بالكرم، ويذكر أنه بشوش الوجه للسائلين، وأنه أخذ ذلك كله من والده الذي اقتدى به الممدوح.
الإعراب: لوجهك: خبر مقدم. بهجة: مبتدأ مؤخر. أنالهماه: أنال فعل ماض ينصب مفعولين، وهما: ضمير الغيبة المتصل العائد على البسط والبهجة مفعول أول، والهاء وهي ضمير الممدوح مفعول ثان. قفو: فاعل أنال. أكرم والد: متضايفان. وشاهده قوله: أنالهماه وفيه ما في البيت الذي قبله.
والبيت في معجم الشواهد (ص 115)، وليس في شروح التسهيل.
(3)
ما بين القوسين ناقص من نسخة (ب) وهو من الأصل.
وإنما كان بيت ابن المصنف أصرح؛ لأن العامل فيه فعل وهو أمكن في العمل من المصدر المذكور في البيت الذي قبله من مثال والده.
(4)
في الجزء الثاني (ص 106) وما بعدها: «باب ما يجوز تقديمه من المضمر على الظّاهر وما لا يجوز» . وفيه المذهبان المذكوران (تحقيق الشغار).
(5)
هو قاسم بن علي بن محمد بن سليمان الأنصاري البطليوسي الشهير بالصفار، صحب الشلوبين وابن عصفور. وقد شرح كتاب سيبويه شرحا حسنا يقال: إنه أحسن شروحه، وهو يرد فيه كثيرا على الشلوبين بأقبح رد. ولهذا الشرح نسخة بدار الكتب المصرية (بقسم المخطوطات تحت رقم 900 نحو). وقد توفي الصفار بعد سنة (630 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 256)، الأعلام للزركلي (6/ 12).
(6)
انظر النص المذكور المسند إلى الصفار في كتاب التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 219).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل الضمير بعد إنما مذهبين:
أحدهما: مذهب سيبويه: وهو أن الفصل ضرورة (1). وذكرا أن سيبويه لم يلتفت إلى المعنى، وهو كون الضمير
في معنى المفصول بينه وبين عامله بإلا.
الثاني: مذهب الزجاج: وهو أن الفصل ليس بضرورة، لما ذكر من كون الكلام بمعنى إلا.
وأفهم كلامهما أن الزجاج يجيز الفصل ولا يوجبه؛ ومن ثم جعل الشيخ القول الأول بتعين الانفصال في كلام المصنف مذهبا ثالثا (2).
وقال الصفار: «مذهب سيبويه أسدّ؛ لأنّك تقدر على الاتّصال فلا تفصله؛ بخلاف إلّا؛ إذ لا يمكن أن يتّصل بهما ضمير وتكون القرائن تبيّن المحصور ما هو من فاعل أو مفعول على حسب المواضع» انتهى (4).
ولا يتجه لي القول بأنه إذا كان الضمير محصورا بعد إنما لا يتعين انفصاله؛ فضلا عن أنه لا يجوز، لأنّا بالبديهة نعقل الفرق بين قولنا: إنما قام أنا، وبين قولنا:
إنما قمت. إذ معنى الأول: ما قام إلا أنا، فالحصر في الفاعل، ومعنى الثاني:
ما فعلت إلا القيام، فالحصر في الفعل، فلا يعلم أن الحصر في الفاعل إلا بانفصال الضمير، وسببه: أن إنما لما كانت للحصر كان معناها معنى إلا الواقعة بعد النفي.
والمحصور بإلا يجب تأخره عنها؛ فيجب إذ ذاك انفصاله إن كان ضميرا متصلا بعامل قبلها، فكذلك يجب أن يكون الحال مع إنما. ولو كان الأمر على ما قال -
(1) سيأتي نص سيبويه في الشرح بعد قليل.
(2)
قال أبو حيان: «ذهب سيبويه إلى أنّ فصل الضّمير بعد إنّما هو ضرورة، وأنّ الفصيح اتّصاله.
وذهب الزّجاج إلى أنّ فصله ليس بضرورة، وذهب المصنّف إلى أنّه متعيّن الانفصال». (التذييل والتكميل: 2/ 218).
(3)
انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور: (2/ 105).
(4)
التذييل والتكميل (2/ 219).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصفار من أن الحصر إنما يتبين بالقرائن، لما أوجب النحاة تأخير المحصور بها؛ لكنهم أوجبوا تأخير الفاعل
إذا قصد حصره، وكذلك تأخير المفعول أيضا؛ فدل على أنهم لم يكتفوا بالقرائن.
وأما قول ابن عصفور: إنه لو كان من مواضع الانفصال لما جاء متصلا، وقد قالت العرب: إنما أدافع عن أحسابهم فغير ظاهر؛ لأن قائل هذا الكلام لم يقصد حصر الفاعل، والفصل إنما يجب مع قصد الحصر، وإنما قصد هذا المتكلم حصر المتعلق بالفعل، أي: لا أدافع إلا عن أحسابهم لا عن شيء آخر.
أما كون غيره لا يدافع فلم يتعرض إليه. والظاهر أن الجماعة إنما حكموا بأن مذهب سيبويه أن الفصل ضرورة بقوله (1): «هذا باب ما يجوز في الشّعر من إيّا، ولا يجوز في الكلام، فمن ذلك قول حميد الأرقط (2):
245 -
[أتتك عنس تقطع الأراكا]
…
إليك حتّى بلغت إيّاكا (3)
وقال آخر:
246 -
كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا (4)
-
(1) انظر نص ذلك في الكتاب: (2/ 362).
(2)
سبقت ترجمته في هذا التحقيق.
(3)
البيتان من الرجز المشطور، قائلهما حميد بن مالك الأرقط كما هنا وكما في مراجعهما، وهما في الوصف والمدح.
اللغة: العنس: بفتح العين وسكون النون هي الناقة القوية. تقطع الأراكا: أي تقطع الأرض التي تنبت الأراك وهو شجر يستاك به.
والمعنى: جاءتك إبلنا مجهدة فلا تحرمها من عطائك وأنت كريم أيها الممدوح.
وشاهده: وضع الضمير المنفصل مكان المتصل في قوله: حتّى بلغت إيّاك.
قال ابن يعيش: وكان أبو إسحاق الزجّاج يقول: تقديره: حتّى بلغتك إيّاك، وهذا التقدير لا يخرجه عن الضّرورة سواء أراد له التأكيد أو البدل؛ لأن حذف المؤكّد أو المبدل منه ضرورة (شرح المفصل: 3/ 102). والبيت في معجم الشواهد (ص 512)، وفي شرح التسهيل (1/ 149)، وكذلك هو في التذييل والتكميل (2/ 219).
(4)
البيت سبق الاستشهاد به والحديث عنه، وقد استشهد به هناك على وجوب فصل الضمير لوقوعه بعد إنما، وهنا استشهد به على أن هذا الفصل ضرورة. وتأويل ذلك كله مذكور في الشرح بعد البيت، قال ناظر الجيش بعد هذا التأويل: وهو محمل جيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد حمل المصنف الفصل في: إنما نقتل إيانا - على أنه ضرورة من وجه آخر غير الوجه الذي حمل الجماعة عليه وهو الذي أذكره:
قال المصنف: «وقد وهم الزمخشريّ في قوله: إنّما نقتل إيّانا، فظنّ أنّه من وقوع المنفصل موقع المتصل (1)، وليس كذلك، لأنه لو أوقع هنا المتصل فقال:
إنّما نقتلنا، لجمع بين ضميرين متّصلين أحدهما فاعل والآخر مفعول مع اتحاد المسمى، وذلك مما يختصّ به الأفعال القلبية. وغر الزمخشريّ ذكر سيبويه هذا البيت في باب: ما يجوز في الشّعر من إيّا ولا يجوز في الكلام، فذكر البيت الّذي أوله كأنّا لا لأن ما فيه لا يجوز إلا في الشعر، بل لأن إيّانا وقع فيه موقع أنفسنا فبينه وبين الأول يعني: حتى بلغت إياكا مناسبة من قبل أن إيا في الموضعين [1/ 162] واقعا موقعا غيره به أولى. لكن في الثّاني من معنى الحصر المستفاد بإنما ما جعله مساويا للمقرون بإلا، فحسن وقوع إيا فيه كما كان يحسن بعد إلا وهذا مطّرد، فمن اعتقد شذوذه فقد وهم» انتهى وهو محمل جيد (2).
وقال الشيخ: «ما ذهب إليه المصنّف من تعيّن انفصال الضّمير بعد إنّما - خطأ فاحش وجهل بلسان العرب.
قال الله تعالى: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (3)، إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ (4)، إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ (5)، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (6)، ولو كان الأمر على ما زعم لكان التركيب إنّما -
(1) قال الزمخشري (المفصل: ص 127): ولأنّ المتّصل أخصر لم يسوغوا تركه إلى المنفصل إلّا عند تعذّر الوصل، فلا تقول ضرب أنت ولا ضربت إياك، إلّا ما شذّ من قول حميد الأرقط: إليك حتّى بلغت إيّاكا وقول بعض اللصوص: كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا.
(2)
وملخص ما قيل في هذه القضية التي أثارها هذا البيت وهو قوله: إنّما نقتل إيّانا - أن سيبويه وتبعه الزمخشري جعلا البيت من الضرورة؛ لأن الشاعر أوقع فيه الضمير المنفصل موقع المتصل؛ لأن المتصل أخصر ولا يترك إلا عند تعذر الوصل؛ فلا يجوز ضربت إياك، وإنما الواجب ضربتك، وذكر ابن مالك أن هذا باطل، وإنما الواجب انفصال الضمير هنا؛ لأنه لو قال نقتلنا لجمع بين ضميرين متصلين أحدهما فاعل والآخر مفعول مع اتحاد المسمى، كما أن المقصود الحصر، والحصر يوجب انفصال الضمير مع إنما حملا على إلا.
(3)
سورة يوسف: 86.
(4)
سورة سبأ: 46.
(5)
سورة النمل: 91.
(6)
سورة آل عمران: 185.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يشكو بثّي وحزني إلى الله أنا (1)، وإنّما يعظكم بواحدة أنا، وإنّما أمر أن يعبد ربّ هذه البلدة أنا، وإنّما يوفّى
أجوركم أنتم» انتهى (2).
ويا لله التعجب من الشيخ، جهّل المصنف وخطّأه وقوّله ما لم يقل، واعتقد فيه أنه يمنع من جواز ما لم يتوهم بشر منعه. لم يقل إن إنما لا يقع بعدها الضمير إلا منفصلا فيرد عليه بوقوعه متصلا، إنما قال: إن الضمير المحصور بإنما يجب انفصاله، فكيف يرد عليه بما لم يقصد فيه حصر الضمير.
أما الآيات الكريمة التي رد بها الشيخ على المصنف، فلم يقصد في شيء منها حصر الفاعل، إنما قصد حصر متعلق الفعل؛ فمعنى الآية الأولى «لا أشكو بثي وحزني إلا إلى الله» أي لا أشكو إلى غيره (3). ومعنى الآية الثانية «لا أعظكم إلا بواحدة» أي لا أعظكم بغيرها، ومعنى الآية الثالثة «ما أمرت إلا أن أعبد رب هذه البلدة» ، ومعنى الآية الرابعة «لا توفون أجوركم إلا يوم القيامة» ، وهذا واضح، ولا أعرف كيف خفي هذا على الشيخ رحمه الله تعالى.
البحث الثاني:
ما ذكره المصنف هنا من تعين انفصال الضمير إذا رفع بصفة جارية على غير صاحبها، هو مذهب البصريين، ولم يوجب الكوفيون الإبراز إلا عند خوف اللبس (4)، واختار المصنف في باب المبتدأ مذهبهم؛ فإطلاقه القول هنا بوجوب الانفصال إما للاتكال منه على ما ذكر في باب المبتدأ فيقيد به هذا الإطلاق، وإما لأنه جرى هنا على مذهب البصريين، ثم نبه على مختاره في باب المبتدأ (5). -
(1) في نسخة (ب): «إنما أشكو، وإنما أعظكم، وإنما أمرت أن أعبد، وإنما توفون» والذي أثبتناه من الأصل وهو الصحيح، حتى يظهر الحصر المقصود في الكلام. وكذلك هو في شرح أبي حيان.
(2)
التذييل والتكميل (2/ 221).
(3)
في تفسير الكشاف (2/ 339) قال الزمخشري: «ومعنى إنّما أشكو أي إني لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم، إنّما أشكو إلى ربّي داعيا له وملتجئا إليه بشكايتي» .
(4)
انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 58) وما بعدها، ومن أمثلتها من الكلام: هند زيد ضاربته هي، ومن الشعر قول ذي الرمة:
غيلان ميّة مشغوف بها هو
…
إلخ.
(5)
انظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 307، 308)(تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ المختون) يقول في الحديث عن الخبر عند جريانه على غير من هو له: «والتزم البصريون الإبراز مع أمن اللّبس عند -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد استثنى الكوفيون أيضا صورة ثانية لا يجب فيها الإبراز، وهي إذا تكررت الصفة نحو: زيد حسنة أمه عاقلة هي، فلا يوجبون هي بعد عاقلة. وفي الحقيقة هذه الصورة داخلة تحت قولهم: لا يجب الإبراز عند أمن اللبس، فلا حاجة إلى تخصيصها بالذكر.
وقد ذكر النحاة أن الضمير لا يبرز إذا كان لمثنى أو جمع؛ لأن في تثنية اسم الفاعل وجمعه دلالة عليه، وذلك نحو: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، وقائم آباؤه لا قاعدين. استغنى في المثال الأول عن هما، وفي المثال الثاني عن هم بتثنية اسم الفاعل وجمعه، وسيأتي ذلك في باب المبتدأ إن شاء الله تعالى.
البحث الثالث:
تقدم أنه يجب انفصال [1/ 163] الضمير إذا نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع عند الاتفاق في الرتبة، إلا إذا كانا للغيبة واختلفا لفظا؛ فإنه قد يتصل الضمير الثاني.
وقد ذكر الشيخ أنه قد يؤتى بالثاني متصلا حال التكلّم والخطاب والغيبة دون الاختلاف لفظا فقال (1):
«إذا اتفق الضميران في الرتبة فإما أن يكونا لمتكلم أو مخاطب أو غائب.
إن كان لمتكلم فلا اتصال نحو: منحتني إياي، ويقبح الاتصال، وإن كانا لمخاطب فالاختيار الانفصال، ويجوز الاتصال ضعيفا نحو: أعطيتكما إياكما، وأعطيتكما كما، وأعطيتكم إيّاكم، وأعطيتكم كم، وأعطيتكن إيّاكن، وأعطيتكن كنّ، ومنع الاتصال الفراء (2).
وإن كانا لغائب فإما أن يتحدا لفظا أو يختلفا (3): إن اتحدا فكضمير المخاطب (4) فيكون الانفصال مختارا نحو: الدرهم أعطيته إياه، ويجوز على ضعف: -
- جريان رافع الضّمير على غير صاحب معناه؛ ليجري الباب على سنن واحد. وخالفهم الكوفيّون فلم يلتزموا الإبراز إلّا مع اللّبس وبقولهم أقول لورود ذلك في كلام العرب كقول الشّاعر (من البسيط):
قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت
…
بكنه ذلك عدنان وقحطان
(1)
التذييل والتكميل (2/ 228).
(2)
في شرح أبي حيان: هذا مذهب أصحابنا والكسائي ومنع الاتصال الفراء (المرجع السابق).
(3)
بأن كان أحدهما مفردا والآخر مثنى أو جمعا، أو أحدهما مذكرا والآخر مؤنثا.
(4)
في النسخ: فكضميري الغائب، وما أثبتناه وهو الأسدّ من التذييل والتكميل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أعطيتهوه، ومنع الفراء أيضا الاتصال.
وإن اختلفا فالفصل هو الكثير، تقول: هند الدّرهم أعطيتها إيّاه، وأعطيته إياها، ويجوز: أعطيتهاه وأعطيتهوها» انتهى (1).
وفي كتاب سيبويه ما يقتضي منع الاتصال إذا كان الضميران للمتكلم (2). وأما إذا كانا للغيبة فقال سيبويه: «فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب، قلت:
أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربيّ لا عليك بأيّهما بدأت من قبل أنّهما كلاهما غائب، وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم، والكثير في كلامهم أعطاه إيّاه» انتهى كلام سيبويه (3).
وأشعر قوله: والكثير في كلامهم أعطاه إيّاه - أن القليل جواز الاتصال وإن اتفق اللفظان؛ وعلى هذا لا يحسن قول المصنف فيما تقدم (4): إن لم يشتبها لفظا لإشعار كلام الإمام بخلافه.
البحث الرابع:
انتقد الشيخ على المصنف كونه مثّل للاتصال في الغائبين المختلفي اللفظ بما في بيت مغلس وهو (لضغمهماها) وبما روى الكسائي من (وأنضرهموها). قال:
لأن أحد الغائبين مخفوض، وأصحابنا ذكروا أنه لا يجوز فيه إلا الانفصال، نحو قولك: هند زيد عجبت من ضربه إيّاها (5).
قالوا: ولا يجوز من ضربهها إلّا في ضرورة، وأنشدوا بيت مغلّس؛ أو في -
(1) التذييل والتكميل (2/ 229).
(2)
يقول في كتابه (2/ 365) - بعد كلام عن أعطاهوك وأعطاهوني وأن العرب لم تتكلم به -:
(3)
انظر الكتاب (2/ 365).
(4)
المسألة أنه إذا اشتبه الضميران الغائبان فقد أوجب ابن مالك فصلهما، تقول: مال زيد محمد أعطاه إياه. وقال سيبويه: الكثير أعطاه إياه، على أن سيبويه عند ما مثل للاتصال مثل بضميرين مختلفين وهو أعطاهوها، وهذا لا يمنعه ابن مالك حيث قال: وربّما اتّصلا غائبين إذا لم يشتبها لفظا. كذا فليلاحظ.
(5)
في النسخ: هند عجبت
…
إلخ، بحذف زيد، وما أثبتناه وهو الصحيح من التذييل والتكميل.