الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[احتمال الماضي للحال والاستقبال]
قال ابن مالك: (ويحتمل المضيّ والاستقبال بعد همزة التّسوية وحرف التّحضيض وكلّما وحيث وبكونه صلة أو صفة لنكرة عامّة).
ــ
أي أسقيته إذا تغورت النجوم.
ومنها: إضافة اسم الزمان المستقبل إليه، نحو خروج زيد إذا قام عمرو أي إذا يقوم عمرو.
ومنها: عطفه على المستقبل وعطف المستقبل عليه، نحو قعد زيد وسيقوم، أي سيقعد زيد وسيقوم، وكذا سيقوم زيد وقعد أي: وسيقعد (1) وهذه الثانية (2) قالها المصنف (3).
ومنها: وقوعه في صلة لما المصدرية إذا كان العامل فيها المستقبل، كقولك: افعل خيرا ما دمت حيّا أي ما تدوم حيّا؛ إلا أن العرب لا تستعمل بعدها إلا الماضي (4)؛ لأن معنى الكلام كمعنى الشرط المحذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه، كأنك قلت: افعل هذا ما دمت حيّا وهم لا يحذفون جواب الشرط إلا إذا كان فعل الشرط ماضيا كقولهم: أنت ظالم إن فعلت، ولا يقولون: إن تفعل.
قال ناظر الجيش: اعلم أن المراد بالاحتمال أن الماضي إذا وقع بعد ما ذكره جاز أن يراد به المضي في محل، وأن يراد به الاستقبال في محل آخر. وذلك بحسب ما يفهم من السياق؛ وقد يحتملهما في محل واحد ويختلف حينئذ التأويل. -
- على صرف ندمان لأن مؤنثه بالتاء (شذور الذهب: ص 490).
ترجمة الشاعر: هو البرج بن مسهر بن جلاس بن الأرت الطائي، شاعر من معمري الجاهلية، كانت إقامته في بلاد طيّئ (بلاد شمر اليوم) مات قبل الهجرة بنحو ثلاثين سنة، له شعر في ديوان الحماسة.
انظر ترجمته في الأعلام (2/ 16).
(1)
في التمثيل لف ونشر مشوش: المثال الأول للقاعدة الثانية والمثال الثاني للقاعدة الأولى.
(2)
أي المسألة الثانية من مسائل صرف الماضي إلى المستقبل، وهي عطف الماضي على المستقبل.
(3)
انظر شرح التسهيل: (1/ 30)، وقد مثل المصنف لتلك المسألة بقوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ
…
إلخ، وقوله:
…
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
…
إلخ، وهو أحسن من تمثيل ناظر الجيش.
(4)
أي بعد ما المصدرية، ومنه قول الشاعر (من الوافر):
يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي ......
إلخ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فمثال الواقع بعد همزة التسوية قولك: سواء عليّ أقمت أم قعدت؛ فيجوز أن يكون المراد: سواء عليّ ما كان منك من قيام أو قعود، وأن يكون سواء على ما يكون منك منهما، وسواء أكان المعادل فعلا كما مثل أم جملة اسمية، كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (1).
فإن كانت لم يعد أم تعين المضي كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (2)؛ لأن المعادل المنفي بلم تعين صرفه بها إلى المضي فوجب مضي ما قبله.
ومثال الواقع بعد حرف التحضيض قولك: هلّا فعلت فتجوز إرادة المضي فتكون لمجرد التوبيخ، ولا يكون اقترانه بحرف التحضيض مغيرا للفعل عن وصفه، وتجوز إرادة الاستقبال فيكون بمنزلة الأمر.
قال المصنف: ولذلك احتج العلماء على وجوب العمل بخبر الواحد، بقوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ (3) جعلوه بمنزلة لينفر، وهذان المثالان من المواضع التي يحتمل فيها الفعل المضي والاستقبال في محل واحد.
ومثال الواقع بعد كلما والمعنى ماض: قوله تعالى: كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ (4). ومثاله والمعنى مستقبل قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها (5).
ومثال الواقع بعد حيث والمعنى على المضي: قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ (6). ومثاله والمعنى على الاستقبال قوله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ * (7). ومثال الواقع صلة والمعنى ماض قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ (8). ومثاله والمعنى مستقبل قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ (9).
وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر:
49 -
وإنّي لآتيكم يذكّر ما مضى
…
من الأمر واستنجاز ما كان في غد (10)
-
(1) سورة الأعراف: 193.
(2)
سورة البقرة: 6.
(3)
سورة التوبة: 122.
(4)
سورة المؤمنون: 44.
(5)
سورة النساء: 56.
(6)
سورة البقرة: 222.
(7)
سورة البقرة: 149 وأيضا: 150.
(8)
سورة آل عمران: 173.
(9)
سورة المائدة: 34.
(10)
البيت من بحر الطويل قاله الطرماح بن حكيم كما في مراجعه (معجم الشواهد ص 113). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[1/ 49] فمضى ماض وكان مستقبل.
ومثال الواقع صفة للنكرة العامة والمعنى على المضي: قول الشاعر:
50 -
ربّ رفد هرقته ذلك اليو
…
م وأسرى من معشر أقتال (1)
ومثاله والمعنى على الاستقبال قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فأدّاها كما سمعها» (2). فإن هذا منه عليه الصلاة والسلام ترغيب لمن أدركه في حفظ ما يسمعه، ومعناه: نضر الله امرأ يسمع مقالتي فيؤديها كما يسمعها.
وناقشه الشيخ (3) في المثال الأول: بأن رفدا ليس بنكرة عامة؛ إذ ربّ على ما ينسب لسيبويه للتقليل (4) والتقليل ينافي العموم، قال: -
- والشاهد فيه واضح؛ حيث وردت ما موصولة في البيت مرتين صلة كل منهما مختلفة في المعنى وإن اتفقتا في اللفظ. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 32) وفي التذييل والتكميل: (1/ 113).
ترجمة الطرماح: هو الطرماح بن حكيم بن الحكم من طيئ شاعر إسلامي فحل، ولد ونشأ بالشام وانتقل إلى الكوفة فكان معلما فيها، واعتقد مذهب الشراة من الأزارقة، واتصل بخالد بن عبد الله القسري، فكان يكرمه ويستجيد شعره، وكان هجاء معاصرا للكميت صديقا له لا يكادان يفترقان.
انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (3/ 325).
(1)
البيت من بحر الخفيف آخر بيت من قصيدة طويلة للأعشى، يمدح فيها الأسود بن المنذر اللخمي، بدأها بوصف الديار والأطلال والناقة:(ديوان الأعشى ص 163) مطلعها:
ما بكاء الكبير بالأطلال
…
وسؤالي وهل ترد سؤالي
اللغة: الرفد: بفتح الراء القدح الضخم ويكن بإراقته عن الموت وبكسر الراء العطاء، أسرى: جمع أسير.
أقتال: جمع قتل وهو المقاتل والشجاع والقرن. وروي مكانه أقيال جمع قيل بفتح أوله وثانيه ومعناه الملك. والأعشى: يمدح صاحبه بالشجاعة وقتل الأعداء وأسر الملوك.
وشاهده: وقوع الجملة الماضوية صفة للنكرة في قوله: ربّ رفد هرقته.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 32)، وفي التذييل والتكميل (1/ 113)، وفي معجم الشواهد (ص 323).
(2)
انظر الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 80) ونصه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من منى، فقال:«نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، ثمّ أدّاها إلى من لم يسمعها؛ فربّ حامل فقه لا فقه له، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» . وكرر الحديث مرة أخرى في: (4/ 82).
(3)
الضمير في ناقشه لابن مالك ولم يجر له ذكر ولكنه مفهوم من المقام؛ لأن الأمثلة السابقة كلها من شرح التسهيل له، وانظره:(1/ 35).
(4)
لم ترد ربّ مفيدة للتقليل في كتاب سيبويه. كل ما جاء فيه: اختصاصها بالنكرات (2/ 54، 56). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثمّ لا يتعين كون هرقته صفة لرفد؛ إذ يجوز أن يكون هو الجواب العامل في موضعه ربّ رفد على مذهب من لا يشترط وصف مخفوض ربّ، وهو الأصحّ.
انتهى (1).
ولا تتوجه هذه المناقشة على المصنف؛ لأنه يرى أن ربّ للتكثير (2)، وقد استشهد في باب حروف الجر على ذلك بأبيات منها البيت المذكور (3).
على أنا نقول: ليس المراد بالعموم هنا عموم الشمول؛ بل المراد أن النكرة باقية على صلاحيتها لكل مسمى لم
يتخصص بشيء من مخصصات النكرة.
وأما قوله: إنّ هرقته لا يتعين كونه صفة فمسلم ولا يضر المصنف ذلك؛ لأنه إنما استشهد بذلك على تقدير أن يكون الفعل صفة؛ فإذا لم يقدر صفة فلا يكون الفعل الماضي وقع صفة للنكرة العامة في البيت المذكور فيطلب الاستشهاد بغيره.
* * *
- وزيادة ما بعدها وهو كثير: (3/ 115). ومباحث أخرى فيها: انظر: (5/ 311).
(1)
انظر: التذييل والتكميل (1/ 113).
(2)
قال ابن مالك في التسهيل (ص 148): وربّ ليست اسما
…
بل هي حرف تكثير وفاقا لسيبويه والتقليل بها نادر.
(3)
انظر شرح التسهيل (3/ 176)(د/ عبد الرحمن السيد، د/ بدوي المختون).