الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأوجه الجائزة في مثل: عيناه حسنتان]
قال ابن مالك: (ويعاقب الإفراد التّثنية في كلّ اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر. وربّما تعاقبا مطلقا، وقد يقع افعلا ونحوه موقع افعل ونحوه).
ــ[1/ 119] فقال: لها ودهيت فراعى اللفظ؛ ولو راعى المعنى لقال: لهما ودهيتا.
قال ناظر الجيش: المراد بالمعاقبة: وقوع المفرد موقع المثنى وعكس ذلك. والمراد بالاثنين اللذين لا يغني أحدهما عن الآخر: كل اثنين لا بد لأحدهما من الآخر سواء كانا جزأين لشيء أم لم يكونا - ثم المعاقبة قد تكون في المسند إليه، وقد تكون في المسند وقد تكون فيهما.
قال المصنف (1): «المراد بكل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر: العينان والأذنان والخفّان والجوربان ونحو ذلك، فيقال: عيناه حسنتان وعيناه حسنة، وعينه حسنة وعينه حسنتان.
فالأول كثير؛ لأنه الأصل، ومنه قول الشاعر:
162 -
وعينان قال الله كونا فكانتا
…
فعولان بالألباب ما تفعل الخمر (2)
ومن الثاني (3) قول امرئ القيس:
163 -
لمن زحلوقة زلّ
…
بها العينان تنهلّ (4)
-
(1) انظر: شرح التسهيل (1/ 109) وهو بنصه.
(2)
البيت من بحر الطويل من رائية طويلة لذي الرمة أكثرها في الغزل ومطلعها:
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى
…
وما زال منهلّا بجرعائك القطر
وسيأتي هذا المطلع شاهدا آخر في باب كان. وقبل بيت الشاهد قوله:
لها بشر مثل الحرير ومنطق
…
رقيق الحواشي لا هراء ولا نزر
وانظر القصيدة في ديوان ذي الرمة (ص 213). اللغة: لا هراء ولا نزر: أي كلامها لا كثير ولا قليل.
كونا: أي كونا حسنتين. الألباب: العقول. ما تفعل الخمر: أي من السحر والسكر.
وشاهده واضح؛ حيث أخبر عن العينين بالمثنى وهو الكثير. والبيت في معجم الشواهد (ص 371) وفي شرح التسهيل (1/ 109). والتذييل والتكميل (2/ 85).
(3)
أي المسند إليه مثنى والمسند مفرد.
(4)
البيت من بحر الهزج وهو لامرئ القيس في ملحق بالشعر المنسوب إليه. قال المحقق: مما لم يرد في أصول الديوان المخطوطة، وانظر الشاهد في ديوان امرئ القيس (ص 471). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول الآخر:
164 -
وكأنّ في العينين حبّ قرنفل
…
أو سنبلا كحلت به فانهلّت (1)
ومن الثالث (2) قول الشاعر:
165 -
ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط
…
عليك بجاري دمعها لجمود (3)
-
- وبعد بيت الشاهد قوله:
ينادي الآخر الألّ
…
ألا حلّوا ألا حلّوا
اللغة: الزحلوقة: أرجوحة الصبيان. زل: أي ينزل بها من وقف على حافتها. الألّ: الأول. ألا حلوا: أي انزلوا.
المعنى: بيتان قالهما امرؤ القيس عند ما رأى - وهو مريض - قبرا يحفر له. فهو يشبه قبره الذي سيتدلى به بالزحلوقة التي يتدلى عليها الصبيان؛ وليس ذلك فقط، بل إن السابقين يدعون من بعدهم.
وشاهده قوله: بها العينان تنهل، حيث أخبر عن الاثنين اللذين لا يغني أحدهما عن الآخر بالمفرد، والبيت في معجم الشواهد (ص 298) وفي شرح التسهيل (1/ 109) وفي التذييل والتكميل (2/ 80).
(1)
البيت من بحر الكامل من قصيدة لعمرو بن أرقم في الأصمعيات (ص 161) وهي لسلمى بن ربيعة في شرح ديوان الحماسة: (2/ 546) والشاعر يعاتب امرأته؛ لأنها فارقته استهانة به، فهو يقول:
إنه ألف البكاء لتباعدها.
والقرنفل والسنبل: نباتات طيبة الرائحة. انهلت: سالت. وشاهده كالذي قبله. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 75) وهو في شرح التسهيل (1/ 109) وفي التذييل والتكميل (2/ 80).
وسلمى بن ربيعة شاعر جاهلي له شعر في ديوان الحماسة لأبي تمام، كما أن من سلالته من تولى مناصب عالية في الإسلام. (انظر ترجمته في الأعلام: 3/ 175).
(2)
أي المسند إليه والمسند مفردان.
(3)
البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة لأبي عطاء السندي يرثي فيها يزيد بن عمر بن هبيرة، وقد قتله المعتصم سنة 132 هـ وبعد بيت الشاهد قوله:
عشيّة قام النّائحات وشقّقت
…
جيوب بأيدي مأتم وخدود
انظر شرح ديوان الحماسة: (2/ 799). وشاهده واضح من الشرح. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 103).
والبيت في شرح التسهيل (1/ 110) وفي التذييل والتكميل (2/ 82).
ترجمة أبي عطاء: هو أفلح بن يسار، شاعر فحل قوي البديهة من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، ولد بالكوفة لرجل من السند. كان يجمع بين اللثغة واللكنة فكان لا يفهم كلامه؛ ولذلك أمر له سليمان ابن سليم بوصيف بربري فصيح فسماه عطاء وتكنى به ورواه شعره.
شهد حرب بني أمية والعباسيين، وهو القائل في مدح العباسيين وهجاء الأمويين:
إنّ الخيار من البرية هاشم
…
وبني أميّة أرذل الأشرار
توفي عقب أيام المنصور سنة (158 هـ). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول الآخر:
166 -
أظنّ انهمال الدّمع ليس بمنته
…
عن العين حتّى يضمحلّ سوادها (1)
ومن الرابع (2) قول الشاعر:
167 -
إذا ذكرت عيني الزّمان الّذي مضى
…
بصحراء فلج ظلّتا تكفان (3)»
انتهى (4).
وتقول: لبست نعلي وخفّي تريد نعليّ وخفّيّ.
قال الشيخ (5): «كلام المصنف يدل على أنّ هذا الذي ذكره من المعاقبة بين -
- ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 652)، الأعلام (3/ 342)، بروكلمان (1/ 245).
(1)
البيت من بحر الطويل، قاله جرير من قصيدة يرثي بها قيس بن ضرار. انظر ديوان جرير (ص 91).
اللغة: انهمال العين: بكاؤها. يضمحل سوادها: يذهب ويتساقط، وشاهده كالذي قبله.
والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 110).
ترجمة جرير: هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي من بني كليب بن يربوع من تميم، أشعر أهل عصره، ولد باليمامة سنة (28 هـ) وكان له ثمانية من الذكور فيهم الشعراء.
كان جرير من فحول شعراء الإسلام، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. والعجيب أنه لما مات الفرزدق حزن جرير عليه ورثاه:
فجعنا بحمّال الدّيات ابن غالب
…
وحامي تميم عرضها والبراجم
فسئل في ذلك فقال: «والله ما كان اثنان مثلنا أو مصطحبان أو زوجان إلا كان أمد ما بينهما قريبا» .
التقى جرير بالحجاج بن يوسف فمدحه وأوفده الحجاج إلى عبد الملك بن مروان، فمدحه أيضا:
ألستم خير من ركب المطايا
…
وأندى العالمين بطون راح
وشعره كله قوي جزل يستشهد به النحاة والنقاد وأصحاب البيان.
وقد طبع ديوانه مرارا، عمر جرير أكثر من ثمانين عاما، حيث توفي باليمامة سنة 110 هـ. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 471)، والأعلام (2/ 111).
(2)
أي المسند إليه مفرد والمسند مثنى.
(3)
البيت من بحر الطويل، وقد ورد في معجم الشواهد (ص 400)، ولم تذكر مراجعه نسبة له.
اللغة: فلج: بلد، وقيل واد بطريق البصرة إلى مكة ينزل به الحجاج. تكفان: تمطران وتبكيان.
والشاعر يتحسر على زمن حلو مضى.
وشاهده واضح وهو في شرح التسهيل (1/ 110) وفي التذييل والتكميل (2/ 80).
(4)
انظر شرح التسهيل: (1/ 121) وهو بنصه.
(5)
انظر التذييل والتكميل: (2/ 82) وقد اختصر ناظر الجيش كلام أبي حيان اختصارا مفيدا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإفراد والتثنية ينقاس. وذهب بعض أصحابنا إلى أنّ هذا إنما جاء في الشّعر. وأورد أشياء من غير هذا الباب وقع فيها المفرد موقع المثنى، كقول الشاعر:
168 -
ولكن هما ابن الأربعين تتابعت
…
[أناييبه مردى حروب على ثغر](1)
يريد ابنا الأربعين.
وموقع الجمع كقول الآخر:
169 -
[بها جيف الحسرى] فأمّا عظامها
…
فبيض وأمّا جلدها فصليب (2)
وكقول الآخر:
170 -
[لا تنكروا القتل وقد سبينا]
…
في حلقكم عظم وقد شجينا (3)
-
(1) البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق من مقطوعة عدتها ثلاثة أبيات يصف فيها لقاء كان بينه وبين ابني جحير من بني عدي وهي في الديوان: (1/ 300).
اللغة: الأنابيب: جمع أنياب والأخير جمع ناب فهو جمع الجمع. ويستشهد به على وقوع المفرد موقع المثنى.
والبيت في التذييل والتكميل (2/ 83)، وليس في معجم الشواهد.
(2)
البيت من بحر الطويل من قصيدة لعلقمة بن عبدة يمدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني وهي طويلة ومطلعها (انظر ديوانه ص 14):
طحا بك قلب في الحسان طروب
…
بعيد الشّباب عصر حان مشيب
اللغة: جيف: جمع جيفة وهي جثة الميت إذا نتنت. الحسرى: جمع حسير، وهي الدابة التي ماتت إعياء من حسر بفتح وكسر. (المصباح المنير: 2/ 9) صليب: يابس لم يدبغ.
والشاعر يصف ناقته بالإعياء من طول الطريق إلى الممدوح.
والشاهد فيه: وقوع المفرد (جلدها) موقع الجمع (جلود).
والبيت في التذييل والتكميل (2/ 83). وليس في معجم الشواهد.
ترجمة علقمة: هو علقمة بن عبدة التميمي الملقب بالفحل، قيل: للتمييز بينه وبين رجل من قبيلته يقال له علقمة الخصي، وقيل: لأنه تزوج بامرأة امرئ القيس أم جندب بعد أن فضلت علقمة على زوجها في مطارحات بالشعر. وهو شاعر بدوي أصيل اشتهر بوصف النعام، وقد نادم أبا قابوس اللخمي والحارث الغساني وقد مدح الأخير بقصيدة مشهورة منها الشاهد السابق وهو القائل:
فإن تسألوني بالنساء
…
إلخ.
انظر ترجمة علقمة في: الشعر والشعراء (1/ 225). بروكلمان (1/ 96).
(3)
البيتان من الرجز المشطور منسوبان في مراجعهما للمسيب بن زيد مناه، إلا أن ابن جني ذكر الثاني ونسبه لطفيل (المحتسب: 2/ 87). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم قال: «ولم يقس النحويّون على هذا وهو عند سيبويه (1) من أقبح الضرورات وحكى الأخفش عن العرب: ديناركم مختلفة، يريد دنانيركم وحملوه على الشّذوذ» انتهى (2).
وهذا عجب من الشيخ؛ فإن كلامه يقتضي أن المصنف أجاز وقوع المفرد موقع المثنى مطلقا [1/ 120] وكذا وقوع المثنى موقع المفرد. والمصنف إنما أجاز ذلك في شيء خاص وهو كل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر.
ثم إنه قول المصنف بالقياس، ولم يتعرض المصنف؛ لأن ذلك مقيس أو غير مقيس؛ غاية ما يشعر به كلامه: أن معاقبة الإفراد التثنية فيما ذكره مستعمل وارد كثيرا، أما أنه ينقاس أو لا ينقاس فليس في كلامه إشعار به (3).
وأشار المصنف بقوله: وربما تعاقبا مطلقا إلى أنه قد تحصل المعاقبة بين الإفراد والتثنية في غير ما تقدم الكلام عليه: فمن وقوع المفرد موقع المثنى قوله تعالى: فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (4)، وقوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (5). -
- اللغة: سبينا: مبني للمجهول من السبي وهو الأسر. شجينا: يقال: شجي بالعظم يشجى من باب علم، أي اعترض العظم في حلقه.
المعنى: يقول الشاعر لقوم: لا تنكروا قتلنا لكم، فقد سبيتم منا؛ فإن كان في حلوقكم عظم من القتل، فقد غصصنا بالسبي.
وشاهده: وضع الحلق موضع الحلوق، وهو جائز لوضوحه.
والبيت في معجم الشواهد (ص 548) وفي التذييل والتكميل (2/ 83) وطفيل: هو طفيل بن عوف الغنوي، جاهلي أقدم من النابغة، وهو من الوصافين للخيل. ترجمته في بروكلمان (1/ 199).
(1)
انظر الكتاب: (1/ 209) ولم يقل سيبويه إن وضع المفرد موضع الجمع من أقبح الضرورات كما قال أبو حيان عنه؛ وإنما نص كلامه هكذا: وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع؛ حتى قال بعضهم: في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام. ثم مثل ببيتي علقمة وطفيل.
(2)
انظر: التذييل والتكميل (2/ 84).
(3)
أخذ أبو حيان القياسية في كلام ابن مالك من الإخبار وسرد الكلام دون تعليق، وذلك عند ما قال في المتن: ويعاقب الإفراد التثنية في كل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر. ثم قال بعد ذلك: وربما تعاقبا مطلقا.
قال أبو حيان معلقا: هذا يدل على أن الحكم الذي أورده قبل ذلك مقيس عنده - لقوله في هذا وربما.
وهي تدل على التقليل. (التذييل والتكميل: 2/ 85).
(4)
سورة الشعراء: 16.
(5)
سورة ق: 17.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشبيه به قول حسان (1) رضي الله عنه:
171 -
إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأس
…
ود ما لم يعاص كان جنونا (2)
ومن وقوع المثنى موقع المفرد قول الشاعر:
172 -
إذا ما الغلام الأحمق الأمّ سافني
…
بأطراف أنفيه استمرّ فأسرعا (3)
قال الشيخ: ويمكن تأويل جميع هذا.
أما الآية الأولى: فقد ذكروا أن رسولا يكون مصدرا بمعنى الرسالة؛ فعلى هذا يكون من باب: الزيدان خصيم.
وأما الآية الثانية: فتحتمل وجهين:
أحدهما: الحذف، أي عن اليمين قعيد وعن الشّمال قعيد.
والثاني: أن يكون قعيد مما يخبر به عن المفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد نحو صديق.
وأما إنّ شرخ الشّباب
…
فأكثر النحويين خرجه على الحذف، أي إن شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا.
وأما سامني بأطراف أنفيه، فإنه عبر عن الأنف بقوله: أنفيه على سبيل المجاز ولم يرد الإفراد، ولذلك جمع بأطراف لإضافته إلى ما هو مثنى. انتهى (4). -
(1) سبقت ترجمة حسان.
(2)
البيت من بحر الخفيف لحسان بن ثابت من مقطوعة عدتها أربعة أبيات (ديوانه ص 282)، وهي في الوعظ والدعوة إلى الصلاح، وعدم اتباع الهوى.
والشاهد فيه: وقوع المفرد (ما لم يعاص) موقع المثنى (ما لم يعاصيا) ورده أبو حيان وخرجه تخريجا آخر غير ذلك وهو في الشرح.
وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 390) وشرح التسهيل (1/ 110) والتذييل والتكميل (2/ 86).
(3)
البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع.
اللغة: سافني: يقال ساف الشيء يسوفه ويسافه سوفا إذا شمه. ويروى سامني ومعناه أذلني.
ويستشهد بالبيت على أن الشاعر وضع المثنى (أنفيه) موضع المفرد (أنفه).
وخرج بأن المقصود بالأنف ثقباها.
والبيت في شروح التسهيل لابن مالك، وللمرادي (1/ 103) ولأبي حيان (2/ 86). وليس في معجم الشواهد.
(4)
انظر نص ذلك في: التذييل والتكميل (2/ 87).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا التخريج لا يدفع تخريج المصنف (1)؛ غايته أن الشواهد المذكورة محتملة لما ذكر.
وأشار بقوله: وقد تقع افعلا إلى آخره
…
أنه قد يقع الفعل المسند إلى ضمير واحد مخاطب بلفظ المسند إلى ضمير مخاطبين إذا كان أمرا أو مضارعا، والقصد بذلك التوكيد أو الإشعار بإرادة التكرار.
ومن ذلك ما روي من قول الحجاج: يا حرسي اضربا عنقه.
ومنه قول الشاعر:
173 -
فإن تزجراني يابن عفّان أزدجر
…
وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا (2)
وجعل بعض العلماء من ذلك قوله تعالى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (3) هذا كلام المصنف (4).
قال الشيخ (5): «هذا الّذي ذهب إليه قاله ابن جنّي في قول امرئ القيس:
174 -
قفا نبك [من ذكرى حبيب ومنزل
…
بسقط اللوى بين الدّخول فحومل] (6)
-
(1) وهو وقوع المفرد موقع المثنى ووقوع المثنى موقع المفرد.
(2)
البيت من بحر الطويل قائله سويد بن كراع العكلي، وهو شاعر جاهلي إسلامي هجا قومه فاستعدوا عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه فأوعده وأخذ عليه ألّا يعود للهجاء. والشاهد في البيت واضح حيث خاطب المفرد بخطاب المثنى. وانظر ترجمة سويد وأبيات من القصيدة في الشعر والشعراء (2/ 639)، الأغاني (18/ 131) طبعة بيروت.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 111) وفي التذييل والتكميل (2/ 88). وفي معجم الشواهد (ص 210).
(3)
سورة ق: 24.
(4)
أي في شرح التسهيل (1/ 111).
(5)
أي في التذييل والتكميل (2/ 88).
(6)
البيت من بحر الطويل مطلع معلقة امرئ القيس المشهورة التي كثرت الشواهد منها في النحو والبلاغة، وموضوعها في الغزل والوصف (انظرها في الديوان ص 8 - 26) ولامرئ القيس قصيدة أخرى مطلعها: قفا نبك أيضا (الديوان ص 89). ولكن المشهور في هذا المطلع أن ينصرف إلى المعلقة.
والشاهد فيه: تثنية ضمير الفاعل ونيابة ذلك عن تكرير الفعل.
والبيت مراجعه كثيرة في معجم الشواهد (ص 302) وهو في التذييل والتكميل (1/ 374).
قال ابن مالك: (وقد تقدّر تسمية جزء باسم كلّ، فيقع الجمع موقع واحده أو مثنّاه).
ــ
ثنّى ضمير الفاعل وناب ذلك عن تكرير الفعل، وقال أبو عثمان نحوا مما قال ابن جني. وذهب البغداديون إلى نحو مما ذهب إليه المصنف، ثم قال:
وما استشهد به محتمل للتأويل: أما ما روي عن الحجاج فإنه يحتمل أنه وقف على النون الخفيفة، فأبدلها ألفا ثم أجرى الوصل مجرى الوقف؛ وقد حمل قول امرئ القيس على هذا على تقدير ألا يكون خطابا لاثنين (1)[1/ 121].
فأما قوله: فإن تزجراني يابن عفّان
…
فيجوز أن ينادى واحد ويخاطب اثنان، كما يجوز: إن تضربوني يا زيد
أغضب» انتهى (2).
ولا يخفى أن ما ذكره المصنف في الشواهد المذكورة أقوى مما ذكره الشيخ وأولى.
قال ناظر الجيش: مثال وقوع الجمع موقع واحده على تقدير تسمية كل جزء باسم الجمع - قول الشاعر:
175 -
قال العواذل ما لجهلك بعد ما
…
شاب المفارق واكتسين قتيرا (3)
ومثال وقوع الجمع موقع مثناه قول الشاعر: -
(1) وفي هذا التخريج يقول ابن مالك في ألفيته:
وأبدلنها بعد فتح ألفا
…
وقفا كما تقول في قفن قفا
(2)
انظر: التذييل والتكميل (2/ 91).
(3)
البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة لجرير يهجو فيها الأخطل (ديوان جرير ص 222).
وقبل بيت الشاهد قوله يخاطب حبيبته:
هلّا عجبت من الزمان وريبه
…
والدّهر يحدث في الأمور أمورا
اللغة: العواذل: جمع عاذلة وهي اللائمة في الحب. المفارق: جمع مفرق بكسر الراء وفتحها، وهو وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. قتيرا: القتير الشّيب أو أوله.
المعنى: يقول جرير: إن اللوائم يلمنه على حبه وعشقه بعد أن كبر وعلاه الشيب.
وشاهده: قوله: شاب المفارق حيث عبر بالجمع وأراد المفرد؛ لأن المرء له مفرق واحد.
والبيت في معجم الشواهد (ص 145) وفي شرح التسهيل (1/ 122) وفي التذييل والتكميل (2/ 91).