الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[استثناء من بعض أحكام الضمير]
قال ابن مالك: (وأجاز بعضهم وقوعه بين نكرتين كمعرفتين، وربّما وقع بين حال وصاحبها، وربّما وقع بلفظ الغيبة بعد حاضر قائم مقام مضاف).
ــ
ولا يكون عند غير الأخفش إلا مبتدأ، وما كان مبتدأ ثم دخل عليه نواسخ الابتداء وإلى هذا كله الإشارة بقوله: مطابقا لمعرفة قبل، باقي الابتداء أو منسوخه.
وأما ما بعد الضمير فلا يكون إلا معرفة أو مضارعا لها في عدم قبول حرف التعريف، كحسبتك أنت مثله أو خيرا منه، ولو أوقع قبل نكرة فقبل حرف التعريف لم يجز.
وقال المصنف: وقلت: مطابقا لمعرفة قبل، ذي خبر بعد ليعلم أنه لو قدم الخبر لاستغني عنه (3).
قال ناظر الجيش: هذه ثلاث مسائل، وهي كالاستثناء من الضوابط الكلية المتقدمة.
أما الأولى: وهي وقوع ضمير الفصل بين نكرتين، فكالاستثناء من قوله:
لمعرفة قبل.
ومثاله: ما أظن أحدا هو خيرا منك، فإن أحدا بما فيه من العموم شبيه بالمعرف باللام الجنسية، وخيرا منك شبيه معرفة في امتناع دخول حرف التعريف عليه.
وحكى سيبويه «أن أهل المدينة يجيزون الفصل بين نكرتين كهاتين، وروي عن يونس أنّ أبا عمرو رآه لحنا» وقال سيبويه: «لم يجعلوه فصلا وقبله نكرة، -
(1) انظر نصه في الكتاب (2/ 392).
(2)
المرجع السابق.
(3)
شرح التسهيل (1/ 167).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما أنّه لا يكون وصفا ولا بدلا لنكرة» انتهى (1).
وقد ذكر عن جماعة من النحويين موافقة أهل المدينة في ذلك (2).
وجعل بعضهم منه قوله تعالى: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ (3). قال:
فأربى في موضع نصب (4).
وأما الثانية: وهي وقوع ضمير الفصل بين حال وصاحبها، فكالاستثناء من قوله: باقي الابتداء أو منسوخه، ومثال ذلك حكاية الأخفش عن بعض العرب أنه يأتي بالفصل بين الحال وصاحبها، فيقول: ضربت زيدا هو ضاحكا (5).
وعلى هذه اللغة قرأ بعضهم: (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم)(6) بنصب أطهر.
قال الشيخ: «اختلفوا في دخولها بعد تمام الكلام نحو: هذا زيد هو خيرا -
(1) نص ما قاله سيبويه، قال: «هذا باب لا تكون هي وأخواتها فيه فصلا، ولكن تكون بمنزلة اسم مبتدأ وذلك قولك: ما أظنّ أحدا هو خير منك، وما أجعل رجلا هو أكرم منك، وما إخال رجلا هو أكرم منك؛ لم يجعلوه فصلا
…
» إلخ (الكتاب: 2/ 396). وهذا النص يضعف ما جاء عن أهل المدينة من وقوع ضمير الفصل بين نكرتين.
قال الأستاذ عبد السّلام هارون محقق كتاب سيبويه معلقا على ذلك:
(انظر هامش الكتاب: 2/ 396).
(2)
هؤلاء الجماعة هم الفراء وهشام ومن تابعهما من الكوفيين (انظر المغني: 2/ 494) وفيه الآية المذكورة.
(3)
سورة النحل: 92.
(4)
أي خبرا لتكون، وهي ضمير فصل وهو ضعيف قال أبو البقاء العكبري أَنْ تَكُونَ مخافة أن تكون، وأُمَّةٌ اسم كان أو فاعلها إن جعلت كان التامة، وهِيَ أَرْبى جملة في موضع نصب أو في موضع رفع على الصفة، ولا يجوز أن تكون هِيَ فصلا؛ لأن الاسم الأول نكرة (التبيان في إعراب القرآن: 2/ 806).
(5)
التذييل والتكميل (2/ 295)، المغني (2/ 494)، الهمع (1/ 68).
(6)
سورة هود: 78. والقراءة لسعيد بن جبير وعيسى الثقفي وآخرين وهي شاذة (المحتسب لابن جني: 1/ 325) كما خرجت قراءة النصب على غير ضمير الفصل، فقيل: هنّ مبتدأ، ولكم: خبر، وأطهر: حال، وضعفه ابن هشام بأن الحال لا تتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم (المغني: 2/ 494) والقراءة المشهورة بالرفع على الخبرية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منك، فأجاز عيسى (1) ذلك، وقرأ (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) بالنصب، وهذا لحن عند الخليل وسيبويه [1/ 180].
قالوا: ولو جاز هذا لجاز ضربت زيدا هو أفضل منك، قالوا: وهذا خطأ على كلّ علّة قيلت في المجيء بالفصل، وزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحنا» انتهى (2).
وأما الثالثة: وهي وقوعه بلفظ الغيبة بعد حاضر، فكالاستثناء من قوله: مطابقا.
ومثاله قول الشاعر:
287 -
وكائن بالأباطح من صديق
…
يراني إن أصبت هو المصابا (3)
قال المصنف: «تقديره عند أكثرهم: يرى مصابي إن أصبت هو المصابا، فحذف المضاف إلى الياء وأقامه في اللّفظ مقامه، وطابق الفصل المحذوف لا الثّابت» انتهى (4).
والظاهر أن معنى البيت أن المتكلم إذا أصيب، فإن صديقه يرى أنه نفسه هو -
(1) هو أبو عمرو عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري، نزل في ثقيف فنسب إليهم، وكانت بينه وبين أبي عمرو بن العلاء صحبة، وقد أخذ القراءة عن عبد الله بن أبي إسحاق، وعن ابن محيصن، وسمع الحسن البصري، وروى القراءات عنه الأصمعي والخليل بن أحمد، وسهل بن يوسف، كما أخذ سيبويه عنه النحو.
مصنفاته: ذكر سيبويه أن له مصنفات كثيرة ذهبت كلها ولم يبق منها إلا كتابان أحدهما يسمى الإكمال والآخر يسمى الجامع. توفي سنة 149 هـ بالعراق.
ترجمته في وفيات الأعيان (3/ 486)، بغية الوعاة (2/ 237).
(2)
كتاب سيبويه (2/ 397)، والتذييل والتكميل (2/ 295).
(3)
البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة لجرير بن عطية يمدح فيها الحجاج بن يوسف (ديوان جرير: ص 20) وفيها يقول:
إذا سعر الخليفة نار حرب
…
رأى الحجّاج أثقبها شهابا
اللغة: الأباطح: جمع أبطح وهو المسيل الواسع فيه دقاق الحصى.
ومعارك النحاة في هذا البيت كثيرة، انظرها في مراجعه المذكورة في معجم الشواهد (ص 31) وقد رمى الشارح في هذه المعارك بسهم، والبيت في شرح التسهيل (1/ 187)، وفي التذييل والتكميل (2/ 297).
(4)
شرح التسهيل (1/ 168).