الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[نيابة بعض الضمائر عن بعض]
قال ابن مالك: (ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة كثيرا، لتأوّلهم بجماعة، وكضمير الغائب قليلا؛ لتأوّلهم بواحد يفهم الجمع أو لسدّ واحد مسدّهم. ويعامل بذلك ضمير الاثنين وضمير الإناث بعد أفعل التّفضيل كثيرا ودونه قليلا).
ــ
والأصل: ترميون وتعفوين فاستثقلوا ضم الياء المكسور ما قبلها وكسر الواو المضموم ما قبلها، فخففتا بالتسكين، وخيف انقلابهما فحرك ما قبلهما بما يجانسهما (1).
قال ناظر الجيش: إتيان ضمير الغائبين كضمير الغائبة، كقوله تعالى: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (2). ومنه قول الراجز:
190 -
قد علمت والدتي ما ضمّت
…
إذا الكماة بالكماة التفّت (3)
قال المصنف: «فهذا كثير بخلاف إتيانه كضمير الغائب؛ فإنه قليل، ومنه قول -
(1) انظر: شرح التسهيل (1/ 138)، وفي آخر هذا الكلام قال أبو حيان:
قوله: ويسكن آخر المسند إلى قوله: وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله
…
هو من علم التّصريف وفيه ذكره النّحاة: واستعجل المصنّف ذكره في هذا الباب وليس محلّ ذكره (التذييل والتكميل: 1/ 147).
(2)
سورة المرسلات: 11.
(3)
البيتان من مشطور الرجز، وهما لجحدر: ربيعة بن ضبيعة من قيس، قالهما في الفخر والشجاعة، من مقطوعة قصيرة في ديوان الحماسة:(1/ 507)، وهذا من الشعر الذي اكتشفت قائله. يقول جحدر:
ردّوا عليّ الخيل إن ألمّت
…
إن لم أناجزها فجزّوا لمّتي
قد علمت والدتي ما ضمّت
…
ما لفّفت في خرق وشمّت
إذا الكماة بالكماة التفّت
يذكر أن والدته توسمت فيه الشجاعة وهو طفل.
وشاهده واضح: حيث أجرى ضمير الجمع الغائب مجرى ضمير الغائبة لتأوله بجماعة. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 139)، وفي التذييل والتكميل (2/ 148).
ترجمة جحدر: جحدر هذا لقب له، ومعناه القصير، واسمه ربيعة بن ضبيعة فارس بكر في الجاهلية، وقتل في حرب تغلب يوم تحلاق اللمم، وكان من نسله عظماء، مات قبل الإسلام بنحو مائة سنة (ترجمته في الأعلام: 2/ 103).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشاعر:
191 -
فإنّي رأيت الصّامرين متاعهم
…
يموت ويفنى فارضخي من وعائيا (1)
أراد: يموتون، فأفرد كأنه قال يموت من ثم أو من ذكرت.
وعلى ذلك يحمل قول الآخر:
192 -
تعفّق بالأرطى لها وأرادها
…
رجال فبذّت نبلهم وكليب (2)
أي: تعفق بالأرطى رجال، وأرادها جمعهم.
فبهذا التوجيه يضعف الانتصار للكسائي بهذا البيت في حذف الفاعل، وللفراء في نسبة العمل إلى العاملين (3).
وقد أجاز سيبويه أن يقال: ضربت وضربني قومك؛ أراد: وضربوني، فأفرد -
(1) البيت من بحر الطويل، قاله منظور الدبيري كما في مراجعه ينصح زوجته.
اللغة: الصامرين: جمع صامر، وهو البخيل المانع، يقال: صمر متاعه وصمره وأصمره: إذا منعه وجمعه (اللسان: صمر). ارضخي: الرضخ القليل من العطية. والشاعر في البيت يأمر زوجته بأن ترضى بقليل من العيش. وشاهده واضح من الشرح.
والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 127)، ولأبي حيان (2/ 148)، وللمرادي (1/ 120).
وليس في معجم الشواهد.
(2)
البيت من بحر الطويل لعلقمة بن عبدة من قصيدة سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يصف ناقته بالقوة، وأن الناس ومعهم أسلحتهم أرادوا أن يلحقوا بها، ولكنها فاتتهم.
اللغة: تعفق بالأرطى: استتر بالشجر ليرميها. بذّت نبلهم: فاقت نبالهم في السرعة. كليب: جمع كلب كعبيد جمع عبد.
وشاهده: واضح من الشرح، وخرجه بعضهم تخريجا آخر: فذكر أن في تعفق ضميرا مستترا تقديره هو يعود إلى الصياد. ويخرج البيت من باب التنازع، وتكون الواو في وأرادها عاطفة جملة على جملة (شرح الأشموني: 1/ 293).
والبيت في معجم الشواهد (ص 39)، وفي شرح التسهيل (1/ 127)، وفي التذييل والتكميل (2/ 148).
(3)
يشير بهذا إلى مسألة في باب التنازع وهي: إذا تنازع العاملان معمولا واحدا، وكلاهما يطلبه فاعلا؛ فالبصريون يعملون الثاني لقربه، ويضمرون للأول ضميرا يعود على المتأخر، وهو من مواضع عود الضمير على المتأخر، والكوفيون يعملون الأول لسبقه، ثم اختلفوا فيم يعمل الثاني؟ فذهب الكسائي إلى أن معموله محذوف، وفيه حذف للفاعل وهو جائز عنده، وذهب الفراء إلى أنه إذا اتفق العاملان في طلب المرفوع، فالعمل لهما ولا إضمار، وجاء ابن مالك وخرج البيت تخريجا ثالثا على ما ذكر في الشرح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على تقدير: وضربني من ثم (1).
وأنشد أبو الحسن:
193 -
وبالبدو منّا أسرة يحفظوننا
…
سراع إلى الدّاعي عظام كراكره (2)
فأفرد ضمير الأسرة؛ لأنه نسب إليهم الحفظ، فصح تأويلهم بحصن أو ملجأ؛ فجاء بالضمير على وفق ذلك؛ فكأنه قال: أسرة هم بحفظهم إيانا ملجأ عظيم كراكره.
ومن كلام العرب: هو أحسن الفتيان وأجمله؛ لأنه بمعنى أحسن فتى، فأفرد الضمير حملا على المعنى، وإلى نحو هذا أشرت بقولي: أو لسدّ واحد مسدّهم.
ومثل هذا قوله تعالى [1/ 142]: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ (3).
وقال الراجز:
194 -
[بال سهيل في الفصيح ففسد]
…
وطاب ألبان اللّقاح وبرد (4)
لأن النعم واللبن يسدان مسد الأنعام والألبان» انتهى (5).
وناقش الشيخ المصنف في أمور: -
(1) انظر تعليق أبي حيان على كلام سيبويه قريبا جدّا في الشرح.
(2)
البيت من بحر الطويل لشاعر مجهول وهو في الفخر.
اللغة: الكراكر: الجماعات واحدها كركرة بكسرهما. وفي اللسان (مادة: كرر) الكركرة: الجماعة من الناس. وشاهده واضح من الشرح.
وانظر البيت في شرح التسهيل: (1/ 128)، وفي التذييل والتكميل:(2/ 149) وليس في معجم الشواهد.
(3)
سورة النحل: 66.
(4)
بيتان من الرجز المشطور لم ينسبا في مراجعهما (انظر معجم الشواهد: ص 460).
ومعنى الرجز: لما طلع نجم سهيل ذهب زمن البسر وأرطب، فكأنه بال فيه وصار الرطب هنيئا، وقد ذكر هذا الرجز مع أبيات أخرى في اللسان في مواد:(جبه، وحرث، وكتد).
وهو كذلك في معاني القرآن للفراء (1/ 129)، وفي شرح التسهيل (1/ 127)، وفي التذييل والتكميل:(2/ 149).
وشاهده: قوله: وطاب ألبان اللّقاح وبرد؛ حيث جاء الضمير مفردا وهو عائد على جمع.
(5)
شرح التسهيل: (1/ 128).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: «وإذا عاد الضمير على اسم جمع، جاز فيه الجمع والإفراد، نحو:
الرهط خرجوا والرهط خرج» (2).
ومنها: «أنه نفى الحجة من البيت الذي أنشده شاهدا على أن ضمير الغائبين يأتي كضمير الغائب وهو: فإني رأيت الصّامرين
…
البيت».
ولا يخفى ضعف هذا التخريج الذي خرجه الشيخ (4).
ومنها: قوله - وقد أجاز سيبويه أن يقال: «ضربت وضربني قومك» - قال:
قال الشيخ: «فحكم سيبويه بقبحه؛ وإنّما أجاز سيبويه ذلك على قبحه -
(1) التذييل والتكميل (1/ 426).
(2)
المرجع السابق.
(3)
التذييل والتكميل (2/ 150).
(4)
بل الضعف في تخريج ابن مالك. وأحسن منهما أن يقال: الصامرين مفعول رأيت، ومتاعهم بالرفع مبتدأ، وجملة يموت ويفنى خبره، وهو مفرد لأن ما قبله مفرد، وجملة الابتداء مفعول رأيت الثاني أو حالا من الفاعل؛ وعليه يكون معنى البيت: رأيت الباخلين متاعهم يفنى وضده رأيت الكرماء متاعهم يبقى، وهو معنى مجازي.
(5)
انظر: الكتاب (1/ 79، 80)، والتذييل والتكميل (2/ 251).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في مكان خاصّ وهو باب الإعمال، ولا يلزم من إجازته ذلك في هذا الباب أن يجيزه في غيره. قال: وظاهر كلام المصنف يقتضي إجازته على قلّة» (1).
والمصنف إنما ذكر أن ذلك قد ورد أنه قليل؛ فليس في كلامه منافاة لكلام سيبويه ولا مخالفة.
ومنها: كونه قال: «أو لسدّ واحد مسدّهم وحمل على ذلك قول العرب: هو أحسن الفتيان وأجمله» .
قال الشيخ (2): «والّذي يدل عليه كلام سيبويه أنه إنّما أفرد كما أفرد في:
ضربني وضربت قومك، وهو على معنى: من ثمّ فإنه قال: هو أحسن الفتيان، وأجمل من ذكر».
قال أصحابنا: «وهذا هو الصحيح ويدلّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «خير النّساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده» (3) فلو كان على ما يقوله الفارسيّ لقال أحناها؛ لأن المفرد الذي يقع هنا إنما كان يكون [1/ 143] امرأة؛ فدلّ على أنّ المراد: أحنى من ذكر».
ومنها: قوله: ومثل هذا قوله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً (4)
…
إلخ كلامه. قال الشيخ: «وليس مثله؛ لأنّ كلامه إنّما هو في جمع التكسير للعاقل، وهذا جمع تكسير لغير عاقل وفرق بينهما» انتهى (5).
وما ذكره الشيخ من الفرق واضح، وإنما أراد المصنف أن يبين أنه قد اتفق الجمعان في أن عاد الضمير على كل منهما باعتبار الإفراد. -
(1) التذييل والتكميل: (2/ 151).
(2)
المرجع السابق أيضا.
(3)
الحديث نصه في صحيح مسلم: (7/ 182) في باب: من فضائل نساء قريش، والحديث بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل في:(1/ 319، 2/ 269، 275، 319، 393)، وهو أيضا في صحيح البخاري (7/ 6)، وهو أيضا في كتاب: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 454).
(4)
سورة النحل: 66.
(5)
التذييل والتكميل: (2/ 152).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم أشار المصنف بقوله: ويعامل بذلك ضمير الاثنين
…
إلى آخره - إلى أن الضمير قد يعود على الاثنين، وعلى الإناث بلفظ الإفراد؛ لكنه جعله قسمين:
كثيرا وقليلا (1):
أما الكثير: فإذا وقع الاثنان أو الإناث بعد أفعل التفضيل:
فمثال ذلك في ضمير الاثنين قول الشاعر:
195 -
وميّة أحسن الثقلين جيدا
…
وسالفة وأحسنه قذالا (2)
ومنه قول الآخر:
196 -
شرّ يوميها وأغواه لها
…
ركبت عنز بحدج جملا (3)
ومثال ذلك في ضمير الإناث: «خير النّساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده» كأنه قال: أحنى هذا الصنف، أو أحنى من ذكرت. -
(1) في النسخة (جـ): قليلا وكثيرا.
(2)
البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة بلغت مائة بيت لذي الرمة غيلان بن عقبة، يمدح فيها بلال بن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري، وكان واليا على البصرة، وقد استغرق الوصف والغزل نصفها (الديوان ص 436).
اللغة: السّالفة: صفحة العنق. القذال: خلف القفا.
وشاهده: قوله: وأحسنه؛ حيث جاء الضمير مفردا وهو عائد على مثنى، وهو كثير عند ابن مالك؛ لوقوع المثنى بعد أفعل التفضيل، وخرجه أبو حيان تخريجا آخر في الشرح.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 128)، والتذييل والتكميل (2/ 153)، ومعجم الشواهد (ص 369).
(3)
البيت من بحر الرمل قاله بعض شعراء جديس من مقطوعة طويلة؛ انظرها وانظر قصة هذه الأبيات في لسان العرب (مادة: عنز). والشطر الأخير يضرب مثلا: وأصله: أن امرأة من طسم يقال لها عنز أخذت سبيئة فحملوها في هودج (حدج) وألطفوها بالقول والفعل؛ فعند ذلك قالت: شر يوميها وأغواه لها.
ومعنى البيت: تقول: شر أيامي حين صرت أكرم للسباء.
يضرب مثلا في إظهار البر باللسان والفعل لمن يراد به الغوائل، ونصب شر يوميها بركبت على الظرف، أي ركبت بحدج جملا في شر يوميها (مجمع الأمثال: 2/ 152).
وشاهده قوله: شر يوميها وأغواه؛ حيث جاء الضمير مفردا في أغواه، وهو عائد على مثنى، وذلك لوقوعه بعد أفعل التفضيل.
والبيت في شرح التسهيل (1/ 129)، والتذييل والتكميل (2/ 153)، وليس في معجم الشواهد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما القليل: فأن يكون ذلك دون أفعل التفضيل؛ لكن المصنف إنما مثل للضمير العائد على اثنين؛ أما العائد على الإناث فلم يمثل له وكأنه لم يرد؛ والذي أنشده المصنف شاهدا قول الشاعر:
197 -
أخو الذّئب يعوي والغراب ومن يكن
…
شريكيه تطمع نفسه كلّ مطمع (1)
أي ومن يكن الذئب والغراب شريكيه؛ فأفرد الضمير موؤلا كأنه قال:
ومن يكن هذا النوع، أو ومن يكن من ذكرته.
قال الشيخ: ليس معنى المثنى الذي في البيت الأول على التثنية، وكذا الذي في البيت الثاني؛ بل هو من المثنى الذي يراد به الجمع، فمعنى أحسن الثقلين أحسن الخلائق؛ ومعنى شرّ يوميها شرّ أيامها؛ وإذا كان كذلك فلا يجوز: هو أحسن ولديك وأنبله.
إذ قد منع سيبويه (2) القياس على قولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله؛ فالقياس على ما ورد من ذلك مثنى ويراد به الجمع - أولى بالمنع؛ فكيف يقول المصنف: إن ذلك كثير؟ (3).
وأما البيت الثالث فذكر فيه تخريجا بعيدا، فقال: يحتمل أن يكون الضمير في يكن مفردا عائدا على من، ويكون شريكيه من المقلوب، والتقدير: ومن يكن شريكهما فلا يكون ذلك فيه دليل على دعوى المصنف (4).
(1) البيت من بحر الطويل ذكرت مراجعه أن قائلته غضوب، وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك تهجو سبيها - قال ابن الشجري في البيت:
جعل الذئب والغراب بمنزلة الواحد، فأعاد إليهما ضميرا مفردا؛ لأنهما كثيرا ما يصطحبان في الوقوع على الجيف؛ ولولا ذلك لقال: ومن يكونا شريكيه (الأمالي: 1/ 309).
والبيت في شرح التسهيل (1/ 129)، والتذييل والتكميل (2/ 154)، وهو في معجم الشواهد (ص 230).
(2)
انظر: الكتاب (1/ 80). قال: «قوله: هو أطرف الفتيان وأجمله لا يقاس عليه؛ ألا ترى أنّك لو قلت وأنت تريد الجماعة: هذا غلام القوم وصاحبه لم يحسن؟» .
(3)
التذييل والتكميل: (2/ 154) وفيه تصرف في بعض النقل.
(4)
انظر المرجع السابق. وفي الحديث السابق: خير النساء
…