الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحديث عن ضمائر الرفع المنفصلة]
قال ابن مالك: (فصل: من المضمر منفصل في الرّفع منه للمتكلّم أنا محذوف الألف في وصل عند غير تميم، وقد يقال: هنا وأن، ويتلوه في الخطاب تاء حرفيّة كالاسميّة لفظا وتصرّفا، ولفاعل نفعل نحن، وللغيبة هو وهي وهم وهنّ، ولميم الجمع في الانفصال ما لها في الاتّصال).
ــ
كما أنها هي الباقية في: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي (1)، وقد تقدم الكلام على ذلك» انتهى (2).
وذهب بعضهم إلى أن المحذوف في فليني نون الوقاية (3). ويشعر كلام المصنف بالخلاف؛ لأنه قال: «وهي الباقية في فليني لا الأولى وفاقا لسيبويه» .
قال الشيخ: «والّذي أختاره أنّ المحذوف نون الوقاية؛ لأن نون الإناث ضمير ونون الوقاية حرف» (4).
قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المضمر المتصل مستكنّه وبارزه، شرع في الكلام على المنفصل:
وهو قسمان: مرفوع الموضع ومنصوبه، وليس لهم منفصل مجرور، بل المجرور كله متصل.
أما المرفوع فأصوله خمسة ألفاظ، وهي: أنا، نحن، أن، هي، هو، وبقية الألفاظ فروع عنها كما سيبين.
أما أنا فذهب البصريون (5) إلى أن أصله الهمزة والنون، وأن الألف فيه زائدة يؤتى بها للوقف، كما يؤتى بهاء السكت؛ بدليل حذفها في الوصل، وبأن الهاء -
(1) سورة الزمر: 64. وقد سبق ذكر القراءات المختلفة في هذه الآية في هذا التحقيق.
(2)
شرح التسهيل (1/ 140)، وسبق في هذا التحقيق ذكر أدلة ترجيح أن الباقي بعد الحذف نون الوقاية.
(3)
في مغني اللبيب (2/ 620): «إذا دار الأمر بين كون المحذوف أوّلا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى» . وذكر مسألة نون الوقاية مع نون الإناث، وأنشد البيت السابق: تراه كالثغام
…
إلخ، ثم قال:
هذا هو الصّحيح. وفي البسيط أنّه مجمع عليه لأنّ نون الفاعل لا يليق بها الحذف.
(4)
التذييل والتكميل (2/ 192).
(5)
التذييل والتكميل (2/ 194)، الهمع (1/ 60).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعاقبها، كقول حاتم الطائي (1): هذا فزدي أنه (2).
وذهب الكوفيون إلى أن الألف أصل أيضا؛ بدليل إثباتها في قول حميد بن ثور:
219 -
أنا سيف العشيرة فاعرفوني
…
حميدا قد تذرّيت السّناما (3)
قال ابن عصفور: «وحمل البصريّون ذلك على أنّه ضرورة» (4).
قال المصنف (5): «الصحيح أن أنا بثبوت الألف وصلا ووقفا هو الأصل وهي لغة بني تميم، وبذلك قرأ نافع قبل همزة قطع كـ (أنا أحى)(6)، وإِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ (7). وقرأ بها أيضا ابن عامر (8) في قوله تعالى: -
(1) هو حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي وأمه من طيئ أيضا، ضربت العرب به المثل في الكرم، حيث كانت له قدور عظام كل يوم بفنائه، وكانت الناس تأتيه ويسألونه حمل الديات والعطايا فلا يخيب ظنهم، وكان حاتم شجاعا أيضا، فإذا قاتل غلب وإذا غنم نهب. كما كان شاعرا جيد الشعر، وشعره كله سلس رقيق، ومن أولاد حاتم عدي وسفيان. وقد قدما على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلما مع قومهما.
(الشعر والشعراء (1/ 247)، معجم الشعراء ص 202).
(2)
فزدي معناه فصدي؛ أبدلت الصاد زايا لسكونها ووقوع دال بعدها، والفصد شق العرق، وفصد الناقة شق عرقها ليستخرج منها الدم فيشربه، وأنه أصله أنا أبدلت الألف هاء للسكت.
ورواه السيوطي: هذا فروي أنه (الهمع: 1/ 60).
(3)
البيت من بحر الوافر، وهو في الفخر، وقد اختلف في قائله: فنسب إلى حميد بن ثور، وهو في ديوانه (ص 133) بيت مفرد، وكذلك نسب في لسان العرب (مادة: أنن) وفي أساس البلاغة (مادة ذري) ونسبه صاحب معجم الشواهد إلى حميد بن بجدل؛ شاعر إسلامي من بني كلب، وينتهي نسبه إلى قضاعة.
اللغة: تذرّيت السّناما: ارتفع شأني وعلا أمري.
والبيت يستشهد به الكوفيون على أن الألف في أنا أصل بدليل عدها من حروف الكلمة عروضيّا.
(4)
انظر نص ذلك في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 111)(الشغار ويعقوب). وقد ذكر بيت حميد بن ثور، ثم علق عليه بقوله:«إنّ ذلك ضرورة» .
(5)
شرح التسهيل (1/ 141).
(6)
سورة البقرة: 258، والقراءة في تقريب النشر (ص 97) وفي الحجة لابن خالويه (ص 99) يقول: قرئ بإثبات الألف وطرحها، والحجة
لمن أثبتها أنه أتى بالكلمة على أصلها؛ لأن الألف في أنا كالتاء في أنت؛ والحجة لمن طرحها أنه اجتزأ بفتحة النون، ونابت الهمزة عن إثبات الألف.
قال: وهذا في الإدراج، أما في الوقف فلا خلف في إثباتها.
(7)
سورة الكهف: 39.
(8)
هو عبد الله بن عامر بن يزيد أبو عمران اليحصبي الشامي، أحد القراء السبعة، ولي قضاء دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك. وقد ولد بالبلقاء عام (8 هـ) في قرية رحاب، وانتقل إلى دمشق بعد فتحها. وتوفي فيها سنة (118 هـ). قال الذهبي: مقرئ الشاميين صدوق في رواية الحديث.
انظر ترجمته في الأعلام (4/ 228)، وغاية النهاية (1/ 423، 425).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي (1) والأصل لكن أنا، ثم نقلت حركة الهمزة إلى النون وأدغمت النون في النون، ولمراعاة الأصل كان نون أنا مفتوحا في لغة من لفظ به دون ألف؛ إذ جعل الفتحة دليلا عليها، كما أن من حذف ألف أما في الاستفتاح، قال: أم والله؛ ولو كان وضع أنا في الأصل من همزة ونون فحسب لكانت النون ساكنة، لأنها آخر مبني بناء لازما وقبلها حركة، وما كان هكذا فحقه السكون؛ كمن وعن وأن ولن، ولو حرك على سبيل الشذوذ، لم يعبأ بحركته بحيث يلزم صونها في الوقف بزيادة ألف أو هاء سكت» انتهى (2). وهو كلام جيد [1/ 154].
ومن قال هنا فقد أبدل الهمزة هاء، وهو كثير وعكسه قليل.
ومن قال آن بالمد فإنه قلب أنا، كما قال بعض العرب في رأى ونأى: راء وناء.
قال المصنف (3): «ولا ينبغي أن يكون آن بالمدّ من الإشباع لأنّ الإشباع؛ لا يكون غالبا إلا في الضرورة. ومن قال أن بالسكون فقد أذهب الحركة» .
قال المصنف: «وفيه من الشّذوذ ما في قول من قال: لم فعلت؟ كما قال الشّاعر:
220 -
يا أسديّا لم أكلته لمه
…
لو خافك الله عليه حرّمه (4)
-
(1) سورة الكهف: 38. قال ابن جني في المحتسب في القراءات الشاذة (2/ 29).
«قرأ أبيّ بن كعب والحسن: لكن أنا هو الله ربي، وقرأ عيسى الثقفي: لكن هو الله ربي. ساكنة من غير ألف.
وقراءة السبعة إلا ابن عامر: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي بحذف ألف أنا نطقا، وأصله لكن أنا، ثم نقلت حركة الهمزة إلى النون وأدغمت النون في النّون. وقرأ ابن عامر بإثبات الألف».
قال العكبري: (التبيان: 2/ 848): «وإعرابه: أنا مبتدأ، وهو مبتدأ ثان، والله مبتدأ ثالث، وربّي الخبر، والياء عائدة على المبتدأ الأول، ولا يجوز أن تكون لكن المشددة العاملة نصبا؛ إذ لو كان كذلك لم يقع بعدها هو؛ لأنه ضمير مرفوع» .
(2)
شرح التسهيل (1/ 141).
(3)
المرجع السابق.
(4)
البيتان من بحر الرجز المشطور نسبا في اللسان (مادة روح: 3/ 1767) إلى سالم بن دارة الغطفاني وهما كالآتي:
يا نقسيّ لم أكلته لمه
…
لو خافك الله عليه حرّمه
فما أكلت لحمه ولا دمه
وأصل لم: لما، وهي ما الاستفهامية دخل عليها حرف الجر، فحذفت الألف ثم سكنت الميم للضرورة وهو الشاهد. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 535)، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 141).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجعل ابن عصفور هذه لغات في أنا (1).
ومقتضى كلام المصنف أن أنا هو الأصل وإنما يطرأ عليه تغييرات.
وأشار بقوله: ويتلوه في الخطاب تاء إلى أن التاء تتلو أن، وهي الكلمة التي ذكرها آخرا.
قال المصنف (2): «التزم في الخطاب حذف الألف والتّسكين؛ لأنّ الحاجة إلى تخفيف المركّب أشدّ من الحاجة إلى تخفيف المفرد، ونبّه على أنّ التّاء حرف» .
وما ذهب إليه المصنف من أن الاسم أن والتاء حرف يفيد الخطاب - هو مذهب البصريين (3)؛ فهو عندهم مركب من اسم وحرف، ولهذا إذا سمي به يحكى (4).
وذهب الفراء إلى أن أنت بكماله هو الاسم.
وذهب ابن كيسان إلى أن التاء هي الاسم، وهي التي كانت في فعلت وكثرت بأن (5).
واختار الشيخ هذا المذهب، قال: لأنه قد ثبت اسمية التاء في نحو فعلت، ولم يثبت في كلام العرب أن التاء للخطاب.
أما قوله: إن التاء لا تكون للخطاب، فقد قيل: إنها للخطاب في أرأيتك بمعنى أخبرني، وهو أحد الأقوال الثلاثة فيه (7). -
(1) انظر ذلك في شرح الجمل له (2/ 12).
(2)
شرح التسهيل (1/ 142).
(3)
التذييل والتكميل (2/ 196)، والهمع (1/ 60).
(4)
أي تقول: قام أنت ورأيت أنت ومررت بأنت.
(5)
انظر في رأي الفراء: التذييل والتكميل (2/ 196)، والهمع (1/ 60).
(6)
التذييل والتكميل (2/ 197). وما قاله بعضهم في إياك: هو أن إيا لفظ زيد على اللواحق فصيرها ضمائر منفصلات، ونسب أبو حيان هذا الرأي للفراء.
(7)
هو رأي سيبويه، ذهب إلى أن التاء فاعل، والكاف حرف خطاب، وعكس ذلك الفراء، قال: إنّ -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما ما أبداه من التدافع فممنوع؛ لأنّ أن موضوع للمتكلم دون زيادة، وموضوع للمخاطب بقيد زيادة التاء. وإذا دلت التاء على الخطاب خرج أن عن أن يكون للمتكلم.
ومما يخدش به مذهب ابن كيسان أنه لو كان المضمر هو التاء، وأن هو المكثر به لجاز أن تضم تاؤه فيراد به المتكلم؛ إجراء للتاء هنا مجراها في نحو فعلت لتساويهما في الاسمية عنده، بل كان يتعين عنده ليكون نظير ما نظّر به الشيخ من إياك على رأي من جعل إيّا مكثرا به، فإن المستعمل في المتكلم إنما هو إياي، أي بالمكثر به، وأردف بضمير المتكلم؛ فكذا كان الواجب أن يقال أنت في التكلم بضم التاء دون أنا.
وأما نحن فهو لفاعل نفعل، وهو للمتكلم المعظم أو المشارك.
وأما هو وهي فللغيبة كما ذكر. وذكر ابن عصفور خلافا فيهما: هل الواو والياء زائدان والاسم الهاء فقط، أو الحرفان بجملتهما الاسم [1/ 155]؟ وصحح القول الثاني، قال: وهو مذهب البصريين (1). فعلى هذا تعدّ هي أصلا كما يعد هو أصلا، وعلى القول الأول يكون هي فرعا.
ولما تقدم ما لميم الجمع مع الضمير المتصل من الإشباع والاختلاس والسكون -
- التاء حرف خطاب والكاف فاعل، وقال الكسائي: التاء فاعل والكاف مفعول. وحكموا على الأول بالصحة وردوا على الآخرين. (مغني اللبيب: 1/ 181).
(1)
انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 113). وانظر المسألة بتمامها في الإنصاف (2/ 677).
قال ابن الأنباري: «ذهب الكوفيّون إلى أنّ الاسم من هو وهي الهاء وحدها، وذهب البصريون إلى أنّ الهاء والواو من هو والهاء والياء من هي هما الاسم بمجموعهما
…
» إلخ.
(2)
انظر نص ما قاله في شرح الجمل له (2/ 13).
(3)
قالوا: والأصل هو ما وهومو وبعد أعمال حذفت الواو من كل منهما استخفافا ثم حذفت الواو الثانية من همو ولم تحذف الألف من هما.
(4)
على أن أصلهما ضمير الواحدة المؤنث هي.