الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم الفعل الماضي المسند إلى الضمائر]
قال ابن مالك: (ويسكّن آخر المسند إلى التّاء والنّون و «نا»، ويحذف ما قبله من معتلّ، وتنقل حركته إلى فاء الماضي الثّلاثيّ، وإن كانت فتحة أبدلت بمجانسة المحذوف ونقلت؛ وربّما نقل دون إسناد إلى أحد الثّلاثة في زال وكاد أختي كان وعسى، وحركة ما قبل الواو والياء مجانسة، فإن ماثلها أو كان ألفا حذف وولي ما قبله بحاله، وإن كان الضّمير واوا والآخر ياء أو بالعكس، حذف الآخر وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله).
ــ
يكون نون الإناث ساكنة، ولا يسكن آخر الفعل لها كما كانت تاء التأنيث؛ فتسكين آخر الفعل لها وتحريكها يدل على اسميتها؛ إذ لا يكون ذلك إلا لما ينزل منزلة الجزء من الفعل، فكما أن التاء في ضربت اسم بلا خلاف كذلك النون في فعلن ويفعلن.
قال المصنف: «وروي عن الأخفش (1): أن ياء المخاطبة حرف تدل على تأنيث الفعل، والفاعل مستكن كما هو مستكن في نحو: هند فعلت، وهذا القول مردود أيضا بما ردّ به قول المازني، وبشيء آخر وهو أن الأخفش جعل ياء افعلي كتاء فعلت، فيقال له: لو كانت الياء كالتاء لساوتها في الاجتماع مع ألف الاثنين.
فكان يقال افعليا كما يقال: فعلتا؛ لكنهم امتنعوا من ذلك، فعلم أن مانعهم كون ذلك مستلزما اجتماع مرفوعين بفعل واحد وذلك لا يجوز» (2).
قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على الضمائر البارزة المتصلة المرفوعة، قصد أن يبين ما يطرأ على الفعل المسند إليها حال الإسناد من تسكين آخر وحذف ما قبله أو حذف الآخر نفسه إذا كانا معتلين وتغيير حركة فاء
[1/ 139]. -
(1) انظر في رأي الأخفش: التذييل والتكميل (2/ 142)، الهمع (1/ 57)، شرح الكافية للرضي (2/ 8، 9).
(2)
شرح التسهيل (1/ 135).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أما التسكين فأشار إليه بقوله: ويسكّن وقد تقدم أن المسند إلى نا والتاء لا يكون إلا ماضيا، وأن المسند إلى النون يكون ماضيا ومضارعا وأمرا، وشمل كلام المصنف الجميع.
وإنما قال: آخر المسند، ولم يقل لام المسند؛ لأن المسكن كما يكون لاما كضربت قد يكون حرفا زائدا كسلقيت (1).
قال المصنف (2): «واختلف في سبب هذا السكون، فقال أكثرهم: سببه اجتناب توالي (3) أربع حركات في شيئين هما كشيء واحد؛ لأن الفاعل كجزء من الفعل، وهذا السبب إنما هو في الماضي ثم حمل المضارع عليه. وأما الأمر فاستصحب له ما كان يستحقه من سكون صحيح الآخر كان كاذهبن أو معتله كاخشين.
وهذا التعليل ضعيف من وجهين:
أحدهما: أن التسكين عام والعلة قاصرة عن أكثر الأفعال؛ لأن توالي الحركات إنما يوجد في الصحيح من فعل وفعل وفعل وانفعل وافتعل لا في غيرهما. ومعلوم أن غيرها أكثر؛ ومراعاة الأكثر أولى من مراعاة الأقل (4).
والثاني: أن توالي أربع حركات ليس مهملا في كلامهم؛ بل هو مستحب بالنسبة إلى بعض الأبنية، بدليل قولهم: علبط وأصله علابط وعرتن وأصله عرنتن، وجندل وأصله جنادل عند البصريين وجنديل عند الكوفيين (5).
وعلى كل تقدير فقد حذفوا مادة منه ومن علابط، ونونا من عرنتن، مع اقتضاء ذلك إلى أربع حركات متوالية؛ فلو كان تواليها منفورا عنه طبعا ومقصود الإهمال وضعا، لم يتعرضوا إليه دون ضرورة في الأمثلة المذكورة
وأشباهها، ولسدوا باب التأنيث بالتاء في نحو بركة، ومعدة، ولبؤة - فإنه موقع في توالي أربع -
(1) يقال: سلقيت فلانا طعنته؛ والثلاثي منه سلقته (المصباح: 1/ 254، سلق).
(2)
شرح التسهيل (1/ 124).
(3)
بالأصل: سببه توالي اجتناب، وما أثبتناه هو الصواب.
(4)
معناه أن الحركات الأربعة المستثقلة التي سكن آخر الفعل من أجلها مفقودة في الثلاثي المعتل عند إسناده كقال ورمى، وفي الرباعي مطلقا كأعطى، وفي الخماسي غير انفعل وافتعل كتصدق، وفي السداسي كله أيضا كاستغفر واطمأن.
(5)
التذييل والتكميل (1/ 422). والعلبط: هو الضخم، والعرتن: بضم التاء شجر يدبغ به، والجندل: موضع الحجارة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حركات في كلمة واحدة، لا سيما في كلمة تلازمها التاء كملازمتها هذه الثلاثة (1).
ومن العجب اعتذارهم عن تاء التأنيث بأنها في تقدير الانفصال، وأنها بمنزلة كلمة ثانية مع أنها جزء كلمة مفردة لا يستغنى بها فيحسن السكوت عليها. ولا يستغنى عنها فيقوم غيرها مقامها، بخلاف تاء فعلت؛ فإنها جزء كلام تام، وهي قابلة للاستغناء عنها بغيرها نحو: فعل زيد، وما فعل إلا أنا؛ فظهر بهذا ضعف القول بأن سبب سكون لام فعلت خوف توالي أربع حركات.
وإنما سببه تمييز الفاعل من المفعول في نحو: أكرمنا وأكرمنا (2) ثم سلك بالمتصل بالتاء والنون هذا السبيل لمساواتهما لنا في الرفع والاتصال وعدم الاعتلال» انتهى (3).
وأما حذف ما قبل الآخر إذا كان معتلّا فأشار إليه بقوله: ويحذف ما قبله من معتلّ؛ والمراد أنه إن كان ما قبل المسكن للسبب المذكور حرف علة ساكنا حذف لالتقاء الساكنين ثلاثيّا كان الفعل أو غير ثلاثي، ماضيا كان أو غير ماض (4). لكن يختص ماضي الثلاثي بأمر آخر غير الحذف المذكور، وهو تغيير حركة فائه.
وتفصيل القول [1/ 140] في ذلك: أن حركة العين منه إما مخالفة لحركة الفاء أو موافقة؛ إن كانت مخالفة لم يفعل أكثر من أن تنقل إلى الفاء بعد إذهاب حركتها ثم يحذف الحرف الذي نقلت حركته وهو العين للعلة المتقدمة. وذلك نحو: خفت وهبت أصلهما: خوف وهيب بكسر العين؛ لأن مضارعهما يخاف ويهاب، هذا مثال مخالفة حركة العين لحركة الفاء بكسر.
وأما مخالفتها بضم فمثله المصنف بقوله: جدت جعل أصله جود. ولا يظهر لي -
(1) معناه: لو كان التوالي منفورا عندهم ولا بد من التأنيث، لأتوا بعلامته الأخرى وهي الألف مقصورة كانت أو ممدودة.
(2)
الأول فعل ماض مسند إلى الفاعل، وإن ذكرت مفعولا له قلت: أكرمنا محمدا بسكون آخر الفعل.
والثاني ماض أيضا اتصل به نا التي تدل على المفعول، وإن ذكرت فاعله قلت: أكرمنا محمد بفتح آخر الفعل.
(3)
انظر: شرح التسهيل (1/ 125). وبعد هذا التعليل الطويل إليك قول أبي حيان: وهذه التعاليل تسويد للورق وتخرس على العرب في موضوعات كلامها، وكان الأولى أن يضرب صفحا عن هذا كله (التذييل والتكميل: 2/ 145).
(4)
يشير بهذا الحديث إلى الفعل الأجوف والتغيرات التي تكون فيه ثلاثيّا كقام وباع، وغير ثلاثي كانقاد واستقام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك؛ إذ يحتمل أن يكون أصله جود، فيكون من باب ما وافقت حركة العين فيه حركة الفاء؛ وإنما ضم للعلة التي ضم لها نحو قلت كما سيأتي (1).
وإن كانت الحركة موافقة أبدلت بحركة من جنس العين، فتبدل كسرة إن كانت العين ياء، وضمة إن كانت العين واوا، ثم يفعل من النقل إلى الفاء والحذف ما تقدم في المخالف، وذلك نحو: بعت وقلت أصلهما قبل الإسناد: بيع وقول بفتح العين فحولا إلى بيع وقول (2) بكسر العين ثم نقل الحركة إلى الفاء، فقيل: بعت وبعنا وبعن بالكسر، وقلت وقلنا وقلن بالضم؛ هذا قول أكثر النحويين، وإليه جنح المصنف (3).
وذهب بعض النحاة إلى خلافه؛ وهو ألا نقل ولا تحويل؛ وإنما غيرت حركة الفاء ابتداء لبيان ما أذكره، وهو إما بيان بنية الكلمة إن خالفت حركة العين حركة الفاء؛ فإنه إذا حصلت المخالفة راعوا بيان البنية ولم يراعوا المادة؛ فيقولون خفت بكسر الفاء، وإن كانت عين الكلمة المحذوفة واوا؛ ليبين أنه على فعل بالكسر.
وإما بيان مادتها فإنه إذا حصلت الموافقة راعوا بيان المادة، فيكسرون فيما عينه ياء، ويضمون فيما عينه واو، كبعت وقلت، وهذا أقل عملا من الأول.
وأما المضارع والأمر فيقتصر فيهما على الحذف، نحو خفن ولا يخفن، وصمن ولا يصمن، وقلن ولا يقلن. والنقل في هذه المضارعات ليس هو النقل الذي في ماضيها؛ ولهذا ينقل فيها دون إسناد إلى النون نحو يخاف ويصيح ويقول.
وأما النقل في الماضي فموجبه الإسناد إلى أحد الثلاثة: أعني التاء ونا والنون.
وأشار بقوله: وربّما نقل دون إسناد إلى أحد الثّلاثة يعني التاء والنون ونا - إلى قول بعض العرب: ما زيل زيد فاضلا وكيد زيد يفعل، قال أبو خراش الهذلي:
189 -
وكيدت ضباع القفّ يأكلن جثّتي
…
وكيد خراش يوم ذلك ييتم (4)
-
(1) العلة هي الدلالة على أن الفعل واوي العين.
(2)
بيع بكسر عين الفعل وقول بضمها لما تقدم من أنه إذا كانت حركة العين موافقة لحركة الفاء أبدلت حركة العين بحركة من جنس العين، فتبدل الياء كسرة كما في بيع، والواو ضمة كما في قول.
(3)
شرح التسهيل (1/ 126).
(4)
البيت من بحر الطويل؛ قاله أبو خراش الهذلي من قصيدة يذكر فيها أنه وقع في مهلكة كاد يموت فيها، فتأكل الضباع لحمه، ويصير ابنه بلا أب. انظر ديوان الهذليين. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال سيبويه (1): «وحدّثنا أبو الخطاب أنّ ناسا من العرب يقولون: كيد زيد يفعل» كذا قال الأستاذ أبو علي؛ جسرهم على ذلك أنهم أمنوا اللبس؛ حيث كان هذا الفعل لا مفعول له، وهو مع هذا شاذ (2).
واحترز بقوله: أختي كاد وعسى من زال [1/ 141] بمعنى ماز، وبمعنى ذهب أو تحول؛ ومن كاد بمعنى احتال، وبمعنى أراد، وبمعنى مكر؛ ويجمعها أن يقال:
التي مضارعها يكيد؛ فإن مضارع تلك يكاد.
وأما حذف الآخر نفسه فأشار إليه بقوله: وحركة ما قبل الياء والواو مجانسة إلى آخره؛ ومراده بالمجانسة أن تكون الحركة قبل الواو ضمة، وقبل الياء كسرة نحو: يفعلون وتفعلين؛ فإن ماثلها أي فإن ماثل الآخر الواو أو الياء بأن كان آخر المسند إلى الواو واوا، وآخر المسند إلى الياء ياء، أو كان ألفا مطلقا - حذفت الواو والياء والألف، واتصل بالمسند إليه واوا كان أو ياء ما كان متصلا بالمحذوف دون تبديل حركته، نحو: أنتم تدعون، وأنت ترمين، وأنتم تخشون وأنت تخشين، وإن لم يماثل الآخر الواو والياء بأن كان المسند إليه واو الضمير، وآخر الفعل المسند ياء؛ أو كان المسند إليه ياء الضمير، وآخر الفعل المسند واوا - حذف آخر الفعل وضم ما قبل المحذوف إن كان المسند إليه واوا، نحو: أنتم ترمون، وكسر ما قبله إن كان المسند إليه ياء، نحو أنت تعفين. -
- اللغة: كيد: بمعنى كاد، وهو موضع الشاهد. ضباع: جمع ضبع. القفّ: ما ارتفع من الأرض.
خراش: ابن الشاعر. ييتم: أي يصير بلا أب. والبيت في معجم الشواهد (ص 339)، وشرح التسهيل (1/ 126) والتذييل والتكميل (1/ 146).
ترجمة الشاعر: هو أبو خراش الهذلي، خويلد بن مرة، يمتد نسبه حتى يصل إلى تميم بن سعد بن هذيل. كان له أخوان واحد يدعى عروة والآخر
يدعى أبا جندب؛ أما الأول فقد مات ورثاه أبو خراش، والثاني هو أحد شعراء هذيل المعدودين، مات أبو خراش في زمن عمر بن الخطاب؛ وقيل في سبب موته: إن حية نهشته فمات (ترجمته في الشعر والشعراء: 1/ 667).
(1)
الكتاب: (4/ 342) وجاء فيه: «وحدّثنا أبو الخطّاب أنّ ناسا من العرب يقولون: كيد زيد يفعل، وما زيل زيد يفعل؛ ذاك يريدون زال وكاد؛ لأنهم كسروها في فعل كما كسروها في فعلت؛ حيث أسكنوا العين وحوّلوا الحركة على ما قبلها، ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل، كما قالوا: خاف وقال وباع وهاب» .
(2)
التذييل والتكميل (1/ 146).