الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا العمل الذي بين يديك هو - في الأصل - بحث علمي تقدمتُ به إلى
كلية اللغة العربية جامعة الأزهر، للحصول على درجة الدكتوراة (العالمية)
فى البلاغة: النقد.: في صبيحة يوم الاثنين 25 من شهر إبريل عام 1974
نوقش البحث في مدرج " العقاد " من العاشرة صباحاً حتى الواحدة ظهراً.
وكانت الهيئة العلمية المنوط بها أمر المناقشة: التقويم مكونة من ثلاثة أساتذة
مخضرمين، ولهم قدم راسخة في قادة التخصص - البلاغة والأدب والنقد -
وهم رحمهم الله:
الأستاذ الدكتور كامل إمام الخولي عميد كلية اللغة العربية -: وقتذاك -
ورئيس قسم البلاغة والنقد بها.
: الأستانج الدكتور حامد حفني داود أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد في كلية الألسن بجامعة عين شمس - حينذاك.
ثم الأستاذ الدكتور يوسف البيومى البسيونى أستاذ البلاغة والنقد فى كلية
اللغة العربية - إذ ذاك.
وبعد المناقشة قررت الهيئة العلمية بالإجماع منع البحث: تقدير، (ممتاز مع
مرتبة الشرف الأولى) .
وفي أثناء التقدم بالبحث كنت أعمل محرراً مراجعاً بقسم المراجعة والتصحييح بجريدة الأهرام. وفي اليوم التالى للمناقشة نشرت " الأهرام " خبراً مبروزاً فى
صفحتها الأخيرة أو الأولى الثانية في العُرف الصحفي. ووضعت للخبر عنوانا
لافتاً للأنظار: " ثاني دكتوراه خلال شهر لعضو بقسم المراجعة والتصحيح "
وكان زميلى الأستاذ الدكتور عبد العزيز رضوان الذي يعمل بنفس القسم قد
حصل على الدكتوراة قبلى بثلاثة أسابيع. وقد تضمن الخبر عنوان البحث:
" خصائص التعبير في القرآن الكريم وسماته البلاغية " ثم التقدير الممنوح عليه، وما كادت الصحيفة - الأهرام - تلامس أيدى القراء صباحاً حتى انهالت عليَّ العديد من المكالات التليفونية يطلب أصحابها أن أدلهم على كيفية الحصول على نسخ من البحث، ولم يكن لذلك من سبيل؟ لأن النسخ المطبوعة كانت محدودة للغاية، حيث جرت العادة - في ذلك الوقت - على طبع نسخ محدودة جداً بحيث لا تتعدى أعضاء لجنة البحث وبعض الإخوة الحاضرين لمشاهدة المناقشة.
ومن الذين هاتفونى مستشارون بمجلس الدولة
أذكر منهم الآن "المستشار محمدعطية".
كما تلقيت رسائل بريدية لنفس الغرض: قد عزَّ علينا كثيراً أنى كنت عاجزاً
عن تلبية هذه المطالب النبيلة التي ما كان وراءها من سبب سوى حب المسلمين لكتاب ربهم العزيز، والدراسات الجادة المتعلقة به.
وبعض دور النشر أبدت إستعدإدها لطبعه انذاك، ولكن الشروط التى
حددتها لم تكن موضع ارتياح. ومن ذلك أن شركة " أرامكو " الخليجية طلبت - عن طريق أحد الوسطاء - شراء حق التأليف وطبع البحث لحسابها. ورغم أن العرض كان مغرياً فإن بعض المخلصين من معارفي نصحوني بعدم الموافقة؛ لأن بيع حق التأليف سيقطع صلتى بالبحث تماماً، ولن أستطيع طبعه أو التصرف فيه مستقبلاً.
ومن ذلك الوقت - صيف 1974 - ظل البحث حبيس " مكتبتى "
إلا نسخاً نادرة جداً كانت باقية من لجنة المناقشة وكنت قد أهديتها لبعض الأصدقاء.
والآن. . قد قيَّض الله لطبعه ونشره " مكتبة وهبة " التي نذرت نفسها لخدمة
الدعوة الإسلامية أكثر من نصف قرن، وتخصصت في نشر الأعمال الجادة
الهادفة، وتبنت الكلمة الصادقة والهادئة والرزينة.
شكر الله لأصحابها " الأستاذ " وهبة حسن وهبة "
الذى بذل من جهده وماله لإخراج هذا العمل من
الظلام إلى النور، فجزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء.
* * *
وفى هذه المقدمة يحسن بنا أن نشير إلى عدة حقائق تتعلق بهذا العمل الذى
لم نرد به إلا وجه الله الكريم والإسهام في خدمة كتابه المعجز أبد الدهر:
أولاً: إن هذا النص المنشور - هنا - هو نفس النص الذي تمت مناقشته منذ
ثمانية عشر عاماً، بلا حذف ولا إضافة؛ لأن هيئة المناقشة لم تبد عليه
ملاحظات جوهرية تقتضى حذفاً أو إضافة.
وذلك من فضل ربى ذى الجلال والإكرام.
ثانياً: لم نشر في هذه المقدمة إلى منهج البحث وثماره التي أسفر عنها
وأقرها أساتذتنا المناقشون رحمهم الله، لأننا أوجزنا الحديث عن ذلك فى
المقدمة التالية التي كانت قد أعِدت لتلاوتها على جمهور مشاهدى المناقشة.
ثالثاً: الاسم العلمي لهذا البحث المسجَّل في الوثائق الرسمية هو: " خصائص
التعبير في القرآن الكريم وسماته البلاغية " وعند صدور هذه الطبعة " الأولى "
اقترح علينا الناشر الأستاذ " وهبة حسن وهبة " أن يكون العنوان هكذا:
" خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية "
فبادرنا إلى الموافقة. وليس بين العنوانين فرق قط من حيث المعنى سوى فرق
لفظي طفيف صار به " الثاني " أوجز من " الأول " مع وحدة المعنى.
رابعاً: إن عنوان هذا البحث وإن لم يشر أية إشارة إلى قضية الإعجاز فإنه
- أعنى البحث - تطبيق عملى موضوعى للكشف عن سر الإعجاز في القرآن الكريم على المذهب المختار من مذاهب جهات الإعجاز في القرآن الكريم.
فقد تباينت وجهات النظر قديماً وحديثاً حول: بِمَ كان القرآن مُعْجِزاً؟
صال العلماء وجالوا قديماً حول معرفة وجوه الإعجاز.
وحديثاً أضاف الباحثون مذاهب عدة إلى مذاهب العلماء، ومن أبرز ما قاله
المحدَثون أن في القرآن - بالإضافة إلى وجوه الإعجاز عند القدماء - إعجازاً
آخر في مجال الكشوف العلمية، وفي مجال التشريع، وفي مجال العلوم
الإنسانية كالفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس. . إلخ.
ومع تسليمنا بصدق ما يقوله المحدَثون فإن أمامنا حقيقة يجب أن نبرزها بكل
وضوح. . وهي:
إن القرآن صالح لأنواع عدة من الإعجاز كالإعجاز العلمي الكونى،
والإعجاز التشريعي. ولكن الإعجاز الذي وقع به التحدى في عصر الرسالة، لم يكن إعجازاً علمياً وتشريعياً، أو تاريخياً أو غيبياً، بل كان محصوراً فى
جهة واحدة هي الإعجاز البياني البلاغى التمثل في أسلوب القرآن ونظمه
وتراكيبه اللغوية. فالعرب الذين تحداهم الله تعالى بأن يأتوا بمثل كتابه - سورة أو سورتين أو عشر - لم يكونوا مشرِّعين ولا أطباء ولا كيماويين، ولا مؤرخين، بل كانوا مضرب المثل في الفصاحة والبلاغة وإحكام البيان، لذلك تحداهم الله من جهة هم فيها ضالعون. وهذا أظهر للعجز، وأمكن لقيام الحُجة عليهم حيث زعموا أن القرآن كلام بَشر.
فما الذي يمنعهم وهم بَشر من أن يأتوا بمثله؟
مع شدة حاجتهم للإتيان بمثله؟
هذا هو الإعجاز الذي وقع به التحدى وترتب عليه العجز من جهتهم وصدق الرسالة من جهة صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم.
وإذا تقرر هذا فإن موضوع هذا البحث يدور حول تجلية كثير من خصائص النظم القرآني، وسمات بلاغته المعجزة التي أعجزت الجن والإنس.
وقد سلكنا في ذلك مسلكاً حمدنا الله تعالى عليه.
وسيلم القارئ عند مطالعته للمقدمة التالية بأصول المنهج، وسيقف على كثير من التفاصيل والشروح عند مطالعته أبواب وفصول هذا الكتاب، وإنى لعلى الرحب والسعة أن أتلقى ملاحظات أهل العلم، وأعدهم بأنى سأعمل بها إن قُدِّرَ لهذا الكتاب أن يُطبع مرة ثانية وأنا على قيد الحياة.
والحمد للهِ في الأولى والآخرة.
البلد الطيب الأمين: مكة المكرمة. حى العزيزية. .
عصر السبت 12 من شهر ربيع الثاني 1412 هـ الموافق (19 من أكتوبر 1991 م) .
عبد العظيم بن إبراهيم المطعني
* * *