الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يدلنا بوضوح على أهمية القيمة التاريخية للنصوص الواردة في القرآن
الكريم لما يختص به من تصحيح الوقائع التاريخية التي تعرضت للخطأ
والتحريف في المصادر الأخرى.
ولقد أشار القرآن - نفسه - إلى هذه القيمة التي قوامها الصدق والأمانة
فيما قَصَّ وأخبر فقال: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) .
كما أشار إلى وجه الإعجاز في تلك الأخبار الغيبية حيث قال: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) .
وقال: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) .
وقال: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) .
* * *
*
حكمة أُميًة النبي صلى الله عليه وسلم وقومه:
ولكى يقطع القرآن كل شُبهة يمكن أن يتذرع بها المبطلون في استقاء هذه
الأنباء من مصادر سابقة. سجَّل أمية النبي عليه السلام فقال: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) .
فليس النبي عليه السلام كاتباً، ولا قارئاً، وإذا ثبت له ذلك استحال فى
حقه أن يكون قد استلهم تلك الأخبار والمعارف من سجلات الغابرين لو وُجِدَت، وثبت أن مرشده الوحيد هو القرآن الكريم.
ولم يكتف القرآن بإثبات أمية النبي عليه السلام بل أتبع ذلك " تسجيل "
أمية قومه - وهم الوسط المحيط به، المخالِط له - حتى لا يقال: إنه استقى
معلوماته منهم مشافهة ثم راح يصوغها بعبقريته الخاصة، وأسلوبه الفريد.
قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) .
وعلى هذا الأساس يمكن فهم حكمة الله التي أرادت للنبى عليه السلام أن
يكون أمياً من قوم أميين.
* * *
والخلاصة: إن القرآن تناول من الأحداث التاريخية نوعين: نوع له مصدر
تاريخى سواه لكنه فيه على أصح الوجوه. وأدق الأحوال. وربما صحح ما جاء فيه خطأ واقعاً فيما سواه وهذه خاصة أولى له.
ونوع ليس له مصدر تاريخى سواه، وليس لدى البَشر من سبيل إلى الوصول
إليه لبُعد وقوعه وانطماس آثاره. فهم عنه عاجزون. وهذه خاصة ثانية.
* * *
ثانياً - الإعجاز من حيث الكشوف العلمية:
يرى فريق من الباحثين المحدَثين أن إعجاز القرآن راجع إلى الإشارات العلمية
التي فيه.
فقد ورد في مواضع مختلفة حديث القرآن عن المعارف الكونية.
والعلوم الطبيعية والإنسانية كالطب وعلم النفس.
وقد جاء القرآن بهذه الإشارات منذ عهد طويل تلاحقت بعده الكشوف العلمية على نحو لم يختلف عما أشار إليه
القرآن الكريم منذ قرون طويلة.
فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) .
وقد رجع بعض المفسرين بالنظرية السديمية إلى هذه الآية: لأنها أبانت أن
السماء قبل تكوينها كانت دخاناً.
" والنظرية السديمية فكرة قال بها " سويدنبرج " ثم فصلها
" لابلاس " وخلاصتها أن المنظومة الشمسية نشأت من السديم،
أى من مادة غازية ملتهبة، وتجمدت وأفلتت من جُرمها الكبير أجزاء كثيرة
تفرقت فدارت حول نفسها وحول الجُرم الكبير بفعل الجاذبية والحركة المركزية.
وأن نشأة النجوم في السماء مماثلة لهذه النشأة وإن لم تكن من قبيل المنظمات
التي تشبه منظومتنا الشمسية ".
والمتأمل في النظرية لا ينكر أخذها من الآية على إجمالها فيها. وذلك لأن
نهج القرآن الإشارة الموجزة الدالة إلى مثل هذه الحقائق العلمية دون الخوض فى التفاصيل.
على أن تفسير النظرية السديمية لا تُفهم من الآية على سبيل الإلزام بحيث
تحجر على الفهم المتجدد لكتاب الله.
وأيًّا كان الأمر فإن القرآن؟ بما اشتمل عليه من إشارات علمية صالح لمثل هذا الفهم، على ألا يؤخذ مأخذ اليقين لأن العلم دائماً في تطور، وفهم النص القرآني على أنه دليل قاطع على مسألة علمية من طبيعتها التطور والتغير، تحميل للقرآن بما ليس من طبيعته. فلا تؤخذ هذه البحوث وما شابهها مأخذ الجزم واليقين. وصلة هذه الإشارة العلمية بالإعجاز القرآني ظاهرة. ولكنها ليست الإعجاز الذي تحدى الله به العرب.
ثالثاً - الإعجاز التشريعي:
ويرى فريق آخر أن القرآن مُعجِز بما فيه من أحكام تشريعية خالدة. لم تحتج
على تطاول الدهور إلى تعديل في أُصولها العامة، وأنها تستهدف خير
الإنسانية، والحفاظ على الحقوق والواجبات، والقاعدة التي يبنى عليها الحكم قائمة على أساس المصلحة فالنافع مباح، والضار ممنوع. .
يقول عبد الرزاق نوفل:
" فقد أثبت التقدم الفكرى في العلوم في العصر الحديث أن القرآن كتاب علم
قد جمع أصول كل العلوم والحكمة. وكل مستحدَث من العلوم، نجد أن القرآن قد وجه إليه أو أشار إليه ".
ويقول العقاد: " وقد استوعب الإسلام مذاهب الاقتصاد - كما استوعب
مذاهب الاجتماع - في عصر المصارف والشركات وقروضها وفوائدها، دون أن يعوق مصلحة من مصالحها البريئة في العُرف المشروع، وتمضى هذه المذاهب كما مضى غيرها فلا يؤوده بعدها أن يستوعب مذاهب الثروة في أيدى الآحاد، لا يمنع منها إلا ما يمنعه أولاً وآخراً من ضرر وضِرار ".
يستشهد " نوفل " على الإعجاز العلمي التشريعي بآية الحيض التى
نصها: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) .
وتحدث " نوفل " عن عِلَّة تحريم النساء زمن الحيض.
ونلخص ملاحظاته منقولة من كتاب " القرآن والعلم الحديث " فيما يأتى:
(أ) أن إفرازات الدم وقت الحيض تتكون من مواد سمية قاتلة، رحم الله
الحائض بإخراجها منها. ولو بقيت في رحمها لقتلتها عن طريق التسمم.
(ب) أن الأنثى في وقت الحيض تكون أعضاؤها التناسلية في حالة احتقان
وأعصابها في حالة اضطراب، وتصاب في نفس الوقت بأعراض أمراض
كالصداع وآلام الظهر وهبوط في الجسم. والاختلاط الجنسى في هذه الحالة
يضر بها ضرراً كبيراً، فقد يمنع من نزول الحيض، وفي ذلك خطر عليها، وقد تُصاب باضطراب عصبى يصعب علاجه، أو التهابات في الأعضاء التناسلية لا يتيسر الشفاء منها.
(ب) وقد يُصاب الرجل بالأمراض القاتلة، إذا غشى المرأة وقت الحيض
إذا كانت به أعراض مرض غير ملحوظ. كالتهاب الخدوش أو الجروح وهنا
تحدث الكارثة.
(د) أن القرآن قد أوجب الاغتسال على الرجل والمرأة من الحيض والجنابة
للتخلص من الإفرازات الضارة العالقة بالجسم وهي مواد سمية لأن بقاءها مضر.
ثم يقول نوفل: " وهكذا قرر الطب وأفصح عما تهدف إليه آية لا تزيد على
أربعة ألفاظ قصار جمعت أصول الطب الوقائى والعلاجى ".
ونقول: إن في الآية إعجازاً من جهتين: علمية، وتشريعية في وقت واحد
معاً وذلك ظاهر وقد استشهد الباقلاني ومالك بن نبى على الإعجاز التشريعي
بآية المحرمات: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ. . .) .
* * *