الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
إجمال:
هذا تصريف القرآن في القول بحسب المقام. ولكل مقام مقال، فترى كل
لفظة وقعت موقعها. بحسب السياق.
وبحسب ما يناسب كل حالة من حالات المخاطبين.
فما من موضع مما ذكرنا نلمس فيه مداهنة أو ليونة. أو تقصيراً
فى أي جانب من جوانب القول. قوة وفخامة في الألفاظ. ورهبة وعنفاً فى
المعاني. لذلك كان الكافرون يرهبون سماعه ويصدون عنه صدوداً.
ويفرون منه كما تفر الحُمُر من رميات السهام. ألم يحك عنهم القرآن قولهم: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) .
أوَ لم يضع الوليد بن المغيرة يده على فم الرسول صلى الله عليه وسلم ليكف عن القراءة رهبة منه حين سمعه يتلو قوله تعالى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) .
وهو يقول: بحسبك يابن أخى.
هذا لما كانوا يرونه فيه من آيات النذر المؤثر، والوعيد المخيف.
ولو تأملنا ما نزل من القرآن بمكة، موطن الصدود والتحدى لوجدناه حافلاً بهذا اللون من التعبير.
خاصة في قصار سوره ومتوسطها.
* *
*
الترغيب:
فإذا خرج القرآن عن مقامات التهديد والوعيد، والتحدى والهجاء.
إلى الترغيب والتوجيه أو العتاب والتنبيه.
فإن له مسلكاً غير هذا المسلك. وسبيلاً غير تلك السبيل.
فانظر إليه في مقام الترغيب كيف يقول:
(وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) . َ
فى الآية الكريمة ترغيب في الإنفاق والبذل لمستحقيه.
وقد جاءت الألفاظ سلسة عذبة. فيها إثارة لعمل الخير، وترغيب بعد ترغيب، ففى مطلع الآية يأتى التعبير:(أُولُو الْفَضْلِ) .
وهو أنسب مطلع بالنسبة لموضوع الحديث.
ثم عطف عليه (السَّعَةِ) لأنه - مع ما عُطفَ عليه - تذكير بنعمة الله على
المخاطبين. والفضل والسَعة نعمتان تستوجبانَ شكر مَن أولاهما.
ومن مظاهر شكرهما الإنفاق الذي يدور عليه محور الآية الكريمة.
وجاء التعبير ب (أُولِي الْقُرْبَى) - (وَالْمَسَاكِينَ) - (وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) . وهي أوصاف تثير في النفس شعوَر العطف والحنان.
ثم يأتى قولَه تعالىَ: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) . . حاثاً النفوس حتى لايعوقها عن
الإنفاق عائق.
ويأتى قوله تعالى: (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) حاثاً المؤمنين على
المغفرة. . وكانت (أَلَا) مهيئةَ الشعور لهذاَ الترغيب والعرض الجميل.
ومَن الذي يغفر؟ الله: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
إن السامع لهذه الكلمات يشعر بالأمن يملأ جوانب نفسه.
وبالمغفرة تمحو كل خطاياه فينطلق منفقاً في السر والعلانية.
ومثله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) .
والآيتان دعوة إلى التمسك بالدين وآدابه.
وقد خدمت الألفاظ الفكرة المرجوة من النص خدمة جليلة:
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) - (نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) -
(فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) - (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) - (أَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)
- (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) - (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) - (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) - (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) .
كلمات مفصلات لمواقف تتطلبها. . ومعان تشع منها.
ومثله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) .
وهذا النص كسابقه يتسلل إلى خفايا النفوس بندائه الذين آمنوا في المطلع.
والعرض اللطيف في: (هَلْ أَدُلُّكُمْ) ، وتمثيل الأعمال الصالحة بالتجارة التى
تنجى من عذاب أليم، ويذكر الإيمان بالله والجهاد في سبيله بالمال والنفس.
والحكم على هذه الأعمال بأنها خير للمخاطبين يدركون خيرها لو حصلت لهم أسباب العلم النافع.
ثم انظر إلى الجزاء الذي أشارت إليه الآية الأولى: (تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، وفصلته الآيتان الأخيرتان:(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) .