الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل، فالقرآن - نفسه - شاهد صدق.
وآياته تفيض بالبيان الرفيع في كل حين بإذن ربها.
فقد بهر العرب وتحداهم فحاولوا.
وحاولوا فعجزوا واعترفوا بأنه ليس من عمل بَشر.
فقد سمع الوليد بن المغيرة - أحد خصوم الرسول الألداء - الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ صدر سورة " فصلت " فأعجب بها أيما إعجاب.
ثم قال: " والله لقد سمعتُ من محمد كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن. وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق ".
وكان من أبرز الملاحظات التي أثارها القرآن تشبيهه طلع " شجرة الزقوم "
برءوس الشياطين، وهي ليست معروفة عندهم.
وكانت هذه الملاحظة سبباً فى وضع أبى عبيدة كتابه " مجاز القرآن ".
وأسهمت أحاديث الرسول عليه السلام في تطور الملاحظات البلاغية لأنه -
عليه السلام كان بليغاً فصيحاً - هو كما يقول الجاحظ: " لم ينطق إلا عن
ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حُفَّ بالعصمة، وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشَّاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة.
وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام. مع استغنائه عن إعادته.
وقلة حاجة السامع إلى معاودته ".
وكانت خطب الصحابة، مثل أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم، والأمثال والحكم المأثورة عنهم وعن غيرهم نماذج رائعة للأسلوب البليغ فحفظها الناس وروتها الأجيال.
* * *
*
العصر الأموي:
وجاء العصر الأموى وهو عصر كان طابعه العام الفتن السياسية التي مزقت
أوصال الأمة وفرقتها شيعاً وأحزاباً. . شيعة وزبيريين، وأمويين وخوارج،
وأعادت العصبية العربية إلى الوجود مرة أخرى، وكانت ملاحظات هذا العصر
ترجع إلى الذوق العربي والاحتكام إلى اللغة كالنحو والصرف واستقرت
الاتجاهات النقدية في هذه الفترة في نواح ثلاث:
الأولى: نقد الذوأقين من الأدباء والخلفاء والرواة.
والثانية: الموازنة الدقيقة بين نصين اتحدا في الموضوع أو بين شاعرين
يجمعهما مذهب شِعرى واحد.
والثالثة: النقد العلمي المحتكم فيه إلى اللغة والنحو، ونذكر لكل مثالاً
فيما يأتى:
فمن نقد الذواقين قال أبو النجم يصف فرساً:
* يسبْحُ أُخراهُ وَيطفُو أولُه*
فنقده الأصمعى بقوله: إذا كان - الفرس - كذلك فحمار الكساح أسرع
منه، لأن اضطراب مؤخره قبيح، وإنما الوجه ما قال أعرابى في وصف فرس
أبى الأعور السلمى:
مر كَلمْح البَرْقِ شامَ نَاظِرُهْ. . . يَسْبَحُ أولَاهُ وَيْطفُو آخِرُهْ
فَمَا يَمَسُّ الأرضَ مِنْهُ حَافِرُهْ
وقد طابق الأصمعى - هنا - بين المضمون والشكل - أو بين المعنى والصورة
- فوجد اضطراباً في المعنى نجم عن تعبير الشاعر عنه بقوله: " يسبح أُخراه.
فنقده نقداً جمع فيه بين ذوق اهتدى بالفكر إلى فساد ما ذهب إليه الشاعر.
ومن نقد الموازنات أنشد بشار بن برد قول كثير عزة:
ألَا إنمَا ليْلى عصى خَيْزَرَانَةٍ. . . إذَا غَمزُوها بِالاكُفِّ تَلينُ
فقال: لله أبو صخر، جعلها خيزرانة، فوالله لو جعلها عصا زبد لهجنها،
ألا قال كما قلت:
إذَا قَامتْ لحاجتِها تثنَتْ. . . كأنَ عِظامَهَا مِنْ خَيْزَرَانِ
أقول: وقد فات بشاراً في نقده للبيت المذكور ملحظ آخر. . هو أن كثيراً
جعل " ليلى " في قوله هذا مشاعاً بين الغامزين. . وكان الأحرى أن يثبت لها
الصون والعفاف. .
ومن النقد العلمي المحتكم إلى اللغة قول الحضرمى ينقد الفرزدق في قوله:
وعَفى زَمانٍ يا ابْنَ مَرْوَانَ لمْ يَدَعْ. . . مِنَ الناسِ إلا مُسْحِتاً أو مُجلَّفُ
فقد نقده أبو عبد الله الحضرمى النحوى بأنه عطف المرفوع: " مجلف " على
المنصوب: " مسحتاً ". والاحتكام في هذا النقد راجع إلى النحو.
وقال الفرزدق أيضاً:
وإذَا الرجالُ رَاوا يَزِيدَ رَأيْتَهُم. . . خُضْعَ الرقابِ نَواكِسَ الأبصارِ
فنقده أبو العباس محمد بن يزيد النحوى بأنه جمع " ناكس " على " نواكس "
وفواعل خاص بالمؤنث. . ولم يجمع الذكر على فواعل إلا في موضعين
" فوارس " و " هوالك " والمحتكَم إليه في هذا النقد هو الصرف.
" والحق أن الملاحظات البيانية كثرت. في هذا العصر، وهي كثرة عملت فيها بواعث كثيرة، فقد تمصر العرب واستقروا في الأمصار وازدهرت حياتهم العقلية وأخذوا يتجادلون في جميع شئونهم السياسية والعقدية. . ونما العقل العربي نمواً واسعا، فكان طبعيا أن ينمو النظر في بلاغة الكلام، وأن تكثر الملاحظات
التصلة بحسن البيان لا في مجال الخطابة والخطباء فقط. بل في مجال الشعر
والشعر اء.